الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفّي الأسعد في شهر ربيع الأوّل سنة سبع وثمانين وخمسمائة. وكان أوحد العلماء في زمانه في علم الطبّ وعمله- عارفا بالعلوم الحكميّة متعيّنا في الفنون الأدبيّة.
ومولده ومنشؤه بدمشق. وكان أبوه أيضا يعاني الطبّ ويجول في الأرض في طلب الفضيلة، واشتغل على أمين الدولة ابن التلميذ. واشتغل الموفّق على المهذّب ابن النقّاش.
وكان جميل الصورة، محبّا للبس الفاخر من الملابس. وخدم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب، وكان لا يفارقه في سفر ولا حضر. وقدم معه القاهرة، وزوّجه بعد ما أسلم إحدى حظايا داره. وكانت له همّة في تحصيل الكتب، فبلغت كتبه نحو العشرة آلاف مجلّد، وكانت له عناية باستنساخ الكتب.
وممّن أخذ عنه علم الطبّ المهذّب أبو محمّد عبد الرحيم بن عليّ الدخوار.
ورأى في طريق حمص مجذوما قد قوي به المرض حتى تغيّرت خلقته وتشوّهت صورته، فاستوصف منه ما يتناوله وما يتداوى به، فبقي كالمتبرّم من رؤيته وقال له: كل لحم الأفاعي.
فعاوده في المسألة فقال: كل لحوم الأفاعي، فإنّك تبرأ.
ومضى إلى حمص. ورجع فإذا بشابّ حسن الصورة كامل الصحّة قد سلّم عليه وقبّل يده. فقال له: من أنت؟
فعرّفه بنفسه، وأنّه المجذوم الذي شكا إليه، وأنّه لمّا استعمل ما وصفه له، صلح به من غير أن يحتاج معه إلى دواء آخر. فتعجّب من ذلك في كمال برئه.
وله عدّة مصنّفات، منها كتاب البستان (1)، جعله جامعا لكلّ ما وجده من ملح ونوادر سمعها أو طالعها.
وكتب بخطّه الحاوي لمحمّد بن زكريا، والقانون لأبي عليّ بن سينا، والملكي، والإقناع (2)، وشيئا كثيرا من كتب جالينوس، وروفس (3)، ومن المقالات الحكميّة وغيرها [163 ب]، وكان حسن الخطّ.
وللشرف أبي المحاسن محمّد بن عنين (4) فيه أهاج كثيرة، منها [وافر]:
وقالوا: أسعد بن الياس أضحى
…
رئيسا لا حوته يد السعود!
ولا أهجو الوجود وقد حواه
…
فإنّ وجوده هجو الوجود!
753 - أبو الفداء المؤرّخ [672 - 732]
(5)
[157 أ] إسماعيل بن عليّ بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيّوب بن شادي، الملك المؤيّد، عماد الدين، أبو الفداء، ابن الملك
(1) بستان الأطبّاء وروضة الألبّاء- كشف الظنون 243.
(2)
الحاوي في الطبّ أو: الجامع الحاصر لصناعة الطبّ لمحمّد بن زكريا الرازي (ت 311)، و [الطبّ] الملكيّ له- انظر: القفطيّ: تاريخ الحكماء [من كتاب إخبار العلماء .. ] ص 272. والإقناع في الطبّ لسعيد بن هبة الله الطبيب (ت 494) - كشف الظنون 140 ولم يذكره القفطيّ.
(3)
روفس: قال القفطيّ 185: تصانيفه في الطبّ نقلت إلى العربيّة.
(4)
ابن عنين الشاعر له الترجمة 420 في المقفّى ج 7/ 328.
(5)
المنهل 2/ 399 (437)؛ النجوم 9/ 292)؛ الدرر 1/ 371 (941)؛ فوات 1/ 183 (71)؛ الوافي 9/ 173 (4085)؛ أعيان العصر 1/ 503 (263)؛ السلوك 2/ 87؛ شذرات 6/ 98)؛ طبقات الشافعيّة 9/ 403 (1345)؛ دائرة المعارف الإسلاميّة 1/ 122.
الأفضل، ابن المظفر، ابن المنصور ابن المظفّر، تقي الدين ابن شاهنشاه ابن نجم الدين والد الملوك.
كان من جملة أمراء دمشق. فلمّا توجّه الملك الناصر محمّد بن قلاوون إلى الكرك خدمه خدمة زائدة. فلمّا عاد إلى ملك مصر مرّة ثالثة بعد فرار الملك المظفّر بيبرس رعى له حقّ الخدمة.
واتّفق قدوم الأمير مهنّا أمير عرب الشام على السلطان فسأله في أشياء، منها ولاية عماد الدين حماة [184 أ]. فأجاب سؤاله وولّاه حماة عوضا عن أسندمر كرجي (1). فسار من دمشق في جمادى الآخرة سنة عشر وسبعمائة، فلم يسلّمه أسندمر حماة. فأقام بين حماة وحمص، وكتب يخبر السلطان.
فاتّفق موت الأمير قبجق نائب حلب، فنقل أسندمر إلى نيابة حلب، وتسلّم عماد الدين حماة، وجعله السلطان صاحبها، ولقّبه «بالملك الصالح» مدّة. ثمّ إنّه لقّبه ب «الملك المؤيّد» وحكّمه في حماه يفعل فيها ما يختار من إقطاع وولاية من غير مراجعة، وأذن له أن يخطب له بحماه وأعمالها، على ما كان عليه الملك المنصور (2)، فلم يزل على ذلك.
وقدم إلى مصر في تاسع عشر جمادى الأولى سنة ستّ عشرة فأنزل بمناظر الكبش، وأجري له من الرواتب ما يليق به. فحمل تقدمته من الغد، ولقي السلطان فبالغ في تكرمته، إلى أن سافر إلى بلده في تاسع عشرين جمادى الآخرة.
ثمّ قدم في شوّال سنة تسع عشرة، وتوجّه مع السلطان للحجّ. فلمّا عاد عظم في عين السلطان
لما رآه من آدابه وفضائله وعلومه.
وأركبه في يوم الخميس سابع عشرين المحرّم سنة عشرين وسبعمائة بشعار السلطنة من المدرسة المنصوريّة بين القصرين. وسار عنها، والأمير قجليس السلاحدار حامل وراءه السلاح، والأمير الجاي الدوادار حامل الدواة، والأمير بيبرس الأحمدي أمير جاندار، والأمير جمال الدين أمير حلب (3) والغاشية والعصائب (4)، وجميع دست السلطنة، وجميعهم بالخلع والتشاريف، إلى أن خرج من القاهرة، وصعد قلعة الجبل، وقبّل الأرض، وجلس في الخدمة رأس الميمنة. ولقّبه السلطان يومئذ بالملك المؤيّد. وسار من يومه، وفي خدمته كريم الدين ناظر الخاصّ، إلى قبّة النصر خارج القاهرة، حتّى رتّب له كلّ ما يحتاج إليه في السفر [157 ب]. فكانت الخلع والتشاريف على من كان معه في هذا اليوم من أهل الدولة مائة وثلاثين تشريفا، منها ثلاثة عشر أطلس، وباقيها ما بين طرد وحش وكنجي (5) وعمل الدار.
وقدم أيضا في سنة ثنتي وعشرين بهداياه وتحفه على العادة. وتوجّه مع السلطان إلى بلاد الصعيد، حتى قارب قوص.
وعاد أوّل المحرّم سنة ثلاث وعشرين، فخلع عليه، وعاد إلى حماة.
فلم يزل بها حتى مات يوم [
…
] سابع عشرين المحرّم سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وهو في سنّ الكهولة، فأخفي موته يومين، حتى بعثت أمّ
(1) أسندمر كرجي: له ترجمة في المقفّى، 2/ 186 (788).
(2)
في المنهل: على ما كان عليه سلفه من ملوك حماة.
(3)
حلب: قراءة ظنّيّة.
(4)
الغاشية: كساء مزركش يغطّي ظهر الفرس، وهي من أمارات السلطنة، وكذلك العصائب، وهي رايات من الحرير المجزّع بالذهب تحمل وراء السلطان (دوزي).
وانظر النجوم 9/ 461 هـ 2.
(5)
الكنجي: نسيج من حرير وقطن (دوزي).
ولده إلى الأمير تنكز نائب الشام بجواهر ثمينة، وسألته إقامة ابنها الأفضل محمّد على مملكة حماة، وأن يشفع إلى السلطان في ولايته. فأجاب سؤالها، وبعث البريد إلى السلطان بذلك. فكثر أسف السلطان على فقد المؤيّد، وحزن عليه.
وقبل شفاعة تنكز في الأفضل وأنعم عليه بحماه على قاعدة أبيه وجدّه، ورسم بإحضاره كما قد ذكر في ترجمته (1).
وكان المؤيّد كريما فاضلا عارفا بالفقه والطبّ والفلسفة وغير ذلك، وله يد طولى في الهيئة، ومشاركة جيّدة في غالب العلوم. وكان يحبّ أهل العلم ويقرّبهم ويؤويهم إليه. واختصّ بأمين الدين عبد الرحمن بن عمر الأبهريّ، وأجرى له ما يكفيه ورتّب للجمال محمّد بن نباتة الشاعر في كل سنة ستّمائة درهم يبعث بها إليه إلى دمشق، سوى ما يتحفه به.
ونظّم كتاب «الحاوي (2) في الفقه» على مذهب الشافعيّ، وكان يعرفه معرفة جيّدة.
وله كتاب التاريخ (3)، حوى، مع اختصاره، فوائد جليلة.
وله كتاب «الكنّاس» ، عدّة مجلّدات كثيرة.
وكتاب «تقويم البلدان» ، أبدع فيه وأجاد. وكتاب «الموازين» ، وشعره جيّد.
وكان السلطان [الملك الناصر] يكتب إليه:
«أخوه محمّد بن قلاوون، أعزّ الله أنصار المقام الشريف العالي السلطان الملكي المؤيّدي العمادي» بلا مولوي [184 ب](4)، ويكتب إليه
الأمير تنكز: نقبّل الأرض بالمقام الشريف العالي المولويّ السلطاني الملكيّ المؤيّدي العمادي- وفي العنوان: صاحب حماة. ويكاتبه سائر النّواب بتقبيل الأرض، ونهى (5).
وقدم مرّة ومعه ابنه الأفضل محمّد إلى القاهرة فمرض [الأفضل]، فأرسل إليه السلطان رئيس الأطبّاء جمال الدين إبراهيم ابن المغربيّ، فلازمهبكرة وعشيّا، حتّى برئ، والمؤيّد يبحث [158 أ] معه في ذلك المرض، ويقرّر دواءه، ويطبخ له الشراب بيده في دست من فضّة، حتّى كان ابن المغربيّ يقول له: يا خوند، أنت والله ما تحتاج إليّ. وما أجيء إلّا امتثالا لأمر السلطان.
فلمّا عوفي الأفضل أعطى المؤيّد لابن المغربي بغلة بسرج ولجام وكنبوش زركش، وتعبئة قماش، ومبلغ عشرة آلاف درهم، وقال له: يا مولانا، اعذرني، فإنّي لمّا خرجت من حماه ما حسبت مرض هذا الابن، فأمهلني حتّى أتوجّه إلى حماة.
ومدحه شعراء زمانه، وأجازهم.
وفرّق كثيرا من كتبه، ووقف منها جملة.
ورثاه ابن نباتة (6) بقصيدة أوّلها [بسيط]:
ما للنّدى لا يلبّي صوت ناديه
…
أظنّ أن ابن شادي قام ناعيه
ومن شعر المؤيّد [كامل]:
اقرأ على طيب الحيا
…
ة سلام صبّ ذات حزنا
واعلم بذاك أحبّة
…
بخل الزمان بهم وضنّا
(1) ترجمة الأفضل محمّد بن إسماعيل مفقودة.
(2)
الحاوي في الفقه للقزويني انظر ج 1/ 201 هـ 4.
(3)
هو مختصر تاريخ البشر.
(4)
هكذا في المنهل 2/ 400 أيضا. والمولويّ ترد في مراسلات تنكز الآتية.
(5)
لم نفهم كلمة ونهى هنا.
(6)
محمّد بن محمّد بن محمّد بن الحسن الفارقيّ (ت 768).