الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يزل في آل سعيد حتى اشتراه خالد بن عبد الله القسري بمال جزيل لهشام، وكان قد كتب إليه فيه، فلم يزل عند بني مروان، ثم طلبه السفاح والمنصور والمهدي، فلم يجدوه، فجد الهادي في طلبه حتى ظفر به، وكان مكتوبا عليه هذا البيت:
ذكر على ذكر يصول بصارم
…
ذكر يمان في يمين يماني
وقال ابن الرومي:
لم أر شيئا حاضرا نفعه
…
للمرء كالدرهم والسيف «1»
يقضي له الدرهم حاجاته
…
والسيف يحميه من الحيف «2»
وقال زيد بن علي رضي الله عنهما:
السيف يعرف عزمي عند هزّته
…
والرمح بي خبر والله لي وزر «3»
إنّا لنأمل ما كانت أوائلنا
…
من قبل تأمله إن ساعد القدر
وقال عبد الله بن طاهر:
يبيت ضجيعي السيف طورا وتارة
…
يعض بهامات الرجال مضاربه
أخو ثقة أرضاه في الروع صاحبا
…
وفوق رضاه إنني أنا صاحبه
وليس أخو العلياء إلا فتى له
…
بها كلف ما تستقر ركائبه
وقدم عروة بن الزبير على عبد الملك بن مروان بعد قتل أخيه عبد الله، فطلب منه سيف الزبير، وقال له: رده عليّ، فإنه السيف الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم له يوم حنين، فقال له عبد الملك: أو تعرفه؟ قال: نعم. قال:
بماذا؟ قال: أعرفه بما لا تعرف به سيف أبيك «4» . أعرفه بقول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
…
بهنّ فلول من قراع الكتائب «5»
وقال الأجدع الهمداني:
لقد علمت نسوان همدان أنّني
…
لهنّ غداة الروع غير خذول
وأبذل في الهيجاء وجهي وإنّني
…
له في سوى الهيجاء غير بذول
وقال آخر:
عشرون ألف فتى ما منهم أحد
…
إلّا كألف فتى مقدامة بطل
راحت مزاودهم مملوءة أملا
…
ففرّغوها وأوكوها من الأجل «6»
ومن أخبار الشجعان ما حكاه الفضل بن يزيد:
قال: نزل علينا بنو ثعلب في بعض السنين، وكنت مشغوفا بأخبار العرب أن أسمعها وأجمعها، فبينما أنا أدور في بعض أحيائهم إذا أنا بامرأة واقفة في فناء خبائها، وهي آخذة بيد غلام قلّما رأيت مثله في حسنه وجماله، له ذؤابتان كالسبج «7» المنظوم، وهي تعاتبه بلسان رطب وكلام عذب تحن إليه الأسماع وترتاح له القلوب، وأكثر ما أسمع منها أي بني، وهو يبتسم في وجهها قد غلب عليه الحياء والخجل، كأنه جارية بكر لا يرد جوابا.
فاستحسنت ما رأيت، واستحليت ما سمعت، فدنوت منه وسلمت، فرد عليّ السلام، فوقفت أنظر إليها.
فقالت: يا حضري ما حاجتك؟ فقلت: الاستكثار مما أسمع والاستمتاع بما أرى من هذا الغلام.
فقالت يا حضري: إن شئت سقت إليك من خبره ما هو أحسن من منظره. فقلت: قد شئت يرحمك الله. فقالت:
حملته والرزق عسر، والعيش نكد حملا خفيفا حتى مضت له تسعة أشهر، وشاء الله عز وجل أن أضعه، فوضعته خلقا سويا، فوربك ما هو إلا أن صار ثالث أبويه حتى أفضل الله عز وجل، وأعطى وأتى من الرزق بما كفى وأغنى، ثم أرضعته حولين كاملين، فلما استتم الرضاع نقلته من خرق المهد إلى فراش أبيه، فربي كأنه شبل أسد أقيه برد الشتاء، وحر الهجير، حتى إذا مضت له خمس
سنين أسلمته إلى المؤدب، فحفّظه القرآن، فتلاه، وعلّمه الشعر فرواه، ورغب في مفاخر قومه وآبائه وأجداده، فلما أن بلغ الحلم واشتد عظمه وكمل خلقه حملته على عتاق الخيل فتفرّس «1» وتمرّس «2» ولبس السلاح ومشى بين بويتات الحي الخيلاء، فأخذ في قرى الضيف وإطعام الطعام، وأنا عليه وجلة أشفق عليه من العيون أن تصيبه، فاتفق أن نزلنا بمنهل «3» من المناهل بين أحياء العرب، فخرج فتيان الحي في طلب ثأر لهم، وشاء الله تعالى أن أصابته وعكة شغلته عن الخروج، حتى إذا أمعن القوم، ولم يبق في الحي غيره، ونحن آمنون وادعون، ما هو إلا أن أدبر الليل وأسفر الصباح حتى طلعت علينا غرر الجياد وطلائع العدو، فما هو إلا هنيهة حتى أحرزوا الأموال دون أهلها، وهو يسألني عن الصوت، وأنا أستر عنه الخبر إشفاقا عليه وضنّا به، حتى إذا علت الأصوات وبرزت المخدرات «4» رمى دثاره «5» وثار كما يثور الأسد، وأمر بإسراج فرسه، ولبس لأمة حربه، وأخذ رمحه بيده ولحق حماة القوم، فطعن أدناهم منه فرمى به، ولحق أبعدهم منه فقتله، فانصرفت وجوه الفرسان، فرأوه صبيا صغيرا لا مدد وراءه فحملوا عليه، فأقبل يؤم البيوت. ونحن ندعو الله عز وجل له بالسلامة، حتى إذا مدّهم وراءه وامتدوا في أثره عطف عليهم، ففرق شملهم وشتت جمعهم، وقلل كثرتهم ومزقهم كل ممزق، ومرق كما يمرق السهم، وناداهم: خلوا عن المال، فو الله لا رجعت إلا به، أو لأهلكن دونه، فانصرفت إليه الأقران، وتمايلت نحوه الفرسان، وتميزت له الفتيان، وحملوا عليه وقد رفعوا إليه الأسنّة، وعطفوا عليه بالأعنّة، فوثب عليهم وهو يهدر كما يهدر الفحل من وراء الإبل، وجعل لا يحمل على ناحية إلا حطمها، ولا كتيبة إلا مزقها حتى لم يبق من القوم إلا من نجا به فرسه، ثم ساق المال، وأقبل به، فكبّر القوم عند رؤيته، وفرح الناس بسلامته، فو الله ما رأينا قط يوما كان أسمح صباحا وأحسن رواحا من ذلك اليوم، ولقد سمعته يقول في وجوه فتيان الحي هذه الأبيات:
تأمّلن فعلي هل رأيتنّ مثله
…
إذا حشرجت نفس الجبان من الكرب «6»
وضاقت عليه الأرض حتى كأنّه
…
من الخوف مسلوب العزيمة والقلب
ألم أعط كلا حقّه ونصيبه
…
من السمهري اللدن والمرهف العضب «7»
أنا ابن أبي هند بن قيس بن مالك
…
سليل المعالي والمكارم والسّيب «8»
أبى لي أن أعطي الظلامة مرهف
…
وطرف قويّ الظهر والجوف والجنب
وعزم صحيح لو ضربت بحدّه ال
…
جبال الرواسي لانحططن إلى الترب
وعرض نقي أتّقي أن أعيبه
…
وبيت شريف في ذرى ثعلب الغلب
فإن لم أقاتل دونكنّ وأحتمي
…
لكن وأحميكنّ بالطعن والضرب
فلا صدّق اللاتي مشين إلى أبي
…
يهنّينه بالفارس البطل الندب «9»
وقال الشاعر:
آراؤهم ووجوههم وسيوفهم
…
في الحادثات إذا دجون نجوم «10»
منها معالم للهدى ومصابح
…
تجلو الدجى والأخريات رجوم «11»
وقال آخر:
فوارس قوّالون للخيل أقدمي
…
وليس على غير الرؤوس مجال
بأيديهم سمر العوالي كأنّما
…
تشيب على أطرافهن ذبال
وقال آخر:
قوم إذا اقتحموا العجاج رأيتهم
…
شمسا وخلت وجوههم أقمارا