الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
سَوق المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ
لحديث: «يَقطعُ الصَّلاةَ المرأةُ والحمار والكلب»
المعارضة الأولى: أنَّ في الحديثِ تَنقُّصًا مِن قَدْرِ المرأة حينَ سوَّاها بالكلاب والحَمير.
وهذه الشُّبهة أوَّلُ ما يقابُلك به المُنكرون للحديث، وأكثر ما يَسُوقونه في اعتراضاتِهم، لِما تَسْتَجلبه مِن تعاطفِ قليلات الفهمِ مِن النِّساء، استقواءً بنفخاتِ رَبَّاتِ النَّزْعاتِ منهنَّ لإطفاءِ نورِ هذا الحديث، والله مُتِمٌّ نورَه.
فاسمع لفاطمة المرنيسيِّ وهو تقول بعد أن سمعت هذا الحديث لأوَّل مرَّة:
(1)
.
وفي سبيل إلزاقِ هذه التُّهمة بالحديث يقول (نضال عبد القادر): «إنَّه يحتقِر النِّساء، حيث نُسِب إليه أنَّهنَّ .. في مُستوى الحمارِ والكلب، نُسِب إليه أنَّه قال: الكلب والحمار والمرأة تقطع الصَّلاة إذا مرَّت أمام المصلِّي، فاصلةً بينه وبين القِبلة»
(2)
.
(1)
«الحريم السياسي» للمرنيسي (ص/85).
(2)
«هموم مسلم» (ص/120).
وتشَبَّث بأهداب هذه التُّهمة آخرون، كصالح أبو بكر
(1)
، وزكريا أوزون
(2)
، وغيرهما كثير.
المعارضة الثَّانية: أنَّ الحديث مُعارَضٌ بأحاديث أخرى هي أصَحُّ منه، تنقضُ ما فيه مِن أحكام، وهذا دلَّهم على اختلاقِه، وأبعدُ عن أن يكون قولَ النَّبي صلى الله عليه وسلم.
فأوَّل هذه الأحاديث: حديث عائشة رضي الله عنها: حيث ذُكر عندها ما يقطع الصَّلاة، فقالوا: يقطعُها الكلب والحمار والمرأة، قالت:«لقد جعلتمونا كِلابًا! -وفي رواية: شبَّهتمونا بالحُمر والكِلاب- لقد رأيتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي، وإنِّي لبَينه وبين القِبلة، وأنا مضطجعةٌ على السَّرير، فتكون لي الحاجة، فأكره أن أستقبله، فأنسلُّ انسلالًا»
(3)
.
(4)
.
وبدعوى استنكارِ عائشة لهذا الخبر، تَشَبَّث المُعترِضون به حُجَّةً في إبطالِه
(5)
.
والحديث الثَّاني: حديث ابن عبَّاس رضي الله عنه: فقد صحَّ عنه قال: «أقبلتُ راكبًا على حمارٍ أَتَانٍ
(6)
، وأنا يومئذٍ قد ناهزتُ الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بمنًى
(1)
«الأضواء القرآنية» (ص/538).
(2)
«جناية البخاري» (ص/122).
(3)
أخرجه البخاري في (ك: الصلاة، باب استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته وهو يصلي، رقم: 511)، ومسلم في (ك: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي، رقم: 512).
(4)
«الحديث والقرآن» (ص/368).
(5)
كسامر إسلامبولي في «تحرير العقل من النقل» (ص/224)، ونضال عبد القادر في «هموم مسلم» (ص/172)، وزكريا أوزون في «جناية البخاري» (ص/122).
(6)
الأتان: الحمارة، والجمع آتُن، انظر «لسان العرب» (13/ 6 ـ مادة: أ ت ن).
إلى غير جدار، فمرَرتُ بين يَدَيْ بعضِ الصَّف، وأرسلتُ الأتان تَرتعُ، فدَخلتُ في الصَّفِ، فلم يُنكَر ذلك عَليَّ»
(1)
.
يقول (محمَّد الغزالي): «إنَّ ابنَ عبَّاس مَرَّ بحمارٍ يركبه أمام الجماعة، فصلَّى، فلم تفسُد له صلاة، والكلاب أبيضُها وأسودُها سواء!»
(2)
.
والحديث الثَّالث: حديث أبي سعيد الخدري: يرفعه: «لا يَقطع الصَّلاة شيءٌ، وادْرَءوا ما استطعتم، فإنَّما هو شيطان» .
يقول الغزاليُّ: «وجمهرة الفقهاء رَفَضَت هذا الحديث
(3)
، واستدلَّت بأحاديث أخرى تُفيد أنَّ الصَّلاة لا يقطعها شيء .. »
(4)
، يعني مثل حديثِ أبي سعيد هذا
(5)
.
ثمَّ ذكَرَ بعده تصحيحَ (أحمد شاكر)
(6)
لِما أخرجه الدَّارقطني عن صخر بن عبد الله بن حرملة، أنَّه سمع عمرَ بن عبد العزيز، يقول عن أنس رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى بالنَّاس، فمرَّ بين أيديهم حمار، فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله! سبحان الله سبحان الله! فلمَّا سلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«مَن المسبِّح آنفًا سبحان الله؟» ، قال: أنا يا رسول الله، إنِّي سمعتُ أنَّ الحمار يقطع الصَّلاة، قال:«لا يقطع الصَّلاة شيء»
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري في (ك: العلم، باب: متى يصح سماع الصغير؟، رقم: 76)، ومسلم في (ك: الصلاة، باب: سترة المصلي، رقم: 504).
(2)
«السُّنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/156).
(3)
يعني حديث أبي ذر وأبي هريرة رضي الله عنهم في قطع الصلاة بالأمور الثلاثة.
(4)
«السُّنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/156).
(5)
وكذا استدل به (إسلامبولي) على ردِّ حديث القطع، فقال:«إنَّه مخالفٌ للحديث الصَّحيح .. » ، انظر «تحرير العقل من النقل» (ص/224).
(6)
في تعليقه على «المحلى» لابن حزم (4/ 15).
(7)
أخرجه الدارقطني في «سُننه» (ك: الصلاة، باب: صفة السهو في الصلاة وأحكامه واختلاف الروايات في ذلك وأنه لا يقطع الصلاة شيء يمر بين يديه، رقم: 1380)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ك: الصلاة، باب الدليل على أن مرور الحمار بين يديه لا يفسد الصلاة، رقم: 3506).
ولم يُخفِ (الغزاليُّ) إعجابَه بما ذَهبَ إليه أحمد شاكر مِن كونِ أحاديث قطع الصَّلاة بالأمور الثَّلاثة مَنسوخة، لمجرَّدِ أنَّ هذا القول منه يدفعُ عن الإسلام وصمةَ عَارِ الحديث أمامَ عُلوجِ الغَرب! فتراه يقول:« .. لستُ مِمَّن يَبنُون العَلَالي على الخلافاتِ في فروعِ الفقه، وإنَّما تَعْنِيني سُمعة الإسلام، عندما يُسافر امرؤٌ متعصِّبٌ إلى أوربا وأمريكا، ثمَّ يذكر للنَّاس أنَّ المرأة والكلب والحمار سواءٌ في إفسادِ الصَّلاة عند مرورِها!»
(1)
.
(1)