الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقام إسحاق، ووكّل بالطرق أصحابه ومنعهم أن يطلقوا (1) لأحد ممّن مع المعتمد العبور. وسار فوجد المعتمد بين الموصل والحديثة، فضرب مضربه دونه وركب حتى وافى مضرب المعتمد من غير أن يشعر به أحد من أصحابه. فخرج إليه نحرير الخادم وسلّم عليه واستأذن له. فدخل على المعتمد ومعه ابنه محمد بن إسحاق وجماعة من وجوه أصحابه، فسلّم ووقف بأصحابه. فقال له المعتمد: يا إسحاق، لم منعت الحشم من الدخول إلى الموصل؟
فقال: وما معنى دخول الحشم الموصل؟
قال: لأنّي آثرت دخولها.
قال: لا والله، يا أمير المؤمنين، ما إلى ذلك من سبيل. أخوك في وجه العدوّ وأنت (2) تخرج من دار مستقرّك ومدينة آبائك، ولئن صحّ هذا عنده ليرجعنّ عن مقاومة الخارجيّ حتى يغلب العدوّ على دار ملكك. وهذا كتاب أخيك.
فقال له: أنت غلامي أم غلام أخي؟ (3).
قال: كلّنا غلمانك يا أمير المؤمنين، ما أطعت الله. فإذا عصيته فلا طاعة لك علينا.
قال: فما عصيته؟
قال إسحاق: تخلّي دار خلافة آبائك وتزيل أخاك عن عدوّ دولتك وتبعد عن مستقرّك، ولا ترى أنّك عاص لربّك؟
ثمّ خرج من المضرب وترك أصحابه الذين دخلوا معه، ووقف على باب المضرب، وبعث نحريرا إلى المعتمد يسأله أن يبعث إليه خطارمش ................ ....
ونيزك (4) حتى يناظرهم. فبعث بهم إليه مع أخيه عيسى بن المتوكّل وإبراهيم بن المدبّر. فلمّا دخلوا مضرب إسحاق قال لهم: ما جنى على الإسلام أحد [281 ب] جنايتكم: أخرجتم الخليفة في عدّة يسيرة، وهارون الشاري (5) في جمع كبير بإزائكم، فلو عارضكم وأسر الخليفة لكنّا فضيحة. ولولا أنّي لحقتكم في عسكري [253 ب] لذهب الخليفة وذهبتم.
ثمّ وكّل بهم وبعث إلى مضاربهم، فعاد دوابّهم وغلمانهم. فلمّا دجا اليل وجّه إسحاق ابنه محمد بن إسحاق، وحبشيّ [ا] ووصيف [ا] ابني أخيه، ومعهم ثلاثون رجلا يحفظون المعتمد.
وأصبح عند المعتمد وقال له: يا أمير المؤمنين، ما مقامنا هاهنا، والأمر مضطرب بناحية أخيك؟
فقال له: احلف لي أنّك تنحدر معي ولا تسلمني.
فحلف له وانحدر به إلى سرّ من رأى. فتلقّاه أبو العبّاس أحمد بن الموفّق وصاعد بن مخلد كاتب الموفّق، فسلّم إسحاق المعتمد إلى صاعد.
فأنزله في دار ووكّل به قائدا في خمسمائة رجل يمنعون من الدخول إليه.
[امتناع بكّار من خلع الموفّق]:
فورد رسول أحمد بن طولون إليه وهو بدمشق وأخبره ما فعل بالمعتمد. فكتب إلى أعماله بحمل القضاة والفقهاء، فلمّا اجتمعوا عنده بدمشق استفتاهم في خلع الموفّق. فأفتاه من حضره بأن يخلعه إلّا بكّارا فإنّه ضعّف الأمر، فتغافل عنه أحمد بن طولون. وكتب كتاب خلع طويل [ا]
(1) في المخطوط: أن لا يطلقوا
…
(2)
في المخطوط: ولست تخرج.
(3)
في المخطوط: أو.
(4)
في المخطوط: تيتك، وكذلك الطبري 9/ 620، والإصلاح من الكامل 6/ 49.
(5)
هارون الوازقي (الطبري 10/ 37).
خلّده في أمصاره وقرئ على منابر أعماله، وهذه نسخته بعد البسملة:
«هذا ما أجمع عليه القضاة والأولياء ووجوه الأمصار: إنّ أحمد بن طولون أحضرهم مجلسه بمعسكره في دمشق سنة تسع وستّين ومائتين وسألهم عمّا يوجبه ما أقدم عليه الناكث أبو أحمد في أمير المؤمنين المعتمد على الله من إيقاع احتياله في قبضة جيوشه وتشريد جملته بحملهم على السيف مرّة وغيلتهم بالسمّ أخرى، وتخطّى ذلك إلى إخافة سربه [282 أ] وحمله على الائتمار له في كثير ممّا آثره. فلمّا كثر ذلك عليه وخافه على نفسه أجمع على النفوذ إلى أحمد بن طولون والاعتصام به إذ كان ثقته وعدّته ومن خلص على تجريبه ورأى توقّفه عن مكاره الخلفاء قبله. وإنّ أبا أحمد لمّا رأى ذلك تخوّف أن يصير مأمورا بعد أن كان آمرا فكتب إلى إسحاق بن كنداج في قصده وردّه. فشخص في جمع كثيف حتى وافاه بين الموصل والحديثة فردّه، وأمير المؤمنين يناشده الله ويذكّره به ويعلمه مروقه من الدين ونقضه ما أكّدته بيعته عليه، وأنّه إن فعل ما أقدم عليه فقد فارق طاعته وبرئ من ذمّته ووجب على الأمّة جهاده. فلم يصغ إلى ذلك ولا اكترث به حتى أدخله سرّ من رأى وسلّمه إلى صاعد، فحبسه ومنع منه جميع أهله وشمله، وغدا مقبوض اليد، بعيد الناصر، عرضة لسوء القول وقبيح الفعل، يخاف على نفسه في آناء الليل والنهار. فالأمّة في حرج من القعود عن نصرته والأولياء في حنث من نقض بيعته، والسنن داثرة، والأحكام ضائعة، والحقّ منبوذ، والعدل شارد، وعين الله تنظر.
فرأى كلّ من حضر خلعه ممّا كان أمير المؤمنين أثبته له من ولاية عنه، والتبرّؤ منه، والجهاد له إذ كان قد منع حقوقا ثلاثة: أوّلها حقّ الإمامة، والثاني حقّ الأخوّة، والثالث حقّ النعمة عليه».
وأوقع من حضر من الحكّام شهادتهم عليه وفتياهم فيه، وجعل عشر نسخ على نسق واحد.
وفي آخر الكتاب: يقول عبد الله بن محمد العمري القاضي بجند قنسرين والعواصم والثغور الشاميّة وجند حمص: قد قرئ عليّ هذا الكتاب، وهو قولي والحقّ عندي، والذي أفتيت به، وقد صحّ عندي غدر الناكث المعروف بأبي أحمد، وتعدّيه، وخروجه عن طاعة أمير المؤمنين أيّده الله، وأنّه استوجب بما كان منه ممّا سمّي ووصف في هذا الكتاب إسقاط اسمه وخلعه وقطع الدعاء له، وأنّه غير مستحقّ لإمامة المسلمين، ولا مأمون عليها، ولا موثوق به فيها. وأشهدت على قولي وفتياي من كتب شهادته في هذا [282 ب] الكتاب. وكتب عبد الله بن محمد القاضي خطّه يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة تسع وستّين ومائتين.
يقول عبد الحميد بن عبد العزيز القاضي على دمشق [245 أ] والأردنّ وفلسطين، قد قرئ عليّ هذا الكتاب من أوّله إلى آخره، وهو قولي، والحقّ عندي، والذي أفتيت به، وقد صحّ عندي غدر الناكث المعروف بأبي أحمد، وتعدّيه، وخروجه عن طاعة أمير المؤمنين، وأنّه استوجب بما كان منه إسقاط اسمه وخلعه
…
- وحكى في شهادته مثل ما حكى صاحبه حرفا بحرف.
يقول أحمد بن العلاء القاضي بديار مضر مثل ما قال صاحبه حرفا بحرف (1).
(1) حاشية في الهامش: أحمد بن العلاء بن هلال بن عمر، أبو عبد الرحمن الرقّي القاضي، أخو هلال بن العلاء:
حدّث وروى عنه جماعة.
ومولده في سنة ثنتي وتسعين ومائة، وتقلّد قضاء ديار مضر سنة أربع وسبعين ومائتين، ومات بالرقّة وهو على-