الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
سَوْق المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ
لحديثِ «خلَقَ الله آدمَ على صورتِه»
هذا الحديث مِن الأخبارِ المَشهورةِ الَّتي يُمَثَّل بها على ردِّ الحديثِ من جِهة متنِه في بابِ العقائد، بدعوى معارضةِ شَطْرِه الأوَّل لأصلِ التَّنزيهِ الواجب في حقِّ الله تعالى أوَّلًا، ومعارضةِ شطرِه الأخيرِ للمُشاهَدِ في واقعِ الَحفْريَّاتِ وعلومِ الآثار ثانيًا.
فكان طعنُهم في الخَبرِ مُرتكِزًا على شُبْهَتين:
الأولى: أنَّ ظاهرَ الحديثِ خَلْقُ آدمَ على صورةِ الله تعالى، وهذا عَيْنُ التَّشبيه له سبحانه بخلقِه وتجسيمِه.
وفي تقريرِ هذا الاعتراضِ، يقول (ابنُ قِرناس): «مُختلِقُ هذا الحديث إمَّا ذو خلفيةٍ إسرائيليَّة، أو أنَّه مُتأثِّر بالإسرائيليَّات، لأنَّه اقتبَسَ مِن كتابِ اليهود المقدَّسِ عبارةَ:(خَلَقَ الله آدم على صورتِه)، وأصلُ العبارةِ:(فخَلَقَ الله الإنسانَ على صورتِه، على صورةِ الله خَلَقَه، ذَكرًا وأنثى خَلَقَهم)
(1)
.
(1)
سفر التَّكوين، الإصحاح الأوَّل:27.
والله تبارك وتعالى لم يخلُق آدمَ على صورتِه سبحانه، ولا قريبًا مِن صورتِه، لأنَّه تَنزَّه عن ذلك:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11]»
(1)
.
الشُّبهة الثَّانية: أنَّ القولَ بأنَّ خَلْقَ أبينا آدم عليه السلام كان بهذا الحجمِ الكبير، وأنَّ ذرِّيتَه لازال خلقُهم ينقُص عن ذلك إلى الآن: دَعوى يخالِفُها المُشاهَدَ المَحسوسَ مِن آثارِ الماضِين.
بيان ذلك في ما اعترضَ به (الكرديُّ) على هذا الحديث، حيث قال: «الإشكال الأهمُّ لأنَّه غير قابل للتَّأويلِ: هو إثباتُ طولِ سِتِّين ذراعًا لآدم أبي البَشَر، والذِّراع عند العَرب إمَّا شرعيَّة -وهي ذراع اليَد، وتُقدَّر بـ 24 إصبع، أي 48 سنتمِترًا-، أو هاشميَّة -وهي 32 إصبعًا، أي 64 سنتمترًا-، فعلى القَوْلين، يكون طولُ آدمَ حوالي ثلاثين مِترًا! وأنَّ البَشَر مازالوا يَنقصُون حتَّى بلَغوا الطُّولَ الحالي (بين 1،50 مترًا ومترين).
وهذا يخالفُ كلَّ ما اكتشَفَه علماء الآثارِ والحفريَّات عن أقدمِ هياكل البَشَر العَظميَّة، الَّتي لا يختلف طولها عمَّا عليه الإنسان الآن إلَّا يسيرًا، كما أنَّه لم يُلاحظ أنَّه هناك قِصَر تَدريجيٌّ لهياكلِ الإنسان على هذا النَّحو المذكور، بأن يكون طوله في الثَّلاثينات مترًا، ثمَّ يَتَدرَّج نحو العشرينات، فالعشرة أمتارٍ .. إلخ.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ هذا الإشكالَ قال:
(2)
.
(1)
«الحديث والقرآن» لابن قرناس (ص/165)، وانظر «تفعيل قواعد نقد متن الحديث» للكردي (ص/183)، و «أضواء على الصَّحيحين» للنجمي (ص/167).
(2)
«فتح الباري» لابن حجر (6/ 367).
يقول الكرديُّ مُعقِّبًا على نصِّ كلامِ ابن حَجر: «وهذه مِن المرَّات القليلة الَّتي يَعترِفُ فيها بأنَّ هناك إشكالًا، وأنَّه غير قادرٍ على حلِّه!»
(1)
.
(1)
«تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/183 - 184)، وانظر «أضواء على الصَّحيحين» للنجمي (ص/168)، و «جناية البخاري» لأوزون (ص/25).