الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
وبعد ..
فإنَّي أحمد ربِّي على جميلِ عَونِه، وتيسيرِه إتمامَ مَفاصِل هذه الرِّسالة، فله الحمد في الأولى والآخرة.
وقبل استِتْمامِ القولِ فيها، فإنَّه يحسُن لفتُ النَّظر إلى جملةٍ من النَّتائج الكُليَّة، ونُبذٍ من التَّوصيات العلميَّة.
فأمَّا النَّتائج، فيُبَرَم القولُ فيها في القضايا التَّالية:
القضيَّة الأولى: أنَّ دَعوى مُناقضة الأخبارِ النَّبويَّةِ في الصَّحيحينِ للضَّرورةِ العقليَّة أو الحِسيَّة أو العِلميَّة ونحوِها مفهومٌ لا يَصدُق، ومَنشأ هذه الدَّعوى النَّكِدة هو اختراعُ الخصومةِ بين بُرهان النَّقلِ، وبُرهان العقلِ، والبَراهين لا تَتناقض.
فكان أعظمَ ما امتازَ به أهل السُّنة على غيرهم من الطَّوائف: إصابةُ النَّظرةِ الشُّموليَّة لهذه الدَّلائل الشَّرعيَّة؛ هذه النَّظرة مُبتناةٌ على يقينهم القاضي بامتناعِ مُناكدةِ صحيح المَنقولِ لصريح المَعقول، والانحطاطُ عن رُتبة هذه النَّظرة عند كلِّ مُخالفٍ لهم إنَّما يتأتَّى من التَّقصير في فقه العلاقةِ بين هذين الدَّليلين.
القضيَّة الثَّانية: أنَّ القاسمَ المُشترَك بين الطَّوائف المُعاصِرة المُجافِية لأخبار الصَّحيحين هو الانحرافُ عن فهمِ وظيفةِ العقل، والجناية على الدَّلائل النَّقليَّة تَبَعًا لذلك؛ وحقيقة الفارق بين مواقِفها مِن آحادِ السُّنة: أنَّ مَن كان منهم إسلاميًّا سُنيًّا في الجملة، فإرادةُ تنزيهِ الشَّريعةِ عن مُناقضةِ الضَّرورةِ العقليَّة واقعٌ له بالقصدِ
الأوَّل، والإلحادُ في النُّصوصِ والجِنايةُ عليها ليس مُرادًا له، بل وَقَع له نتيجةً لانحرافِه في التَّنظير؛ وأمَّا مَن كان عَلمانيًّا أو رافضيًّا أو منكرًا لحجيَّتها: فإنَّ الإلحادَ في النُّصوص، والجنايةَ عليها، والكُفرَ بمَصدرها، واقعٌ لهم بالقصدِ الأوَّل.
القضية الثَّالثة: أنَّ قَبول ما دَلَّت عليه ظواهرُ الصِّحاحِ مِن أخبارِ الصَّحيحين يُعدُّ فحولةً فكريَّةً، وعِصمةً شرعيَّةً، وسابِلةً لا ينتهجها إلَّا الرَّاسخون في العلم، الَّذين انعقدت قلوبهم على يقينٍ بصدقِ ما دَلَّت عليه سُنَن نَبيِّهم؛ وأمَّا التَّمحُّل في رَدِّ ظواهِرِها، أو التَّعسُّف في إنكارِها: فمَهيَعُ العَجَزة، مِمَّن كَلَّت أفهامُهم، وعَشِيَت أبصارُهم عن دَرْكِ المَقاصدِ النَّبويَّة.
القضيَّة الرَّابعة: أنَّ أهل السُّنة لا ينفون وقوعَ المَحارةِ في الأفهام، والاستشكالِ لبعضِ ما دلَّت عليه أحاديث الصَّحيحين، وإنَّما الَّذي يَأْبَوْنه: ترتيب التَّسارع في الإبطالِ لتلك الدَّلائل النَّقليَّة على انقداحِ الاستشكال، والبَوْنُ بين النَّهجَينِ فسيحٌ بيِّنٌ.
القضيَّة الخامسة: أنَّ المُتأمِّل في جملةِ المسائل الَّتي قرَّرتها أحاديث «الصَّحيحين» ، والَّتي خاض المُخالفون لأهل السُّنة فيها بغير مُستندٍ شرعيٍّ، يجِدُ كثيرًا من هذه السُّنَن لم تنفرد تلك الصِّحاح بالدَّلالة عليها، بل اشتركت الدَّلائل القرآنيَّة والإجماع القطعيُّ في تثبيتها، وكذا مُكتشَفات العلوم الحديثةِ؛ فيتحصَّل عندئذٍ بُطلان دعوى المُخالفين المُبطلين لتلك الأحاديث بحُجَّة أنَّها أخبار آحاد.
القضيَّة السَّادسة: أنَّ أخبارَ الآحادِ حُجَّةٌ شرعيَّة مُفيدةٌ للعلم إذا احتَّفَت بها القرائن؛ وما كان منها في «الصَّحيحين» مُفيدٌ للعلمِ ما لم يَقَع فيها خلافٌ بين أهل العلم المُعتَبرين؛ وهذا الخلاف لم يَقَع إلَّا في النَّزرِ اليسيرِ مِن أحاديثِهما، وبذلك تندَرج أحاديثُ الكِتابين فيما تُلقِيَّ بالقَبول في الجملةِ.
فكان على ذلك خطأً بيِّنًا عَمْدُ بعضِ المُعاصرين -ولو كان مُؤهَّلًا للنَّقدِ الإسناديِّ، فضلًا عمَّن دونه- إلى رَدِّ أصلِ حديثٍ في «الصَّحيحين» قد استقَرَّ رأيُ الأمَّة على قَبولِه، وانتفَى له سَلَفٌ في تعليلِه؛ يؤكِّد هذا:
القضية السَّابعة: أنَّ كلَّ أحاديث «الصَّحيحين» الَّتي راجَ طَعْنُ المُعاصرين فيها -بشَتَّى أطيافِهم- مِن جَهة المتن، قد تَبيَّن مِن خلالِ دراستنا لها أنَّهم غالِطون في توهينهم لها، وأنَّها -بحمد الله- سالِمةٌ مِن كلِّ غوائلِ الإنكارِ، بَريئةٌ مِن دَعاوي معُارضتِها للعقلِ أو العلمِ أو الحسِّ؛ ما خَلا حديثَيْن فقط في «صحيح مسلمٍ»: حديث عَرض أبي سفيان لابنتِه زينب على النَّبي صلى الله عليه وسلم، وحديث خلق التُّربة يوم السَّبت؛ على ما سَلَف من خلافٍ فيهما قديم، بين مُثبتٍ لهما من أهل الحديث ومُنكرٍ، فيَخرُجان بذا مِن حَيزِّ التَّلقي بالقَبول سَلفًا، وينتفي الحَرج على مَن وافق أحدَ الفريقين بدليلِه
وما أنتجته هذه القضيَّة السَّابعة يؤكِّد لنا ما قَرَّره جمهور أهل العلمِ مِن تَفَوُّق «صحيح البخاريِّ» على «صحيح مسلمٍ» مِن حيث الأصحيَّة، والصَّنعة الحديثيَّة، وشُفوف نَظَرِ البخاريِّ في المتونِ بما لا يَبلُغه فيه مسلم.
القضيَّة الثامنة: اهتمام الشَّيخينِ بالنَّظر إلى تفحُّصِ المتونِ والتَّأكُّدِ مِن استقامتِها أثناءَ العمليَّة النَّقديَّة للأحاديث، والبخاريُّ أوفقَ في ذلك مِن مسلمٍ، فهو أستاذه في عِلَل الحديث باعترافِه.
على أنَّا ما وَافقنا فيه مَن أعَلَّ الحديثين المُشار إليهما في «صحيح مسلمٍ» ، قد رَجَّحْنا قولَنا ذاك فيهما بشِقِّ الأنفُس! ومَكَث بنا النَّظَرُ الدَّقيقُ في مَتْنَيْهما الوقتَ الطَّويل؛ لتعلمَ أنَّ مُسلمًا وإن أدرجَ هذين الخبرين في «صحيحِه» ، فليس معنى ذلك عدم مبالاتِه باستقامةِ المتون كما يَدَّعيه المُخالفون! فإنَّه لم يُخالف بهما بَدائهَ العُقول، ولا أثبتَ ما لا مجالَ فيه للأخذِ والرَّدِ، بل تصحيحُه لمتنيْهما له حَظٌّ مِن النَّظر، وإن كنَّا نراه -تَبعًا لكثيرٍ مِن العُلماء- نظرًا مَرجوحًا.
القضية التَّاسعة: أنَّ ما يقع من بعض أهل العلم المُنتسبين للسُّنة من ردٍّ لبعضِ أحاديث «الصَّحيحين» ليس منهجًا مُطَّردًا، وليس مَبنيًّا على إحالةٍ عقليَّةٍ، وإنَّما كان يعتقد النَّاظر منهم في الحديثِ المُعيَّن مُخالفتَه لِما هو أقوى منه من الدَّلائل النَّقليَّة الأخرى، أو الكُليَّات الشَّرعية القطعيَّة، فيأخُذ بالأقوى من الدَّلائل
بحسب ما استبان له؛ أو يكون مَردُّ الخطأ عنده نابعًا من تقصيرٍ في تحقيقِ مَناط الحديث.
نعم؛ قد يَقع التَّصريح من بعض العلماءِ بأنَّ مَأخذ الرَّد مخالفةُ الحديث في «الصَّحيحين» لدلالةٍ عقليَّةٍ أو حِسيَّةٍ، لكن ردُّ الأحاديث بهذا المَأخذ -لندورِ وقوعِه جدًّا من علماء السُّنة- لا يُمكن أن يُعدَّ قانونًا مَنظومًا من كليَّاتِ منهج أهل السُّنة، ولا يُعرف الرَّد بهذا المَسلك عن أئمَّتهم، وإنَّما وقع من بعض المُتأخِّرين من أهل العلم، والتزامُ هذا المسلكِ في الردِّ أصالةً لا يكون إلَّا غَلطًا محضًا، وعُدولًا عن السَّنَنِ الأبْيَنِ الَّذي سارَ عليه أهل السُّنة والجماعة.
القضية العاشرة: أهميَّة توظيف الحقائق العلميَّة المُتعلِّقةِ بالكونِ في نُصرةِ صِحاحِ السُّنَة، لا على وجه الإبانةِ عن معانٍ تُخالف ما جرت عليه أفهام السَّلف، أو قصد تحديدِ كيفيَّات ما غُيِّب عنَّا؛ وإنَّما على وجه الإبانةِ عن لطائف معاني مُستبطنةٍ تزيدنا يقينًا في النَّص نفسِه، وعلى سبيلِ الكشفِ عن صدقِ ما دلَّت عليه فيما يتعلَّق بالعلومِ الطَّبيعيَّة؛ هذا مِن جِهة.
ومِن جِهةٍ أخرى: بيانُ مَدى قصورِ علومِ البَشر، وأنَّها مهما بلغت في الاتِّساع تظلُّ رهينةَ الاستدراكِ والتَّمحيص.
وأمَّا التَّوصيات، فتَتَجَلَّى في الآتي:
أوَّلًا: مع تحريرِ أئمَّة الحديثِ وضبطِهم لقواعد الحديثِ روايةً ودرايةً، ومُحالفةِ التَّوفيق لهم في ابْتِنائها على أصولٍ عقليَّةٍ مُتَّسقةٍ مع مُقتضى الفِطرة، نلحظُ كثيرًا مِن طَلَبة العلم -مِمَّن ينتسبُ إلى أهل السُّنة والحديث- غُفْلًا عن معرفةِ هذا البناء العَقليِّ المُحكَم الَّذي شادَه أسلافُهم لعلوم الحديثِ، وعن استلهامِ مناهجِهم في النَّظر الدَّقيق إلى النُّقولات.
فالغفلةُ عن ذلك ساقَت إلى تزعزُعِ بعض هؤلاء أمام سَيْل الشُّبهاتِ الَّتي جَهِد أصحابُها على صَبْغِها بالصِّبغة العصريَّة العقليَّة، ثمَّ تسليطِها على هذا الفنِّ، فادَّعوا أنَّه مجرَّد عِلمٍ ساذجٍ مُتصَلِّب، مُفتَقدٍ للعقلنةِ في تأصيلاتِه وتطبيقاتِه.
فكان حَريًّا بكلِّ مَن آنس مِن نفسِه بصَرًا وفقهًا مُفصَّلًا بأصول أهل السُّنة في نقدِ الأخبار، أن يواكب في هذا ميزات أهل عصره، فيسعى جاهدًا في استنباطِ الدَّلائل العقليَّة الَّتي أسَّس عليها المُحدِّثون كلَّ بابٍ من أبوابِ علم الحديث، للكشفِ عن عبقريَّة أسلافِنا في خدمة دينِهم، وسُنَّة نَبيِّهم، وردِّ كيدِ المُستخفِّين بهم في نُحورِهم، وليُعلَم به سَلامةُ ما أصَلَّه أئمَّةُ الحديث وصَيارِفَتُه.
ثانيًا: مع قلَّةِ النُّباحِ على قافلةِ «الصَّحيحين» في بعض البلدان -كبلدي المغرب- مقارنةً بحالِ كثيرٍ من بلدان المَشرق، فإنَّ ما نشهده مُؤخَّرًا مِن تزايُد الهجوم عندنا على البخاريِّ بخاصَّة -وإن كان بشكلٍ مُتقَطِّعٍ- نذيرُ شؤمٍ! فإنَّ بعض الشَّر يبدأ به المُفسدون صغيرًا، جسًّا لنبضِ المُصلحين، وتمهيدًا لِما بعده! {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35].
فلذا أهيبُ بمَن يحملون في قلوبِهم هَمَّ هذا الدِّين وحُبَّ وَطَنِهم، وقَلَقًا على المُستقبل الفِكريِّ للأجيالِ القادمة، أن يُسارعوا إلى الوقاية من هذه الأمراض المُعدية قبل العلاج، فـ:
يُبادروا إلى إقامة المَشاريع الفكريَّة التَّحصينيَّة، بدَلَ الاكتفاء بردود الأفعال تُجاه ما نراه بين الفينة بعد الأخرى من الاعتداءِ على السُّنة؛ وذلك بإقامة مَحافل ومراكز عِلميَّة (جادَّة!) تَسهرُ على رصدِ الغارةِ المُعاصرة على أصول التَّشريع، وإصدارِ الدِّراسات المُحقَّقة الَّتي تعرضُ علومَ السُّنة بخطابٍ بُرهانيٍّ مُقنِعٍ فكرًا وصورةً، عبر استغلالِ التَّقنيات الحديثة في الإعلام.
ومِن هنا؛ أدعو وزارةَ الأوقافِ والشُّؤونِ الإسلاميَّةِ بمَمْلَكَتِنا الشَّريفة، إلى إحياءِ سُنَّةٍ للمغاربةِ تَعاقبوا عليها قرونًا مِن الزَّمن إلى عهدِ الاحتلالِ الفَرنسيِّ! يَتَقدَّمُهم سَلاطينِهم النُّبَلاء، إلى إحياء كَراسٍ لصحيح البخاريِّ في كُبرياتِ المَساجد في كلِّ ناحيةٍ مِن هذا البلد الكريم، لتُضيء الأنوارُ النَّبويَّة من هذا السِّفْرِ النَّفيسِ قلوبَ المُسلمين في بيوتِ الله كما كانت، ولتزيد الرَّابطة الرُّوحيَّة بينهم وبين نَفَحاتِه السَّنيَّةِ على مَدارِ السَّنة، قراءةً مُرصَّعةً في جَبين الزَّمن لبديعِ ألفاظِه،
وتَفهُّمًا لجليلِ مَعانيه، واستخراجًا لثمين كُنوزِه، ليُغبَطوا بخَتْمِه كلَّ عامٍ في شهر رمضان المُبارك، فلَنِعْمَ البِدعةُ هذه!
ثالثًا: بَدا للباحثِ أنَّ هناك مسائل ما زالت تفتقرُ إلى إغناءٍ وتحريرٍ، منها:
1 -
دراسة العيوب المَنهجيَّة الَّتي يقع فيها المُخالفون لنهجِ أهل السُّنة في نقدِهم للسُّنة، والَّتي يشترك في أكثرِها هؤلاء المُعاصرون الَّذين فوَّقوا سِهام طعونِهم إلى «الصَّحيحين» ، كـ: التَّحيُّز في انتزاع النَّتائج من المسلَّمات الأوليَّة، والتَّعميم الفاسد، والانتقائيَّة في اختيار المصادر، وإهمال الأدلَّة المعارضة، .. إلخ؛ فإنَّ بيان الخلل في أصل منهجِهم في استقاء المَعلومات وتراتُبيِّة المُقدِّمات ثمَّ استصدار الأحكامِ، كفيلٌ بإبطالِ مُخرجاتِه، وإظهارِهم على حقيقتِهم بأنَّهم من أبعدِ النَّاس عن المنهجيَّة المنطقيَّة والمَوضوعيَّة في النَّقد.
2 -
تجرُّؤ التيَّارات المنحرفة المُعاصرة على إنكارِ الأخبار النَّبويَّة المُتلقَّاة بالقَبول، أو تحريفهم لدلالاتِ النُّصوص الشَّرعيَّة عمومًا، مَنشأه عدم اعتدادِهم بعصمةِ الإجماع، ونفيُهم لما يدلُّ عليه من النُّصوص، أو إنكارهم لوجوده رأسًا، وتفانيهم في الإيمان بنسبيَّة الحقيقة، وكثيرًا ما يَصمون المُعتصمين بهذه العُروة الوُثقى بأنَّهم عُبَّادٌ للسَّلَف! وغرضهم كسرُ هذا المِعيارِ الَّذي به تُضبَط العمليَّة النَّقديَّة أو الاستدلاليَّة في الأمَّة.
فأوْلى بهذا المَوضوع أن يُستقصى مِن كُتب هؤلاء المُخالِفين المُعاصِرين، وتُستقرَأ شُبهاتهم فيه وأغراضُهم مِن إثارته، فهو مُرتَكزٌ منهجيٌّ أصيل يستبيحون به حِمى النُّصوص.
3 -
الاجتهاد في تبيان مَدى العُلقة التَّاريخيَّة الوثيقةِ بين «الصَّحيحين» وأهل بلدٍ إسلاميٍّ ما، واحتفاء علماءه والعامَّة بهما عبر الأعصُر إلى اليوم، فيأخذُ أحد الباحثين بسردِ التَّاريخ التَّفصيليِّ لقصَّة البخاريِّ مع المغاربةِ -مثلًا- منذ دخولِه الأوَّل، إلى احتفاء السَّلاطين والعلماء به، وتَبرُّك العامَّة به إلى وقتٍ قريبٍ جدًّا، لبيان الوَشيجة التَّاريخيَّة الوطيدة بين هذا الشَّعب وبين تُراثِه السُّنيِّ، ثمَّ دراسة أسباب ضعفِ هذه العلاقةِ في هذه العقودِ الأخيرة، وما الغاية منها.
4 -
عبر رحلتي الجميلة في دراسة الصَّحيحين مُدَّة بحثي هذا، وجدتُ بأنَّ علماءَ المغرب مِن أحرصِ النَّاس على عرضِ الشُّبهات المنفوقةِ على السُّنة وأحاديثِهما، وأمتنِهم في دحضِها في مَهدِها، فلم أكد أجِدْ شُبهةً لوَّح بها أحد المُعاصرين على حديثٍ هو في «الصَّحيحين» ، إلَّا وأسعفني في الجوابِ على كثيرٍ منها أحد شُرَّاح الحديث المغاربةِ، كالمَازَريِّ، والقاضي عياض، وابن بطَّال، وأبي بكر ابن العَربي، وأبي العبَّاس القرطبي، وغيرهم.
فحبَّذا لو تخرُج دراسة لبيان جهودِ علماء المغربِ في حِياطةِ الأحاديث النَّبوية ودفع المُعارضات عنها، والمناهج العلميَّة الَّتي سلكوها حتَّى بزُّوا أقرانهم المشارقة في ذلك؛ رحم الله الجميع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين