الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَبحث الثَّالث
أقسام المَرويَّات الإسرائيليَّات وحكمها
قسَّمَ بعض أهل العلمِ المَرويَّات الإسرائيليَّة باعتبارِ التَّصديق إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأوَّل: ما علِمنا صِحَّته ممَّا بأيدينا ممَّا يشهَدُ له بالصِّدق:
فذاك صحيحٌ تجوز روايته عنهم، كالَّذي جاء عندهم مِن البشارة بالنَّبي الخاتم صلى الله عليه وسلم.
وفي تقرير هذا يقول الخطيب البغدادي: «ما حُفِظ مِن أخبار بني إسرائيل وغيرهِم مِن المتقدِّمين عن رسولِ ربِّ العالمين، وعن صحابتِه الأخيارِ المنتخَبين -صلَّى الله عليه وعليهم أجمعين- وعن العلماء مِن سَلفِ المسلمين: فإنَّ روايتَه تجوز، ونقلُه غير محظور»
(1)
.
ومَرويَّات هذا القسم مع مُوافقتها لما في شرعِنا، لا تنفكُّ عن وَصفِها بالإسرائيليَّة باعتبارِ مَصدرها وأصلِها، وأرى مَن نَزَع عنها هذا الوصف، بدعوى أنَّه قد تَمَّت أسلَمَتُها بإقرارِ الشَّرعِ لها، فقد أخطأ
(2)
.
(1)
«الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» للخطيب البغدادي (2/ 115).
(2)
كما ذهبت إليه الدكتورة (آمال الربيع) في كتابها «الإسرائيليات في تفسير الطبري» (ص/9، 30)، ويظهر أنَّ الباعث لها إلى هذا الرأي الانطباع السَّيء عند كثيرٍ من النَّاس عن لفظ الإسرائيليات والنفرة منها لترادفها مع معنى الخرافة.
القسم الثَّاني: ما علِمنا كذِبَه بما عندنا ممَّا يُخالفه:
كقِصَصهِم الَّتي تطعن في عصمةِ الأنبياء، فمثلُ هذا الكذب لا يجوز روايتُه إلَّا لبيانِ بُطلانه، كما نَصَّ عليه مالك والشَّافعي
(1)
.
يدخُل في هذا النَّهي ما يحيلُه العقلُ مِن مَرويَّاتِهم، أو يغلب على الظَّن بُطلانه، وفيها يقول ابن كثير:«إنَّما أباحَ الشَّارع الرِّواية عنهم فيما قد يُجوِّزه العقل، فأمَّا فيما تُحيله العقول، ويُحكم فيه بالبطلان، ويَغلب على الظُّنون كذبُه: فليس مِن هذا القَبيل»
(2)
.
القسم الثَّالث: ما هو مَسكوت عنه، لا مِن القسم الأوَّل ولا الثَّاني:
فهذا لا نُؤمن به ولا نُكذِّبه
(3)
.
(4)
.
وعليه كان الضَّابطُ في قَبولِ هذا النَّوعِ مِن المرويَّاتِ هو أخبار شرعِنا، فما وافَقها قبِلناه، وما خالَفها رددناه، وما لم يرد فيه إقرارٌ ولا نفيٌ، فجائز حكايته مِن بابِ الاستشهادِ والاستئناسِ، لا الاعتقاد
(5)
.
(1)
انظر «القبس» لابن العربي (3/ 1198)، و «فتح الباري» لابن حجر (6/ 498 - 499).
(2)
«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (1/ 32).
(3)
«مقدمة في أصول التفسير» لابن تيمية (ص/42)، وعنه أخذ ابن كثير هذا التقسيم في مقدمة «تفسير القرآن العظيم» (1/ 9).
(4)
«مقدمة في أصول التفسير» لابن تيمية (ص/43).
(5)
«مقدمة في أصول التفسير» (ص/42).
وقد أبدع (د. خليل إلياس) في كتابه «كعب الأحبار وأثره في التفسير» (ص/142 - 152) تفصيلًا آخر في حكم رواية الإسرائيليَّات، توصَّل فيه إلى عدم حصره في المنع والإباحة فقط، بل هي دائرة مع الأحكام الفقهيَّة الخمسة، فالوجوب عند مجادلتهم في معتقدهم بما يقيم عليهم الحجة من مروياتهم، والندب إذا كانت موافقة للشرع، والإباحة إذا لم يعلم ما يكذبها ولا ما يصدقها، والكراهة فيما ليس فيه فائدة، والحرمة إذا كانت تخالف شرعنا، وضرب لذلك عدة أمثلة، وهذا تقسيم باعتبارات أخرى لا تنحصر بمجرد الضابط الذي عليه تقسيم ابن تيميَّة، وهو جيِّد لا أعلم من سبقه إليه.
وصريحٌ في هذا القسم حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصدِّقوا أهل الكتاب ولا تكذِّبوهم»
(1)
، وقوله صلى الله عليه وسلم:«حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومَن كذب علي متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعده من النَّار»
(2)
.
فقد أجاز صلى الله عليه وسلم التَّحديثَ عن أهل الكتاب، ولم يُنكر ذلك أو يذكر له شرطًا، بل أمَرَ بالتَّوقُّفِ فيما يحكون، وعلى العلمِ بهذا فِئامٌ مِن السَّلف في علمِ التَّفسير وغيرِه
(3)
، وعَملُهم هذا هو الُموافق لجوازِ التَّحديثِ الَّذي بَيَّنته مثل تلك الأحاديثِ النَّبوية، بالشَّرطِ الَّذي تقدَّم.
(1)
أخرجه البخاري (ك: التفسير، باب قوله تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا)، برقم: 4485).
(2)
أخرجه البخاري (ك: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم: 3461).
(3)
انظر «تفسير القرآن بالإسرائيليات، نظرة تقويمية» لمساعد الطيار (ص/31).