الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدفع فيه أحد شيئا، حتى باعوه من إنسان بكلب، فأخذه الذي ينادي عليه، وأخذ الكلب، وأتى بهما إلى ألب أرسلان، وقال: قد طفت به جميع العسكر، وناديت عليه، فلم يبذل أحد فيه شيئا سوى رجل واحد دفع فيه هذا الكلب، فقال: قد أنصفك إن الكلب خير منه، ثم أمر ألب أرسلان بعد ذلك بإطلاقه وذهب إلى القسطنطينية، فعزلته الروم، وكحّلوه بالنار.
فانظر ماذا يأتي على الملوك إذا عرفوا في الحرب من الحيلة والمكيدة. اللهم انصر جيوش المسلمين وعساكر الموحدين، وأهلك الكفرة، والمشركين، وانصر المسلمين نصرا عزيزا برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الباب الحادي والأربعون في ذكر أسماء الشجعان وذكر الأبطال وطبقاتهم وأخبارهم وذكر الجبناء وأخبارهم وذم الجبن
(الطبقة الأولى: الذين أدركوا الجاهلية والإسلام) :
حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم. قتل في غزاة أحد، رماه وحشي مولى جبير بن مطعم بحربة فقتله.
وكان فارس قريش غير مدافع، وبطلها غير ممانع، وعظم قتله على النبي صلى الله عليه وسلم ونذر أن يقتل به سبعين رجلا من قريش، وكبّر عليه في الصلاة سبعين تكبيرة.
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه. آية من آيات الله، ومعجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومؤيد بالتأييد الإلهي، كاشف الكروب ومجليها، ومثبت قواعد الإسلام ومرسيها، وهو المتقدم على ذوي الشجاعة كلهم بلا مرية ولا خلاف. روي عنه رضي الله عنه أنه قال: والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من موتة على فراش. وقال بعض العرب «1» ما لقينا كتيبة فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا أوصى بعضنا على بعض «2» . وقال رضي الله عنه لمعاوية: قد دعوت الناس إلى الحرب، فدع الناس جانبا واخرج إليّ ليعلم أينا المران على قلبه، والمغطّى على بصره، وأنا أبو الحسن قاتل جدك وخالك وأخيك شدخا «3» يوم بدر، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي.
وقيل له كرم الله وجهه: إذا جالت الخيل، فأين نطلبك؟
قال: حيث تركتموني. وقيل له: كيف تقتل الأبطال؟ قال:
لأني كنت ألقى الرجل، فأقدر أني أقتله، ويقدر هو أني قتلته، فأكون أنا ونفسه عونا عليه.
وقال مصعب بن الزبير: كان علي رضي الله عنه حذرا في الحروب شديد الروغان لا يكاد أحد يتمكن منه، وكانت درعه صدرا لا ظهر لها، فقيل له: أما تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك، فقال: إذا مكّنت عدوي من ظهري، فلا أبقى الله عليه إن أبقى عليّ.
قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنة الله تعالى عليه، غدره وهو في صلاة الصبح. وسبب ذلك أن عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله تزوج بقطام بنت علقمة، وكانت خارجية، فقالت له: لا أقنع إلا بصداق «4» أسميه وهو ثلاثة ألاف درهم، وعبد وأمة، وأن تقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك ما سألت إلا علي بن أبي طالب، وكيف لي به؟ قالت: تغتاله، فإن سلمت أرحت الناس من شره، وأقمت مع أهلك، وإن أصبت دخلت الجنة. فقال:
ثلاثة آلاف وعبد وقينة
…
وضرب علي بالحسام المخذّم
فلا مهر أغلى من علي وإن علا
…
ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
قيل أنه طعنه وهو داخل المسجد في الغلس «5» ، وذلك في تاسع عشر رمضان المعظم سنة أربعين «6» . كفن رضي الله عنه في ثلاثة أثواب، ودفن في الرحبة مما يلي باب كندة من أبواب المسجد «7» . قالوا: ولما ضربه ابن ملجم لعنه الله، ثار الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر رضي
الله عنهم، فاحتضنوه، وقام المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فأخذه، فأومأ علي رضي الله عنه إلى المغيرة أن صلّ بالناس، فصلى بهم الفجر وأقبلت همدان، فدخلوا على علي، فقالوا يا أمير المؤمنين:
لا تقوم لهم قائمة إن شاء الله تعالى، فقال: لا تفعلوا إنما النفس بالنفس. قال: ثم إن الحسن رضي الله عنه صلى الفجر وصعد المنبر، فأراد الكلام، فخنقته العبرة، ثم نطق، فقال: الحمد لله على ما أحببنا وكرهنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم «وإني أحتسب عند الله عز وجل مصابي بأفضل الآباء رسول الله القائل صلى الله عليه وسلم من أصيب بمصيبة فليتسل بمصيبته فيّ، فإنها أعظم المصائب» ، والله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل على عبده الفرقان، لقد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدركه الآخرون. فعند الله نحتسب ما دخل علينا وعلى جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فو الله لا أقول اليوم إلا حقا، لقد دخلت مصيبة اليوم على جميع العباد والبلاد، والشجر، والدواب. ولقد قبض في الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم عليهما السلام إلى السماء، وقبض فيها موسى بن عمران، ويوشع بن نون عليهما السلام وأنزل فيها القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه في السرية، ويسير جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتى يفتح الله عز وجل على يديه. وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم أراد أن يبتاع بها خادما لأهله، ألا أن أمور الله تعالى تجري على أحوالها، فما أحسنها من الله، وأسوأها من أنفسكم. ألا أن قريشا أعطت أزمّتها «1» شياطينها، فقادتها بأعنتها إلى النار، فمنهم من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أظهره الله تعالى عليه، ومنهم من أسرّ الضغينة حتى وجد على النفاق أعوانا. رفع الكتاب، وجف القلم، وأمور تقضى في كتاب قد خلا. ثم أطرق الحسن، فبكى الناس بكاء شديدا، ثم نزل، فجرد سيفه، ودعا بابن ملجم، فأقبل يخطر «2» واضعا شعره على أذنيه حتى قام بين يديه، فقال: يا حسن إني ما عاهدت الله تعالى على عهد قط إلا وفيت به. عاهدت الله تعالى على أن أقتل أباك وقد قتلته، فإن تخلني أقتل معاوية، فإن أنا قتلته أضع يدي على يدك، وإن أقتل، فهو الذي تريد.
فقال الحسن رضي الله عنه: أما والله لا سبيل إلى بقائك، ثم قام إليه فضربه بالسيف، فاتقاه ابن ملجم بيد، ثم أسرع بالسيف فيه فقتله.
ومن الأبطال خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي رضي الله عنه. سيف الله وسيف رسوله صلى الله عليه وسلم بطل مذكور، وفارس مشهور في الجاهلية والإسلام. قتل مالك بن نويرة، وقتل مسيلمة الكذاب لعنه الله. وكان الفتح لخالد يوم اليمامة، وهو الذي فتح دمشق، وأكثر بلاد الشام، وله وقائع عظيمة في الروم. أيّد الله بها الإسلام. مات على فراشه، وكان يقول: لقد شهدت كذا وكذا زحفا، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه أثر طعنة أو ضربة أو رمية.
وها أنا أموت على فراشي لا نامت عين الجبان «3» . وكان ينشد ويرتجز ويقول:
لا ترعبونا بالسيوف المبرقه
…
إنّ السّهام بالردى مفرّقه
والحرب دونها العقال مطلقه
…
وخالد من دينه على ثقه
رضي الله عنه.
الزبير بن العوام رضي الله عنه حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته بطل شجاع لا يمارى، وشهم لا يحاول. قتله عمرو بن جرموز، إغتاله وهو في الصلاة.
عمرو بن معديكرب الزبيدي فارس من فرسان الجاهلية، وله مواقف مذكورة، ومواطن مشهورة، وأسلم ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام، وشهد حروب الفرس، وكان له فيها أفعال عظيمة، وأحوال جسيمة، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رآه قال:
الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمرا. وروي عنه رضي الله عنه أنه سأله يوما، فقال له: يا عمرو أي السلاح أفضل في الحرب؟ قال: فعن أيها تسأل؟ قال: ما تقول في السهام؟
قال: منها ما يخطىء ويصيب. قال: فما تقول في الرمح؟
قال: أخوك وربما خانك. قال: فما تقول في الترس؟
قال: هو الدائر، وعليه تدور الدوائر، قال: فما تقول في السيف؟ قال: ذلك العدة عند الشدة.
وقيل: إنه نزل يوم القادسية على النهر، فقال لأصحابه:
إنني عابر على هذا الجسر قال: فإن أسرعتم مقدار جزر الجزور وجدتموني وسيفي بيدي أقاتل به تلقاء وجهي،