الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكيف ونظرة منها اختلاسا
…
ألذّ من الشماتة بالعدو
وقال ابن أبي جهينة المهلبي:
كل المصائب قد تمر على الفتى
…
فتهون غير شماتة الأعداء
وقال الجاحظ: ما رأيت سنانا أنفذ من شماتة الأعداء.
وقيل: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بموته نساء من كندة وحضرموت، فخضبن أيديهن وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم:
أبلغ أبا بكر إذا ما جئته
…
أنّ البغايا من بني مرّام
أظهرن في موت النبي شماتة
…
وخضبن أيديهن بالغلّام «1»
فاقطع هديت أكفهنّ بصارم
…
كالبرق أومض في متون غمام
فكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى المهاجر عامله، فأخذهن وقطع أيديهن.
ويقال: فلان يتربص بك الدوائر ويتمنى لك الغوائل، ولا يؤمل صلاحا إلا في فسادك ولا رفعة إلا في سقوط حالك. وقال حكيم: لا تأمن عدوك وإن كان ضعيفا، فإن القناة قد تقتل، وإن عدمت السنان. قال الشاعر:
فلا تأمن عدوّك لو تراه
…
أقلّ إذا نظرت من القراد «2»
فإن الحرب ينشأ من جبان
…
وإن النار تضرم من رماد
بيت مفرد:
فمن لم يكن منكم مسيئا فإنه
…
يشدّ على كف المسيء فيجلب
وقال عبد الله بن سليمان بن وهب:
كفاية الله خير من توقّينا
…
وعادة الله في الماضين تكفينا
كاد الأعادي فلا والله ما تركوا
…
قولا وفعلا وتلقينا وتهجينا
ولم نزد نحن في سر وفي علن
…
على مقالتنا يا ربّنا اكفينا
فكان ذاك وردّ الله حاسدنا
…
بغيظه لم ينل تقديره فينا
الفصل الرابع في الحسد
قال الله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
«3» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود» . وقال علي رضي الله عنه: الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له.
وقيل: الحسود غضبان على القدر. ويقال: ثلاثة لا يهنأ لصاحبها عيش. الحقد والحسد وسوء الخلق.
وقيل: بئس الشعار الحسد. وقيل لبعضهم: ما بال فلان يبغضك؟ قال: لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة، فذكر جميع دواعي الحسد.
وقال أعرابي: الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود، وهو مأخوذ من الحديث:«قاتل الله الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله» .
وقال الفقيه أبو الليث السمرقندي، رحمة الله تعالى عليه: يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود، أولاها: غم لا ينقطع. الثانية:
مصيبة لا يؤجر عليها، الثالثة: مذمة لا يحمد عليها، الرابعة: سخط الرب، الخامسة: يغلق عنه باب التوفيق.
ومن ذلك ما حكي: أن رجلا من العرب دخل على المعتصم فقرّبه وأدناه وجعله نديمه، وصار يدخل على حريمه من غير استئذان. وكان له وزير حاسد فغار من البدوي وحسده، وقال في نفسه: إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله أخذ بقلب أمير المؤمنين، وأبعدني منه، فصار يتلطف بالبدوي حتى أتى به إلى منزله، فطبخ له طعاما، وأكثر فيه من الثوم، فلما أكل البدوي منه قال له:
احذر أن تقترب من أمير المؤمنين، فيشم منك رائحة الثوم، فيتأذى من ذلك فإنه يكره رائحته، ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين، فخلا به وقال: يا أمير المؤمنين إن البدوي يقول عنك للناس إن أمير المؤمنين أبخر «4» وهلكت من رائحة فمه. فلما دخل البدوي على أمير المؤمنين جعل كمه على فمه مخافة أن يشم منه رائحة الثوم، فلما رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال: إن
الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح، فكتب أمير المؤمنين كتابا إلى بعض عماله يقول فيه: إذا وصل إليك كتابي هذا، فاضرب رقبة حامله، ثم دعا البدوي ودفع إليه الكتاب، وقال له: امض به إلى فلان وائتني بالجواب.
فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين وأخذ الكتاب وخرج به من عنده، فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير، فقال: أين تريد؟ قال: أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان، فقال الوزير في نفسه: إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل، فقال له: يا بدوي ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك، ويعطيك ألفي دينار؟ فقال: أنت الكبير، وأنت الحاكم، ومهما رأيته من الرأي إفعل. قال: أعطني الكتاب، فدفعه إليه، فأعطاه الوزير ألفي دينار، وسار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده، فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير. فبعد أيام تذكر الخليفة في أمر البدوي، وسأل عن الوزير، فأخبر بأن له أياما ما ظهر، وأن البدوي بالمدينة مقيم، فتعجب من ذلك وأمر بإحضار البدوي، فحضر، فسأله عن حاله، فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها، فقال له: أنت قلت عني للناس أني أبخر؟ فقال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أتحدث بما ليس لي به علم، وإنما كان ذلك مكرا منه وحسدا، وأعلمه كيف دخل به إلى بيته وأطعمه الثوم وما جرى له معه.
فقال أمير المؤمنين: قاتل الله الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله. ثم خلع على البدوي واتخذه وزيرا وراح الوزير بحسده.
وقال المغيرة شاعر آل المهلب:
آل المهلب قوم إن مدحتهم
…
كانوا الأكارم آباء وأجدادا
إن العرانين تلقاها محسّدة
…
ولا ترى للئام الناس حسّادا «1»
وقال عمر رضي الله عنه: يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك وقال مالك بن دينار: شهادة القراء مقبولة في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض، فإنهم أشد تحاسدا من التيوس. وعن أنس رضي الله تعالى عنه رفعه:
«إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» . وقال منصور الفقيه:
منافسة الفتى فيما يزول
…
على نقصان همّته دليل
ومختار القليل أقل منه
…
وكل فوائد الدنيا قليل
يقول الله عز وجل: الحاسد عدو نعمتي متسخّط لفعلي غير راض بقسمتي التي قسمت لعبادي.
قال الشاعر:
أيا حاسدا لي على نعمتي
…
أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه
…
لأنك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربّي بأن زادني
…
وسدّ عليك وجوه الطلب
وقال الأصمعي: رأيت أعرابيا قد بلغ عمره مائة وعشرين سنة، فقلت له: ما أطول عمرك؟ فقال: تركت الحسد فبقيت. وقالوا: لا يخلو السيد من ودود يمدح وحسود يقدح. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ألا لا تعادوا نعم الله، قيل: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله. وقيل لعبد الله بن عروة: لم لزمت البدو، وتركت قومك؟
فقال: وهل بقي إلا حاسد على نعمة أو شامت على نكبة.
وقال الشاعر:
يا طالب العيش في أمن وفي دعة
…
رغدا بلا قتر صفوا بلا رنق
خلّص فؤادك من غل ومن حسد
…
فالغل في القلب مثل الغلّ في العنق
وقال آخر:
اصبر على حسد الحسو
…
د فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها
…
إن لم تجد ما تأكله
وفي نوابغ الحكم: الحسد حسك من تعلق به هلك.
ولبعضهم:
إني حسدت فزاد الله في حسدي
…
لا عاش من عاش يوما غير محسود
وقال نصار بن سيار:
إنّي نشأت وحسّادي ذوو عدد
…
يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا