الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قسّام وحمل إلى مصر.
ولم يزل في طبريّة إلى أن كتب له من القاهرة بولاية دمشق. فسار ونزل عليها يوم الجمعة رابع رجب سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. فاجتمع جيشه مع عسكر جيش بن الصمصامة على دمشق. فاستخلف على البلد، وسار مع جيش في رابع عشر رجب إلى فامية، وقد نزل عليها الدوقس متملّك أنطاكية فقاتلوه قتالا شديدا انهزم فيه عسكر جيش وملك الروم ما معهم. فانهزم من كان مع بشارة من بني كلاب وغيرهم من العرب وتفرّقوا على طريق جوسيّة إلى بعلبك وعلى طريق الجادّة إلى دمشق.
فلمّا رأى جيش وبشارة ما نزل بالناس حملا فيمن معهما على الروم فانهزموا وأخذهم السيف، فقتل منهم نحو الخمسة آلاف وقتل الدوقس (1)، وذلك يوم الثلاثاء لتسع بقين من رجب، وتفرّق المنهزمون في الجبال ووصلوا إلى أنطاكية. ونفر الناس بعد ذلك من دمشق وأعمالها ومن الساحل إلى عسكر جيش، فسار بهم إلى مرعش. وسار بشارة إلى دمشق فنزلها يوم الاثنين النصف من شوّال، وقدم جيش لتسع بقين من ذي القعدة فنزل بيت لهيا، وكان الشتاء قد هجم. فكتب من مصر بصرف بشارة عن دمشق إلى طبريّة وولاية جيش.
923 - بشتاك الناصريّ [- 742]
(2)
بشتاك الناصريّ، الأمير سيف الدين، أحد
المماليك الناصريّة محمد بن قلاوون.
جلب من بلاد القان أزبك بن طقطاي ملك التتر، فاشتراه السلطان بستّة آلاف درهم وسلّمه للأمير قوصون ليربّيه، فترقّى في الخدم، وشغف به السلطان وقرّبه وأفرط في العطاء له والإنعام عليه.
وأنعم عليه في ثالث المحرّم سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بإقطاع الأمير سيف الدين كوجري أمير شكار فصار من أمراء الألوف. فلمّا مات الأمير بكتمر الساقي أنعم السلطان بإقطاعه وحواصله ومغلّه على بشتاك، ثمّ زوّجه بامرأته أمّ أمير أحمد بن بكتمر، وأسكنه إصطبله المطلّ على بركة الفيل، واشترى جارية بكتمر المدعوّة خوبي (3) بستّة آلاف [248 ب] دينار وأتته ومعها ما قيمته عشرة آلاف دينار وأخذ [أحمد] بن بكتمر عنده.
وحمى (4) الشرقيّة بعد بكتمر.
وزاد أمره وعظم محلّه بحيث كان السلطان يسمّيه في غيبته بالأمير. وبلغ إقطاعه سبع عشرة طبلخاناه يتحصّل منها زيادة على مائتي ألف دينار مصريّة.
وأنشأ في سنة سبع وثلاثين جامعا في غاية الحسن على بركة الفيل، وتجاه بابه خانقاه مطلّة على الخليج (5).
وحجّ في سنة تسع وثلاثين فأنعم عليه السلطان عند سفره بمائتي ألف درهم ومائة هجين وأربعين بختيّا وستّين جملا، ولم يبق أحد من الأمراء حتى بعث إليه بتقادم جليلة. فلمّا دخل مكّة فرّق بها على الأمراء الألوف، كلّ أمير ألف دينار، وعلى
(1) تعرّض ابن الأثير لهذه الحرب مع دوقس الروم تحت سنة 386. والدوقس والي أنطاكية البيزنطي. انظر رسالة Marius Canard ص 858، ويبدو أنّه يسمى Damien Dalassenos وله رتبة. Duc
(2)
أعيان العصر 1/ 690 (895)، تاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 264 (سنة 741)؛ السلوك 2/ 613، الدرر 1/ 477 (1290)، المنهل 3/ 867 (668)، النجوم 10/ 74.
(3)
خوبى العوّادة؛ الدرر 2/ 184 (1675).
(4)
حمى هنا بمعنى جنى أموالها.
(5)
في الخطط 2/ 309: أنشأها سنة 736.
كلّ أمير طبلخاناه خمسمائة دينار، وأنفق في جماعة من الأجناد، وفي من حجّ من نساء الأمراء، وفرّق في جميع المجاورين وفي أهل مكّة من الأشراف والفقراء والزيالعة (1) حتى لم يدع أحدا إلّا ووصله بمال، فبلغ مصروفه في هذه السفرة ثلاثين ألف دينار وأربعمائة ألف درهم فضّة، سوى ما حمل في البحر من الغلال وغيرها.
وكان السلطان قد تقدّم إليه بأنّه إذا فرغ من الزيارة بالمدينة النبويّة يمضي على الكرك ليكشف حال الأمير أبي بكر، ابن السلطان، وأنّه يكتب إلى الأمير شطّي (2) أن يتلقّاه بقربه. فسار من المدينة نحو الكرك فإذا شطّي في انتظاره ومعه نحو أربعمائة فارس. فتخيّل منه وخاف أن يكون قد كتب إليه بقبضه إذا دخل الكرك. وركب ليلا في ثقاته وترك بقيّة مماليكه مع طلبه، وقصد عقبة أيلة وقدم منها إلى السلطان وقال له: إن أردت مسكي [303 ب] فها أنا جئت إليك برقبتي! .
فطيّب خاطره ولم يظهر له سوى البشر. وفي الباطن فإنّه قد ثقل على السلطان وأراد الفتك به ففاته غرضه منه، وخلع عليه. وأخذ بشتاك في تفرقة هداياه، وكانت شيئا يجلّ عن الوصف، بلغت قيمة ما كان فيها من اللؤلؤ والعطر الرقيق اثني عشر ألف دينار.
ثمّ بعثه السلطان إلى دمشق للقبض على تنكز نائب الشام. فقدمها في المحرّم سنة أربعين بعد أن
كان قد قبض عليه، وقدّم في خدمته عشرة أمراء، منهم أرقطاي، وبرسبغا، وطاجار الدوادار. فنزل بالقصر من الميدان وحلّف الأمراء الشاميّين للسلطان وذرّيته، واستخرج أموال تنتكز، ووسّط جنغاي وطغاي (3) مملوكي تكنز، وخرج بعد خمسة عشر يوما عائدا إلى مصر، وقد تعلّق خاطره بنيابة الشام، فلم يجسر على مفاتحة السلطان فيها.
وفرغت في هذه السنة عمارته للقصر المعروف به بخطّ بين القصرين.
ثم سار في سنة إحدى وأربعين ليتصيّد ببلاد الشام، فكتب إلى نوّاب الشام بتعبئة الإقامات له والخروج لتلقّيه، فغاب أيّاما وعاد.
فاتّفق مرض السلطان وأرجف به، فتنافس بشتاك وقوصون، وكادت الفتنة تقع بينهما. وبلغ ذلك السلطان فشقّ عليه واستدعاهما ليصلح بينهما، فلم يتمالك نفسه وغشي عليه، فأقاما على شرّ. فبادر المشايخ من الأمراء إلى الاجتماع بالسلطان وما زالوا به حتّى عهد لابنه أبي بكر وأصلح بين بشتاك وقوصون وأسند إليهما وصيّته، وجعلهما مدبّري أمر ولده وحلّفهما ألّا يغدر أحدهما بالآخر ولا يخونه. فلمّا مات السلطان لم يوافق بشتاك على سلطنة أبي بكر واختار إقامة أخيه أحمد. فقام قوصون إلى الشبّاك وطلبه وقال له:
أنا ما يجيء منّي ولا منك سلاطين لأنّا كنّا كذا وكذا، وهذا أستاذنا أوصى لمن هو أخبر به من أولاده [249 أ]، وهذا في ذمّته وما يسعنا إلّا امتثال أمره حيّا وميتا. وأنا ما أخالفك إن أردت أحمد أو غيره.
(1) لم نعرف الزيالعة، والزيلعيّ نسبة إلى برّ من شرق إفريقيا، والزلع الشقوق في القدمين، والزلع استخراج الماء من البئر (تاج العروس)، فلعلّ الزيالعة هم فقراء أفارقة قصدوا الحجّ على أقدامهم فتشقّقت، أو هم العاملون على آبار مكّة. وعند دوزي: الزلّاع هو الشحّاذ والمهرّج.
(2)
الأمير شطّي بن عبيّة (ت 748)، بدر الدين أمير عرب البلقاء: أعيان العصر 2/ 518 (769).
(3)
طغاي أو طغية أمير آخور تنكز وسط سنة 741 (الدرر 2/ 220 وقع 2033)، وكلك جنغاي أو جنغية (الدرر 1/ 589 رقم 1459).
وما زال به حتى أذعن له وتحالفا وتعانقا وقاما إلى رجلي السلطان فقبّلاهما، ونصبا أبا بكر ابن السلطان ولقّباه بالملك المنصور، وحلفا له فيمن حلف من الأمراء، فلم يكن غير أيّام قلائل حتّى سأل بشتاك نيابة الشام، فلم يوافقه قوصون على ذلك، فقوي توهّمه منه. وأخذ يهادي خاصّكيّة السلطان ويسأل أكابر الأمراء في مساعدته على قصده، إلى أن أنعم له السلطان. وتحدّث مع قوصون في ذلك فحطّ على بشتاك [304 أ] وقرّر مع السلطان بعد أن رجّعه عن إجابته بأن يعده بولايته إذا قدم الأمير قطلوبغا الفخري المتوجّه لتحليف نوّاب الشام، وأخبر بطاعتهم وحلفهم وأحضر معه نسخة يمين الأمير الطنبغا نائب الشام. فعند ما دخل أكابر الأمراء إلى الخدمة عرّفهم السلطان بأنّ الأمير بشتاك قد سأل في نيابة الشام- ولم يكن لهم علم بما قرّره قوصون- فأخذوا في الثناء على بشتاك.
فطلبه السلطان وطيّب خاطره ووعده بالولاية عند مجيء نسخة حلف نائب الشام، وتقدّم إليه بأن يتجهّز. فطار من الفرح كلّ مطار، ونزل فعرض خيوله، وبعث لكلّ من أكابر الأمراء ما بين فرسين وثلاثة بالقماش المذهّب. وأخرج ذهبه وجواهره وتحفه وبعث إلى الأمراء الخاصّكيّة منها بشيء كثير. وفرّق جواريه أيضا حتى لم يدع أحدا من الأمراء إلّا وبعث إليه بما ملأ عينه، وعمّ مماليكه وأجناده بعطاء كثير، وخرج فيه عن الحدّ حتى تخيّل منه السلطان وقوصون وجعلا ذلك سببا لمسكه عند حضور الفخريّ من الشام. فإنّ الذي خصّ قوصون من تفرقته هذه حجران لاعتصار السكّر بما فيهما من القند والعسل، والأبقار، والقدور، والغلال، وخمسمائة فدّان من القصب مزدرعة في أرض ملك له.
واتّفق مع ذلك أنّه أشيع بأنّ بشتاك يقتل الفخريّ عند قدومه. فقدم بعض مماليك الفخريّ وهو بالرّمل عائد [ا] من الشام وأعلمه بذلك.
فاستعدّ لمحاربة بشتاك، حتى وصل بئر البيضاء وقارب سرياقوس، وقد خرج بشتاك بجيوشه بالربدانيّة خارج القاهرة حتى يعرض جماله. فبلغ النخريّ أنه أقام بالربدانية في انتظاره حتى يفتك به. فلبس وألبس مماليكه، وسار في لحف الجبل (1) معرّجا عن الدرب المسلوك حتى حاذى موضع بشتاك، وقد كان عنده علم من قدوم الفخري. فعند ما رأى سواده عن بعد بعث أحد مماليكه بالسلام عليه وأنّه يقف له حتى يأتيه، فأجابه بأنّه لا يمكن اجتماعي به ولا بغيره حتى أقف قدّام السلطان.
واشتدّ توهّمه وساق خشية أن يدركه بشتاك حتى صعد القلعة، وعرّف السلطان وقوصون والأمراء بطاعة النوّاب، وأنّ بشتاك قصد قتله.
ففاوضوه في القبض عليه عند طلوعه إلى الخدمة حتى تقرّر ذلك.
فلمّا كان وقت العصر من يوم الأحد ثامن المحرّم سنة اثنتين وأربعين وعملت الخدمة بالقصر على العادة، وحضر بشتاك فيمن حضر، تقدّم إليه الفخريّ بعد انقضاء السماط، ومعه الأمير طقزدمر وقبضا عليه وعلى ثلاثة [304 ب] من الزامه، وقيّد وحمل إلى الإسكندريّة. وأحيط بجميع حواصله وحواشيه، فوجد له مبلغ مائتي ألف دينار، ومن الجواهر والزركش والتحف شيء كثير جدّا. ووجد له ثمانون جارية قد أعتقهنّ وزوّجهنّ. ووجد اثنا عشر ألف إردبّ، بعد ما أنعم باثني عشر ألف إردبّ.
(1) لحف الجبل: سفحه وأسفله.