الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد عرفني القوم، وأنا قائم بينهم. وإن بطأتم وجدتموني قتيلا بينهم. ثم انغمس فحمل على القوم، فقال بعضهم لبعض: يا بني زبيد علام تدعون صاحبكم، والله ما نظن أنكم تدركونه حيا، فحملوا فانتهوا إليه، وقد صرع عن فرسه «1» ، وقد أخذ برجل فرس رجل من العجم، فأمسكها والفارس يضرب فرسه، فلم تقدر أن تتحرك، فلما رآنا أدركناه رمى الرجل نفسه وخلى فرسه، فركبه عمرو وقال:
أنا أبو ثور كدتم والله تفقدونني. فقالوا: أين فرسك؟
فقال: رمي بنشابة، فغار وشب فصرعني. ويروى أنه حمل يوم القادسية على رستم وهو الذي كان قدمه يزدجرد ملك الفرس يوم القادسية على قتال المسلمين، فاستقبله عمرو وكان رستم على فيل، فضرب عمرو الفيل، فقطع عرقوبه، فسقط رستم وسقط الفيل عليه مع خرج كان فيه أربعون ألف دينار، فقتل رستم وانهزمت العجم. وقتل عمرو بنهاوند في وقعة الفرس بعد أن عمّر حتى ضعف.
وكان من الشعراء المعدودين، وفيه يقول العباس بن مرداس:
إذا مات عمرو قلت للخيل أوطئي
…
زبيدا فقد أودى بنجدتها عمرو
ومنهم طلحة الأسدي رضي الله عنه، كان من أكبر الشجعان جاهلية وإسلاما، ثم ارتد وتنبأ، وجمع جمعا عظيما ففل خالد بن الوليد جمعه وكان يتكهن، ثم عاد إلى الإسلام، وشهد حرب القادسية وغيرها من الفتوح.
والمقداد بن الأسود رضي الله عنه كان من أشجع الفرسان شديد البأس قوي الجنان رابط الجأش، وله في الشجعان اسم مشهور ووصف مذكور يعجز الواصف عن وصف صفاته رضي الله عنه وأرضاه.
وسعد بن أبي وقاص الزهري الأنصاري رضي الله عنه كان فارسا بطلا راميا، وهو أول من رمى في سبيل الله بسهم، ولما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه اعتزل، ولم يشهد الحرب بعده ومات حتف أنفه.
أبو دجانة الأنصاري رضي الله عنه الذي خرج يتبختر بين الصفين، فقال عليه الصلاة والسلام: إنها لمشية يبغضها الله تعالى إلا في هذا الموضع.
والمثنى بن حارثة الشيباني رضي الله عنه هو أول من فتح حرب الفرس. وأبو عبيد بن مسعود الثقفي رضي الله عنه، قاتل القوم يوم قس الناطف في حرب القادسية.
وعمار بن ياسر رضي الله عنه. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحق يدور مع عمّار حيث دار، وأخبر أنه تقتله الفئة الباغية، فقتل بصفين مع علي رضي الله عنه.
هاشم بن عتبة رضي الله عنه من أكابر الشجعان، صاحب راية علي رضي الله عنه بصفين، مالك بن الحارث النخعي الأشتر رضي الله عنه، مات مسموما في شربة من عسل، فقال معاوية: إن لله جنودا منها العسل. القعقاع بن عمرو طاعن الفيل في عشية القادسية رضي الله عنه.
(الطبقة الثانية) :
عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قاتل جرجير ملك إفريقية الذي كان يرى أنه أشجع أهل عصره. قال عمر ابن عبد العزيز لابن أبي مليكة: صف لي عبد الله بن الزبير، فقال: والله ما رأيت جلدا قط ركب على لحم ولا لحما على عصب ولا عصبا على عظم مثل جلده، ولحمه وعصبه، ولا رأيت نفسا بين جنبين مثل نفس ركبت بين جنبيه. ولقد قام يوما إلى الصلاة، فمر حجر من حجارة المنجنيق بين لحييه وصدره، فو الله ما خشع له بصره ولا قطع له قراءته، ولا ركع دون الركوع الذي كان يركع. قتله الحجاج بعد أن حوصر بمكة، وأسلمه أصحابه وعشيرته وصلبه الحجاج، ألا إلى الله تصير الأمور.
أبو هاشم محمد بن علي بن أبي طالب، ابن الحنفية رضي الله عنه، كان أبوه يلقيه في الوقائع ويتقي به العظائم، وهو شديد البأس، ثابت الجنان. قيل له يوما:
ما بال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهك يقحمك الحروب «2» دون الحسن والحسين رضي الله عنهما؟
فقال: لأنهما كانا عينيه وكنت أنا يديه، فكان يتّقي عينيه بيديه. وقيل: إن أباه عليا رضي الله عنه اشترى درعا فاستطالها، فأراد أن يقطع منها، فقال له محمد: يا أبت علّم موضع القطع، فعلم على موضع منها، فقبض محمد بيده اليمنى على ذيلها، وبالأخرى على موضع العلامة، ثم جذبها، فقطعها من الموضع الذي حدّه أبوه. وكان عبد الله بن الزبير مع تقدمه في الشجاعة يحسده على قوته، وإذا حدّث بهذا الحديث غضب. مات حتف أنفه «3» بشعب رضوى «4» .
عبد الله بن حازم السلمي رضي الله عنه والي خراسان شجيع مضر وفارسها في عصره، قتله وكيع بن أبي سويد بخراسان في الفتنة. وكيع بن أبي سويد قاتل عبد الله بن حازم المتقدم ذكره، شجاع فاتك أهوج ولي خراسان.
قيل: لما قتل عبد الله بن حازم، ولم يتم أمره لهوجه مات حتف أنفه.
مصعب بن الزبير بن العوام شجاع بطل جواد، جاد بماله وبنفسه، قتله عبيد الله بن زياد في الحروب التي كانت بينه وبين عبد الملك بن مروان. عمير بن الحباب السلمي فارس الإسلام قتله بنو تغلب في الحرب التي كانت بينهم وبين قيس. مسلمة بن عبد الملك بن مروان، فحل بني أمية وفارسها ووالي حروبها، قيل أنه جلس يوما ليقضي بين الناس بمصر، فكلمته امرأة، فلم يقبل عليها، فقالت:
ما رأيت أقل حياء من هذا قط، فكشف عن ساقه فإذا فيها أثر تسع طعنات. فقال لها: هل ترين أثر هذا الطعن، والله لو أخّرت رجلي قيد شبر ما أصابتني واحدة منهن، وما منعني من تأخيرها إلا الحياء، وأنت تنحليني قلّته «1» .
المعتصم بطل شجاع، فارس صنديد لم يكن في بني العباس أشجع منه ولا أشد قلبا. قال ابن أبي داود: كان المعتصم يقول لي: يا أبا عبد الله عض على ساعدي بأكثر قوتك، فأقول والله يا أمير المؤمنين ما تطيب نفسي بذلك، فيقول: إنه لا يضرني، فأروم ذلك، فإذا هو لا تعمل فيه الأسنّة، فكيف تعمل فيه الأسنان. ويقال أنه طعنه بعض الخوارج، وعليه درع، فأقام المعتصم ظهره فقصم الرمح نصفين. وكان يشد يده على كتابة الدينار فيمحوها، ويأخذ عمود الحديد فيلويه حتى يصير طوقا في العنق.
إبراهيم بن الأشتر النخعي كان من الشجعان المعدودين، حارب عبيد الله بن زياد وهو في أربعة آلاف، وعبيد الله في سبعين ألفا، فظهر به وقتله بيده وهزم جيشه. عبد الله بن الحر الجعفي، شجاع شاعر فاتك له وقائع عظيمة هائلة، وأخباره في الشجاعة مشهورة.
جحدر بن ربيعة العكلي، كان بطلا شجاعا فاتكا مغيرا شاعرا، قهر أهل اليمامة، وأبادهم، فبلغ ذلك الحجاج بن يوسف، فكتب إلى عامله يوبخه بتغلب جحدر عليه، ويأمر بالتجرد له حتى يقتله، أو يحمله إليه أسيرا، فوجّه العامل إليه فتية من بني حنظلة، وجعل لهم جعلا عظيما إن هم قتلوا جحدرا أو أتوا به أسيرا، فتوجه الفتية في طلبه حتى إذا كانوا قريبا منه أرسلوا يقولون له أنهم يريدون الانقطاع إليه والارتفاق به، فوثق بذلك منهم، وسكن إلى قولهم، فبينما هو معهم يوما إذ وثبوا عليه فشدوه وثاقا، وقدموا به على العامل، فوجه به إلى الحجاج معهم، فلما قدموا به عليه ومثل بين يديه قال له: أنت جحدر؟ قال:
نعم، أصلح الله الأمير. قال: ما جرأك على ما بلغني عنك؟ قال: أصلح الله الأمير: كلب الزمان «2» ، وجفوة السلطان وجرأة الجنان. قال: وما بلغ من أمرك؟ قال: لو ابتلاني «3» الأمير، وجعلني مع الفرسان لرأى مني ما يعجبه، قال: فتعجب الحجاج من ثبات عقله، ومنطقه، ثم قال: يا جحدر إني قاذف بك في حاجر فيه أسد عظيم، فإن قتلك كفانا مؤنتك، وإن قتلته عفونا عنك. قال:
أصلح الله الأمير قرب الفرج إن شاء الله تعالى، فأمر به، فصفدوه بالحديد، ثم كتب إلى عامله أن يرتاد له أسدا ويحمله إليه، فتحيل العامل وارتاد له أسدا كان كاسرا خبيثا قد أفنى عامة المواشي، فتحيلوا حتى أخذوه وصيروه في تابوت وسحبوه على عجل، فلما قدموا به على الحجاج أمر به فألقي في الحاجر ولم يطعم شيئا ثلاثة أيام حتى جاع واستكلب، ثم أمر بجحدر أن ينزلوه إليه، فأعطوه سيفا وأنزلوه إليه مقيدا، وأشرف الحجاج والناس حوله ينظرون إلى الأسد ما هو صانع بجحدر، فلما نظر الأسد إلى جحدر نهض ووثب وتمطّى وزعق زعقة دويت منها الجبال، وارتاعت أهل الأرض، فشد عليه جحدر، وهو ينشد ويقول:
ليث وليث في مجال ضنك
…
كلاهما ذو قوة وسفك
وصولة وبطشة وفتك
…
إن يكشف الله قناع الشكّ
فأنت لي في قبضتي وملكي ثم دنا منه وضربه بسيفه ففلق هامته، فكبّر الناس وأعجب الحجاج ذلك، وقال: لله درك ما أنجبك، ثم أمر به، فأخرج من الحاجر وفك عنه قيوده وقال له: اختر إما أن تقيم معنا فنكرمك، ونقرب من منزلتك وإما أن نأذن لك، فتلحق ببلادك وأهلك على أن تضمن لنا أن لا تحدث بها حدثا، ولا تؤذي بها أحدا، قال: بل أختار