الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على ذلك قليلا ثمّ صرفه وقرّر عوضه توزان التركيّ (1).
993 - بيبرس الحاجب [- 743]
(2)
[270 أ] بيبرس [الأحمديّ] الحاجب، الأمير ركن الدين.
ترقّى إلى أن صار من أمراء الألوف بديار مصر، وولي حاجبا. ثمّ صرف في سنة سبع عشرة وسبعمائة بالأمير سيف الدين ألماس، واستمرّ على إمرته. ثمّ سافر إلى مكّة في شهر ربيع الأوّل سنة عشرين ليقيم بها حتى لا يهجم الشريف حميضة على أخيه عطيفة بن أبي نمي. فلمّا قتل حميضة عاد إلى مصر.
وسافر إلى دمشق في سنة إحدى وعشرين، وخلف الأمير تنكز حتى عاد من حجّه، وقدم إلى مصر.
ثمّ سار إلى بلاد اليمن في سنة خمس وعشرين، وسبب ذلك قدوم رسل الملك المجاهد سيف الإسلام علي بن المؤيّد هزبر الدين داود ابن المظفّر [يوسف] ابن المنصور نور الدين عمر بن عليّ بن رسول بكتابه يشكو من الاختلاف عليه
ويسأل النجدة بعسكر. وكان قد ثار بهادر الصقريّ (3) وملك زبيد وتلقّب بالملك الكامل، وملك عمر بن باكياك الدوادار (4) عدن، وملك آخر الجبال، وملك المنصور [
…
] حرض والمهجم، وملك آخر الجبال الشرقيّة. وزحف ابن الدوادار على المجاهد وحصره بتعز، فكتب ثانيا يسأل النجدة ويعد أنّه إذا وصل عاد وأوقر أحمالهم بالهدايا والتحف، ويخصّ السلطان بجميع ما في قلعة دملوة، وبها ذخائر ملوك اليمن كلّهم، فتشتمل من النقد واللؤلؤ والجواهر على شيء لا يدخل تحت حصر، وأقلّ ما يحمله منها عشرة أحمال من ذهب وحملا [ن] من الجواهر.
وشكا من الحصر والذلّ والهوان ما رقّ له قلب كلّ قاس.
فشر [هـ] السلطان إلى الاستيلاء على اليمن، واستدعى الأمراء. وقرأ عليهم الكتاب وعيّن لتقدمة العسكر بيبرس هذا، ومعه من الأمراء سيف الدين طينال الحاجب، وأضاف إلى كلّ منهما خمس طبلخاناه وأميرين من العشرات، وأربعة من مقدّمي الحلقة، وثلاثمائة مملوك، سوى مماليكهم ومماليك الأمراء. وفرّقت أرزاقهم في يوم الاثنين خامس صفر سنة خمس وعشرين وسبعمائة. وندب الأمير عزّ الدين أيدمر الكجكيّ لتحصيل جمال العرب بالأجرة، وأنفق في الأمراء: فبعث إلى بيبرس ألف دينار وإلى طينال ثمانمائة دينار، ولكلّ من أمراء الطبلخاناه عشرة آلاف درهم، ولكلّ من العشرات [270 ب] بألفي درهم، ولمقدّمي الحلقة ألف درهم لكلّ مقدّم، ولم ينفق في أجناد الحلقة شيئا وامتنع من النفقة
(1) الخطّ عسير الفهم، والأسماء تختلف من مصدر لآخر:
ففي الكامل 7/ 308 (سنة 263) أرخوز بن يولغ بن طرخان والي التغور ولم يذكر له ولاية بمصر. وفي حسن المحاضرة 2/ 10: أرجوز التركي ولي مصر سنة 253 قبل أحمد بن طولون. وتوزان الذي يعوّض بوليغا له ترجمة برقم 1038.
(2)
الدرر 1/ 508 (1377)، ابن قاضي شهبة 2/ 323 (سنة 743)؛ الوافي 10/ 351 (4845)؛ وأعيان العصر 2/ 78 (496)؛ السلوك 2/ 259؛ المنهل الصافي 3/ 474 (720)؛ الخطط 1/ 55؛ تحفة ذوي الألباب 2/ 244.
(3)
بهادر الصقريّ مرّت ترجمته برقم 983.
(4)
في غاية الأماني 499 و 501: الدويبار.
فيهم، فاحتاجوا إلى تجهيز أنفسهم، وعاقدوا على كل جمل إلى مكّة بمائة وستّين درهما، وإلى ينبع بمائة وثلاثين، واحتاج كلّ منهم إلى أربعة جمال.
وكتبت تذكرة لبيبرس بما يفعله ورسم له أن لا يخرج عمّا فيها، وخلع عليه وعلى الأمراء.
ورحل طينال في يوم الثلاثاء عاشر ربيع الآخر، ومعه من أمراء الطبلخاناه ططر العقيقيّ، وكوكاي طاز، وعليّ بن طغريل الإيغانيّ، وأيبك الكوندكيّ، وجارباش أمير علم. ومن أمراء العشرات بلبان الدواداري، وطرنطاي الإسماعيلي والي باب القلّة (1)[268 أ] في عدّة من المماليك وأجناد الحلقة. ثمّ تبعه الأمير بيبرس مقدّم العسكر ومعه من أمراء الطبلخاناه آقول الحاجب، وقجمار [الجوكندار]، وبلبان الصرخديّ، وبكتمر العلائيّ أستادار، والجاي الحساميّ الساقي، ومن أمراء العشرات أيدمر الكوندكيّ، وإبراهيم بن التركماني في عدّة من المماليك والأجناد. ورحلوا في حادي عشره، وقد حمل إلى بيبرس مبلغ خمسين ألف درهم مرصدة لمن عساه يموت فرسه في الطريق فينعم عليه بأربعمائة درهم، فإن مات جمله أعطي ثلاثمائة درهم. وحمل برسمهم من منفلوط في البحر أربعة آلاف إردبّ قمحا وشعيرا لتفرّق فيهم نجدة.
فساروا إلى مكّة وارتفقوا بما حمل في البحر، وساروا، ومعهم الشريف عطيفة، والشريف رميثة، ابنا أبي نمي بعرب الحجاز، وقدّموا كافور [ا] الشبيليّ (2) خادم صاحب اليمن بين يديهم ليخبره بقدوم العسكر في خامس جمادى الآخرة. فقدموا على بني يعقوب بعد اثني عشر
يوما وقد رعبت منهم أهل البلاد. فلم يتعرّضوا لأحد بسوء. ورحلوا بعد ثالثه في العشرين منه، حتى نزلوا على حرض. ورحلوا في أوّل شهر رجب، فقدم الخبر بأنّ المجاهد قوي أمره عند ما اشتهر في البلاد خبر مجيء عسكر مصر، وقد اتّفق أهل زبيد على أخذ بهادر الصقريّ وركبوا عليه.
ففرّ منهم ونهبت أمواله وتسلّمها المجاهد. فتقدّم إليه من العسكر عبد الله البريديّ، ثم الأمير عزّ الدين الكوندكيّ، فسرّ بهم واعتذر إليهم من تأخّر الإقامات عن العسكر بما هو فيه. فوافى العسكر ظاهر زبيد، وخرج المجاهد إلى لقائهم في زيّ يضحك منه، وأكثر من حوله عراة مشاة بيد كلّ منهم جريدة أو خشبة [271 أ] فيها خرقة بها رنك (3) السلطان، ومعه فرسان بيد كلّ منهم فرس يقوده وقد جلّله من فوق السرج، وفيهم من يركب البغال بسراويلات ودراريع، وقد شدّوا سيوفهم فوق دراريعهم. والمجاهد في بني عمّه عليه عمامة فوقها عصابة ملوّنة بأطراف مخيش وبنو عمّه بهذه الهيئة. فدهش عند ما رأى العسكر وقصد أن يترجّل عن فرسه. فتقدّم إليه آقول الحاجب ومنعه حتى قرب العسكر منه [ف] ألقى نفسه ومنمعه إلى الأرض، فترجّل له أيضا الأمير بيبرس والأمير طينال، وأركباه وسارا به في الموكب وهما بجانبيه إلى الخيمة. وأنزلاه وقدّما له التشريف السلطان [يّ] المحمول باسمه من مصر بالكلفتاة الزركش والحياصة الذهب. فألبساه وأركباه وركبا بالعسكر في خدمته إلى زبيد، وقد عمل لهم سماطا ليس بذاك، فلم يتقدّم أحد ولا أكل منه (4).
واعتذر إليه الأمير بيبرس بأنّ هذا لا يكفي
(1) باب القلّة هو أحد أبواب قلعة الجبل.
(2)
في المخطوط: الشليليّ، والإصلاح من السلوك 2/ 265.
(3)
الرّنك هو الشعار يرسم على الرايات والأعلام والسلاح.
(4)
زاد في السلوك 2/ 266: «
…
خوفا من أن يكون فيه ما يخاف عاقبته».
العسكر، وغدا يعمل بكرة النهار سماطا يليق، ويقرأ مرسوم السلطان. وتركه وعاد بمن معه إلى الخيام.
فلمّا أصبحوا وقد تهيّأ السماط، ونصب للمجاهد كرسيّ عال وأجلسوه عليه، والسماط بين يديه، ودار السقاة، ووقف النقباء والحجّاب والجاشنكيريّة على عادة أسمطة السلطان بمصر، ووقف الأمير بيبرس رأس الميمنة والأمير طينال رأس الميسرة حتى انتهى فراغ السماط، صاح الجاويش على أمراء المجاهد وأهل دولته ليحضروا. فجاءوا وأخذوا مجالسهم. فقرئ عليهم كتاب السلطان يتضمّن دخولهم في طاعة المجاهد. فقبّلوا الأرض وأجابوا بالسمع والطاعة وتباشروا بذلك. ثمّ عرض المجاهد خلعه على الأمراء فأنفوا من لبسها استقلالا لها.
وكتبوا إلى بهادر الصقريّ وغيره أن يحضروا.
فحضر الصقريّ بعد ما حلف له الأميران بيبرس وطينال أن لا يمكّنا أحدا من أذاه. فتلقّياه وأكرماه.
وقلّت العلوفات عند العسكر وطلبوا من المجاهد ما يعلف للدوابّ فلم يبعث شيئا. وعنّفه الأمراء بسبب ذلك وقالوا له: أين ما وعدت به السلطان من أنّك تقوم [268 ب] بكلفة العسكر منذ يدخل إلى بلادك حتى يرجع؟ .
فلم يهتزّ لتعنيفهم واعتذر بخراب البلاد، وكتب إلى الضياع بحمل الغنم والذرة. وسار إلى تعز في أمرائه، ومعه من أمراء مصر الكوندكيّ [271 ب] والإسماعيليّ، وأقام العسكر على زبيد.
فعادت جمالهم وقصّادهم من الضياع بالخيبة ولم يقابلهم أحد، فامتدّت عند ذلك أيديهم بأخذ ما قدرت عليه. ورحلوا إلى تعز في نصف رجب فتلقّاهم المجاهد بأمرائه، وقد جمع خلقا كثيرا، فكان لهم يوم مشهود. وشكوا إليه ما بهم من الجهد لقلّة علف الدوابّ فوعدهم ومنّاهم، ثمّ حمل أهل البلاد إليهم شيئا يسيرا.
وسيّر الأمراء الشريف عطيفة أمير مكّة والكوندكيّ مع رسل المجاهد إلى ابن أخيه [الملك الظاهر المقيم](1) بدملوة يدعو [ن] هـ إلى الطاعة. وأقام العسكر في جهد من قلّة الجالب وارتفاع سعر الذرة، والمجاهد يسوّف بينهم، حتى تبيّن أنّ أمراءه خيّلوه من العسكر وانتزاعه من الملك، وحسّنوا له العمل على إتلافهم. فأوّل ما ظهر من ذلك قطع ماء ينزل من جبل صبر كانت الدوابّ ترده. ثمّ تخطّفوا الغلمان. فركب العسكر على أهل الجبل وقد أخذوا عدّة من جمال الأمراء ولبسوا السلاح، فامتنع أهل الجبل وأعلاه (2) ورموا الحجارة بالمقاليع على العسكر فأصابوا الأميرين بيبرس وآقول، وقتل من الأجناد أربعة، ومن الغلمان ثمانية. وبات العسكر تحت الجبل.
فلمّا أصبحوا بلغهم أنّ المجاهد قد عزم على الغدر بهم واستفسد نحو ثلاثمائة مملوك ليقيموا عنده، وأنّ الصقريّ عوّل على الهروب. فبادر بيبرس وقبض على الصقريّ وعلى الغياث وأحاط على موجودهما وتمكّن المجاهد منه ففرّق على العسكر من موجوده عشرين فرسا عوضا عمّا مات من خيولهم. ثمّ أخرج بيبرس بهادر الصقري ووسّطه نصفين بالسيف حسب ما رسم له به في التذكرة. فسرّ أهل تعز بقتله سرورا عظيما. وقيّد الغياث ووكّل به ثم وسّط بعد ذلك أيضا.
ثمّ حضر الشريف عطيفة والكوندكيّ بأنّ صاحب دملوة أجاب بالسمع والطاعة. فتقاضى الأمراء المجاهد إنجاز ما وعد به السلطان من
(1) الزيادة من السلوك 2/ 267.
(2)
هكذا، ولعلّ الكلام ناقص.