الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
863 - أيبك الأفرم الصالحيّ النجميّ [- 695]
(1)
[243 أ] أيبك الأفرم، الأمير عزّ الدين الصالحيّ النجميّ. يقال إنّه حرّ الأصل من أهل برقة، وأنّ اسم أبيه مصطفى. ثم صار من جملة مماليك الصالح نجم الدين أيّوب وأحد سقاته.
سمع من ابن رواج وحدّث.
[
…
] فلمّا ولي الملك المنصور قلاوون السلطنة أفرج عنه ورتّبه نائب السلطنة بديار مصر، ثم عزله في رابع عشرين شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وستّمائة بالأمير حسام الدين طرنطاي وعمله أمير جاندار على عادته.
وجرّده على عسكر إلى قتال الملك المسعود نجم الدين خضر بن الملك الظاهر بيبرس بالكرك، فخرج من القاهرة في سابع ذي الحجّة منها، ونازل الكرك إلى أن قام سنقر الأشقر نائب دمشق بها ودعا إلى طاعته وأخذ مدينة غزّة فسار إلى غزّة هو والأمير بدر الدين بيليك الأيدمريّ وكان منازلا للشوبك، وأخرجا أصحاب سنقر الأشقر من غزّة وأسرا عدّة ممّن كان بها من أمرائه.
فلمّا قدم الأمير علم الدين سنجر الحلبيّ بعساكر مصر سار معه حتى قاتلوا سنقر الأشقر وهزموه عن دمشق. ثم خرج في أثر سنقر الأشقر بالعساكر فلم يدركوه وعاد.
فلم يزل في الخدمة إلى أن خرج إلى غزو النوبة
في ثامن شوّال [230 أ] سنة ثمان وثمانين، ومعه من الأمراء قبجق المنصوريّ، وبتكمر الجوكندار، وأيدمر والي قوص، ومن أجناد الأمراء وأجناد المراكز بالوجه القبليّ وعربان الوجه القبليّ [243 ب] والوجه البحريّ زيادة على أربعين ألف راجل. وخرج معهم ملك النوبة ونائبه جريس (2) وتجهّز معهم من المراكب والحراريق (3) لحمل الزاد والزردخاناه والأثقال خمسمائة قطعة.
فلمّا وصلوا أسوان مات ملك النوبة، فبعث السلطان من القاهرة رجلا (4) من أولاد أخت الملك داود عوضا عنه ليملّكوه، فلمّا وصل أسوان انقسم الجيش نصفين في البرّين الغربيّ والشرقيّ.
فسار الأفرم في البرّ الغربيّ بنصف الجيش، وساروا إلى قوص بالنصف الآخر من الشرق، وقدّموا جريس نائب ملك النوبة ومعه أولاد الكنز (5) فجهّز لهم الإقامات وتلقّاهم أكابر أهل النوبة من بلاد الدّوّ (6) إلى جزائر ميكائيل، وهي البلاد التي تحت حكم جريس. فلمّا تعدّوا بلاده نهبوا ما مرّوا به وقتلوا من وجدوه وحرّقوا حتى دخلوا مدينة دمقلة، فلم يجدوا بها أحدا سوى شيخ فان وعجوز كبيرة فأخبرا العسكر أنّ الملك سمامون قد تحصّن بجزيرة في النيل مساف [ت] ها من دمقلة خمسة عشر يوما وطولها مسيرة ثلاثة أيّام.
فسار إليه أيدمر والي قوص ومن معه، ونزل تجاه الجزيرة، فلم يصل إليه لعدم المراكب معه.
(1) الوافي 9/ 478 (4438)، المنهل 3/ 130 (575)، النجوم 8/ 80، 189، السلوك 1/ 749 (1024)، تالي الوفيات 19 (19). والترجمة في الوافي والمنهل قصيرة جدا بالقياس مع هذه. وبالعكس لا يذكر المقريزي هنا افتقار ورثة الأفرم بعد ثرائه الواسع.
(2)
السلوك 1/ 749.
(3)
الحرّاقة: سفينة خفيفة (تاج العروس).
(4)
اسمه سكندة في الخطط 1/ 202.
(5)
أولاد الكنز: عربان من ربيعة (النجوم 7/ 188 هامش 1).
(6)
قلعة الدوّ؛ السلوك 1/ 622 وفي النجوم 7/ 189 هامش 2: الدرّ.
وبعث إليه ليدخل في الطاعة وبذل له الأمان فامتنع. وأقام العسكر ثلاثة أيّام، وأوهموه أنّهم قد أرسلوا في طلب المراكب والحراريق. فانهزم عنالجزيرة إلى جهة الأبواب وليست في مملكته.
فتركه من كان معه من السّواكرة (1) - وهم الأمراء- وفارقه الأسقف والقسوس ومعهم الصليب الفضّة الذي يحمل على رأس الملك وتاج المملكة، وطلبوا الأمان. فأمّنهم أيدمر وخلع على أكابرهم، وعادوا إلى دمقلة في جمع كبير.
فعدّى الأمير عزّ الدين الأفرم وقبجق إلى البرّ الشرقيّ وتركا العسكر في مكانه وصارا إلى دمقلة.
ولبس العسكر آلة الحرب وطلّبوا من الجانبين ورتّبت الحراريق في البحر ولعبت بالنفط. ومدّ الأفرم الخوان (2) في كنيسة أسوس التي هي أكبر كنائس دمقلة، ثم ملك الرجل الواصل من القاهرة ووضع تاج المملكة على رأسه. وحلف على الطاعة للملك المنصور وحلفت أكابر النوبة، وتقرّر البقط (3) على عادته. وأقيم بدمقلة مع ملكها من جهة السلطان رجل من أصحاب أيدمر والي قوص يقال له ركن الدين بيبرس العزّيّ.
وعاد الأفرم بجميع العساكر إلى أسوان بعد أن كانت مدّة الغيبة عنها ستة أشهر [244 أ]. وسار إلى القاهرة فوصل في أوّل جمادى الأولى سنة تسع وثمانين.
ولم يزل إلى أن قبض عليه الأشرف في يوم السبت ثاني شوّال سنة اثنتين وتسعين، وأحيط بسائر أمواله، وحمل منها إلى بيت المال مبلغ مائة
ألف وستّين ألف دينار مصريّة، ومن الغلّات ستّة وتسعون ألف إردبّ.
فأقام في الاعتقال إلى أن قتل الأشرف وقام الأمير كتبغا النائب بتدبير سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون، [ف] أفرج عنه في سلخ صفر سنة ثلاث وتسعين. ثم لمّا تسلطن جعله أمير جاندار في يوم الخميس ثاني عشر المحرّم سنة أربع وتسعين.
فلم يزل على ذلك إلى أن مات بداره من مدينة مصر في يوم الأربعاء سادس عشرين صفر سنة خمس وتسعين وستّمائة. ودفن برباطه المطلّ على بركة الحبش. وكانت جنازته حافلة إلى الغاية.
وكان كثير الخير والإحسان. وعمّر كثيرا من المدارس والمساجد بإسنا وبقوص وبمدينة مصر.
وله بالرّصد إلى الآن رباط يشرف على بركة الحبش (4).
وكانت دنياه [230 ب] واسعة مقبلة، وهو من وسائط الخير وأهل المعروف وأرباب المروءات ومن أهل الدين. وكانت أمواله من الزراعة فإنّه كان يتتبّع أراضي الحرس (5) فيشتريها أو يستأجرها ثم يعمّرها، وكان مع هذا محظوظا فيها فصار بيده عدّة بلاد، وكلّ بلد يأخذها لا بدّ له من [أن] يعمل فيها أثرا: إمّا يبني مسجدا أو جامعا أو منارا يؤذّن عليه. وكان إذا سمع بمسجد خراب عمّره. فبنى نحو ثلاثمائة مئذنة.
(1) السواكرة، انظر السلوك 1/ 752 هامش 1.
(2)
في المخطوط: الأخوان وهو جمع لخوان غير معروف.
وفي السلوك 1/ 752: السماط.
(3)
البقط: جزية مضروبة على النوبة خاصة، انظر الخطط 1/ 199، ومعجم دهمان: رقم 160.
(4)
في المخطوط: على بركة الفيل، وفي الهامش هذا الإصلاح: الحمد لله: ليست بركة الفيل، وإنما هي بركة الحبش، فليعلم. ورباط الأفرم مذكور في الخطط 2/ 430، والرصد مركز لرصد الكواكب أنشأه بدر الجمالي ببركة الحبش: الخطط 1/ 125.
(5)
لم نعرف أراضي الحرس، فلعلّها المحارس مثل الرباطات لمراقبة العدوّ.