الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جنبك. اللهمّ فارض عنهم، وضاعف حسناتهم، وامح عنهم سيّئاتهم، وأبق نعمتك عليهم في أعقابهم، إنّك مجيب سميع قريب».
ونزل فانصرف إلى قصره، وأمر بإطعام العوامّ، وبصدقات فرّقت في الفقراء والمساكين.
وفي يوم الأربعاء لعشر بقين من ذي القعدة، وصل رأس فضل بن أبي يزيد، وكان زحف من جبل أوراس إلى مدينة باغاية فحاصرها إلى أن خدعه رجل يقال له باطيط بن يعلى وقتله.
[خطبة عيد النحر بعد الظفر بالفضل]:
وركب المنصور من قصره بالمهديّة لصلاة عيد النحر على الرسم الذي تقدّم في يوم الفطر، فصلّى بالناس ثمّ صعد المنبر فقال:
«بسم الله الرحمن الرحيم. الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلّا الله.
«والله أكبر! الله أكبر! ولله الحمد والملك والخلق. تبارك الله ربّ العالمين. مدبّر الأمور، وباعث من في القبور. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الذي لبس العزّة، وارتدى العظمة، وانفرد بالجبروت والأزليّة، وتوحّد بالملكوت والربوبيّة، العزيز الغفّار، المتكبّر الجبّار، المتعالي عن الصفات، المعروف بالآيات البيّنات، المعبود في الأرضين والسماوات.
«وأشهد أن محمّدا عبده ورسول، خاتم أنبيائه، وسيّد أصفيائه، وأكرم أوليائه، بعثه بالهدى، مبصّرا من العمى، منقذا من الضلالة والرّدى، وأكمل به على العباد نعمته وإحسانه، وأبان به سخطه ورضوانه، فبلّغ عليه السلام الرسالة، وصرّح بالبشارة، وأعلن النّذارة، وكشف الله به الظلماء، وأبطل الجاهليّة الجهلاء، حتّى تآلف النّافر، وآمن الكافر، وعبد الجاحد، وأذعن المعاند، وأصبح الحقّ واضحا بعد دروسه، مضيئا بعد طموسهبأصنام معبودة، وقلوب كافرة، وأيد عليه متظافرة، إلى أن أذن الله بإظهار دينه على الدين كلّه.
«صلوات الله على محمّد سيّد الأنبياء، المضطلع بالأعباء، الصابر على البأساء والضرّاء، الباذل لله نفسه أعزّ الأنفس قدرا، وأجلّها عند الله خطرا، وأرفعها في الملأ الأعلى ذكرا، لا يسأل العباد على ذلك أجرا إلّا المودّة في القربى، كما أمره ربّه ليكون الودّ لأئمّة الهدى من ذريّته سببا لشفاعته والحشر في زمرته.
«الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلّا الله! والله أكبر! الله أكبر! ولله الحمد والعظمة والمجد!
«عباد الله، إنّ يومكم هذا يوم عيد أوجب الله تعظيمه وتكريمه، افتتح به الأيام المعدودات، وختم به الأيام المعلومات، وجعله علما للميقات، لحجّ بيته الحرام المعظّم، العتيق المكرّم، تفتح فيه أبواب السماء، لقبول الدعاء.
فادعوا الله مخلصين، وابتهلوا إليه راغبين، تقرّبا بما أمركم [و] وزعكم (1)، من بهيمة الأنعام [198 ب]، وأفضلها إناث الإبل، وإناث البقر، وفحول الضأن. ومن ضحّى بجذع من المعز لم يجز عنه، وجذع الضأن يجزي، وكلّ ذبيح قبل الصلاة لحم محلّل، وبعد الصلاة قربان متقبّل.
وتمام الأضاحي سلامة الأعين والآذان، فاجتنبوا مرضاها ومشوّهاتها، بزيادة الأعضاء ونقصانها، وأحدّوا الشّفار (2) لها، وارفقوا عند الذبح بها.
فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحجّ: 36]، كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحجّ: 36].
(1) وزعه يزعه وأوزعه الأمر: ألهمه إيّاه وكلّفه به.
(2)
الشفرة: السكين العظيمة.
«تقبّل الله منّا ومنكم قرباننا، وأجاب دعاءنا، وزكّى أعمالنا، إنّه المنّان الكريم، الجواد الرّحيم» .
[الخطبة] الثانية:
«الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلّا الله.
«والله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! ولله الحمد دائما، والملك باقيا، والعزّ قاهرا، والدين واصبا (1). فسبحان من تفرّد بالبقاء، وتوحّد بالبهاء، وتمجّد بالسّناء، وقهر الخلق بالفناء، ومنّ بالنعم والآلاء، ابتدأ بجوده وجزى بعدله، شهد الله وشهد من مجّده أنّه لا إله إلّا هو، والملائكة المقرّبون وأولو العلم المؤمنون، قائما بالقسط، منفردا بالملك، متوحّدا بالربوبيّة، لا إله إلّا هو العزيز الحكيم، وأنّ محمّدا عبده ورسوله خاتم النبيّين وسيّد المرسلين، وأكرم المصطفين، وأفضل المنتخبين، صلوات الله عليه وعلى من تقدّمه من الأنبياء والمرسلين، وخلفه من الأئمّة المهديّين من ذرّيّته الكرام الطاهرين، ألسن الصدق وأعلام الحقّ، وهداة الخلق، ودعاة الرشد، وأدلّة القصد.
«اللهمّ، صلّ منهم على من بدا ضياؤه، ساطعا سناؤه، بحر علوم زاخر الغوارب، وبدر سماء زاهر الكواكب، منوّر الظّلم، وكاشف البهم (2)، محيي السنن، ومميت الفتن: ذلك عبد الله ووليّه وخيرته وصفيّه، أبو محمّد الإمام المهدي بالله أمير المؤمنين، المرتضى للدين، والهادي إلى الحقّ المبين، وسيف الله المنتضى على الكافرين. اللهمّ صلّ عليه أتمّ صلواتك، وواصل لديه تحيّاتك، وجدّد له كراماتك، وزده في نعمائك، وفواضل
آلائك، وجزيل عطائك.
«اللهمّ، وصلّ على وارث مقامه، وواصل أيّامه، العلم الأزهر، والسراج الأنور، محمّد أبي القاسم (3) القائم بأمر الله أمير المؤمنين، الذي اصطفيته وكرّمته، واخترته وارتضيته، وامتحنته وابتليته، فكان لأنعمك شاكرا، وعلى البلاء صابرا، مسلّما تسليم أنبيائك الأكرمين، وأوليائك المنتخبين، لرفع شأنهم وكرامتهم، لا لهوانهم.
لقد كان المبتلى بأعظم فتنة، وأشدّ محنة، من أحقّ الأمم بالخزي واللعنة، لافترائهم عليك، وارتكابهم معاصيك، وجحدهم تنزيلك، وتكذيبهم رسولك، وتألّبهم على إطفاء نورك، وتظافرهم على هدم دينك، ولم يكن إلى سواك ضارعا، ولا إلى غيرك خاضعا، ولا في نصرك شاكّا، فنطق به مفصحا، وبيّنه موضّحا، تثبيتا للمؤمنين، واحتجاجا على الكافرين. ثمّ صرمت أيّامه، وقضيت حمامه، قبل شفاء غيظه ودرك ثأره، وبلوغأمله، فخرج من الدنيا راضيا بك، ضاحكا مسرورا بلقائك، واثقا بجزائك. اللهمّ، فصلّ عليه صلاة لا تبلغها الآمال، ولا تنتهي إليها الأعمال، تخصّه منها بأكرم فضيلة، وأقرب وسيلة، وزده إحسانا ورضوانا، ورأفة وحنانا، من فضلك الذي لا ينقصه الإعطاء [199 أ]، وجودك الذي لا منّ فيه ولا أذى. وإنّا لقضائك عليه لمسلّمون، وباختيارك له راضون، وبثوابك له موقنون، ودعاؤنا له وصلواتنا عليه فرض منك نؤدّيه، وحقّ أوجبته علينا نقضّيه.
«اللهمّ لك الحمد من قبل ومن بعد على نعمتك عليّ، بإفضائك إليّ إمامة الآباء المهديّين، وخلافة الأئمّة الراشدين، ونصبك إيّاي لإحياء الدين، بإقامة سنن سيّد المرسلين وإعزاز
(1) وصب (وزن وقف): دام وثبت.
(2)
البهم (وزن أمم): مشكلات الأمور.
(3)
في المخطوط: أبو القاسم.