الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زالت الدولة المظفّريّة بيبرس وقدم الملك الناصر من الشام، فتلقّاه أصلم بنمجاة (1) السلطنة وبشّره بهروب بيبرس، فأنعم عليه بإمرة عشرة. وما زال تنقّله حتى صار من أمراء الألوف، وبعثه على التجريدة إلى بلاد اليمن في سنة خمس وعشرين وسبعمائة.
ثمّ قبض عليه وعلى أخيه سيف الدين قرمجيّ في يوم الخميس مستهلّ جمادى الأولى سنة سبع وعشرين، واعتقل في برج بقلعة الجبل. وسبب ذلك أنّه عرض سلاح خاناته وأخرج آلات السلاح بين يديه بإصطبله خارج باب زويلة من القاهرة، وألبس خيوله آلة الحرب وعدد القتال، وسيّرها في الإصطبل، فوشى به بعض أعدائه إلى السلطان أنّه قد اتّفق مع أخيه قرمجي (2) وطائفة القبجاق على الفتك بالسلطان وتغيير الدولة، وأنّه أمس عرض عدد سلاحه كلّها وألبس خيله ورتّب هيئة ركوبه للقتال، وكتب بذلك رقعة وألقاها في الإصطبل السلطانيّ، فأخذها بعض سوّاس الخيل، ووصلت إلى السلطان. فلما قرأها بعث الحاجب إليه يسأله عمّا كان يعمل أمس في إصطبله. فأجاب بأنّي عرضت سلاحا اشترتيه علي خيلي لأعرف ما يناسب منه ممّا لا يناسب. فلم يشكّ السلطان في صحّة ما نقل عنه. وقبض معه على قيران صهر قرمجيّ، وعلى إتكان أخي آقّوش الحاجب وسفّرهما مع طرخان بن بيسري وبرلغي قريب السلطان [لأمّه](3) إلى الإسكندريّة. وتتبّع المماليك القبجقيّة فقبضهم. وطلب [ال] أمير حسين بن جندر [207 أ] من دمشق وأنعم عليه بإقطاع أصلم.
فأقام أصلم وأخوه في السجن ستّ سنين وثمانية أشهر. ثمّ أفرج عنهما في صفر سنة أربع وثلاثين وخلع عليهما، وأنعم على أصلم بإمرته.
ثمّ أخرجه في سنة إحدى وأربعين لنيابة صفد عوضا عن أقسنقر السلاريّ، فمات السلطان وهو بصفد.
ثمّ إنّ الأمير قوصون لمّا قام بتدبير الدولة جرّده مع الأمير الطنبغا نائب الشام لإمساك طشتمر حمّص أخضر نائب حلب. فقدم الأمير قطلوبغا الفخريّ إلى دمشق، وردّه أصلم من قار (4). فأقام بعسكر صفد الفخريّ [188 ب] حتى توجّه معه إلى مصر، وقد تسلطن الناصر أحمد بن محمد [بن قلاوون]، فرسم له بالإقامة بمصر على عادته أمير مائة ومقدّم ألف يجلس في المشور. فاستمرّ على ذلك حتى مات في يوم السبت عاشر شعبان سنة سبع وأربعين وسبعمائة، فأنعم بإقطاعه على الأمير طغيتمر النجمي، وكان إقطاعا جليلا عبرته مائة ألف دينار وأربعون ألف دينار.
وكانت له يد طولى في الرمي بالنشّاب. وكان الملك الناصر الكبير دائما يجعله رأس الحلقة.
وعظم في الدولة الناصريّة أحمد وما بعدها.
وترك ثلاثة أولاد أمراء. وعمّر مدرسة بجوار داره في خطّ سوق الغنم خارج باب البرقيّة في غاية الحسن، وأقيم بها خطبة.
796 - أطسز بن أوق الخوارزميّ [- 471]
(5)
[189 أ] أطسز بن أوق الخوارزميّ التركيّ مقدّم
(1) النمجاة: ضرب من الخناجر.
(2)
في المخطوط: قرمشي. والإصلاح من النجوم 10/ 151 وممّا يأتي.
(3)
هو برلغي الصغير: تأتي ترجمته برقم 918 ج 2.
(4)
قارا: بين دمشق وحمص.
(5)
الوافي 6/ 195 (2652) تحت: أتسز. وكذلك في الكامل 8/ 111، مختصر تاريخ دمشق 4/ 204 (203)، تحفة ذوي الألباب للصفدي 2/ 54.
الأتراك. ومعنى أطسز: ليس معه فرس، وهي كلمة تركيّة. وبعضهم يقول: أتسز بالتاء، عوضا عن الطاء، وأصله كما قلت لك أوّلا.
كان أمير دمشق، لقّب نفسه بالملك المعظّم، وهو أوّل من ملك دمشق من الأتراك وقطع منها دعوة الخلفاء الفاطميّين وأعاد دعوة خلفاء بني العبّاس. وكان سبب قدوم الأتراك إلى الشام أنّه لمّا تغلّب ناصر الدولة [الحسن] بن حمدان في سنة اثنتين وستّين وأربعمائة على مصر وقصد إبطال دعوة المستنصر بالله وتغيير دولته ندب الفقيه أبا جعفر محمد بن أحمد بن البخاري قاضي حلب وبعثه رسولا إلى السلطان ألب أرسلان أبي شجاع محمد بن داود ملك العراق وخراسان يسأله أن يسيّر إليه عسكرا ليقيم الدعوة العبّاسية وتكون له مصر.
فمضى أبو جعفر إلى خراسان وبلّغ السلطان ألب أرسلان رسالة ناصر الدولة ابن حمدان.
فتجهّز من خراسان في عساكر عظيمة ونزل الرها في أوّل سنة ثلاث وستّين وأربعمائة، وبعث إلى محمود بن نصر بن صالح بن مرداس صاحبحلب يستدعيه فخاف منه ولم يتجاسر عليه. فقطع السلطان الفرات فقال له الفقيه أبو جعفر: يا مولانا، أحمد الله تعالى على ما أنعم به عليك فإنّه لم يقطع هذا النهر تركيّ إلّا مملوك [ا]، وأنتم اليوم قد قطعتموه ملوكا.
فأحضر الأمراء والمماليك، وأمره فأعاد الحديث. فحمد السلطان الله على ذلك. ثمّ خرج إليه محمود بن نصر فأكرمه وردّه إلى حلب بعد ما نزل السلطان على حلب، وحاصرها شهرا في جمادى الآخرة، فقطع محمود خطبة المستنصر من حلب وأقام الدعوة العباسيّة. وعزم السلطان على المسير إلى مصر، فأتته الأخبار بأنّ ملك الروم قطع بلاد أرمينية يريد خراسان فعاد من حلب إلى بلاده وخلّف طائفة من الترك ببلاد الشام فيهم أطسز. فسار معه إخوته جاولي والمأمون وقزلو وشكلي إلى أعمال دمشق. ونزل عليها وحاصرها في يوم الثلاثاء تاسع رمضان سنة سبع وستّين وأربعمائة. ثمّ انصرف عنها يوم الثلاثاء النصف من شوّال، ومعه إخوته ففتحوا أعمال فلسطين.
ثم اختلف الأتراك فصار بعضهم مع أمير الجيوش بدر الجماليّ بعكّا وبلاد الساحل التي في يده، وبعضهم مع القاضي عين الدولة ذي الرئاستين أبي الحسن محمد ابن القاضي أبي محمد عبد الله ابن القاضي أبي الحسن عليّ بن عياض بن أحمد بن أبي عقيل صاحب صور.
وبقي أطسز وإخوته بفلسطين، وفتح الرملة وطبريّة وبيت المقدس [207 ب] وصار يحاصر في كل سنة دمشق ويرعى زرعها. ومنع الزراعة حتى صارت الغرارة [من] القبح تباع بعشرين دينارا.
فلمّا كانت [189 ب] سنة سبع وستّين [وأربعمائة] حاصر شكلي بن أوق ثغر عكّا وأخذه بالسيف وقتل الوالي. فسارت إليه عساكر دمشق وحاربوه على طبريّة.
وفي سنة سبع وستّين حاصر أطسز بن أوق دمشق في يوم السبت سلخ ذي الحجّة عقيب هروب معلّى بن حيدرة. ورحل عنها يوم الجمعة لأربع خلون من صفر سنة ثمان وستّين، وذلك أنّ معلّى بن حيدرة بن منزو (1) لمّا أساء السيرة بدمشق وثار الناس عليه فرّ منها إلى بانياس فأقاموا عليهم الأمير رزين الدولة انتصار بن يحيى المصموديّ زمام (2) عسكر معلّى بن حيدرة في يوم
(1) معلّى بن حيدرة الكنانيّ- أو الكتاميّ- كان واليا على دمشق من قبل المستنصر: اتّعاظ 2/ 276 و 290.
(2)
زمامهم أي المقدّم عليهم.
الأحد مستهلّ المحرّم منها. وقدم أطسز إلى دمشق في شعبان ولم يزل محاصرا لها حتى غلت الأسعار ولم يقدر على شيء من الأقوات وبلغت غرارة الحنطة نيفا وعشرين دينارا.
ثم إنّه فتح البلد صلحا، ودخلها هو وعسكره يوم الاثنين الحادي والعشرين من ذي القعدة منها، وقطع خطبة المستنصر منها وأبطل الأذان بحيّ على خير العمل وأقام الخطبة للإمام المقتدي بأمر الله أبي القاسم ابن الذخيرة بن القائم بأمر الله العباسيّ في يوم الجمعة خامس عشرين ذي القعدة، ونظر في أمور دمشق وأحوالها وكثر عسكره.
ثم فرّ إليه من مصر [تركان شاه ابن بلدكوش](1) خوفا من أمير الجيوش بدر الجمالي.
وحدّثته نفسه بأخذ مصر فسار إليها في سنة تسع وستّين وأربعمائة، وقد سار إليه ناصر الجيوش أبو الملوك تركان شاه ابن سلطان الجيوش بلدكوش، وأهدى إليه ستّين حبّة لؤلؤ تزيد زنة الحبّة منها على مثقال، وحجرا من ياقوت زنته سبعة عشر مثقالا، في تحف كثيرة ممّا كان قد أخذه أبوه من خزائن القصر. وأغراه بأخذ مصر وأطمعه في أهلها. فحشد وهم على حين غفلة. وكان أمير الجيوش بدر قد خرج لقتال العرب بالصعيد. فنزل أطسز في أرياف مصر وأقام بها شهر جمادى وبعض شهر رجب، ومعه نحو الخمسة آلاف.
فلمّا بلغ ذلك أمير الجيوش قدم إلى القاهرة واستعدّ إلى لقائه. وخرج في يوم الخميس سابع عشر رجب، وسيّر المراكب في النيل بالعلوفات والميرة، وسار في نحو الثلاثين ألفا ما بين فارس
وراجل. فخافه أطسز وعزم على العود عن مصر إلى الشام، فلم يوافقه أصحابه على ذلك وقالوا له: قد وطئت ديارهم، وتعود بغير فائدة؟
فلم يلتفت إلى قولهم. فقال له أخوه المأمون وابن بلدكوش: لا تغرنّك كثرتهم، فإنّهم سوقة، وصيحة واحدة تهزمهم. فلا ترجع عن هذا الملك الذيأشرفت على أخذه!
وما زال به أخوه (2) حتى تقدّم للقتال في يوم الثلاثاء ثاني عشرينه. وقدم أمير الجيوش.
فتراخى أطسز عن الحرب إلى الليل بعد ما استظهرت ميمنته. فأحاطت العرب به من ورائه ونهبوا سواده، فانهزم وقتل أخوه المأمون، ولحق أطسز بغزّة وأقام بالرملة حتّى وصل إليه من بقي من عسكره. ودخل دمشق يوم السبت العشرين من شعبان [سنة 469].
وعاد [190 أ] أمير الجيوش مظفّرا، فندب العساكر مع ناصر الدولة [أفتكين](3) الجيوشيّ وبعثه إلى دمشق فحصرها أيّاما، وعاد في سنة سبعين.
فلمّا خاف أطسز من ظفر أهل مصر راسل تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان يستنجده، فتحرّك لذلك وسأل أخاه السلطان ملك شاه ابن ألب أرسلان أن يولّيه الشام، فأقطعه السلطان أبو الفتح ملك شاه ابن ألب أرسلان الشام وسار إليها ونزل على حلب في سنة إحدى وسبعين، فلم يقدر
(1) الاتّعاظ 2/ 312، 317، وقرأ الناشر: وكان شاه عوض:
تركان شاه، وهو اسمه الوارد في ترجمته بالمقفّى 2/ 587 رقم 1026.
(2)
هو شكل التركيّ أمير طبريّة وأخو أطسز كما في ترجمة بدر الجمالي رقم 2/ 394 رقم 911.
(3)
بياض بالأصل والإكمال من ترجمة بدر أمير الجيوش، وناصر الدولة أفتكين الجيوشيّ عرّفه المقريزي في الاتّعاظ 2/ 333: نصر الدولة أفتكين أجلّ غلمان بدر.
وفي الكامل (سنة 471): قائد يعرف بنصر الدولة، لا غير، وكذلك عند ابن القلانسيّ 112.