الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
سَوْق المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ
لحديثِ: «لنْ يُفلح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأةً»
أكثرُ مَن ترى مُغتَاضًا مِن حديثِ أبي بكرة رضي الله عنه هذا أولئك المُنافِحون عن المساواةِ المطلقةِ بين الجِنسَيْنِ، الصَّارِخون بحَقِّ النِّساءِ في المَناصبِ السِّياسيةِ العامَّةِ والمَهامِ القَضائيَّة، النَّاعون على الفقهاء تغاضيهم عمَّا لحق المسلماتِ من ظلمٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ مُستنده مثل هذا الخبر الغريب!
تقول فاطمة المرنيسيّ
(1)
(2)
.
ويُعينهم على طَيْشِهم هذا زُمرةٌ مِن الإسلامِيِّين مُنكرين للحديث، على تفاوت بينهم في طُرق الاعتراضِ عليه وعلى ما ورد من الأخبار في ذلك، أكان
(1)
فاطمة المرنيسي: كاتبة أكاديمية مغربية، متخصصة في الشأن النسوي، وُلدت بفاس سنة 1940 م، وسافرت لفرنسا وأمريكا لإكمال دراستها، ثم عملت بجامعة محمد الخامس، وهي معدودة من رموز الحركة النسوية العلمانية العربية، من مؤلفاتها:(الحريم السياسي)، و (ما وراء الحجاب)، توفيت سنة 2015 م بألمانيا.
(2)
«الحَريم السِّياسي، النَّبي والنِّساء» لفاطمة المرنيسي (ص/14).
مِن جهةِ الإنكار له جملةً، أو قَبولِه بنوعِ تحريفٍ لمعناه بما يَؤولُ في النِّهايةِ إلى شَرْعَنةِ مَطالِبِ النِّسْوِيِّين.
وليس مِن وُكدِنا هنا مناقشةُ تأويلاتِ القوم، ما داموا مُعترِفين بِصِحَّتِه، فإنَّ الهِمَّة مَصروفةٌ في هذا البحث إلى مناقشةِ ما يُبديه المُبطِلونَ مِن مُعارَضاتٍ لإبطالِ الحديثِ دون غيرهم.
ومُحصَّل حُجَّجِهم في انتقاضه متركِّزةٌ في دعوى مخالفتِه للواقِع والتَّاريخ، حيث اكتشفوا أنَّ مِن النِّساء مَن توَّلينَ منصبَ الحكمِ في القديم والحديث، فأفلحنَ في إدارة شؤون الدَّولة وتقوِيتِها على أحسنِ وجهٍ!
وفي تقرير هذه الشُّبهة، يقول (محمَّد سليمان الأشقر):
«إنَّ مِمَّا يدلُّ على بطلانِ هذا الحديث: أنَّه يَقتضي أنَّه لا يُمكن أن يُفلِح قَومٌ تَتولَّى رئاسةَ دولتِهم امرأةٌ في حالٍ مِن الأحوال، ومعنى هذا: أنَّه لو وُجِدت امرأةٌ على رأسِ إحدى الدُّوَل، ونَجَحت تلك الدَّولة في أمورِها الدُّنيويَّة، فيكون ذلك دالاًّ على أنَّ هذا الحديث كذِبٌ مَكذوب على النَّبي صلى الله عليه وسلم!
وقد وُجِد في العصور الحديثة دُوَلٌ كثيرة تَوَلَّت رئاستَها نساءٌ، ونَجَحت تلك الدُّوَل نَجاحاتٍ باهرةٍ تحت رئاسةِ النِّساء، نذكرُ مِن ذلك: رئاسةَ (أندِيرًا غانْدي) للهند، ورئاسةَ (مارْغَريت تاتْشِر) لبريطانيا، وغيرهما كثيرٌ في القديم والحديث، وإنَّما قُلنا في الأمورِ الدنيويَّة، لأنَّ الحديث وَرَدَ على ذلك»
(1)
.
(2)
.
(1)
من مقال له في جريدة «الوطن» الكويتية، بتاريخ (29/ 5/2009 م) بعنوان:«نظرة في ألأدلة الشرعية حول مشاركة المرأة في الوظائف الرئاسية والمجالس النيابية ونحوها» .
(2)
«المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء» لجمال البنا (ص/83).
ولم يُغفِل الطَّاعنونَ في الخَبرِ، أن يُسَوِّغوا إبطالَهم لمتنِه، بالتَّفتيش عن عِلَّتِه في الإسناد؛ فلم يَجِدوا ضحِيَّةً فيه يُعلِّقون عليه آفة متنِه -بزعمهم- إلَّا الصَّحابيَ راويه! أعني به أبا بكرةَ نفيع بن الحارث الثَّقفي رضي الله عنه.
فقالوا: قد جَلَده عمر رضي الله عنه في شهادتِه مع اثنينِ آخرين على المُغيرة بن شعبة رضي الله عنه بالزِّنا، لانعِدامِ شرطِ الشَّهادةِ ونِصابِها.
وفي تقريرِ هذا التَّعليلِ الإسناديِّ، يقول محمَّد الأشقر (ت 1430 هـ):
«هذا الحديث هو المُستَند الرَئيسيُّ لكلِّ مَن يَتَكلَّم في هذا الأمر، ولم يَرِد هذا الحديث مِن روايةِ أيِّ صحابيٍّ آخر غير أبي بكرة، وتصحيحُ البخاريِّ وغيره لهذا الحديث وغيرِه مِن مَرويَّاتِ أبي بَكرةَ هو أمرٌ غَريبٌ لا يَنبغي أن يُقبَل بحالٍ (!).
والحُجَّة في ذلك: ما عُرِف في كُتبِ التَّاريخ الإسلاميِّ -كما عند الطَّبري، وابن كثير، وغيرهما- أنَّ أبا بكرة قَذَف المغيرة بنَ شعبة بالزِّنا، ووَصَل الخبر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فأمَرَ بحضورِ الرَّجُلَين مِن الكوفة إليه في المدينة، فسألهما عن ذلك، وطَلَب عمر رضي الله عنه مِن أبي بكرة أن يَأتي بشهودِه على ما ادَّعاه، فلَمْ تَتِمَّ الشَّهادة الَّتي هي كما قال الله تعالى: أربعة شهود ..
ولذلك جَلَد عمر رضي الله عنه أبا بكرة ثمانين جلدةً حَدَّ القذف بالزِّنا، ثمَّ قال له: تُبْ أقبَلْ شهادَتَك، فأبَى أن يَتوب! وأسقطَ عمر رضي الله عنه بعد ذلك شهادَته، فكان أبو بكرة بعد ذلك إذا استُشهِد على شيءٍ، يأبى أن يَشهد، ويقول: إنَّ المؤمنين قد أبطلوا شهادَتي!
إنَّ الآية
(1)
تدمغُه بالفِسق وبالكذب، وهذا يقتضي ردَّ ما رواه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ممَّا انفرد به، كهذا الحديث العَجيب:«لن يُفلِح قومٌ تملكهم امرأة» ، فينبغي أن يُضَمَّ هذا الحديث إلى الأحاديثِ الموضوعةِ المكذوبةِ على النَّبي صلى الله عليه وسلم»
(2)
.
(1)
يعني الآية (13) من سورة النور: {لَوْلا جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} .
(2)
وقد سبقه جمال البنا إلى الطعن في أبي بكرة رضي الله عنه في «المرأة المسلمة بيت تحرير القرآن وتقييد الفقهاء» لجمال البنا (ص/81 - 82).