الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجريت وقف مدامعي من بعده
…
وجعلته وقف عليه جاريا
وقال آخر:
ولم أر مثلي غار من طول ليله
…
عليه كأنّ الليل يعشقه معي
وما زلت أبكي في دجى الليل صبوة
…
من الوجد حتى ابيضّ من فيض أدمعي
وقال الموصلي:
عين أفاضت دموعي
…
لطول صد وبين
ووجنة الخدّ قالت
…
رأيت غسلي بعيني
وقال آخر:
وما فارقت ليلى من مراد
…
ولكن شقوة بلغت مداها
بكيت نعم بكيت وكلّ إلف
…
إذا ماتت حبيبته بكاها
وفي بعض الكتب السماوية: إن مما عاقبت به عبادي أن ابتليتهم بفراق الأحبة.
ومما جاء في الحنين إلى الوطن:
أما محبة الوطن فمستولية على الطباع مستدعية أشد الشوق إليها. روي أن أبان قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبان كيف تركت مكة؟ قال: تركت الأذخر وقد أعذق والنمام وقد أورق «1» ، فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بلال رضي الله تعالى عنه:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة
…
بواد وحولي أذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنّة
…
وهل يبدون لي شامة وطفيل «2»
وقيل: من علامة الرشد أن تكون النفس إلى بلدها تواقة وإلى مسقط رأسها مشتاقة.
ومن حب الوطن:
ما حكي أن سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أوصى بأن يحمل تابوته إلى مقابر آبائه، فمنع أهل مصر أولياءه من ذلك، فلما بعث موسى عليه الصلاة والسلام وأهلك الله تعالى فرعون لعنه الله حمله موسى إلى مقابر آبائه، فقبره بالأرض المقدسة.
وأوصى الإسكندر رحمه الله تعالى أن تحمل رمته في تابوت من ذهب إلى بلاد الروم حبا لوطنه.
واعتل سابور ذو الأكتاف وكان أسيرا ببلاد الروم، فقالت له بنت الملك، وكانت قد عشقته، ما تشتهي؟
قال: شربة من ماء دجلة وشمة من تراب اصطخر، فأتته بعد أيام بشربة من ماء وقبضة من تراب وقالت له: هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك، فشرب واشتم بالوهم فنفعه من علته.
وقال الجاحظ: كان النفر في زمن البرامكة إذا سافر أحدهم أخذ معه من تربة أرضه في جراب يتداوى به، وما أحسن ما قال بعضهم:
بلاد ألفناها على كلّ حالة
…
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
ونستعذب الأرض التي لا هوى بها
…
ولا ماؤها عذب ولكنّها وطن
ووصف بعضهم بلاد الهند، فقال: بحرها در وجبالها ياقوت، وشجرها عود، وورقها عطر. وقال عبد الله بن سليمان في نهاوند: أرضها مسك، وترابها الزعفران، وثمارها الفاكهة، وحيطانها الشهد. وقال الحجاج لعامله على أصبهان: قد وليتك على بلدة حجرها الكحل، وذبابها النحل، وحشيشها الزعفران. وكان يقال: البصرة خزانة العرب وقبة الإسلام لانتقال قبائل العرب إليها واتخاذ المسلمين بها وطنا ومركزا. وكان أبو إسحاق الزجاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما سواها بادية. وأنا أقول مصر كنانة الله في أرضه والسلام.
ومما جاء في ذم السفر:
قيل لرجل: السفر قطعة من العذاب، فقال: بل العذاب قطعة من السفر، وقال بعضهم:
كل العذاب قطعة من السّفر
…
يا ربّ فارددنا على خير الحضر
وقيل لإعرابي: ما الغبطة؟ قال: الكفاية مع لزوم
الأوطان. ومرّ إياس بن معاوية بمكان، فقال: أسمع صوت كلب غريب، فقيل له: بم عرفت ذلك؟ قال:
بخضوع صوته، وشدة نباح غيره. وأراد أعرابي السفر، فقال لامرأته:
عدّي السنين لغيبتي وتصبّري
…
وذري الشهور فإنّهنّ قصار
فأجابته:
فاذكر صبابتنا إليك وشوقنا
…
وارحم بناتك إنّهنّ صغار «1»
فأقام وترك السفر. ويقال: رب ملازم لمهنته فاز ببغيته.
وقال ابن الهيثم:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها
…
ولكنّ أخلاق الرجال تضيق
وفيما ذكرته كفاية، وأسأل الله التوفيق والهداية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب الحادي والخمسون في ذكر الغنى وحب المال والافتخار بجمعه
قال الله تعالى: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا
«2» .
وقيل: الفقر رأس كل بلاء وداعية إلى مقت الناس، وهو مع ذلك مسلبة للمروءة مذهبة للحياء، فمتى نزل الفقر بالرجل لم يجد بدا من ترك الحياء ومن فقد حياءه فقد مروءته، ومن فقد مروءته مقت، ومن مقت ازدري به، ومن صار كذلك كان كلامه عليه لا له.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك إن تذر «3» ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» «4» . وفي الحديث: «لا خير فيمن لا يحب المال ليصل به رحمه، ويؤدي به أمانته، ويستغني به عن خلق ربه» .
وقال علي كرم الله تعالى وجهه: الفقر الموت الأكبر.
وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفر والفقر وعذاب القبر.
وقيل: من حفظ دنياه حفظ الأكرمين دينه وعرضه.
قال الشاعر:
لا تلمني إذا وقيت الأواقي
…
بالأواقي لماء وجهي واقي «5»
وقال لقمان لابنه: يا بني أكلت الحنظل وذقت الصبر، فلم أر شيئا أمر من الفقر، فإن افتقرت فلا تحدث به الناس كيلا ينتقصوك، ولكن اسأل الله تعالى من فضله، فمن ذا الذي سأل الله فلم يعطه أو دعاه فلم يجبه أو تضرع إليه فلم يكشف ما به.
وكان العباس رضي الله تعالى عنه يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس، وهو عندهم أعذب من الماء وأرفع من السماء وأحلى من الشهد وأزكى من الورد، خطؤه صواب وسيئاته حسنات وقوله مقبول، يرفع مجلسه ولا يملّ حديثه، والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب، وأثقل من الرصاص، لا يسلم عليه إن قدم ولا يسأل عنه إن غاب، إن حضر أردوه، وإن غاب شتموه، وطن غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقراءته تقطع الصلاة.
وقال بعضهم: طلبت الراحة لنفسي فلم أجد لها أروح من ترك ما لا يعنيها، وتوحشت في البرية فلم أر وحشة أقر من قرين السوء، وشهدت الزحوف وغالبت الأقران فلم أر قرينا أغلب للرجل من المرأة السوء، ونظرت إلى كل ما يذل القوي ويكسره فلم أر شيئا أذل له ولا أكبر من الفاقة.
وكل مقل حين يغدو لحاجة
…
إلى كلّ ما يلقى من الناس مذنب
وكانت بنو عميّ يقولون مرحبا
…
فلما رأوني معدما مات مرحب
وقال آخر:
المال يرفع سقفا لا عماد له
…
والفقر يهدم بيت العزّ والشرف
وقال آخر:
جروح الليالي ما لهنّ طبيب
…
وعيش الفتى بالفقر ليس يطيب
وحسبك أنّ المرء في حال فقره
…
تحمّقه الأقوام وهو لبيب
ومن يغترز بالحادثات وصرفها
…
يبت وهو مغلوب الفؤاد سليب
وما ضرّني إن قال أخطأت جاهل
…
إذا قال كلّ الناس أنت مصيب
وقال آخر:
الفقر يزري بأقوام ذوي حسب
…
وقد يسود بغير السيد المال
وقال آخر:
لعمرك إنّ المال قد يجعل الفتى
…
سنيّا وأنّ الفقر بالمرء قد يزري
وما رفع النفس الدنيّة كالغنى
…
ولا وضع النفس النفيسة كالفقر
وقال آخر:
إذا قلّ مال المرء لانت قناته
…
وهان على الأدنى فكيف الأباعد
وقال ابن الأحنف:
يمشي الفقير وكل شيء ضده
…
والناس تغلق دونه أبوابها
وتراه مبغوضا وليس بمذنب
…
ويرى العداوة لا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة
…
خضعت لديه وحرّكت أذنابها
وإذا رأت يوما فقيرا عابرا
…
نبحت عليه وكشّرت أنيابها
وقال آخر:
فقر الفتى يذهب أنواره
…
مثل اصفرار الشمس عند المغيب
والله ما الإنسان في قومه
…
إذا بلي بالفقر إلّا غريب
وقال آخر:
إن الدراهم في الموطن كلّها
…
تكسو الرجال مهابة وجمالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
…
وهي السّلاح لمن أراد قتالا «1»
وقال آخر:
ما الناس إلّا مع الدنيا وصاحبها
…
فكلّما انقلبت يوما به انقلبوا
يعظّمون أخا الدنيا فإن وثبت
…
يوما عليه بما لا يشتهي وثبوا
وقال بعض الفرس: من زعم أنه لا يحب المال فهو عندي كذاب.
وقال الكناني:
أصبحت الدنيا لنا عبرة
…
فالحمد لله على ذلكا
قد أجمع الناس على ذمّها
…
وما أرى منهم لها تاركا
وقال الزمخشري:
وإذا رأيت صعوبة في مطلب
…
فاحمل صعوبته على الدينار
وابعثه فيما تشتهيه فإنه
…
حجر يليّن قوّة الأحجار
قال الثوري رحمه الله تعالى: لأن أخلف عشرة آلاف درهم يحاسبني الله عليها أحب إليّ من أن أحتاج إلى لئيم «2» .
وفي هذا المعنى قال الشاعر:
احفظ عرى مالك تحظى به
…
ولا تفرّط فيه تبقى ذليل «3»
وإن يقولوا باخل بالعطا
…
فالبخل خير من سؤال البخيل
واحفظ على نفسك من زلة
…
يرى عزيز القوم فيها ذليل