الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّالث
دفع دعوى المعارضات الفكريَّة المعاصرة
عن حديث ناقصات عقلٍ ودين
أمَّا دعوى المُعترضَيْن على الحديث تحيُّزَه للرِّجال ضدَّ النِّساء:
فليس في الحديث شيء مِن ذلك، ولا فيه إهانة للنِّساء وتحقير لقيمتهنَّ كما زعموه وأرادوا فهمَه مِن الحديث عنوةً؛ إنَّ الحديث مجرَّد إخبار نبويٍّ صادقٍ عن أمرٍ واقع في المستقبل، أدَّى إليه سببٌ قد بيَّنه المُخبر نفسُه صلى الله عليه وسلم في خبرِه، تحذيرًا للمُخاطب مِن أن يشارك في ذاك الواقعِ بإتيانِه لسببِه.
وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أنَّ مَن كانت حاله حالَ أهل النَّار، فإنَّ فيه دواء مِن ذلك بالاستغفار وإكثار الصَّدقة بقوله صلى الله عليه وسلم لهن:«تصدَّقن وأكثِرن الاستغفار .. » .
فالنَّبي صلى الله عليه وسلم -إذن- لا يصدر حكمًا في الخبر على أحدٍ، ولا هو فَضَّل فيه نوعًا على نوع، إنَّما هو حكاية منه لحالٍ واقعٍ أوحاه له الله به، بيَّن سبَبَه، وسبيلَ النَّجاة منه.
يظهر هذا المعنى المُراد من الحديث، بحديثٍ آخر يُساويه في قوَّة السَّند، ويَزيد عليه في تكرُّر سِياقاتِه وتعدُّد رواياته، هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:«اطَّلَعتُ في الجنَّة فرأيتُ أكثرَ أهلِها الفُقراءَ، واطَّلَعتُ في النار فرأيتُ أكثرَ أهلها النِّساءَ»
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري في (ك: بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم: 3241)، ومسلم في (ك: الرقاق، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء، رقم: 2737).
فهذا الحديث، إن كان الشَّطر الأوَّل مِنه لن يَفهم منه كَيِّسٌ تفضيلًا للفقرِ على الغِنى والسَّعة، ولا حَثًّا للأمَّةِ على الافتقار والمَسكنة، فكذا ينبغي -تبعًا- ألَّا يُفهم مِن شطرِه الثَّاني تنقُّصًا مِن جنسِ النِّساء، ولا حَطًّا لقدرهنَّ!
وعليه نقول أنَّ الواقع المُخبر عنه في الحديث: هو كثرة النِّساء على الرِّجال في النَّار يوم القيامة، وليس في الخبرِ ذكرٌ لنسبةِ هذه الكثرة النِّسوية مقارنةً بعدد الرِّجال، ولا فيه الفارق بينهما أكبيرٌ هو أم صغير؛ هذا قد سَكت الحديث عنه.
(1)
: تخرُّصٌ منه لا دليل عليه، ولا طائل منه إلَّا مجرَّد التَّهويل.
بل على النَّقيضِ منه، قد رجَّح بعض المُحقِّقين من أهل العلم كونَ النِّساء أكثر أهل الجَّنة في المآل أيضًا! بدلالةِ الأحاديث نفسِها الَّتي يَمتعض منها المُخالف؛ فإنَّ لكلِّ رجلٍ مِن أهل الجَّنة زوجتان مِن الإنسيَّات، كما جاءت به روايةٌ عن محمَّد بن سيرين، يُخبر فيها تذاكرَهم ذات يومٍ في الرِّجال: أهم في الجنَّة أكثر أم النِّساء؟ فقال لهم أبو هريرة رضي الله عنه: أَوَ لم يقُل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوَّل زمرةٍ تدخلُ الجنَّةَ على صورةِ القَمر ليلةَ البَدر، والَّتي تَليها على أضوإِ كوكبٍ دُريٍّ في السَّماء، لكلِّ امرئٍ منهم زوجتان اثنتان، يُرى مُخُّ سوقِهما مِن وراءِ اللَّحم، وما في الجنَّة أعزب» ؟
(2)
فظاهرُ احتجاج أبي هريرة رضي الله عنه على أنَّ النِّساء أكثر في الجنَّة: أنَّ الجنَّة إذا خَلَت عن العُزَّاب، وكان لكلِّ واحدٍ زوجتان، كان النِّساء مِثْلَيْ الرِّجال، فدلَّ على أنَّهن فيها أكثر مِن الرِّجال
(3)
.
(1)
«تحرير العقل من النقل» لسامر إسلامبولي (ص/239).
(2)
رواه مسلم في (ك: الجنة وصفو نعيمها وأهلها، باب: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم، رقم: 2834).
(3)
«طرح التثريب» (8/ 270).
قال القاضي عياض: « .. هذا كلُّه في الآدميَّات، وإلَّا فقد جاء أنَّ للواحدِ مِن أهلِ الجنَّة مِن الحوريَّات العدد الكثير»
(1)
، وذلك لمِا في «الصَّحيحين» وغيرهما مِن حديثِ عبد الله بن قيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في الجنَّة خيمةٌ مِن لؤلؤةٍ مجوَّفة، عرضُها ستُّون ميلًا، في كلِّ زاويةٍ منها أهلٌ ما يَرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن»
(2)
.
ولا يُعارضه ما في حديث البابِ مِن كونِ النِّساء أكثر أهل النَّار، إذْ لا يلزم مِن أكثريَّتهن في النَّار نفيُ أكثريَّتِهنَّ في الجنَّة كذلك
(3)
! بل نخرجُ مِن جملةِ هذه الأحاديث أنَّ أكثرَ بني آدمَ هم النِّساءُ
(4)
.
(5)
.
أمَّا ما قد يُشكل على هذا التَّقرير، ممَّا جاء عن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعًا:« .. مِن أنَّ أقلَّ ساكني الجنة النِّساء»
(6)
: فيحتملُ أنَّ يكون الرَّاوي رواه بالمعنى الَّذي فهمه مِن أنَّ كونهنَّ أكثرَ ساكني النَّار، يلزم منه أنْ يكُنَّ أقلَّ ساكِني الجنَّة؛ وليس ذلك بلازمٍ لما قدَّمته؛ ويحتمل أن يكون ذلك: في أوَّل الأمر قبل
(1)
«إكمال المعلم» (8/ 366).
(2)
أخرجه البخاري في (ك: بدء الخبق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم: 3243)، ومسلم في (ك: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: في صفة خيام الجنة وما للمؤمنين فيها من الأهلين، رقم: 2838) واللفظ له.
(3)
«فتح الباري» لابن حجر (6/ 325).
(4)
«إكمال المعلم» (8/ 366).
(5)
«مجموع الفتاوى» (6/ 432)، ولا يُتعقَّب على هذا بأنَّ الإحصاءات الأُمميَّة المعاصرة تثبت تفاوتًا بين أعداد الرِّجال بالنِّسبة للنِّساء مِن بلدٍ إلى آخر، فإنَّ الأكثريَّة المقصودة هنا هي مجموعِ النِّساء والرِّجال من زمن آدمَ إلى قيام السَّاعة، فلا يُعارض هذا بإحصائيَّة مؤقَّتة بجيلٍ أو بلدٍ معيَّن.
(6)
أخرجه مسلم في (ك: الرقاق، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء، رقم: 2738).
خروج العُصاة مِن النَّار بالشَّفاعة، ولذلك أكَّدتُ على أنَّهن أكثر أهل الجنَّة مآلًا على كلِّ حال
(1)
.
نعود إلى حديثنا، فنقول: لقد بيَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم للنِّساء وجهَ أكثريَّةِ نوعهنَّ في النَّار، حين رَبط ذلك بكثرةِ إتيانِه لمُوجِبَتين مِن مُوجباتِ العذاب، هما اللَّعن وكفران العشيرِ، فهذان وإنْ كانا في الرِّجال أيضًا، لكنَّهما في النِّساء أكثر وأظهر.
وذلك أنَّ ضعيفًا في جسده، محدودًا في سُلطته -مثل النِّساء-، إذا غضِب وأرادَ الانتقام والتَّشفي مِمَّن يراه قد آذاه أو أغضبه، قد لا يملك إلَّا لسانه لتصريف ذلك عليه! فيسوِّل الشَّيطان له حينها تردادَ السَّب له واللَّعنِ، وكثرة اللَّعن مظنَّة لوقوِعه على غير مُستحقِّه، فيرجع إثمه على اللَّاعن.
وكذا يَأُزُّه إلى غمطِ فضل مَن أحسن إليه، وهو قِحة في إنكارِ الجميل، لا يجوز ولو على وجهِ المُغاضبة؛ فهنا ينقلب المظلوم ظالمًا، وأحرى به أن يكون مُستقبحًا بين الزَّوجين خاصَّة، لما في ذلك من عواقب وخيمةٍ على البيتِ وحقوقِ الزَّوجيَّة.
حتَّى عُدَّ هذا الكُفران كبيرةً بذاته، بخلاف اللَّعن الَّذي قُيِّد في الحديث بالكثرة، والصَّغيرة إنَّما تصير كبيرةً بالكثرة
(2)
.
ثمَّ إنَّا لسنا ندَّعي -مع ذلك- فُشوَّ هذه الأخلاقِ الانفعاليَّة المذمومة في كلِّ النِّساء! حاشَى لله؛ فلسن كُلُّهن ينجرِرْنَ وراء الشَّيطانِ إرضاءً لدواخِلهنَّ ولو بحرام، أو شفاءً لصدروهنَّ بزور الكلام، بل فيهنَّ التَّقيَّات المُوفَّقات، الكابحات لجماحِ أهوائهنَّ في المخاصماتِ والمغاضبات، العالماتِ بوخيمِ حصائدِ الألسنة على أصحابِها في النَّار.
وفي ذلك دلالة واضحة على أنَّ ما ذُكر من المَذامِّ، ليس أمرًا قد فُطِر النِّساء عليه جبرًا، ولا ما يَعقُب ذلك مِن عذابٍ قَدرًا محتومًا على أفرادِهنَّ،
(1)
انظر «التوضيح» لابن الملقن (19/ 128)، و «طرح التثريب» (8/ 270).
(2)
«الآداب الشرعية» لابن المفلح (1/ 314).
بحيث لا تستطيع إحداهُنَّ الانفكاك عنها، إذن لمَا كان لتحذيرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم إيَّاهنَّ إتيانها وأمرِهنَّ بتوقِّي عقابِها أيَّةُ فائدة!
هنا يُعجبني كلامُ سديدٌ (لمحمَّد الغزالي) عن الحديثِ، يوضِّح فيه المقصودَ مِن خطابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم للمسلماتِ بهذا التَّحذير الشَّديد، ويَردُّ فيه على منَ حَرَّف معناه فيقول: «إنَّ عَرْض الحديث النَّبوي دون فقهٍ صالحٍ لَونٌ مِن تحريف الكلام عن مواضعِه، ومُصَاب الإسلام شديد مِن هذا التَّصرُّف! ..
صدْرُ هذا الحديث يَقِي الأسرةَ الإسلاميَّة شرًّا يَشِيعُ بين النَّاس، جُرثومتُه امرأةٌ تحيَا على خيرِ رَجُلِها، وتُنكِر فَضله وتَجحَد حقَّه؛ قد يُخطئ الرَّجل، وكلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ، وينبغي أن تتجاوز المرأة هذا الخطأ العارض، وربمَّا كان الخطأ مِن وِجهة نظرها هي، ولكنها بدَلَ ذلك تَغضبُ غَضبًا طائشًا! وتَنْسَى في ثورتها كلَّ شيء، وتزعُم أنَّها ما رأت خيرًا قطُّ من زوجها، وقد تلعَنُ نفسَها وحظَّها وما حدَث أو ما يَحدث لها.
أليس مِن حقِّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يُحذِّر مِن هذا المسلك، وأن يَذْكُرَ لصاحباتِه أنَّهنَّ إنْ أصرَرْنَ عليه يَكُنَّ مِن أهل النَّار؟! .. »
(1)
.
أمَّا زعم المُعارض في شُبهته الثَّانية من أنَّ وصفَ النَّبي صلى الله عليه وسلم للنِّساء في الحديث بنقص العقل تحقير لهنَّ، وأنَّه مخالف لآيةِ سورةِ البقرة، والَّتي ذكرت علَّة النِّسيان فيهنَّ لا نقصان عقلهنَّ
…
إلخ.
فمنشأ الشُّبهة عنده غلطه في تصوُّر المُراد من نُقصان العقل، حيث توهَّم أنَّ العقل في الحديث بمعنى «القوَّة الَّتي يُميَّز بها بين حقائقِ المعلومات»
(2)
، وعليه ظنَّه يشير إلى حُمقِ النِّساء أو طيشهنَّ!
فهذا المعنى الَّذي جعله المُرادَ من الحديث، ليس إلَّا معنًى مِن معاني العقل! ليس هو معنى العقل كلِّه
(1)
، وليس هو المُراد من الحديث حتمًا! إذ بيَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم نفسُه ماذا أراد مِن معناه فيه، حين جَعل مُقتضاه عدمَ مساواةِ شهادة المرأة لشهادة الرَّجل، من قوله تعالى:{أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282].
فإذا كان المُراد بالضَّلال في الآية: النِّسيان
(2)
-إذ استظهار الشَّاهدة بأخرى مؤذِنٌ بقلَّة ضبطها في الأصل- فإنَّ مُراد النَّبي صلى الله عليه وسلم بالعقل في الحديث هو ما به يُضبط العلم ويُثبَّت، وهذا معنًى من معاني العقل صحيحٌ، «وهي طريقة مَن اتَّبع حكمَ اللُّغة؛ لأنَّ العلم والعقل في اللِّسان بمعنًى واحد، فلا يفرِّقون بين قولهم عَقَلْتُ وعلمْتُ»
(3)
.
فإذا كان معنى العقل هنا راجعًا إلى أصلِه في اللُّغة، وهو ضبط المعلومةِ وتثبيتها في الذِّهن: فإنَّ وصفهنَّ في الحديث بنقصِ العقلِ لأجلِ النِّسيان وقلَّة الضَّبط هو على ظاهره؛ لأنَّ ذلك نقصٌ في المعلوم، وضبط المعلومِ وحفظه مِن أظهر مهامِ العقلِ ووظائفه، فإذا كان النَّقص في الصَّفات نقصًا في الموصوف بداهةً، فإنَّ النَّقص في هذه الوظائف العقليَّة نقصٌ في العقل، لكنَّه نقصٌ من جِهة ضعفِ بعضِ الصِّفاتِ، وليس نقصًا مُطلقًا.
يقول ابن تيميَّة: « .. العقل مصدرُ عَقل يعقِل عقلًا: إذا ضَبَط وأمسَكَ ما يعلَمه؛ وضبط المرأةِ وإمساكها لمِا تعلمه أضعفُ مِن ضبطِ الرَّجل وإمساكِه، ومنه سُمِّي العِقال عِقالًا، لأنَّه يُمسك البعيرَ ويجرُّه ويضبِطه، وقد شبَّه النَّبي صلى الله عليه وسلم ضبطَ
(1)
على خلافٍ بين العلماء في حَدِّ العقل المشتَرَطِ في حَدِّ التَّكليف ليس هذا موضع ذكره انظر في ذلك «ماهية العقل ومعناه واختلاف الناس فيه» للمحاسبي (بدءً من ص/210)، و «البرهان» للجويني (1/ 19)، و «قواطع الأدلة» للسمعاني (1/ 27).
(2)
مأخوذ مِن قولهم: ضلَّ الطَّريق: إذا أضاعه ولم يهتد له، «الكشاف» للزمخشري (1/ 326).
(3)
«إكمال المعلم» للقاضي عياض (1/ 338 - 339).
القلبِ للعلمِ بضبطِ العِقالِ للبَعير، فقال في الحديث المتَّفق عليه: «استذكروا القرآن، فلَهُو أشدُّ تفصِيًّا
(1)
مِن صدورِ الرِّجال مِن النَّعَم مِن عُقلِها»
(2)
.
وقال: «مَثَل القرآن مثل الإبل المُعقلَة، إن تعاهدها صاحبها أمسكَها، وإن أرسلها ذَهبت»
(3)
.
وفي الحديث الآخر: (أَعقِلُها وأتوكَّل أو أرسلها؟ فقال: بل اعقِلها وتوكَّل)
(4)
.
فالعقل، والإمساك، والضَّبط، والحفظ، ونحو ذلك، ضدُّ: الإرسال، والإطلاق، والإهمال، والتَّسيِيب، ونحوِ ذلك، وكلاهما يكون بالجسم الظَّاهر للجسم الظَّاهر، ويكون بالقلبِ الباطن للعلم الباطن، فهو ضبط العلمِ وإمساكه، وذلك مستلزم لاتِّباعه، فلهذا صار لفظ العقل يُطلق على العملِ بالعلم، كما قد بسطنا الكلام على مُسمَّى العقل وأنواعه في غير هذا الموضع»
(5)
.
هذا؛ وإنَّ وَصفَ النِّساء بنُقصانِ العقلِ على الوجه الَّذي شرحناه، إنَّما هو باعتبار الغالب، إذْ «الحكم على الكلِّ بشيءٍ، لا يستلزم الحكم على كلِّ فردٍ مِن أفراده بذلك الشَّيء»
(6)
.
(1)
تفَصِّيًا: أي تفلُّتا وتخلُّصا، تقول: تفصَّيت كذا، أي أحطتُ بتفاصيله، والاسم الفَصَّة، «فتح الباري» لابن حجر (9/ 81).
(2)
أخرجه البخاري في (ك: فضائل القرآن، باب استذكار القرآن وتعاهده، رقم: 5033)، ومسلم في (ك: الصلاة، باب: الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا، وجواز قول أنسيتها، رقم: 790).
(3)
أخرجه ابن ماجه في (ك: الأدب، باب: ثواب القرآن، رقم: 8738)، وأحمد في «المسند» (رقم: 4759، 4845) بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر.
(4)
أخرجه الترمذي في (ك: صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: 2517) وقال: «وهذا حديث غريب من حديث أنس لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عمرو بن أمية الضمري، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا» ، والحديث حسَّنه الألباني في تخريجه لـ «مشكلة الفقر» (ص/23)، والأرناؤوط في تخريجه لـ «صحيح ابن حبان» (2/ 510).
(5)
«بغية المرتاد» لابن تيمية (ص/249 - 250).
(6)
«إرشاد السَّاري» للقسطلاني (1/ 347).
لكن لعلَّ المُعترضَ ينكر أنَّ النِّسيانَ يَعرِض للنِّساء أكثرَ مِن الرِّجال! وهذا إن دَلَّت عليه الآية الكريمة في البقرة، فإنَّا ننبِّهُه إلى أنَّ علماء الأعصابِ قد شهدوا أنَّ في ذاكرة المرأة ضَعفًا بالنسبةِ إلى ذاكرة الرَّجل، وأنَّها لا تستحضر الماضي كما يستحضره الرَّجل، هذا في الجملة.
يشهد بهذا البروفيسور (أُوتو فِينْجِر) الطَّبيب النَّمساوي، في كتابه المسمَّى «الجنس والأخلاق» ، حيث أثبتَ أنَّ في ذاكرة المرأة ضعفًا مقارنةً بمثيلتها عند الرَّجل، فقال:«إنَّ التَّذكر هو التَّغلب على ما مضى مِن الزَّمن، واستحضاره في الذِّهن، ولا يمكن للمرأة -لأسبابٍ عضويَّة ونفسيَّة- السَّيطرةُ على هذه الموهبة؛ لأنَّ حياتها متقطِّعة، لا تذكر منها إلَّا اليسير؛ بخلاف الرَّجل، فإنه يمكنه تتبُّع سلسة حياته حلقةً فحلقة، ولا يغيب عنه جوهرها في أيِّ وقتٍ مِن الأوقات .. »
(1)
.
بل زاد عليه آخرون بأن قرَّروا ضعفَ القُوَّة العاقلة لدى النِّساء مُقابل الرِّجال؛ والجيِّد في هذا أنَّ أبرز مَن أقرَّ منهم بهذا امرأة طبيبة! تُدعى (إليانور ماكُّوبي Eleanor maccoby)؛ وذلك في بحثٍ لها نشرته عُدَّ مِن أفضلِ ما قُدِّم في مجالِه في سِتِّينات القرن الميلاديِّ الماضي، أثبتت فيه تفوُّق الرِّجال على النِّساء في درجات الذَّكاء والمهارات العقليَّة، لاختلاف التَّركيبة الدِّماغية عند كلٍّ منهما، حتَّى صَرَّحت -بعد تجارب وملاحظات عديدة- بضعفِ الإنتاجِ النِّسوي والابتكار المفيد منهنَّ، أمامَ ما ينتجه الرِّجال في ميادين العلوم والأدب
(2)
!
فلست أدري ما يقول المُعارض لهؤلاءِ المُتخصِّصين، وهو يدَّعي أنَّ النِّسيان مجرَّد عارضٍ لحالةٍ نفسيَّةٍ «لا علاقة له بالعقل على الإطلاق»
(3)
!
(1)
(ص/94 ـ 116)، والنَّص منقول مِن مقالٍ لمحمَّد الخضر حسين -شيخِ الأزهر- بعنوان «كتاب يلحد في آيات الله» ، منشور في مجلَّة «نور الإسلام» (العدد الثامن، من المجلد الأول الصادر في شهر شعبان 1349 هـ)، وهو في «موسوعة أعماله الكاملة» (1/ 2/168)، نَقَد فيه كتاب «امرأتُنا في الشَّريعة والمجتمع» للطَّاهر حدَّاد.
(2)
انظر كتاب:
" Encyclopedia of women and geder" for judih worell (p/552 - 553).
(3)
«قراءة في منهج البخاري ومسلم في الصحيحين» للأدهمي (ص/199).
ماذا يقول مُدَّعو التَّسوية المُطلقة بين الذُّكور والإناثِ في كل شيءٍ، أمام هذه المُقرَّرات العلميَّة الَّتي تعرضها امرأةٌ باحثةٌ؟! إنَّهم يعترفون مُكرَهين بهذه الفروق المَحسوسة، «بيْد أنَّهم يَردُّون وجودَها إلى التَّقاليد الاجتماعيَّة الَّتي تسود العالم؛ ولَعمري إنَّ هذه التَّقاليد مُحِيَت بالحديدِ والنَّار في روسيا وغيرها مِن الدُّوَل الحمراء، ومع ذلك، وبعد نصفِ قرنٍ مِن التَّجربة الهائلة، لا تزال المرأة في وضعها الثَّاني، والرَّجل في المرتبة الأولى!»
(1)
.
نعم؛ يوجد من النِّساء من يفُقن رجالًا عقلًا وضبطًا
(2)
، ورجالٌ تحكمهم أحيانًا نساء! غير أنَّ الشُّذوذ لا يخدش القاعدة، بل يؤكِّد أنَّ الأصل كون المرأة دون الرَّجل في التَّفكير الموضوعيِّ والتَّدبير وإدارة المخاطر، وليس هذا عيبًا فيهنَّ مَعاذ الله! بل كمال في جنسهنَّ، فلو كُنَّ كالرِّجال في صلابة عقولهم ومنطقيَّتها ونقص عاطفتهم مقارنةً بهنَّ: لكان في ذلك جرحًا في أنوثتهنَّ! ولاختلَّ نظام الحياة بأكمله.
فسبحان الَّذي أعطى كلَّ شيءٍ خلقه ثمَّ هدى.
(1)
«حقوق الإنسان» لمحمد الغزالي (ص/92).
(2)
انظر «الكوثر الجاري» للكوراني (1/ 456).