الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الياقوت وفي أوديته الماس الذي يقطع به الصخور ويثقب به اللؤلؤ، وفيه العود والفلفل ودابة المسك ودابة الزباد.
جبل الروم: الذي فيه السد طوله سبعمائة فرسخ وينتهي إلى بحر الظلمات.
جبل أبي قبيس: سمي بذلك لأن آدم عليه الصلاة والسلام كنّاه بذلك حين اقتبس منه النار التي بين أيدي الناس، وقيل غير ذلك.
جبل القدس: جبل شريف مبارك فيه غار يضيء بالليل من غير سراج، ويزوره الناس.
جبل أروند: بهمذان برأسه عين تخرج من صخرة أياما معدودة في السنة تقصد من كل وجه يستشفى بها.
جبل الشام: لونه أسود كالفحم وترابه أبيض تبيض به الثياب.
جبل الأندلس: فيه غار إذا دهنت فتيلة وأدخلتها فيه أوقدت، وبها جبل به عينان إحداهما باردة والأخرى حارة، والمسافة التي بينهما مقدار شبر، وجبل به معدن الكبريت والزئبق والزنجفر.
جبل سمرقند: يقطر منه ماء في الصيف يصير جليدا وفي الشتاء يحرق من حرارته.
جبل الصور: بكرمان يكسر حجره، فيخرج منه كصور الآدميين قائمين وقاعدين ومضطجعين، وإذا سحق وطرح في الماء يرى كذلك.
جبل الأرجان: بطبرستان يقطر منه ماء كل قطرة تصير حجرا مسدسا أو مثمنا.
جبل هرمز: ينزل منه ماء إلى وهدة، فإن صاح إنسان صيحة وقف فإن ثنّى جرى.
جبل الطير: بإقليم الصعيد يجتمع عنده الطير في كل سنة مرة ويدخل في كوة هناك، فتمسك الكوة على واحدة، وتطير البقية، ويكون ذلك علامة الخصب في تلك السنة. ولنقتصر على ذلك، ومن أراد الوقوف على جميعها فعليه بتاريخ مرآة الزمان.
الفصل الثالث في ذكر المباني العظيمة وغرائبها وعجائبها
قال أهل التواريخ، ونقلة الأخبار: إن أول بناء بني على وجه الأرض الصرح الذي بناه نمرود الأكبر بن كوش بن حام بن نوح عليه الصلاة والسلام وبقعته بكوثى من أرض بابل وبه إلى عصرنا أثر ذلك البناء كأنه جبال شاهقات. قالوا: كان طوله خمسة آلاف ذراع بناه بالحجارة والرصاص والشمع واللبان ليمتنع هو وقومه من طوفان ثان، فأخرب الله تعالى ذلك الصرح في ليلة واحدة بصيحة، فتبللت بها ألسنة الناس، فسميت أرض بابل.
إرم ذات العماد: التي لم يخلق مثلها في البلاد.
حكى الشعبي في كتاب سير الملوك: أن شداد بن عاد ملك جميع الدنيا وكان قومه قوم عاد الأولى زادهم الله بسطة في الأجسام وقوة حتى قالوا من أشد منا قوة. قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً
«1» . وأن الله تعالى بعث إليهم هودا نبيا عليه الصلاة والسلام فدعاهم إلى الله تعالى، فقال له شداد: إن آمنت بإلهك فماذا لي عنده؟ قال: يعطيك في الآخرة جنة مبنية من ذهب ويواقيت ولؤلؤ وجميع أنواع الجواهر. قال شداد: أنا أبني مثل هذه الجنة ولا أحتاج إلى ما تعدني به.
قال: فأمر شداد ألف أمير من جبابرة قوم عاد أن يخرجوا ويطلبوا أرضا واسعة كثيرة الماء طيبة الهواء بعيدة من الجبال ليبني فيها مدينة من ذهب. قال: فخرج أولئك الأمراء، ومع كل أمير ألف رجل من خدمه وحشمه، فساروا في الأرض حتى وصلوا إلى جبل عدن، فرأوا هناك أرضا واسعة طيبة الهواء، فأعجبتهم تلك الأرض، فأمروا المهندسين والبنائين، فخطوا مدينة مربعة الجوانب دورها أربعون فرسخا من كل جهة عشرة فراسخ، فحفروا الأساس إلى الماء وبنوا الجدران بحجارة الجزع اليماني حتى ظهر على وجه الأرض ثم أحاطوا به سورا ارتفاعه خمسمائة ذراع وغشوه بصفائح الفضة المموهة بالذهب فلا يكاد يدركه البصر إذا أشرقت الشمس، وكان شداد قد بعث إلى جميع معادن الدنيا، فاستخرج منها الذهب واتخذه لبنا، ولم يترك في أحد من الناس في جميع الدنيا شيئا من الذهب إلا غصبه، واستخرج الكنوز المدفونة، ثم بنى داخل المدينة مائة ألف قصر بعدد رؤساء مملكته كل قصر على عمد من أنواع الزبرجد واليواقيت معقودة بالذهب طول كل عمود مائة ذراع، وأجرى في وسطها أنهارا، وعمل منها جداول لتلك القصور والمنازل، وجعل حصاها من الذهب والجواهر واليواقيت وحلى قصورها بصفائح الذهب والفضة، وجعل على حافات الأنهار أنواع الأشجار جذوعها من الذهب وأوراقها وثمرها من أنواع الزبرجد واليواقيت واللآلىء. وطلى
حيطانها بالمسك والعنبر وجعل فيها جنة مزخرفة له وجعل أشجارها الزمرد واليواقيت وسائر أنواع المعادن، ونصب عليها أنواع الطيور المسموعة الصادح والمغرد، وغير ذلك، ثم بنى حول المدينة مائة ألف منارة برسم الحراس الذين يحرسون المدينة، فلما كمل بناؤها أمر في مشارق الأرض ومغاربها أن يتخذوا في البلاد بسطا وستورا وفرشا من أنواع الحرير لتلك القصور والغرف، وأمر باتخاذ أواني الذهب والفضة، فاتخذوا جميع ما أمر به، فلما فرغوا من ذلك جميعه خرج شداد من حضرموت في أهل مملكته، وقصد مدينة إرم ذات العماد، فلما أشرف عليها ورآها قال: قد وصلت إلى ما كان هود يعدني به بعد الموت، وقد حصلت عليه في الدنيا، فلما أراد دخولها أمر الله تعالى ملكا، فصاح بهم صيحة الغضب، وقبض ملك الموت أرواحهم في طرفة عين، فخروا على وجوههم صرعى. قال الله تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى 50
«1» .
وذلك قبل هلاك عاد بالريح العقيم، وأخفى الله تعالى تلك المدينة عن أعين الناس، فكانوا يرون بالليل في تلك البرية التي بنيت فيها معادن الذهب والفضة واليواقيت تضيء كالمصابيح، فإذا وصلوا إليها لم يجدوا هناك شيئا «2» .
وقد نقل أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له عبد الله بن قلابة الأنصاري دخل إليها وذلك أنه ضلت له إبل، فخرج في طلبها، فوصل إليها فلما رآها دهش وبهت ورأى ما أذهله وحيره، وقال في نفسه: هذه تشبه الجنة التي وعد الله بها عباده المتقين في الآخرة، فقصد بابا من أبوابها، فلما وصل إليه أناخ راحلته، ودخل المدينة، فرأى تلك القصور والأنهار والأشجار، ولم ير في المدينة أحدا. فقال: أرجع إلى معاوية وأخبره بهذه المدينة وما فيها، ثم حمل معه شيئا من تلك الجواهر واليواقيت في وعاء، وجعله على راحلته وعلم على المدينة علامة، وقال قربها من جبل عدن كذا، ومن الجهة الفلانية كذا، ثم انصرف عنها بعدما ظفر بإبله، ثم دخل على معاوية رضي الله تعالى عنه بدمشق، وأخبره بجميع ما رآه، فقال له معاوية: في اليقظة رأيتها أم في المنام؟ قال: بل في اليقظة، وقد حملت من حصبائها وأخرج له شيئا مما حمله من الجواهر واليواقيت فتعجب معاوية من ذلك، ثم أرسل إلى كعب الأحبار رضي الله تعالى عنه، فلما دخل عليه قال له معاوية يا أبا إسحاق: هل بلغك أن في الدنيا مدينة من ذهب؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، وقد ذكرها الله عز وجل في القرآن لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله عز من قائل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ 6 إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ 7
«3» . وقد أخفاها الله تعالى عن أعين الناس، وسيدخلها رجل من هذه الأمة يقال له عبد الله بن قلابة الأنصاري، ثم التفت، فرأى عبد الله بن قلابة فقال: ها هو يا أمير المؤمنين، وصفه واسمه في التوراة «4» ، ولا يدخلها أحد بعده إلى يوم القيامة. وقيل: إن ذلك كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وأن الرجل الذي دخلها حكى ذلك لعمر بن الخطاب فلم ينكره ولا من كان حاضرا بل قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخلها بعض أمتي «5» ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن المباني العجيبة الخورنق: الذي بناه النعمان بن امرىء القيس وهو النعمان الأكبر بناه في عشرين سنة، فلما انتهى أعجبه، فخشي أن يبنى لغيره مثله، فأمر أن يلقى بانيه من أعلاه، فألقوه فتقطع، واسم بانيه سنمار، فصارت العرب تضرب به المثل. يقولون جزاه جزاء سنمار. قال الشاعر:
جازى بنوه أبا الغيلان عن كبر
…
وحسن فعل كما يجزى سنمار
ومن المباني العجيبة حائط العجوز: واسمها دلوك القبطية، وسبب بنائها لذلك أنها ولدت ولدا، فأخذت له الرصد، فقيل لها يخشى عليه من التمساح، فلما شب الغلام خافت عليه، فبنت الحائط وجعلته من العريش إلى إسوان شاملا لكورة مصر من الجانب الشرقي، وقيل: بنته خوفا على مصر وأهلها بعد غرق فرعون أن يطمع الملوك فيها، وقد قيل إنها أرادت أن تخوف ولدها من التمساح حتى لا ينزل البحر، فصورت له صورة التمساح، فرآه شكلا مهولا، فأذهله، وأخذه الفزع والهم فضعف وانسل إلى أن مات. لا مفر من قضاء الله تعالى.
ومن المباني العجيبة الأهرام: وهي بالجانب الغربي من مصر مشاهدة في زماننا هذا. قيل أن دور الهرم الأكبر من
الثلاثة ألفا ذراع من كل جهة خمسمائة ذراع وعلوه خمسمائة ذراع، وقد ذهب المأمون إلى مصر حتى شاهدها على ما ذكر، وفتح منها هرما، وتعجب من بنيانها وصفتها قيل: إن كل حجر من حجارتها ثلاثون ذراعا في عرض عشرة أذرع، وقد أحكم إلصاقه ونحته وتسويته ولا يقدر النجار الصانع أن يتخذ من خشب صندوقا صغيرا على إحكامه، وهي من عجائب الدنيا.
قال بعضهم:
أين الذي الهرمان من بنيانه
…
ما قومه ما يومه ما المصرع
تتخلّف الآثار عن سكانها
…
حينا ويدركها الفناء فتصرع
وزعم قوم أن الأهرام الموجودة بمصر قبور لملوك عظام أرادوا أن يتميزوا بها عن الناس بعد مماتهم كما تميزوا عنهم في حياتهم، ورجوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور وتراخي العصور. ولما وصل المأمون إلى مصر أمر بنقبها، فنقب أحدها بعد جهد شديد وعناء طويل، فوجد داخله مزاليق ومهاوي يهول أمرها ويعسر السلوك فيها، ووجد في أعلاه بيت وفي وسطه حوض من رخام مطبق، فلما كشف غطاؤه لم يوجد فيه إلا رمة بالية، فعند ذلك أمر المأمون بالكف عما سواه.
ويقال: إن الذي بناها اسمه سوريد بن سهراق بن سرياق لرؤيا رآها وهي آفة تنزل من السماء وهي الطوفان، فقالوا: إنه بناها في ستة أشهر وقال: قلّ لمن يأتي بعدنا يهدمها في ستمائة سنة، والهدم أيسر من البنيان، وكسوناها الديباج الملون، فليكسها حصرا، والحصر أهون من الديباج، والأمر فيها عجيب جدا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن المباني العجيبة منار الاسكندرية التي بناها ذو القرنين، قيل: إنها كانت مبنية بحجارة منهدمة مغموسة في الرصاص فيها نحو من ثلاثمائة بيت تصعد الدابة بحملها إلى كل بيت، وللبيوت طاقات تطل على البحر ويقال: إن طولها كان ألف ذراع، وفي أعلاها تماثيل من نحاس منها تمثال رجل قد أشار بيده إلى البحر، فإذا صار العدو على نحو ليلة منه سمع له تصويت يعلم به أهل المدينة مجيء العدو، فيستعدون له، ومنها تمثال كلما مضى من الليل ساعة صوّت تصويتا مطربا، ويقال: إنه كان بأعلاها مرآة من الحديد الصيني عرضها سبعة أذرع كانوا يرون فيها المراكب بجزيرة قبرص، وقيل: كانوا يرون فيها من يخرج من البحر من جميع بلاد الروم، فإن كانوا أعداء تركوهم حتى يقربوا من المدينة، فإذا مالت الشمس للغروب أداروا المرآة مقابلة الشمس، واستقبلوا بها السفن، فيقع شعاعها بضوء الشمس على السفن فتحرق في البحر، ويهلك كل من فيها، وكانت الروم تؤدي الخراج ليأمنوا بذلك من إحراق السفن، ولم تزل كذلك إلى زمن الوليد بن عبد الملك.
قال المسعودي: قيل إن ملكا من الروم تحيل على الوليد وأظهر أنه يريد الإسلام، وأرسل إليه تحفا، وهدايا، وأظهر له بواسطة حكماء كانوا عنده أن ببلاده دفائن، وأرسل له بذلك قسيسين من خواصه، وأرسل معهم أموالا قيل إنهم حفروا بقرب المنارة ودفنوا تلك الأموال وقالوا للوليد: إن تحت المنارة كنوزا لا تنفذ وبإزائها خبية بها كذا وكذا ألف دينار، فأمرهم باستخراج ما بالقرب من المنارة، فإن كان ذلك حقا استخرجوا ما تحت المنارة بعد هدمها فحفروا واستخرجوا ما دفنوه بأيديهم، فعند ذلك أمر الوليد بهدم المنارة واستخراج ما تحتها فهدموها، فلم يجدوا تحتها شيئا، وهرب أولئك القسيسون، فعلم الوليد أنها مكيدة عليه، فندم على ذلك غاية الندم، ثم أمر ببنائها بالآجر ولم يقدروا أن يرفعوا إليها تلك الحجارة، فلما أتموها نصبوا عليها المرآة كما كانت، فصدئت، ولم يروا فيها شيئا مثل ما كانوا يرون أولا، وبطل إحراقها، فندموا على ما فعلوا، وفاتهم من جهلهم وطمعهم نفع عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد عملت الجن لسليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام في الإسكندرية مجلسا على أعمدة من الجزع اليماني المصقول كالمرآة إذا نظر الإنسان إليها يرى من يمشي خلفه لصفائها، وفي وسط ذلك المجلس عمود من الرخام طوله مائة وأحد عشر ذراعا، وفي تلك الأعمدة عمود واحد يتحرك شرقا وغربا بطلوع الشمس وغروبها يشاهد الناس ذلك ولا يعلمون ما سببه.
وفي مدينة حمص مدينة أخرى تحت المدينة المسكونة العليا فيها من عجائب البنيان والبيوت والغرف والماء الجاري في كل طريق من طرقها ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
وعند حوران مدينة عظيمة يقال لها: اللجأة فيها من البنيان ما يعجز عن وصفه ألسنة العقلاء. كل دار منها مبنية من الصخر المنحوت ليس في الدار «1» خشبة واحدة بل
أبوابها وغرفها، وسقوفها وبيوتها من الصخر المنحوت الذي لا يستطيع أحد أن يعمله من الخشب، وفي كل دار بئر وطاحون، وكل دار مفردة لا يلاصقها دار أخرى، وكل دار كالقلعة الحصينة إذا خاف تلك النواحي من العدو دخلوا إلى تلك المدينة، فينزل كل إنسان في دار بجميع عياله وخيله، وغنمه وبقره، ويغلق بابه، ويجعل خلف الباب حصاة فلا يقدر أحد على فتح ذلك الباب لإحكامه، وفي هذه المدينة أكثر من مائتي ألف دار، فيما يقال، ولا يعلم أحد من بناها، وسمتها العرب اللجأة لأنهم يلجأون إليها عند الخوف.
ومن المباني العجيبة إيوان كسرى أنو شروان: بناه سابور ذو الأكتاف في نيف وعشرين سنة، وطوله مائة ذراع في عرض خمسين بناه بالآجر، والجص، وجعل طول كل شرافة من شراريفه خمسة عشر ذراعا، ولما ملك المسلمون المدائن أحرقوا هذا الإيوان، فأخرجوا منه ألف دينار ذهبا.
وحكي أن المنصور لما أراد بناء بغداد عزم على هدمه وأن يجعل آلته في بنائه، فقيل له: إن نقضه يتكلف بقدر العمارة، فلم يسمع وهدم شرافة، وحسب ما أنفق عليه، فوجد الأمر كذلك، وقيل إن بعض رؤساء مملكته قال له لما أراد هدمه: هو آية الإسلام، فلا تهدمه.
وحكي أنه كان بمدينة قيسارية كنيسة بها مرآة إذا اتهم الرجل امرأته بزنا نظر في تلك المرآة، فيرى صورة الزاني، فاتفق أن بعض الناس قتل غريمه، فعمد أهله إليها، فكسروها والله سبحانه وتعالى أعلم، وقد اقتصرت من ذلك على هذا القدر اليسير، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب السابع والستون في ذكر المعادن والأحجار وخواصها
المعادن لا تكاد تحصى لكن منها ما يعرفه الناس ومنها ما لا يعرفونه وهي مقسومة إلى ما يذوب وإلى ما لا يذوب، والذي اشتهر بين الناس من المعادن سبعة:
وهي الذهب والفضة والنحاس والحديد والقصدير والأسرب والخارصيني.
ولنبدأ أولا بذكر (الذهب) فقيل طبعه حار لطيف لشدة اختلاط أجزائه المائية بالترابية. قيل: إن النار لا تقدر على تفريق أجزائه فلا يحترق ولا يبلى ولا يصدأ، وهو لين براق، حلو الطعم، أصفر اللون، فالصفرة من ناريته، والليونة من دهنيته، والبراقة من صفاء مائه.
خواصه: يقوي القلب ويدفع الصرع تعليقا، ويمنع الفزع والخفقان ويقوي العين كحلا ويجلوها إذا كان ميلا، ويحسن نظرها وإذا ثقبت به الأذن لم تلتحم وإذا كوى به لم ينفط ويبرأ سريعا، وإمساكه في الفم يزيل البخر.
(الفضة) قريبة منه وتصدأ وتحترق وتبلى بالتراب، وإذا أصابتها رائحة الرصاص والزئبق تكسرت أو رائحة الكبريت اسودت.
ومن خواصها: أنها تزيل البخر من الفم إذا وضعت فيه، وإذا أذيبت مع الزئبق وطلي بها البدن نفع ذلك من الحكة والجرب وعسر البول.
(النحاس) قريب منها لكنه أيبس، وأغلظ في الطبع.
ومن خواصه: إذا صدىء وطلي بالحامض زال صدؤه، والأكل في آنيته يولد أمراضا لا دواء لها.
(الحديد) كثير الفائدة إذ ما من صنعة إلا وله فيها مدخل.
ومن خواصه: أنه يمنع غطيط النائم إذا علق عليه وحمله يقوي القلب ويزيل الخوف والأفكار والأحلام الرديئة، ويسر النفس، وصدؤه ينفع أمراض العين كحلا والبواسير تحملا.
(القصدير) صنف من الفضة دخل عليه آفات من الأرض.
ومن خواصه: أنه إذا ألقي في قدر لم ينضج ما فيها.
(الأسرب) هو الرصاص. (ومن خواصه) : أنه يكسر الماس، ومن خواص الماس الدخول في كل شيء، وإذا شد من الرصاص قطعة على الخنازير، والغدد أبرأتها.
(الخارصيني) حجر لونه أسود، لونه يعطي حمرة.
ومن خواصه: إذا عمل منه مرآة ونظر فيها في الظلمات نفعت للقوة وإذا نتف الشعر بملقاط منه لم ينبت.
الأحجار الجوهرية:
أصل الجوهر، وهو الدر على ما قيل أن حيوانا يصعد من البحر على ساحله وقت المطر ويفتح أذنه يلتقط بها المطر، ويضمها ويرجع إلى البحر، فينزل إلى قراره ولا يزال طابقا أذناه على ما فيها خوفا أن يختلط بأجزاء البحر
حتى ينضج ما فيها، ويصير درا، فإن كانت القطرة صغيرة كانت الدرة صغيرة، وإن كانت كبيرة فكبيرة، فإن كان في بطن هذا الحيوان شيء من الماء المر كانت الدرة كدرة، وإن لم يكن كانت صافية، وقيل غير ذلك. والدر نوعان:
كبير، وصغير. قيل إنه تصل الواحدة إلى مثقال «1» .
خواصه: أنه يفرح القلب ويبسط النفس ويحسن الوجه، ويصفي دم القلب، وإذا خلط مع الكحل شد عصب العين.
(الياقوت) سيد الأحجار، وأصول ألوانه أربعة: الأحمر والأصفر والأزرق والإسمانجوني ويتولد منها ألوان كثيرة وأعدلها الأحمر الخالص الرماني الشبيه بحب الرمان الأحمر، ودونه الأحمر المشرب ببياض، ثم الوردي، ثم الخمري، ثم العصفري وأردؤه الأزرق، الذي لونه يشبه زهر السوسن وأقله قيمة الأبيض.
خواصه: أنه لا يعمل فيه الفولاذ ولا حجر الماس ولا تدنسه النار ويورث لابسه مهابة ووقارا، ويسهل قضاء الحوائج ويدر الريق في الفم ويقطع العطش ويدفع السم ويقوي القلب، وجميعه ينفع للمصروع تعليقا، والأبيض منه يبسط النفس، ويوجد من الأصفر ما وزنه ثلاثون مثقالا على ما قيل.
(البلخش) هو مقارب الياقوت في القيمة ودونه في الشرف.
ومن خواصه: أنه يورث قبض النفس وسوء الخلق والحزن وهو ألوان أحمر وأخضر وأصفر.
(البنقش) أصناف أحمر مفتوح اللون صاف وأحمر قوي الحمرة، وأسود يعلوه حمرة مطوسة بزرقة خفيفة، ثم أصفر مفتوح اللون.
(عين الهر) حجر يتكون من معدن الياقوت، والغالب عليه البياض الناصع بإشراق مفرط ومائيته رقيقة شفافة وفي مائيته سر إذا حرك يمينا تحركت يسارا وبالعكس.
ومن خواصه: إذا علق على العين أمن عليها من الجدري على ما قيل.
(الماس) يوجد بواد بالهند يقال إنه مشحون بالحيات، فيأتي من يريد إستخراجه من ذلك الوادي فيضع في الوادي مرآة كبيرة، فتأتي الحيات فتنظر إلى خيالها في المرآة، فتفر من ذلك الجانب فينزل، فيأخذ ما له فيه رزق، وقيل إنهم ينحرون الجزر ويلقون لحمها في ذلك الوادي، فيلتصق الماس وغيره باللحم، فتأتي الطير، فتختطف اللحم وتصعد به إلى الجبال فتأكل اللحم وتترك الحجر، فيأخذه صاحب اللحم «2» ، وقيل: إن الحيات لها مشتى ستة أشهر في مكان، ومصيف ستة أشهر في مكان آخر، فإذا ذهبت إلى مشتاها ومصيفها أخذ الحجر في غيبتها، والله أعلم بصحة ذلك. ومن عجيب أمره أنه إذا أريد كسره جعل في أنبونة قصب وضرب فإنه يتفتت وكذا إذا جعل في شمع أو قار، وإذا جعل عليه دم تيس وقرب من النار ذاب.
ومن خواصه: أن الملوك يتخذونه عندهم لشرفه، وهو من السموم القاتلة القطعة الصغيرة منه إذا حصلت في الجوف ولو بقدر السمسمة خرقت الأمعاء.
ومن خواصه الجليلة: أنه يعرق عند وجود السم أو الطعام المسموم.
(الزمرد) ويسمى الزبرجد وهو ألوان أخضر وزنجاري وصابوني، ويكون الحجر منه خمسة مثاقيل وأقل.
ومن خواصه: أنه يدفع العين ويفرح القلب ويقوي البصر، ويصفي الذهن وينشط النفس.
(الفيروزج) نوعان: إسحاقي، وخلنجي، وأجوده الإسحاقي الأزرق الصافي «3» .
خواصه: النظر فيه يجلو البصر، ويقويه، وينشط النفس، ولا يصيب المتختم به آفة من قتل أو غرق، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: ما افتقرت يد تختمت بفيروزج، وإذا مضى له بعد خروجه من معدنه عشرون سنة نقض لونه، ولا يزال كذلك حتى ينطفىء.
(العقيق) معدن بأرض صنعاء باليمن، وهو ألوان ويوجد عليه غشاوة ويحمى عليه ببعر الإبل، ثم يبرد ويكسر، وقيل: يوجد بالهند ولكن اليمن أجود.
خواصه: التختم به وحمله يورث الحمل والأناة، وتصويب الرأي ويسر النفس، ويكسب حامله وقارا، وحسن خلق، ويسكن الحدة عند الخصومة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من تختم بالعقيق لم يزل في بركة» .
(الجزع) هو حجر أيضا يؤتى به من اليمن والصين،
وألوانه كثيرة، والناس يكرهونه لأنه يورث الهم والأحلام الرديئة، وسوء الخلق، وتعسر قضاء الحوائج، ويكثر بكاء الصبي وسيلان لعابه، ويثقل اللسان إذا سحق وشرب ماءه، وإذا وضع بين قوم لا علم لهم به حصلت بينهم العداوة لكنه يسهل الولادة تعليقا.
(البلور) هو صنف من الزجاج يحكى أن ببلاد كيسان جبلين أحدهما بلور، وإذا أريد قطع البلور في ذلك الموضع قطع في الليل لأنه في النهار يكون له شعاع عظيم.
خواصه: النظر فيه يشرح القلب، ويبسط النفس، ويسكن وجع الضرس.
(المرجان) هو واسطة بين النبات والمعدن لأنه بتشجره يشبه النبات، وبتحجره يشبه المعدن، ولا يزال لينا في معدنه، فإذا فارقه تحجر ويبس.
خواصه: النظر فيه يشرح الصدر ويبسط النفس ويفرح القلب، ويذهب بالداء المحتبس في العين، ويسكن الرمد، وسحاقته المخلوطة بالخل تجلو قلح الأسنان، وإذا وضع على الجرح منعه من الانتفاخ، وأنواعه كثيرة أحمر وأزرق وأبيض وأصله من البحر. قيل: إنه شجر ينبت. وقيل: إنه من حيوانه.
(حجر الماطليس) هو حجر هندي لا يعمل فيه الحديد، والبيت الذي يكون فيه لا يدخله السحر ولا الجن ولأجل ذلك كان الإسكندر يجعله في عسكره.
(الحجر الماهاني) من تختم به أمن من الروع والهم والحزن والغم، ولونه أبيض وأصفر، ويوجد بأرض خراسان.
(حجر مراد) يوجد بناحية الجنوب.
وخاصيته: إن الجن تتبع حامله وتعمل له ما أراد.
(الدهنج) خاصيته: أنه إذا سقي إنسان من محكه يفعل فعل السم، وإذا سقي شارب السم منه نفعه، وإذا مسح به موضع اللدغ سكن وينفع من خفقان القلب وإذا طلي بحكاكته بياض البرص أزاله، وإن علق على إنسان غلب عليه الباه.
(السبج) خواصه: أنه يقوي النظر الضعيف من الكبر أو نزول الماء ولبسه ينفع عسر البول وإدمان النظر فيه يحد البصر، وسحاقته تجلو البصر، وإذا علق على من به صداع زال عنه.
(المغناطيس) يوجد في بحر الهند، وهناك لا يتخذ في السفن حديد، ويوجد ببلاد الأندلس أيضا وأجود أنواعه ما كان أسود يضرب إلى حمرة. خواصه: الاكتحال بسحاقته يورث ألفة بين المكتحل وبين من يحبه، ويسهل الولادة تعليقا، ومن تختم به كانت حاجته مقضية، وتعليقه في العنق يزيد في الذهن، وإذا سحق وشرب من سحاقته من به سم بطل سمه، وإذا أصابته رائحة الثوم بطلت خاصيته، وإذا غسل بالخل عاد إلى حالته، وأجوده ما جذب نصف مثقال من الحديد.
(حجر الخطاف) الخطاف يوجد في عشه حجران.
أحدهما أحمر، والآخر أبيض، فالأحمر إذا علق على من يفزع في نومه زال فزعه، والأبيض إذا علق على من به صرع زال عنه.
(حجر الزاج) إذا دخن البيت بسحاقته هرب منه الفأر والذباب.
(حجر الزنجفر) أصله من الزئبق واستحال. وخاصيته:
أنه يدمل الجراحات وينبت اللحم.
(حجر الملح) هو أنواع، وأجوده ما يوجد بأرض سدوم بالقرب من بحر لوط، وقد جعله الله قواما للدنيا.
ومن خاصيته: أنه يحسن الذهب، ويزيد في صفرته، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا علي ابدأ بالملح واختم به، فإن فيه شفاء من سبعين داء.
(حجر النطرون) قال أرسطو: ينفع الأرحام التي غلبت عليها الرطوبة ينشفها ويقويها، وإذا ألقي في العجين طيبه وبيضه ونشفه، وهو نوعان: أبيض وأحمر.
(حجر اللازورد) مشهور. قال أرسطو: من تختم به عظم في أعين الناس، وينفع من السهر. والله أعلم. ومن أراد العتمق في ذلك، فعليه بالكتب الموضوعة له، ولكن قد ذكرنا ما هو معروف، والحمد لله على كل حال، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب الثامن والستون في الأصوات والألحان وذكر الغناء واختلاف الناس فيه ومن كرهه ومن استحسنه
وما ذكرت ذلك إلا لأني كرهت أن يكون كتابي هذا بعد اشتماله على فنون الأدب والتحف والنوادر والأمثال عاطلا من هذه الصناعة التي هي مراد السمع، ومرتع النفس، وربيع القلب، ومجال الهوى، ومسلاة الكئيب، وأنس