الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج طائفة من مماليكه إلى الصعيد، فلمّا بلغه تسحّب برلغي صهره أيس من البقاء في السلطنة واتّضع حاله وظهر عليه الخذلان، فتجرّأت عليه البرجيّة وعنّفوه تعنيفا خشنا لتغاضبه عن سلّار، ونسبوا كلّ ما وقع إليه- وكان كذلك (1). فوافقهم على قبضه يوم الاثنين نصف رمضان إذا دخل إلى الخدمة. فبلغ ذلك سلّار فلم يحضر وتمارض. فبعث المظفّر يستدعيه ليأخذ رأيه فاعتذر بشدّة الألم عن الحضور.
وأصبح بيبرس يوم الثلاثاء سادس عشرة فطلب الأمراء واستشارهم، فأشار عليه الأمير بيبرس الدوادار والأمير بهادر آص بالنزول عن السلطنة والإشهاد عليه بذلك كما فعل الملك الناصر، وتبعث تستعطفه، وتخرج إلى أطفيح حتى يأتيك جوابه.
[تنازل بيبرس عن السلطنة]:
فمال إلى هذا وجهّز خيّالة وأخذ من الخزائن ما وقع عليه اختياره، وركب ومعه الأمير أيدمر الخطيريّ أستادار، وبكتوت الفتّاح، وقجماس، وباكير، في عدّة من الزامه. فكأنّما نودي في الناس أن قد فرّ السلطان! - فاجتمعوا من كلّ جهة ووافوه وهو قد [317 ب] خرج من باب الإصطبل فصاحوا عليه وتبعوه وهم يبالغون في الصياح.
ورماه بعضهم بالحجارة، فنثر عليهم دراهم ليتشاغلوا عنه فلم يلتفتوا إليها، وعدوا خلفه يسبّو [ن] هـ ويشتمو [ن] هـ ويصيحون عليه. فلمّا زادوا ردّ إليهم طائفة من المماليك وسيوفهم مسلولة فرجعوا عن أعقابهم.
وكانت مدّة سلطنته عشرة أشهر وأربعة وعشرين يوما، كان كما قيل [الخفيف]:
أعجلتها النوى فما نلت منها
…
طائلا غير نظرة من بعيد
ومرّ بيبرس سائرا إلى إطفيح، وكان لا ينزل منزلة إلّا وتذهب طائفة بعد طائفة ممّن معه ويأتون [274 ب] القاهرة، إلى أن وصل إخميم، فتركه الخطيريّ والفتّاح وعادا، وتبعهما أكثر المماليك، وبيبرس يراهم فلا يقدر على منعهم.
وقدم عليه بيبرس الدوادار وبهادر آص بأمان الملك الناصر والإنعام عليه بصهيون، وطلب ما معه من المال وغيره، فقبل ولاية صهيون وسلّم ما أخذه من المال وغيره لكاتبه كريم أكرم الكبير ليحضر به إلى السلطان. وسأل أن يحلف له السلطان فأجابه إلى ذلك وحلف بحضرة أيتمش المحمّدي وسيّره إليه. فكتب الجواب بالطاعة.
[القبض عليه بأمر من الناصر]:
وتوجّه على طريق السويس يريد الشام، فبعث السلطان في طلبه الأمير أسندمر كرجي على جماعة من المماليك، فوافى مدينة غزّة وقد نزلها الأمير قراسنقر نائب الشام ومعه النوّاب فأقاموا حتى بلغهم قرب بيبرس، فساروا بأجمعهم إليه فلقوه شرقيّ غزّة، وعليهم السلاح، وقد لبس مماليك بيبرس أيضا السلاح ليقاتلوا العسكر فكفّهم بيبرس عن ذلك وساق فرسه إلى الأمراء مستسلما لهم فأخذوه وعادوا به إلى غزّة وأنزلوهوحده وأحاطوا على أسلحة مماليكه كلّها، ووكّلوا بهم وباتوا يحرسونهم. فلمّا كان من الغد ساروا بيبرس يريدون مصر إلى أن نزلوا الخطّارة.
[ف] أتاهم أسندمر كرجي وأمرهم بتقييده وأركب على بغل وسار به أسندمر.
(1) تبسّط المقريزي في هذا الحكم في السلوك 2/ 70، فزاد:
فإنّ سلّار لمّا فاتته السلطنة وقام فيها بيبرس، حسده ودبّر عليه.