الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاصية الثانية: الثبات
ومعنى الثبات هنا، ثبات المصدر الأول للثقافة الإسلامية، وأن كل ما يتعلق بالحقيقة الإلهية ثابت الحقيقة وثابت المفهوم وغير قابل للتغيير.
ذلك لأن القاعدة الأولى التي تقوم عليها الثقافة الإسلامية هي الإيمان بوحدانية الله وبوجوده وبقدرته وهيمنته.. وكل صفاته الفاعلة في الكون والحياة والناس.
فهذه العقيدة أو هذه القاعدة ثابتة لا تتغير ولا تقبل التغيير، وما يتفرع عن هذه القاعدة من أن العبودية لله وحده واجبة على الناس جميعا بما فيهم الرسل، وأنه ليس لهم أية خاصة من خصائص الألوهية، حقيقة ثابتة أيضًا لا تتغير ولا تتبدل ولا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة. وأن الإيمان بالملائكة والكتب المنزلة والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله
…
حقيقة ثابتة.
وأن الدين عند الله الإسلام، وأن الله لا يقبل من الناس دينا سواه، حقيقة ثابتة.
أن الإسلام يعني إفراد الله بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات والاستسلام لمشيئته والرضى بالتحاكم إلى أمره ومنهجه وشريعته.. حقيقة ثابتة..
وأن الإنسان مخلوق مكرم على سائر المخلوقات، وأنه مستخلف في الأرض، وأن الناس من أصل واحد،.. حقيقة ثابتة.
وأن غاية الوجود الإنساني إفراد الله بالعبادة حقيقة ثابتة..
وأن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وأن الآخرة دار حساب وجزاء حقيقة ثابتة..
هذه وغيرها من القواعد التي تتصل اتصالا مباشرا بالعقيدة الإسلامية حقائق ثابتة لا تتغير ولا تخضع للتغيير.
والثمرة المترتبة على ثبات هذه الحقائق في الثقافة الإسلامية ضبط حركة الإنسان، وتقييد تصرفاته ضمن إطار محدد، فلا يخرج عن جادة الهدى، ولا
يحيد عن معالم الأخلاق، ولا يتخلى عن الموازين والقيم الإلهية. وإلا غدا إنسانا شاردا حائرا تائها ضالا لا يتبين ملامح الهداية ولا تتضح أمامه الرؤيا، فتتشابه عليه الأمور، وقد يرى الباطل حقا والحق باطلا، وقد يخبط في تيه الحياة خبط عشواء، وقد يظلم وقد يغش، وقد يتعسف.. لأن الموازين اختلت لديه والمقاييس تغيرت في نظره.
وثمرة أخرى تجنيها من ثبات الحقائق في الثقافة الإسلامية هي ضبط الفكر الإنساني، فلا يتأرجح مع الشهوات والأهواء والمؤثرات، ولا يندفع وراء حب أو كره عارض. ولا يتأثر من قول شخص قريب أو بعيد، أو حبيب أو بغيض1. أو كبير أو صغير أو رئيس أو مرءوس، أو صاحب سلطان أو مغمور.. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} 2.
وقال جل وعلا: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} 4.
{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} 5.
والثقافة الإسلامية بهذه الميزة تختلف اختلافا كبيرا عن ثقافة الغرب "أيًّا كان نوعها" والتي تقوم على مبدأ التطور المطلق الذي يؤدي إلى فكرة وجود النقيض..
1 خصائص التصور الإسلامي للأستاذ سيد قطب. ص83-88.
2 سورة المائدة: 8.
3 سورة النساء: 135.
4 سورة النساء: 105.
5 سورة المؤمنون: 71.
وكان من نتيجة الثقافة الغربية أن جعلت البشرية تسير على غير هدى، تتخبط في تصوراتها وفي أنظمتها، وأوضاعها وتقاليدها..
وكان من نتائجها أيضا أنها قضت على المثل العليا، والقيم السامية في النفس الإنسانية. وبددت الإحساس بالخلق الكريم والمعنى النبيل من أجل تحقيق أكبر قدر من الربح للمرابين وتجار الأهواء1.
وكان من أبرز نتائج "مبدأ التطور" الذي ترتكز عليه الثقافة الغربية أن تفلت الإنسان من كل قيمة ثابتة ومن كل مثل مرتبط بهدف ثابت، ونادى بالانطلاق والتجديد في كل شيء، من غير ضوابط أو حدود2.
وإن مبدأ التطور الذي لا يتقيد بأي أصل ثابت ولا بأية قيمة ثابتة ليس "حقيقة علمية" وإنما هو فكرة طائشة، وهوى جامع مبعثه الأهواء النفسية والرغبات العاتية. قال الله تبارك وتعالى:{بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} 3.
ويقول سيد قطب: "إن دارون -وهو يقرر مذهب التطور في خط سير الحياة- لم يكن يبحث، إلا جزئية سطحية من جزئيات هذا الكون تبدأ بعد وجود الحياة. ولا تمتد إلى مصدر الحياة، ولا إلى الإرادة التي صدرت عنها الحياة، وحتى على فرض صحة نظريته، فإن خط التطور يثبت أن هناك إرادة ثابتة من ورائه، وأنه يتم وفق خط مرسوم لا مجال للمصادفة فيه. وأنه جزء من "الحركة" التي هي قانون من قوانين الكون. وحركة الكون ليست فوضى. وإنما تتم حول قاعدة "ثابتة" وتتم في إطار "ثابت".
وعلى أي حال فلم يكن لا "المنهج العلمي" ولا "الحقائق العلمية" هي التي أملت على دارون -حين لم يهتد إلى سر الحياة، ولم يستطع تعليلها علميا- أن يهرب من ردها إلى الله، ووجودها ذاته يحتم الاعتراف بموجد لها، وانتظام خط سيرها وتناسقها مع الكون يحتم الاعتراف بأن موجدها لا بد أن يكون مريدا مختارا فيما يريد، عليما خبيرا.. ولكن دارون كان هاربا من "الله" لأنه كان
1 خصائص التصور الإسلامي ومقوماته. ص83-88.
2 الإسلام ومشكلات الحضارة. ص104.
3 سورة القيامة: 5.
هاربا من الكنيسة وإلهها الذي تصول باسمه وتجول
…
ومن ثم رد الحياة إلى "الطبيعة" التي لا حد لقدرتها كما يقول.. ومن ثم حاول أن يوهم أن الإثبات لشيء -على الإطلاق- بينما بحثه كله كان في دائرة خط سير الحياة بعد وجود الحياة.. ولم يكن يتناول كل شيء على الإطلاق.
والمذهب الماركسي هو أشد المذاهب "الوضعية" معارضة لحقيقة "الحركة داخل إطار ثابت وحول محور ثابت" لأن الاعتراف بهذه الحقيقة البارزة في طبيعة الكون "المادي" ذاته، يفقد المذهب ركيزته الأولى التي يقوم عليها، ويحطم دعواه في "التقدمية" كما يفهمها1.
أما مبدأ "النقض" الذي يوصل إليه "مبدأ التطور" فيعني أن كل شيء يهدم نفسه، وأن كل شيء يتحول إلى مقابل ونقيض ومخالف.
وهذا المبدأ "الوهمي" الهدام يخالف كل فكرة تقوم على الإيمان والتصديق والثبات، ولكنه بالوقت نفسه ينقض فكرته من حيث الأساس.. فيتضح من هذا أن مبدأ النقض هو مجرد "تحكم" فكري لا رصيد له من الواقع.
وبعد هذه الموازنة بين الثقافة الإسلامية المبنية على الثبات، والثقافة الغربية المبنية على مبدأ التطور، نقول: إن الثبات في المبدأ، والثبات في القيم والمثل، لا يجرد الإنسان من كل حول وقوة، ولا يتركه متقوقعا في جحر داره منطويا على نفسه، ولا يحجر على تفكيره ولا يغل يديه ويمنعه من الإنتاج والعمل.. بل يطلق يديه للعمل، وعقله للتفكير ومواهبه للإبداع وطاقاته للإنتاج، ونشاطه للإثمار، ويجعله إنسانا متفاعلا مع الحوادث متفاعلا مع البيئة التي يعيش فيها. متفاعلا مع العلوم والمعارف يؤثر ويتأثر، يبني ويشيد، ويرتقي في سلم الأفضل نحو الخير والتقدم والعزة والسمو والمجد، ينقد ويفكر، يعطي ويغدق، ولكن كل هذه الأنشطة، وكل هذه القوى والتفاعلات، لا تخرج عن محور الثبات في القيم والثبات في الحقيقة، فلا تكون الأمانة التي هي خلق فاضل كريم، ساقطة من حسابه في يوم ما، ولا تكون الرذيلة عنده فضيلة ليصل في ساعة من ساعات حياته إلى ربح أكبر أو مغنم أوسع.. ولا يكون التدني الخلقي
1 خصائص التصور الإسلامي. ص 88.
والسلوكي علامة خير في لحظة ما
…
بدعوى التطور والانطلاق. ولا يترك تراثه وماضيه بحجة التطور أيضا، لأن التراث جزء من شخصية المجتمع والأمة.
ومن ثمرات مبدأ "الثبات" في الثقافة الإسلامية أنه يعطي الفكر الإسلامي والمجتمع الإسلامي الحصانة القوية المنيعة ضد دعوات الضلال الهدامة، وبخاصة ضد الشيوعية الملحدة أو الماركسية التي أفلتت من العقيدة وأفلتت من القيم السامية.
ومن مزايا مبدأ "الثبات" في الثقافة الإسلامية أيضًا أنه يبث الطمأنينة في حياة الفرد وفي حياة المجتمع، فالفرد يعمل وينتج ضمن إطار محدد، وأفراد المجتمع كلهم يسيرون في دائرة واحدة وباتجاه موحد، فلا تتصادم المصالح، ولا تتباعد النزعات، ولا تختلف الأغراض، كل فرد في المجتمع الإسلامي يشعر بسلام نفسي داخلي وبسعادة قلبية، ويشعر بسلام حينما يتعامل مع غيره طالما أن الهدف موحد والغاية واحدة.. وفي هذا المجتمع الإسلامي تتجلى المنافسة الكريمة في أبهى صورها، إنها منافسة بالحق وللوصول إلى الحق.. وللتقدم في ترقية وسائل الحياة، ووسائل المعاش، فهناك حركة دائبة، ممتدة من الأمس إلى اليوم إلى الغد، مطردة النمو والتقدم.
ومما يثمره مبدأ "الثبات" في الثقافة الإسلامية -الثبات في الموازين والمعايير التي توزن بها أعمال الناس جميعا، فلا محاباة ولا تفاضل ولا مداهنة ولا ملاينة، فالعظيم والحقير سواء أمام المبادئ الإسلامية وأمام الأنظمة الإسلامية. وأعظم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد وقد جاء يشفع للمرأة المخزومية التي سرقت:"وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، وهل هناك فوق هذه الموازين الثابتة موازين؟ وهل هناك فوق هذه القيم الثابتة من قيم؟ فالثبات يضمن لأفراد المجتمع كلهم على حد سواء مبادئ ثابتة يتحاكمون إليها. فلا تطلق الأيدي لتعبث في أموال الآخرين أو أعراضهم ثم لا يجدون مبدأ ثابتا يفصل بينهم ويحكم حياتهم.. وإلا لغدت الحياة فوضى، خالية من معنى الحياة والفضيلة والسلام النفسي والجماعي.
قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ
الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 1، وقال سبحانه:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 2، وقال:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 3.
وإذا استقر هذا الإطار في ذهن الفرد وفي ذهن الجماعة استطاعت الحياة -فكرا وأسلوبا ووسائل- أن تتحرك في داخله بحرية ومرونة واستجابة لكل تطور فطري صحيح مستمد من التصور الكلي الثابت القويم.
ولعل هذه الميزة التي تتصف بها الثقافة الإسلامية هي التي ضمنت للمجتمع الإسلامي تماسكه وقوته مدى سنوات عديدة رغم الضربات العنيفة التي وجهت إليه، ورغم الحروب الصليبية التي استمرت أكثر من ألف عام، ورغم الحملات الشنيعة من المغول والتتار.. التي استهدفت القضاء على قوى المجتمع الإسلامي وإبادة المسلمين، ورغم الدعايات الباطلة والشبهات السيئة التي تتأثر من حين لآخر لتشويه تعاليم الإسلام ومبادئ الإسلام وأنظمة الإسلام.
يقول الأستاذ محمد أسد "ليوبولد فايس" في كتابه "الإسلام على مفترق الطرق": "يخبرنا التاريخ أن جميع الثقافات الإنسانية وجميع المدنيات، أجسام عضوية تشبه الكائنات الحية.. إنها تمر في جميع أدوار الحياة العضوية، التي يجب أن تمر بها، إنها تولد، ثم تشب وتنضج، ثم يدركها البلى في آخر الأمر، فالثقافات كالنبات الذي يذوي ثم يستحيل ترابا تموت في أواخر أيامها، وتفسح المجال لثقافات أخر ولدت حديثا".
"أهذه إذن حال الإسلام؟ ربما ظهرت كذلك عند إلقاء أول نظرة سطحية.. ومما لا شك فيه أن الثقافة الإسلامية شهدت نهضة مجيدة وعهدا من الازدهار. وكان لها من القوة ما يلهم الرجال جلائل الأعمال وأنواع التضحية، ولقد غيرت معالم الشعوب، وأوجدت دولا جديدة، ثم سكنت وركدت
1 الجاثية: 18.
2 الأنعام: 253.
3 المائدة: 50.
وأصبحت كلمة جوفاء.. وها نحن أولاء اليوم نشهد انحطاطها التام ولكن هل هذا كل ما في الأمر؟
"إذا كنا نعتقد أن الإسلام ليس مدنية من المدنيات الأخر، وليس نتاجا بسيطا لآراء البشر وجهودهم، بل هو شرع سنة الله لتعمل به الشعوب في كل مكان وزمان فإن الموقف يتبدل تماما.
وإذا كانت الثقافة الإسلامية نتيجة لاتباعنا شرعا منزلا.. فإننا حينئذ لا نستطيع أبدا أن نقول: إنها كسائر الثقافات خاضعة لمرور الزمن، ومقيدة بقوانين الحياة العضوية.. ثم إن ما يظهر انحلالا في الإسلام ليس إلا موتا وخلوا يحلان في قلوبنا، التي بلغ من خمولها وكسلها أنها لا تستمع إلى الصوت الأدبي، ثم ليس ثمة علامة ظاهرة تدل على أن الإنسانية -مع نموها الحاضر- قد استطاعت أن تبتعد عن الإسلام.. إنها لم تستطع أن تبني فكرة الإخاء الإنساني على أساس عملي، إنها لم تستطع أن تشيد صرحا اجتماعيا يتضاءل التصادم والاحتكاك بين أهله فعلا على مثال ما تم في النظام الاجتماعي الإسلامي.. إنها لم تستطع أن ترفع قدر الإنسان ولا أن تزيد في شعوره بالأمن، ولا في رجائه الروحي وسعادته"1.
"ففي جميع هذه الأمور نرى الجنس البشري في كل ما وصل إليه، مقصرا كثيرا عما تضمنه المنهج الإسلامي.. فأين ما يبرر القول إذن بأن الإسلام قد ذهبت أيامه؟ أذلك لأن أسسه دينية خالصة، والاتجاه الديني زي غير شائع اليوم؟
ولكن إذا رأينا نظاما بُني على الدين قد استطاع أن يقدم منهاجا عمليا للحياة أتم وأمتن وأصلح للمزاج النفساني في الإنسان، من كل شيء آخر يمكن العقل البشري أن يأتي به عن طريق الإصلاح والاقتراح أفلا يكون هذا نفسه حجة بالغة في ميدان الاستشراف الديني"؟
"لقد تأيد الإسلام -ولدينا جميع الأدلة على ذلك- بما وصل إليه الإنسان من أنواع الإنتاج الإنساني، لأن الإسلام كشف عنها وأشار إليها، على أنها مستحبة قبل أن يصل إليها الناس بزمن طويل".
1 الإسلام على مفترق الطرق ص103.
"ولقد تأيد أيضا بما وقع في أثناء التطور الإنساني من قصور وأخطاء وعثرات، لأنه كان قد رفع الصوت عاليا واضحا بالتحذير منها، من قبل أن تحقق البشرية أن هذه أخطاء.. وإذا صرفنا النظر عن الاعتقاد الديني نجد -من وجهة نظر عقلية محضة- كل تشويق إلى أن نتبع الهدي الإسلامي بصورة عملية وبثقة تامة".
نحن لا نحتاج إلى فرض إصلاح على الإسلام -كما يظن بعض المسلمين- لأن الإسلام كامل بنفسه من قبل. أما الذي نحتاج إليه فعلا، فهو إصلاح موقفنا من الدين بمعالجة كسلنا، وغرورنا، قصر نظرنا، وبكلمة واحدة: معالجة مساوئنا.
"إن الإسلام غني عن كل تحسين، وإن كل تغيير في مثل هذه الحال يطرأ على مدركاته وعلى تنظيمه الاجتماعي بافتئات من ثقافة أجنبية -ولو بإشراق ضئيل- سيكون مدعاة إلى الأسف الشديد وسترجع الخسارة حتما علينا نحن"1.
وعلى هذا فكل دعوى لتغيير القيم الثابتة، أو الأسس الإسلامية الثابتة، باسم التجديد أو الإصلاح أو التطور.. دعوى معادية للجنس الإنساني تقف حائلا دون الازدهار الحضاري، والوعي الديني، والتقدم الراقي في أسلوب الحياة والمعاش.. ذلك لأن الثقافة الإسلامية تدعو إلى الحركة وإلى البناء وتنهى عن الجمود وعن الكسل والتواكل والتخلف والتقصير، ولو نظرنا إلى الكون لوجدناه في حركة دائمة وفي تغير دائم. ولكنه يتحرك مع المحافظة على حقيقته الأصلية.. وعلينا نحن المسلمين أن نعمل وأن نجد وأن نجتهد وأن نرتقي في أسباب الكمال والتقدم. مع المحافظة على شخصيتنا الإسلامية وعلى أصالتنا التاريخية وعلى قيمنا النبيلة وعلى عقيدتنا الإلهية. وأية دعوة للانسلاخ عن مبادئنا دعوى هدامة عدائية.. فلنقدر مسئوليتنا تجاه أنفسنا وتجاه البشرية كلها.
1 الإسلام على مفترق الطرق ترجمة عمر فروخ ص109-112، وانظر خصائص التصور الإسلامي ص 102-104.