الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام: يا داود لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم ورفقي بهم وشوقي إلى ترك معاصيهم، لماتوا شوقا إلي وتقطعت أوصالهم من محبتي، يا داود هذه إرادتي في المدبرين عني فكيف إرادتي بالمقبلين علي.
ولقد أحسن من قال:
أسيء فيجزي بالإساءة إفضالا
…
وأعصي فيوليني برّا وإمهالا
فحتى متى أجفوه وهو يبرني
…
وأبعد عنه وهو يبذل إيصالا
وكم مرة قد زغت عن نهج طاعة
…
ولا حال عن ستر القبيح ولا زالا
وهذا آخر ما يسره الله تعالى في هذا البابا والله أعلم بالصواب.
الباب الثمانون فيما جاء في ذكر الأمراض والعلل والطب والدواء وما جاء في السنة من العبادة وما أشبه ذلك
وفيه فصول
الفصل الأول في الأمراض والعلل وما جاء في ذلك من الاجر والثواب
روي عن عبد الله بن أنيس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيكم يحب أن يصح جسمه فلا يسقم؟
فقالوا: كلنا يا رسول الله، قال: أتحبون أن تكونوا كالحمير الصوالة، ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلايا وأصحاب كفارات والذي بعثني بالحق نبيا إن الرجل لتكونن له الدرجة في الجنة فلا يبلغها بشيء من عمله فيبتليه الله تعالى ليبلغ درجة لا يبلغها بعمله، وقال صلى الله عليه وسلم:
ما من مسلم يمرض إلا حط الله من خطاياه كما تحط الشجرة ورقها، وكان يقول: لا تزال الأوصاب والمصائب بالعبد حتى تتركه كالفضة البيضاء والنقية المصفاة.
وقيل: إن الناس قد حمّوا في فتح خيبر، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إن الحمى رائد الموت وسجن الله في الأرض وقطعة من النار، فإذا وجدتم ذلك فبردوا لها الماء في الشنان ثم صبوا عليكم بين المغرب والعشاء، ففعلوا ذلك فزالت عنهم.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال له: كيف تجدك؟ فقال: أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال عليه الصلاة والسلام: هما لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف.
وعن عفيرة بنت الوليد البصرية العابدة الزاهدة رحمها الله تعالى، انها سمعت رجلا يقول: ما أشد العمى على من كان بصيرا، فقالت له: يا عبد الله عمى القلب عن الله أشد من عمى العين عن الدنيا. والله لوددت أن الله وهب لي كنه معرفته ولم يبق مني جارحة إلا أخذها.
وكتب مبارك لأخيه سفيان الثوري يشكو إليه ذهاب بصره، فكتب إليه: أما بعد
…
فقد فهمت كتابك فيه شكاية ربك، فاذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك والسلام.
وقيل لعطاء في مرضه ما تشتهي؟ قال: ما ترك خوف جهنم في قلبي موضعا للشهوة. وأصاب ابن أدهم بطن فتوضأ في ليلة سبعين مرة. وقيل لأعرابي في مرضه ما تشتهي؟ قال: الجنة، فقيل: أفلا ندعوا لك طبيبا؟
قال: طبيبي هو الذي أمرضني.
الفصل الثاني من هذا الباب في ذكر العلل كالبخر «1» والعرج والعمى والصمم والرمد والفالج وغير ذلك نسأل الله العفو والعافية والمعافة في الدنيا والآخرة
قيل: تسارر أبخر «2» وأصم، فقال له الأصم: قد فهمت ثم فارقه. فسأله رجل فقال: والله لا أدري غير أنه فسا في أذني.
وقيل: إن عبد الملك بن مروان كان أبخرا فعض يوما على تفاحة ورمى بها إلى زوجته، فدعت بسكين فقال:
ما تصنعين بها؟ قالت: أميط الأذى عنها. فشق عليه ذلك منها فطلقها.
وسارر أبو الأسود الدؤلي سليمان بن عبد الملك وكان
أبو الأسود أبخر فستر سليمان أنفه بكمه فعبر أبو الأسود وهو يقول: لا يصلح للخلافة من لا يقدر على مناجاة الشيوخ البخر.
وقيل طول انطباق الفم يورث البخر وكل رطب الفم سائل اللعاب سالم منه. وقيل إن الزنج أطيب الناس أفواها، والسباع موصوفة بالبخر، والمثل مضروب بالأسد والصقر في البخر والكلب من بينهما طيب الفم، وليس في البهائم أطيب أفواها من الظباء.
وحكي
…
أن أخبر تزوج بامرأة، فلما ضاجعها عافته وتولت عنه بوجهها، ثم أنشدت تقول:
يا حبّ والرحمن إنّ فاكا
…
أهلكني فولني قفاكا
إذا غدوت فاتخذ مسواكا
…
من عرفط ان لم تجد أراكا «1»
لا تقربني بالذي سوّاكا
…
إني أراك ماضغا خراكا
في ديوان المنثور: كم من ذي عرج في درج المعالي عرج، وكم من صحيح قدم ليس له في الخير قدم. وقيل:
إن من الصم من يسمع السر فإذا رفعت إليه الصوت لم يسمعه. ورأيت من العمش من لا ينظر صورة الإنسان من قريب ولكن يقرأ الخط الرقيق الحواشي. وقيل: إن طريفا الشاعر مدح عمرو بن هداب، وكان أبرص فلما انتهى إلى قوله: أبرص فياض اليدين مهذب. صاح به الناس وقالوا قطع الله لسانك، فقال عمرو: مه، إن البرص مما تتفاخر به العرب أما سمعتم قول سهل حيث قال:
أيشتمني زيد بأن كنت أبرصا
…
وكلّ كريم لا أبالك أبرص
كفى حزنا أنّي أعاشر معشرا يخ
…
وضون في بعض الحديث وأمسك
وما ذاك من عيّ ولا من جهالة
…
ولكنه ما فيّ للصوت مسلك
فإن سد منّي السمع فالله قادر
…
على فتحه والله للعبد أملك
ومما جاء في العمى:
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من عدم إحدى كريمتيه [فاحتسبها] ضمنت له على الله الجنة. وكان أبو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يطعم الطعام، وكان أعور، فجعل أعرابي يطيل النظر إليه حابسا نفسه عن طعامه، فكلمه المغيرة في ذلك فقال: والله إني ليعجبني طعامك وتريبني عينك، قال: فما يريبك من عيني؟ قال:
أعور وأراك تطعم الطعام وهذه صفة الدجال. فقيل له: إن عينه أصيبت في فتح الروم فقال: إن الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
من قاد أعمى أربعين خطوة لم تمسه النار. وقال علي كرم الله وجهه: ربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده.
وقال أبو علي البصير:
لئن كان يهديني الغلام لوجهتي
…
ويقتادني في السير إذ أنا راكب
لقد يستضيء القوم بي في وجوههم
…
ويخبو ضياء العين والقلب ثاقب
وقال:
إذا عدمت طلّابة العلم مالها
…
من العلم إلا ما تسطّر في القلب
غدوت بتشمير وجدّ عليهم
…
ومحبرتي سمعي وها دفتري قلبي
وقال:
إن يأخذ الله من عيني نورهما
…
ففي لساني وسمعي منهما نور
فهمي ذكي وقلبي غير ذي غفل
…
وفي فمي صارم كالسيف مشهور
وقال:
عزاءك أيها العين السكوب
…
وحقك إنها نوب تنوب «2»
وكنت كريمتي وسراج وجهي
…
وكانت لي بك الدنيا تطيب
على الدنيا السلام فما لشيخ
…
ضرير العين في الدنيا نصيب
يموت المرء وهو يعدّ حيا
…
ويخلف ظنه الأمل الكذوب