الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسبعمائة في إمرة بيبغا أروس.
974 - بنان الحمّال الزاهد [- 316]
(1)
بنان بن محمد بن حمدان بن سعيد، أبو الحسن الحمّال، واسطيّ سكن مصر، ومات بها في سنة ستّ عشرة وثلاثمائة.
وهو من جملة المشايخ القائلين بالحقّ والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، له في ذلك مقامات مشهورة وكرامات مذكورة وأحوال جميلة.
وكان يدخل على الأمراء فيأمرهم بالمعروف من غير محاباة، وينهاهم عن المنكر بلا مداجاة.
وكان أزهد أهل زمانه بمصر، وله مع أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون ومع الأمير تكين قصص معروفة، وأحوال مرضيّة.
وصحب أبا القاسم الجنيد وغيره. وعنه أخذ [أبو الحسن] النوريّ (2). وحدّث بمصر، وآخر من روى عنه الحسن بن رشيق.
وسئل عن أحوال الصوفيّة فقال: الثقة بالمضمون، والقيام بالأوامر، ومراعاة السرّ، والتخلّي عن الكونين بالتشبّث بالحقّ.
وقال: رؤية الأسباب على الدوام قاطعة عن مشاهدة المسبّب، والإعراض عن الأسباب جملة يؤدّي بصاحبه إلى ركوب الباطل.
ومن كراماته أنّ الأمير أبا الجيش خمارويه بن
أحمد بن طولون لمّا خلع على كاتبه بحنس بن مسيس النصرانيّ وأركبه فرسا، نظر إليه بنان، فاستعظم ركوب نصرانيّ فرسا. فقام إليه برفق وأمره بالنزول وقال: ما يجوز لمثلك أن يركب هذا.
فثار بحنس وحلف أنّه ما اختار ذلك. وانصرف بحنس وبنان. فبلغ أبا الجيش ما فعله بنان، فغضب وأمر بإحضاره، فأعلم ببركته عند الخاصّ والعامّ، وخوّف أن ينقلب البلد وتثور الرعيّة ويتفاقم الأمر. فعظم في قلب أبي الجيش ذلك وقال: أحبّ لقاءه وسؤاله الدعاء.
فأحضره مكرّما، فكأنّما صاح في الناس صائح، فلم يبق أحد في البلد حتى لحقه. فما بلغ [263 أ] الميدان إلّا ومعه زيادة على عشرة آلاف.
وتزايد الناس حتّى ظنّ أنّه لم يبق في البلد أحد من كلّ صنف. وعرف أبو الجيش ذلك فازداد في قلبه محبّة وقال: أنا أمتحن هذا الرجل بما أتبيّن به موضعه من الله سبحانه.
فأمر بأن يطلق عليه السبع إذا دخل إليه.
وأدخل بنان فسلّم فردّ عليه السلام، وجلس من غير إذن له بالجلوس، وجيء بالسبع فأطلق عليه.
فلمّا رآه السبع، وكان ضاريا، أقبل إليه منكّسا رأسه مرخيا أذنيه، وتقدّم إليه يريد أن يتمسّح به، فأقبل بنان ينفض بكمّه في وجه السّبع. وكانت عليه جبّة صوف، فلم يبرح السبع حتى تمسّح به ودار حوله ومرّغ وجهه على ثيابه وبصبص بذنبه بين يديه، وبنان يبعده عنه، وأبو الجيش يبكي وجميع من حضر، لما شاهدوه من السبع مع بنان، فعلم أبو الجيش منزلته عند الله تعالى من العظمة، وكان قد جلس في مستشرف له لينظره، وعرّف بنان بذلك عند دخوله إليه، فأشار إليه بالسلام، فردّ عليه مردّ من قد هاب ما شاهده، وقال لأحد [م] من حضره أوّلا:
(1) طبقات الشعرانيّ 1/ 98 (187)؛ جامع كرامات الأولياء 1/ 369؛ طبقات السلميّ 291؛ حلية الأولياء 10/ 324؛ الرسالة القشيريّة 31؛ حسن المحاضرة 1/ 512؛ شذرات 2/ 271؛ تاريخ بغداد 7/ 100 (3543)؛ النجوم 3/ 220.
(2)
أبو الحسن النوريّ: الزيادة من الشذرات 2/ 273، وفي تاريخ بغداد 7/ 101 أبو الحسين التوزيّ.
إنّه من عباد الله المخلصين المنتخبين لما كان منه [م] ما شاهدناه. والآن فمن حقّ السياسة أن تقول له عنّي: قد أنكرنا ما كان منك إلى بحنس بن مسيس كاتبنا فيما اخترناه له، وقد صفحنا لك عمّا كان منك، فلا تعد بعد هذا إلى معارضة سلطانك في فعله!
فعرّف الغلام بنان ما قال الأمير. فقال بنان: قل له: يا هذا- ولم يقل: أيّها الأمير- لا تعد أنت إلى ما عملت، فإنّك إن عدت عدنا، وكان الله سبحانه عوننا، ويده تعالى فوق يدك.
فقال له جماعة ممّن حضره: أيّها الأمير [قد] شاهدنا من حاله مع السّبع ما فيه كفاية، ويلزمنا التقرّب من قلبه ومسألته الدعاء لنا.
فقال: قد علمت ما علمتم، وإنّما راسلته بما توجبه السياسة. (وقال): ارجع إليه واقرأ عليه السلام وقل له: اعمل يا شيخ ما شئت، وانه عمّا أحببت وأمر بما تشاء، فما يعارضك أحد فيما تختاره وتأمر به من أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وأنا معاونك على ذلك ومعاضدك عليه رغبة في ثواب الله عز وجل، وسله الدعاء لنا في وقتنا هذا ولا تخلنا في أوقات خلواتك بين يدي الله جلّ ثناؤه من هديّة الدعاء لنا. [وقال للغلام]: واصرفه في حفظ الله مكرّما وسله إن تكن له حاجة كائنة ما كانت قضيناها.
وانصرف بنان لمّا بلّغه الغلام ذلك من غير أن يذكر حاجة. فلمّا خرج قيل له: ما الذي كان في قلبك حيث شمّك السبع؟
فقال: كنت أتفكّر في اختلاف العلماء في سؤر السّباع.
ولمّا طلب الرجّالة أيّام هلال بن بدر أمير مصر أبا زنبور الحسن بن أحمد عامل الخراج، فرّ منهم ودخل على بنان. فأمره أن يدخل الكنيف. فاقتحم الرجّالة على بنان داره يسألونه عن أبي زنبور، فقال لهم بنان: أبو زنبور في الكنيف- فظنّوه يهزأ بهم فتركوه وانصرف [وا] عنه. فقام إلى أبي زنبور وقال: يا حسن صدقناهم، وقد يسّر الله فأحدث تربة في هذا الموضع الخسيس.
فقال أبو زنبور: الله الله يا أبا الحسن، دعني من صبرك، إنّي أقتل!
فقال: لا بأس عليك.
وأقام عنده إلى أن تفرّق القوم وهدأ الطلب عنه، فانصرف [
…
].
ولمّا احتضر قيل له: من يصلّي عليك يا أبا الحسن؟
فقال: من اختار [هـ] الله- ثمّ أغمي عليه فصرخت أمّ أولاده وقالت: واخراب بيتي بعدك!
ففتح عينيه وقال لها: بعده.
فكانت آخر كلامه وقضى. فغسّل وكفّن في ملبس صوف عملته له امرأته الريفيّة-[وقد] أوصى بذلك- وأخرجت جنازته لصلاة الصبح يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة ستّ عشرة وثلاثمائة. [263 ب] وحضر الأمير تكين.
فلولا نزوله من دابّته [ل] أنّه يريد [أن] يتبع الجنازة، لما مشى بالنعش من كثرة الخلق. وما فتح بمصر حانوت في ذلك اليوم. فلمّا بلغ المصلّى أقبل الشريف أبو إبراهيم إسماعيل بن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن القاسم الرسّيّ من الحيّ. فقيل لتكين: هذا أبو إبراهيم- فقدّمه وصلّى عليه.
فحدّث أبو إبراهيم أنّه لمّا كان بالحيّ- وهو قرية بين اتفيح ومصر- أخذه ما قرب وما بعد من القلق بأمر الدار والدخول. فقال لغلمانه: