الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن هذه الدعوة النبيلة لم تلق مناصرة ولا عونا من المسلمين لأسباب عدة، في مقدمتها:
1-
الاستعمار البغيض الذي حط ثقله وبث سمومه في المجتمعات الإسلامية.
2-
نظرة العرب والمسلمين إلى الغرب نظرة إكبار وإجلال بسبب ما أحرز من تقدم صناعي وعلمي.
3-
كثرة الثورات والانقلابات الداخلية التي أضعفت كيان الأمة الإسلامية وعاقت دون نهضتها ودون تجمع صفها ووحدة كلمتها.
وقد اختفت دعوة الجامعة الإسلامية حينما دهبت الخلافة الإسلامية أو قل حينما قضى عليها، وتوزعت البلاد الإسلامية إلى وحدات مستقلة، ونشأت أوطان وحدود وملوك وطوائف وشعوب.. ولكن تلك الأوضاع السيئة التي هزت كيان المسلمين هزا عنيفا لم تستطع أن تقضي قضاء مبرما على الدعوة إلى التضامن الإسلامي في كل ظرف يظهر فيه مخلصون ومصلحون ودعاة.
أول مجتمع قام على أساس التضامن:
لقد كان أو مجتمع يرتفع بنيانه على أسس متينة من التضامن الإسلامي مجتمع المدينة المنورة، حينما هاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفئة المؤمنة التي تركت دياراها وأموالها إرضاء لله ولرسوله، وفي المدينة آنذاك ثلاث طوائف لا تعرف الوئام ولا الانسجام، وهي الأوس والخزرج واليهود. وكان أول ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بذر بذور الحب في قلوب الجماعة المؤمنة نحو الله تعالى، ونحو المؤمنين بعضهم بعضا، وإذا ما خالط الحب شغاف القلوب فإنه يطبعها على الرقة والليونة والإخلاص لله تبارك وتعالى، وعند ذلك يتنازل المؤمن عن كيثر من مصالحه الشخصية وأغراضه القريبة في سبيل الغاية المثلى والدعوة العظيمة، وعندها تتحول الأثرة والأنانية وحب الذات إلى الإيثار والبذل والتضحية من أجل الآخرين، ويمحي الحقد والحسد والضغينة، وينمو التسامح والتواد والتراحم والتعاطف.
وعلى هذا الحب أقام صلى الله عليه وسلم دعائم الأخوة الإسلامية، فآخى بين الأوس
والخزرج، وبين الأنصار والمهاجرين، حتى أصبح مجتمع المدينة المنورة متحد الأهداف والمشاعر، يتحرك نحو اتجاه واحد، ويحقق أعمالا متكاملة منسجمة، وإلى هذه الروح الطيبة والمشاعر النبيلة أشار القرآن الكريم بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 1.
وبعد ذلك سمح رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين أن يهادنوا اليهود، وأن يعايشوهم معايشة سلمية ولما تظهر عليهم بوادي عداوة للمسلمين وللدعوة الإسلامية، فعوملوا على الظاهر من أمرهم، وكفل لهم الإسلام حرية العقيدة والعبادة على أن يخضعوا حكما ونظاما وقانونا للشريعة الإسلامية. ومن ثم وقع رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم معاهدة الصلح، ويذكر ابن قيم الجوزية في كتابه زاد المعاد نص المعاهدة وهو:"هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم: إنهم أمة واحدة من دون الناس، وإن من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم، وإن سلم المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم إلا من ظلم أو أثم.."3.
وهكذا أقرت هذه المعاهدة التعايش السلمي مع غير المسلمين في ظل الحكم الإسلامي، ولم يسبق أن عرف التاريخ كفالة الحريات العقيدية والعبادية قبل أن يأتي الإسلام بتقريرها. قال الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
1 سورة الأنفال: 73.
2 الحشر: 9.
3 زاد المعاد: 2/ 88.