الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوراقا فيها مواقعات جماعة فأعلم بذلك الوزير فطلبها، فلم يوافق أكرم حتى بعث إليه السلطان من تسلّمها منه وقرأها، فأفرج عن أولاده وأمر بعقوبته. فسعط بالخلّ والجير. ثم أخرج هو وولده سعد الدين في ليلة الاثنين حادي عشره وحملا في سلورة (1) مرّت [217 ب] في النيل إلى أسوان، فقدما ليلة الاثنين خامس عشرينه. وقتل أكرم في ليلة الثلاثاء سادس عشرينه ودفن من غير أن يصلّى عليه، وكان متّهما أنّه على دين النصرانيّة.
وكان شرس الأخلاق ظالما عسوفا، إذا غضب ارتعش بدنه. وفيه مكارم وعصبيّة للنصارى.
وكان هو أكبر الأسباب في بغض العامّة لكريم الدين الكبير. واتّفق أنّه رأى في منامه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم [كان] جالسا في منزله على منبر، ثم قام ومشى.
فتبعه حتى أتى شاطئ البحر من فوق الماء فارتدّ عنه. فعبّر ذلك بأنّ صاحب هذه الرؤيا يموت مرتدّا عن الإسلام وأنّ داره تخرب، فإنّه عليه السلام [220 أ] بشير للمؤمنين ونذير للكافرين.
فلمّا مات خربت داره وأخذ رخامها وتركت على أقبح حال.
واتّفق أيضا أنّه كان يلوذ بخدمتهم رجل يعرف بعليّ السائس فيه دعابة وبيده شدّ مذابح الغنم السلطانيّة بالحسينيّة. فلمّا باشر أكرم هذا وظيفة النظر وتسلّم الجهات من الأمير علم الدين سنجر الخازن، صرفه وجعل له مرتّبا أكثر من معلومه في سلخ المذابح، فلم يقبله وتشفّع بالأمراء وغيرهم إليه فأبى أن يعيده. وتعصّب له علم الدين ابن كريم الدين الكبير وجماعة، وتحدّثوا مع أكرم، وقد خرج من مجلس كريم الدين في إعادته، فقال: يا جماعة، أنصفوني من هذا؟ - ثم سأله:
كم معلومك في هذه الوظيفة؟
قال: ثلاثة دراهم في اليوم.
فقال: إنّني أكتب لك ستّة دراهم وتترك هذه الوظيفة، فإنّك تتلف عليّ مال السلطان.
فقال له ابن هلال شادّ الدواوين: يا مولانا، هذا الرجل يخشى من تغيّر الأمور وحدوث العوارض، فيباشر غيرك فيجد أنّه كان باسمه ثلاثة دراهم فصارت ستّة فيلزمه بالتفاوت.
فغضب وقال: يا مسلمين، نحن كلّنا نروح، أنا أروح، هذا يروح، كريم الدين يروح، يروح الجميع، ويأتي من يطالبه بالتفاوت.
ومضى، وذلك يوم الخميس بعد العصر، فقبض على الجميع يوم الخميس بعد سبعة أيّام.
وولي الصاحب أمين الدين عبد الله بن غنّام، وألزم علي السائس بالتفاوت، إلى أن حكى له ما جرى، فعجب من ذلك وأفرج عنه وأعاد إليه وظيفته.
826 - أكدر بن حمام [- 65]
(2)
[221 أ] أكدر بن حمام- بضمّ الحاء المهملة- بن عامر بن صعب بن حثمة بن عكارمة بن هذيل بن سعد بن زر بن غنم بن أريش بن أراش بن جزيلة بن لخم اللخميّ، أبو مصعب.
شهد هو وأبوه فتح مصر، وكان أحد فرسان لخم بمصر ورئيسا في خلع عثمان رضي الله عنه وقتله. وقد ولي بحر مصر لمعاوية بن أبي سفيان سنة ثمان وخمسين، وكان معاوية مكرما له يتألّف قومه [به]، وكان يدفع إليه عطاءه ويرفع مجلسه.
فلمّا سار مروان بن الحكم إلى مصر أشار
(1) السلّوروة والسلاريّة: مركبة على النيل.
(2)
الولاة والقضاة 41، الإصابة 1/ 212 (386)، الإكمال 2/ 528 (حمام)، حسن المحاضرة 1/ 83.
الأكدر على عبد الرحمن بن عتبة بن جحدم (1) أن يبعث مراكب في البحر تخالف إلى عيالات أهل الشام [218 أ] وذراريهم. فعقد له يوم قدم السائب بن هشام [بن كنانة العامريّ]، وذلك للنصف من ربيع الأوّل سنة خمس وستّين على خمسة آلاف من الجند أهل الديوان، كلّهم من لخم وجذام وطوائف من قضاعة، وفيهم من فلّ جيش نائل بن قيس الذين صاروا إلى مصر بعد قتل مروان ببابل، وبعث به إلى الفرما ليمنع مروان من المسير.
فتوجّه الأكدر في جيشه يوم ثماني عشرة من ربيع الأوّل وسار حتى أتى الفرما، فلقي بها عروة- رجل من جذام- وكان على طلائع حبيش بن دلجة القينيّ، وكان حبيش على مقدّمة مروان، فاقتتلوا، وبرز عروة للأ [كدر] فتطاعنا فقتل الأكدر عروة.
وأجمع الجند بمصر على أن يبعثوا بمراكب تخالف أهل الشام إلى منازلهم. فقال عبد الرحمن بن عتبة بن جحدم: ليس لها غير أبي مصعب- يعني الأكدر- فبعث إليه يأمره بالرجوع إلى مصر، فاستخلف على جيشه ابن عمّ له يقال له عوف، ورجع إلى الفسطاط لخمس بقين من ربيع الأوّل.
فلمّا قدم مروان بجيشه على عوف انهزم عنهم ودخل الفسطاط من غير قتال. ويقال إنّ مروان كتب إلى شيعته بمصر أن أخلوا لي الطريق- يعني مقام الأكدر بالفرما- فقال كريب بن أبرهة [الأصبحيّ] لابن جحدم: لو رددنا الأكدر فوجّهناه في البحر يخالف مروان إلى الشام؟
فردّه ووجّهه في البحر. فخرج الأكدر في خمسين مركبا لثلاث خلون من ربيع الآخر. فلمّا
بلغ مروان مسيره جزع جزعا شديدا خوفا من مخالفتهم إلى عيالهم وبلادهم. فبعث الله ريحا على المراكب وقد قربت من سواحل الشام فكسرت بعضها وظفر مروان بمن فيها. وألقى البحر الأكدر في ثلاثة عشر مركبا برشيد، فصار إلى الفسطاط، وشهد وقعة الخندق وأيّامه، وكان رئيسا فيهم ومقدّما على لخم وجذام في قتال مروان.
فلمّا غلب مروان على مصر وصالحه أهلها [بعد أن أمّنهم على جميع ما أحدثوه] حضر الأكدر مع قومه من [221 ب] لخم فبايع مروان، ومروان معرض عنه. فأنكر قومه ذلك وقالوا: يا أبا مصعب، والله لقد رأينا لمروان وجها لا يصلح المقام معه في بلده، فرأيك في الخروج إلى المغرب أو تكون مستخفيا إلى حين خروجه عن مصر؟
فأبى الأكدر ذلك وقال: ما كنت لأخرج، ولا أستخفي، ومهما يصنع بي مروان بعد عهده ومواثيقه، هل يصنع إلّا القتل؟ فو الله لقد أجلبت على عثمان وسيّرت إليه الجيوش وشركت في قتله بكلّ ما أقدر عليه. وو الله لقد فعلت ذلك بمروان فحال القدر عن بلوغ الأمل. ولقد كان معاوية يبعث بعطائي، وأمر الولاة أن يؤخّروني عن الوفادة إليه خشية أن يتذكّر صنيعي، ثم، الله الحكم بيننا وهو خير الحاكمين.
وجعل مروان يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى في أمر الأكدر: يهمّ بقتله ويخشى العواقب. حتى أجمع على ذلك. فحرّض عليه نفرا من أهل الشام فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنّ الأكدر قتل منّا قتيلا ونحن أولياؤه، ولم يكن قتله له على معنى الفتنة.
فبعث مروان فأحضر الأكدر وهو لا يعلم إلى ما دعي، فلمّا دخل على مروان وليس معه أحد من
(1) وهو والي مصر لابن الزبير.