الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليت شعري أي قوم أجدبوا
…
فأغيثوا بك من بعد العجف «1»
نظر الله لهم من بيننا
…
وحرمناك بذنب قد سلف
يا أبا إسحاق سر في دعة «2»
…
وامض مصحوبا فما منك خلف
إنما أنت ربيع باكر
…
حيثما صرّفه الله انصرف
وقال آخر:
لو كان يقعد فوق الشمس وارتفعوا
…
قوم لقيل اقعدوا يا آل عباس
ثم ارتقوا في شعاع الشمس وارتفعوا
…
إلى السماء فأنتم سادة الناس
وللحسين بن مطير الأسدي في المهدي:
لو يعبد الناس يا مهدي أفضلهم
…
ما كان في الناس إلا أنت معبود
أضحت يمينك من جود مصورة
…
لا بل يمينك منها صوّر الجود
لو أنّ من نوره مثقال خردلة
…
في السود طرّا إذن لابيضت السود
وقال آخر:
أوليتني نعما وفضلا زائدا
…
وبررتني حتى رأيتك والدا «3»
أقسمت لو جاز السجود لمنعم
…
ما كنت إلا راكعا لك ساجدا
وقال آخر:
ثناؤك في الدنيا من المسك أعطر
…
وحظك في الدنيا جزيل موقر «4»
وكفك بحر والأنامل أنهر
…
رعى الله كفّا فيه بحر وأنهر
أعيذك بالرحمن من كل حاسد
…
فلا زالت الحساد تغبى وتصغر «5»
لساني قصير في مديحك سيدي
…
لأنّي فقير والفقير مقصّر
الفصل الثاني من هذا الباب في شكر النعمة
أما الشكر الواجب على جميع الخلائق فشكر القلب، وهو أن يعلم العبد أن النعمة من الله عز وجل، وأن لا نعمة على الخلق من أهل السموات والأرض إلا وبدايتها من الله تعالى حتى يكون الشكر لله عن نفسك، وعن غيرك والدليل على أن الشكر محله القلب وهو المعرفة. قوله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ
«6» .
أيقنوا أنها من الله.
وقيل: الشكر معرفة العجز عن الشكر وقد روي أن داود عليه السلام قال: إلهي كيف أشكرك وشكري لك نعمة من عندك، فأوحى الله تعالى إليه: الآن قد شكرتني. وفي هذا يقال الشكر على الشكر أتم الشكر.
ولمحمود الوراق:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة
…
عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلّا بفضله
…
وإن طالت الأيام واتصل العمر
إذا مسّ بالسرّاء عمّ سرورها
…
وإن مسّ بالضراء أعقبها الأجر
فما منهما إلّا له فيه نعمة
…
تضيق بها الأوهام والسر والجهر
وفي مناجاة موسى عليه السلام: إلهي خلقت آدم بيدك، وفعلت وفعلت، فكيف أشكرك؟ فقال: إعلم إن ذلك مني، فكانت معرفته بذلك شكره لي. وأما شكر اللسان، فقد قال الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 11
«7» .
ويروى عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بالنعم شكر» .
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: تذكروا النعم، فإن ذكرها شكر. وأما الشكر الذي في الجوارح، فقد قال الله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً
«8» الآية، فجعل العمل شكرا.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام حتى تورمت قدماه، فقيل له:
يا رسول الله: أتفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا لله شكورا.
وقال أبو هارون: دخلت على أبي حازم، فقلت له:
يرحمك الله ما شكر العينين: قال: إذا رأيت بهما خيرا ذكرته، وإذا رأيت بهما شرا سترته، قلت: فما شكر الأذنين؟ قال: إذا سمعت بهما خيرا حفظته، وإذا سمعت بهما شرا نسيته.
وفي حكمة إدريس عليه الصلاة والسلام: لن يستطيع أحد أن يشكر الله على نعمة بمثل الإنعام على خلقه ليكون صانعا إلى الخلق مثل ما صنع الخالق إليه، فإذا أردت أن تحرس دوام النعمة من الله تعالى عليك، فأدم مواساة الفقراء. وقد وعد الله تعالى عباده بالزيادة على الشكر، فقال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
«1» . وقد جعل لعباده علامة يعرف بها الشاكر، فمن لم يظهر عليه المزيد علمنا أنه لم يشكر، فإذا رأينا الغني يشكر الله تعالى بلسانه، وماله في نقصان علمنا أنه قد أخلّ بالشكر، إما أنه لا يزكي ماله أو يزكيه لغير أهله، أو يؤخره عن وقته، أو يمنع حقا واجبا عليه من كسوة عريان، أو إطعام جائع أو شبه ذلك، فيدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لو صدق السائل ما أفلح من رده» .
قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ
«2» . وإذا غيروا ما بهم من الطاعات غيّر الله ما بهم من الإحسان.
وقال بعض الحكماء من أعطي أربعا لم يمنع من أربع، من أعطي الشكر لا يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة لا يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب.
وقال المغيرة بن شعبة: أشكر من أنعم عليك وأنعم على من شكرك، فإنه لا بقاء للنعم إذا كفرت، ولا زوال لها إذا شكرت.
وكان الحسن يقول: ابن آدم متى تنفك «3» من شكر النعمة وأنت مرتهن بها «4» ، كلما شكرت نعمة تجد ذلك بالشكر أعظم منها عليك، فأنت لا تنفك بالشكر من نعمة إلا إلى ما هو أعظم منها «5» .
وروي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دعي إلى أقوام ليأخذهم على ريبة، فافترقوا قبل أن يأخذهم عثمان، فأعتق رقبة شكرا لله تعالى إذ لم يجر على يديه فضيحة مسلم.
ويروى أن نملة قالت لسليمان بن داود عليهما السلام:
يا نبي الله أنا على قدري أشكر لله منك، وكان راكبا على فرس ذلول «6» فخرّ ساجدا لله تعالى، ثم قال: لولا أني أبجلك لسألتك عن أن تنزع مني ما أعطيتني.
وقال صدقة بن يسار: بينما داود عليه السلام في محرابه إذ مرت به دودة، فتفكر في خلقها، وقال: ما يعبأ الله بخلق هذه، فأنطقها الله تعالى له، فقال له: يا داود تعجبك نفسك، وأنا على قدر ما آتاني الله تعالى أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك.
وقال علي رضي الله عنه: احذروا إنفار النعم «7» فما كل شارد مردود. وعنه عليه السلام: إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا اتصالها بقلة الشكر. وقيل: إذا قصرت يداك عن المكافأة، فليطل لسانك بالشكر. وقال حكيم:
الشكر ثلاث منازل: ضمير القلب، ونشر اللسان «8» ومكافأة اليد. قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
…
يدي ولساني والضمير المحجّبا
وقال ابن عائشة: كان يقال ما أنعم الله على عبد نعمة، فظلم بها إلا كان له حقا على الله تعالى أن يزيلها عنه، وأنشد أبو العباس بن عمارة في المعنى:
أعارك ماله لتقوم فيه
…
بواجبه وتقضي بعض حقه
فلم تقصد لطاعته ولكن
…
قويت على معاصيه برزقه
وقال آخر:
ولو أنّ لي في كل منبت شعرة
…
لسانا يطيل الشكر كنت مقصّرا
وقال محمد بن حبيب الراوية: إذا قل الشكر خسر المن. وروي: إذا جحدت الصنيعة خسر الامتنان. وسئل بعض الحكماء: ما أضيع الأشياء؟ قال: مطر الجود في أرض سبخة لا يجف ثراها «1» ، ولا ينبت مرعاها، وسراج يوقد في الشمس «2» ، وجارية حسناء تزف إلى أعمى «3» ، وصنيعة تسدى إلى من لا يشكرها.
وقال عبد الأعلى بن حماد: دخلت على المتوكل، فقال: يا أبا يحيى: قد هممنا أن نصلك بخير فتدافعته الأمور، فقلت: يا أمير المؤمنين بلغني عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: من لم يشكر الهمة لم يشكر النعمة. وأنشدته:
لأشكرن لك معروفا هممت به
…
فإنّ همّك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدر
…
فالشرّ بالقدر المحتوم مصروف
وقال أبو فراس بن حمدان:
وما نعمة مكفورة قد صنعتها
…
إلى غير ذي شكر تمانعني أخرى
سآتي جميلا ما حييت فإنّني
…
إذا لم أفد شكرا أفدت به أجرا
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من امتطى الشكر بلغ به المزيد. وقيل: من جعل الحمد خاتمة النعمة جعله الله فاتحة للمزيد. وقال ابن السماك: النعمة من الله تعالى على عبده مجهولة، فإذا فقدت عرفت. وقيل: من لم يشكر على النعمة فقد استدعى زوالها. وكان يقال: إذا كانت النعمة وسيمة، فاجعل الشكر لها تميمة.
وقال حكيم: لا تصطنعوا ثلاثة، اللئيم فإنه بمنزلة الأرض السبخة، والفاحش فإنه يرى أن الذي صنعت إليه إنما هو لمخافة فحشه، والأحمق فإنه لا يعرف قدر ما أسديت إليه. وإذا اصطنعت الكريم فازرع المعروف واحصد الشكر. ودخل أبو نخيلة على السفاح لينشده، فقال: ما عسيت أن تقول بعد قولك لمسلمة:
أمسلمة يا فخر كلّ خليفة
…
ويا فارس الدنيا ويا جبل الأرض
شكرتك إنّ الشكر دين على الفتى
…
وما كلّ من أوليته نعمة يقضي
وأحييت لي ذكري وما كان خاملا
…
ولكنّ بعض الذكر أنبه من بعض
وسمعه الرشيد فقال: هكذا يكون شعر الأشراف مدح صاحبه، ولم يضع نفسه.
وعن نصر بن سيار عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أنعم على رجل نعمة فلم يشكر له فدعا عليه استجيب له» . ثم قال نصر:
اللهم إني أنعمت على بني سام فلم يشكروا، اللهم اقتلهم، فقتلوا كلهم.
وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن ليشبع من الطعام، فيحمد الله تعالى، فيعطيه من الأجر ما يعطي الصائم القائم، إن الله شاكر يحب الشاكرين» .
وعن محمد بن علي: ما أنعم الله على عبد نعمة، فعلم أنها من الله إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها، ولا أذنب عبد ذنبا فعلم أن الله قد أطلع عليه إن شاء غفر له وإن شاء أخذه قبل أن يستغفره إلا غفر الله له قبل أن يستغفره.
وأولى رجل رجلا أعرابيا خيرا، فقال: لا أبلاك الله ببلاء يعجز عنه صبرك، وأنعم عليك نعمة يعجز عنها شكرك.
وأنشد بعضهم وأجاد:
سأشكر لا أنّي أجازيك منعما
…
بشكري ولكن كي يزاد لك الشكر
وأذكر أياما لديّ اصطنعتها
…
وآخر ما يبقى على الشاكر الذكر
وقال آخر:
أوليتني نعما أبوح بشكرها
…
وكفيتني كلّ الأمور بأسرها
فلأشكرنّك ما حييت وإن أمت
…
فلتشكرنّك أعظمي في قبرها
وقال آخر:
أيا ربّ قد أحسنت عودا وبدأة
…
إليّ فلم ينهض بإحسانك الشكر
فمن كان ذا عذر لديك وحجة
…
فعذري إقراري بأن ليس لي عذر