الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اصبر لتنظر ما يكون من أمره، فقال فتحول مسروق من الفيل إلى جمل فقال: أصبر، فتحول بعد ذلك إلى فرس ثم إلى بغل ثم إلى حمار وكأنه أنف من مقاتلتهم على شيء من ذلك إلا على حمار لما أنه استصغرهم وأستحقرهم، وتفرس ذلك الرجل فيه من الانتقال من أعلى إلى أدنى وقال: إحملوا عليهم فإن ملكهم قد ذهب فإنه انتقل من كبير إلى صغير فحملوا عليهم فكسروهم وقتل الملك.
وحكي: أنه كان عراف من الطرقيين ببغداد يخبر بما يسأل عنه فلم يخطىء فسأله رجل عن شخص محبوس هل ينطلق، قال: نعم ويخلع عليه. قال: فقلت له: بأي شيء عرفت ذلك؟ فقال: إنك لما سألتني التفت يمينا وشمالا فوجدت رجلا على ظهره قربة ماء ففرغها ثم حملها على كتفه فأولت الماء بالمحبوس وتفريغه بالانطلاق، ووضعها على كتفه بالخلعة، قال: وكان الأمر كذلك.
وأما الفأل:
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الصالح والاسم الحسن. وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة على كلثوم دعا غلامين له يا بشار ويا سالم فقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله تعالى عنه: أبشر يا أبا بكر فقد سلمت لنا الدار.
وقال الأصمعي: سألت ابن عون عن الفأل فقال: هو أن يكون مريض فيسمع يا سالم أو طالب حاجة فيسمع يا واجد وما أشبه ذلك.
وأما الطيرة:
فقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ويكره الطيرة. وقيل: ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من عرض له من هذه الطيرة شيء، فليقل اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (رفعه) : من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر «1» .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: من أتى كاهنا فصدقه فيما يقول أو أتى امرأته حائضا في دبرها فقد برىء مما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وأنشد المبرد هذه الأبيات يقول:
لا يعلم المرء ليلا ما يصبّحه
…
إلا كواذب ما يجري به الفال
والفال والزجر والكهان كلّهم
…
مضللون ودون الغيب أقفال
وقال لبيد:
لعمري ما تدري الطوارق بالحصى
…
ولا زاجرات الطير ما الله صانع
وقال آخر:
تعلّم أنّه لا طير إلّا
…
على متطير وهو الثبور
بلى شيء يوافق بعض شيء
…
أحايينا وباطله كثير «2»
وكانت العرب تتطير بأشياء كثيرة منها العطاس. وسبب تطيرهم منه أن دابة يقال لها العاطوس كانوا يكرهونها وكانوا إذا أرادوا سفر خرجوا من الغلس والطير في أوكارها على الشجر فيطيرونها، فإن أخذت يمينا أخذوا يمينا وإن أخذت شمالا أخذوا شمالا «3» . ومنه قول امرىء القيس:
وقد اغتدي والطير في وكناتها
…
بمنجرد قيد الأوابد هيكل
مكر مفر مقبل مدبر معا
…
كجلمود صخر حطّه السيل من عل
والعرب أعظم ما يتطيرون منه الغراب، فالقول فيه أكثر من أن يطلب عليه شاهد ويسمونه حاتما لأنه يحتم عندهم بالفراق، ويسمونه الأعور على جهة التطير بصرا، وفيه يقول بعضهم:
إذا ما غراب البين صاح فقل له
…
ترفّق رماك الله يا طير بالبعد
لأنت على العشّاق أقبح منظر
…
وأبشع في الأبصار من رؤية اللّحد
تصيح ببين ثم تعثر ماشيا
…
وتبرز في ثوب من الحزن مسودّ
متى صحت صحّ البين وانقطع الرجا
…
كأنّك من يوم الفراق على وعد
وأعرض بعضهم عن الغراب وتطير بالإبل، وسبب ذلك لكونها تحمل أثقال من ارتحل. وفي ذلك قال بعضهم مفردا أجاد:
زعموا بأن مطيّهم سبب النوى
…
والمؤذنات بفرقة الأحباب
وقالوا: من تطير من شيء وقع فيه.
وحكي عن إبراهيم بن المهدي قال: أرسل إلى محمد بن زبيدة «1» في ليلة من ليالي الصيف مقمرة يقول:
يا عم إني مشتاق إليك فاحضر الآن عندنا، فجئته وقد بسط له على سطح زبيدة وعنده سليمان بن أبي جعفر وجاريته نعيم فقال لها: غنينا شيئا فقد سررت بعمومتي فغنت وهي تقول هذه الأبيات:
همو قتلوه كي يكونوا مكانه
…
كما فعلت يوما بكسرى مرازبه «2»
بني هاشم كيف التواصل بيننا
…
وجند أخيه سيفه ونجائبه
قال: فغضب وتطير وقال لها ما قصتك ويحك انتبهي وغني ما يسرني. فغنت تقول:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا
…
وأكثر حزما منك ضرّج بالدم
فقال لها: ويحك ما هذا الغناء في هذه الليلة غنيّ غيره فغنت تقول هذه الأبيات:
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم
…
حتى تفانوا وريب الدهر عدّاء
تبكي فراقهم عيني فأرّقها
…
إنّ التفرّق للمشتاق بكّاء
قال: فانتهرها وقال لها: قومي إلى لعنة الله فقالت:
والله يا مولاي لم يجر على لساني غير هذا وما ظننت إلا أنك تحبه. ثم إنها قامت من بين يديه وكان بين يديه قدح بلور وكان أبوه يحبه فأصابه طرف ردائها فانكسر. قال إبراهيم بن المهدي: فالتفت إلي وقال: يا عمي أرى أن هذا آخر أمرنا، فقلت: كلا بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويسرك فسمعت هاتفا يقول: قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ
«3» . فقال لي: أسمعت ما سمعت يا عم؟
فقلت: ما سمعت شيئا وما هذا إلا توهم فإذا الصوت قد علا فقال: يا عم إذهب إلى بيتك فمحال أن يكون بعد هذا اجتماع. قال: فانصرفت من عنده وكان هذا آخر عهدي به.
وخرج أبو الشمقمق مع خالد بن يزيد بن مزيد وقد تقلد الموصل، فلما أراد الدخول إليها اندق لواؤه في أول درب منها فتطير لذلك فأنشده أبو الشمقمق يقول:
ما كان مندّق اللواء لريبة
…
تخشى ولا أمر يكون مبذّلا
لكنّ هذا الرمح ضعّف متنه
…
صغر الولاية فاستقلّ الموصلا
فسر خالد وأمر لأبي الشمقمق بعشرة آلاف درهم.
ودخل الحجاج الكوفة متوجها إلى عبد الملك فصعد المنبر فانكسر تحت قدمه فعلم أنهم قد تطيروا له بذلك، فالتفت إلى الناس قبل أن يحمد الله تعالى فقال: شاهت الوجوه وتبت الأيدي وبؤتم بغضب من الله إذا انكسر عود جذع ضعيف تحت قدم أسد شديد تفاءلتم بالشؤم، وإني على أعداء الله تعالى لأنكد من الغراب الأبقع وأشأم من يوم نحس مستمر، وإني لأعجب من لوط وقوله: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ
إليك «4» ، فأي ركن أشد من الله تعالى أو ما علمتم ما أنا عليه من التوجه إلى أمير المؤمنين وقد وليت عليكم أخي محمد بن يوسف وأمرته بخلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا في أهل اليمن فإنه أمره أن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، وقد أمرته أن يسيء إلى محسنكم وأن لا يتجاوز عن مسيئكم، وأنا أعلم أنكم تقولون بعدي لا أحسن الله له الصحابة، وأنا معجل لكم الجواب لا أحسن الله عليكم الخلافة، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم.
وخرج بعض ملوك الفرس إلى الصيد فأول من استقبله أعور فضربه وأمر بحبسه، ثم ذهب للصيد فاصطاد صيدا كثيرا فلمّا عاد استدعى بالأعور فأمر له بمال فقال: لا حاجة لي به ولكن ائذن لي في الكلام، فقال: تكلم، فقال: أيها الملك إنك تلقيتني فضربتني وحبستني وتلقيتك