الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواهر. وبلغت زنة الزركش والمصاغ ثمانين (1) قنطارا مصريّة.
فلمّا نصب لم يعجب السلطان وقال: رأيت شوار بنت سالار، وهو أكثر من هذا وأحسن، على أنّ هذا يا أمراء ما يقابل به أنوك! - والتفت إلى الأمير طقزدمر، والأمير أقبغا وقال: جهّزا بنتيكما، ولا تتخاسسا مثل الأمير- يعني بكتمر.
وعظم ديوان أنوك حتى صار له تحت يد خزنداره من الذهب العين ستّمائة ألف دينار، سوى ما كان له من أصناف المتجر. وكانت إخوته، وهم أسنّ منه يركبون وينزلون في خدمته ويخلع عليهم ويعطيهم.
وقبل له: لم لا تلعب بالشطرنج؟
فقال: الملوك لا يصلح لهم الشطرنج، ولا النبيذ.
وكان يحبّ اقتناء البقر والغنم والإوزّ والبطّ.
وقال مرّة: أنا أحبّ البقر [226 ب] أكثر من الخيل.
ثم جدر وتغيّرت محاسنه. وتوفّي يوم الجمعة [
…
] عشرين ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وسبعمائة قبل موت أبيه بسبعة أشهر، فدفن بقبّة المدرسة الناصريّة بين القصرين. وكانت جنازته عظيمة. واستمرّت أمّه مدّة سنة تعمل على قبره في كلّ ليلة جمعة ختمة تنفق فيها مالا كثيرا للفقراء والقرّاء.
وكان قد شغف بمغنيّة تدعى زهرة. فلمّا منعت منه أشفى على التلف. إلى أن أحضرت إليه. وأغضى السلطان عن ذلك وتغافل عنه، وقد ساءه منه إعراضه عن ابنة بكتمر واشتغاله بزهرة. فحرّج (2) عليه وأراد ضربه فمنعته أمّه،
فرجف (3) الصبيّ ولزمه المرض حتى مات.
847 م- أوليا القرمانيّ [- 702]
(4)
[237 ب] أوليا بن قرمان القرماني [مبارز الدين] كان من المعروفين بالفروسيّة واتّصل بالظاهر بيبرس فأمّره وقتل بعد ذلك في وقعة شقحب في سنة اثنتين وسبعمائة.
848 - أونوجور بن محمد بن طغج [319 - 349]
(5)
[232 أ] أونوجور- ومعناه محمود- بن محمد بن طغج بن جف بن بلتكين بن قوران بن قوردي بن خاقان صاحب سرير الذهب، الأمير أبو القاسم، ابن الأمير أبي بكر الإخشيد، ابن الأمير أبي محمد الفرغائي، صاحب مصر والشام.
ولد بدمشق في سنة تسع عشرة وثلاثمائة.
وكنّاه أمير المؤمنين المتّقي لله، وجعله خليفة لأبيه في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وسنّه يومئذ اثنتا عشرة سنة، فدعي له بعد أبيه على منابر مصر والشامات من الرقّة إلى برقة بالكنية، وكان أبوه قد أخذ البيعة على جميع القوّاد له في يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين.
فلمّا مات الإخشيد بدمشق ورد خبر موته إلى مصر، وبها أونوجور مع عمّه أبي المظفّر الحسن ابن طغج في يوم الأربعاء لخمس خلون من المحرّم سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. فاجتمع الناس ثم
(1) في المخطوط: ثمانون.
(2)
حرّج عليه: شدّد.
(3)
في الدرر: فحصلت له رجفة من ذلك فكانت سبب ضعفه.
(4)
الدرر رقم 1091: ولقبه فيها: حسام الدّين، وسيأتي في ترجمة بكتمر رقم 936 بلقب: مبارز الدّين.
(5)
الولاة والقضاة 294، النجوم 3/ 1291، العبر 1/ 306، الخطط 1/ 329.
افترقوا من غير رأي. وانصرف الوزير محمد بن عليّ بن مقاتل (1) في أكثر أهل الدولة ووجوه البلد. ومضى أبو المظفّر إلى داره في خلق.
ثم أصبحوا من الغد إلى دار الإمارة، وبعثوا إلى أبي بكر محمد بن عليّ الماذرائي فأحضروه وشاوروه فأشار بإقامة أونوجور، وأن يكون أبو المظفّر خليفته (2) فتقرّر ذلك، وفوّض أمر الدولة لمحمد بن عليّ، وأقيم ابنه أبو عليّ الحسين بن محمد في الوزارة، وقبض على محمد بن علي بن مقاتل، وطلب منه المال، وذلك في يوم الخميس سادس المحرّم. وحضر هذا العقد وجوه الناس بمصر، وأهل الرأي، وهم: أبو بكر محمد بن علي الماذرائي، وأبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات، وأبو الحسن محمد بن عبد الرحمن الروذباري كاتب الإخشيد، وأبو بكر علي بن محمد بن كلا، وأبو عبد الله الحسين بن طاهر العلويّ، وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن طباطبا، وأبو القاسم أحمد بن محمد بن الحسين الرسيّ، وأبو جعفر مسلّم بن عبيد الله العلويّ، وأبو محمد القاسم بن عبد الله الشبيه، في كثير من الأشراف ووجوه الكتاب. وكان أبو محمد الحسن بن طاهر العلويّ، وأبو الحسين محمد بن الحسين بن عبد الوهاب الشام. وحضر هذا المجلس من أهل الدولة أحمد بن بدر الشمشاطيّ وأحمد بن موسى الزغلمان، وعمر بن فارس، وفارس كور التركيّ، وسائر الحجريّة.
وحضر أيضا أحمد بن محمد النيسابوري قاضي مكّة. وعبد الله بن محمد الخصيبي القاضي، وبكر ابن محمد القاضي المالكي، وأبو عبد الله أحمد بن شعيب بن [232 ب] الوليد قاضي مصر والرملة
وطبريّة. وحضر من الشهود محمد بن يحيى بن مهديّ المالكي، وعبد الرحمن بن سلمويه الرازي، وعلي بن أحمد بن إسحاق البغدادي وجمع كثير.
وركب أبو القاسم أونوجور من الغد يوم الجمعة إلى الجامع العتيق في جيش مصر، وعمّه أبو المظفّر يحجبه، وخلفه أبو بكر محمد بن علي الماذرائي. وخلع على الحسين بن محمد الماذرائي، وكتب إلى دمشق بما استقرّ عليه الحال بمصر فسكنت الأمور.
وسار كافور الإخشيدي بالعسكر، ومعه أبو الفتح مزاحم بن محمد بن رائق مقيّدا وقدم إلى الفسطاط في أحسن زيّ وأكمل عدّة في سلخ صفر. وجلس أونوجور جلوسا عامّا للناس [227 أ] وأنشد الشعراء في رثاء أبيه، فأنشد أبو الطيّب المتنبي يومئذ قصيدته التي أوّلها [بسيط]:
هو الزمان مشتّ [- ت] الذي جمعا
…
في كلّ يوم ترى من صرفه بدعا (3)
وأنشد محمد بن الحسن بن زكريا بن أسد قصيدة أوّلها [خفيف]:
في الرزايا روائع الأوجال
…
والبرايا ذرّية الآجال (4)
وأنشد مهلهل بن يموت بن المزرّع قصيدة مطلعها [خفيف]:
أيّ عزّ مضى من الإسلام
…
أيّ ركن أضحى حديث انهدام (5)
(1) في النجوم: كان صاحب خراج مصر.
(2)
في المخطوط: يخلفه.
(3)
هذا البيت غير موجود في ديوان المتنبيّ، وفي المخطوط: مشت بالذي. وهي قراءة العلّامة الميمنيّ في زياداته 2/ 119.
(4)
لم نعرف صاحب هذه القصيدة.
(5)
مهلهل بن يموت له ترجمة في تاريخ بغداد 13/ 273 (7232).
فكان يوما عظيما.
وفي ربيع الأوّل ورد الخبر بأخذ سيف الدولة عليّ بن حمدان دمشق، وأنّه سار إلى طبريّة ثم إلى الرملة ودعي له على جميع منابر الشام. فجلس أونوجور، ومعه عمّه أبو المظفّر وغلام أبيه كافور حتى ندب العساكر إلى الشام، وعليها أبو المظفّر وكافور. فسارا في جمع عظيم ومعهماالوزير أبو علي الحسين بن محمد بن علي الماذرائي إلى الشام وقاتلا ابن حمدان، ودخلا دمشق في جمادي الآخرة، وبعثا بالأسرى من أصحاب ابن حمدان مع صالح بن نافع، وعدّتهم مائة رجل.
فجلس لهم أونوجور جلوسا عامّا، وحضره الأشراف والوجوه والقضاة والرؤساء والشهود، وعرضوا عليه بعد ما شهّروا بالبرانس (1).
فورد الخبر بخلاف غلبون بن سعيد المغربيّ متولّي إخميم وخروجه عن الطاعة. فندب لقتاله شادن الصقلبيّ فانهزم منه، وعاد في شعبان بنفسه، فأخرج إليه عسكر آخر. ثم خرج أونوجور فلقيه فانهزم منه، وملك غلبون دار الإمارة والمدينة ليلة الأربعاء سابع ذي القعدة. ثم عاد أونوجور في ضحى يوم الأربعاء فانهزم غلبون ولحق بالصعيد. فخرجت إليه العساكر وأحضر رأسه.
وتأخّر حاجّ [233 أ] البرّ في هذه السنة.
وصرف أبو بكر محمد بن عليّ الماذرائيّ بمحمد بن الحسين بن عبد الوهاب [الماذرائيّ].
وقدم كافور من الشام بالعساكر في عاشر ربيع الأوّل سنة ستّ وثلاثين بعد ما هزم سيف الدولة بن حمدان على مرج عذراء، [ورجع] بدر الإخشيدي
بدمشق متوليّا لها (2)، وأقام أبو المظفّر بالرملة متوليّا لها.
وقام كافور بخلافة أونوجور ووقف بين يديه، واختار لمجالسته من يتأدّب به ليلة في كلّ جمعة يتذاكرون بين يديه. وصار كافور يتولّى تدبير البلد كلّه، إلى أن كان في المحرّم سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة، شجر بينه وبين كافور، فخرج إلى المختار بالجزيرة فأقام فيه. وكان أكثر الوجوه مع كافور. فتوسّط بينهما الشريف أبو جعفر مسلّم حتى صلح الأمر.
وكان رسم أونوجور كما كان أبوه الإخشيد:
يصلّي الجمعة بالجامع العتيق ثلاث مرّات في السنة: أوّل رجب، وأوّل شعبان، وأوّل شهر رمضان. وينزل كافور بين يديه يحجبه. وينزل في شهر رمضان ليلة الختم في الجامع العتيق يحضر الصلاة والدعاء.
فبلغ كافور في جمادى الآخرة سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة أنّ أونوجور قد راسل الأولياء ووجوه الأمراء والقوّاد، ووعدهم الولايات والمال الجزيل إن يقتل كافور إذا نزل في رجب للصلاة بعد انصرافه من الجمعة. فلمّا كان يوم الجمعة بعث كافور إلى أونوجور: إنّي أجد شيئا، وقد تقدّمت إلى الجيش أن يركبوا مع مولاي.
فأبى أونوجور وقال: لا بدّ أن تركب معي.
فلم يفعل. وانكشف الأمر ولم يتمّ ما أراد أونوجور. ويقال إنّه أنفق على ذلك نحو مائة وخمسين ألف دينار.
فلمّا دخلت سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، خرج أونوجور إلى الفيّوم متصيّدا، وشكا [227 ب] إلى
(1) البرنس: قلنسوة طويلة يلبسونها المحكوم عليهم (دوزي).
(2)
بدر بن عبد الله الإخشيدي المعروف ببدير: الكامل 8/ 458.
فاتك المجنون غلام أبيه من كافور. فوعده بنصرته وأظهر الخلاف على كافور. ثم أمسك عن قتاله وقدم عليه واتّفق معه. فغضب أونوجور من اتّفاقهما وخرج إلى المختار بالجزيرة. فقلق كافور واضطرب البلد. فلم يزل الشريف أبو [جعفر] مسلّم يمشي بينهما حتى دخل أونوجور ونزل في داره بالحمراء. فركب إليه كافور في جيش عظيم ومعه الشريف مسلّم ودخل عليه وقام بين يديه، وأونوجور لا يرفع وجهه إليه ولا يكلّمه، وهو مطرق. وأمر الشريف بالجلوس، فاحتشم من كافور وقال لأنوجور سرّا: الرجل قائم، وأنا أنصرف معه وأعود.
فقال: عد إليّ.
فأخذ مسلّم بيد [233 ب] كافور وانصرفا.
فاستوحش كافور وخافه. وكان أونوجور شجاعا مقداما. فلمّا كان بعد أيّام ركب بعد المغرب ومعه شاكريّان وهو متقلّد سيفا حتى وافى دار كافور، فتهارب البوّابون والحجّاب ومرّوا سراعا إلى كافور. فلمّا أعلموه قام يعدو إلى لقائه وقبّل يده.
فقال له أونوجور: أأمنت يا أبا المسك؟ لو أردنا شيئا عملناه الساعة.
وانصرف. فما جسر كافور يخرج معه وأنفذ إليه هديّة كبيرة. وكانت أمّ أونوجور هي التي ترفق به وتكسره عن كافور. فلم تزل الوحشية بينهما إلى أن اعتلّ علّة شديدة مات منها في يوم السبت لسبع خلون من ذي القعدة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وهو يوم خروج الحاجّ. فركب كافور إلى الجنازة وصلّى عليه وحمل إلى بيت المقدس ليدفن عند أبيه. فكانت ولايته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر.
ومات وله من العمر إحدى وثلاثون سنة.
وكان مشغولا بالصيد والأكل والشرب والتنزّه والأشعار، ولم يقتل أحدا، ولا عاقب أحدا ولا صادره. وكان كالمغلوب مع كافور. ويحكى عنه شجاعة وسماحة وعفو كثير.
قال الشريف عبد الله أخو مسلّم: وقفت مع شبيب العقيليّ لننظر أونوجور وقد ركب. فقلت:
كيف رأيت العسكر؟
فقال: رأيت شخوصا وبطونا وخصيانا، وما رأيت في العسكر غير صاحبه- يعني أونوجور.
وكان لأنوجور في كلّ سنة أربعمائة ألف دينار جارية عليه من ضياع سلّمت إليه، وله كاتب نصرانيّ يقال له إبراهيم بن مرزوق، وسائر التصرّف لكافور.
وأمّه أمّ ولد اسمها كروم.
ووزر له أبو علي الحسين ابن أبي بكر محمد بن علي الماذرائي، ثم أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات.
وفي أيّامه نزلت الروم على البرلّس وعلى إخنا فشعّثوا وانصرفوا في ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. ونزلوا بالفرما وشعّثوا ثم ساروا إلى البرلّس فنفر إليهم في آخر سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة. ثم نزلوا على الفرما أيضا في جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة.
فخرج المسلمون إليهم وأخذوا مركبا وقتلوا من فيه وأسروا عشرة.
وفي أيّامه سار صاحب النوبة في جيش عظيم وأوقع بأهل الواحات وقتل منهم وأسر، وذلك في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.
وفي أيّامه جفّ النيل عن برّ مصر، حتى استقى الناس من بحر الجيزة. وحفر خليج إلى أن دخل [234 أ] الماء إلى ساحل مصر.
ووقع غلاء في المحرّم سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة.