الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواجبات عليهم.
فلمّا دخل جمادى الآخرة أخذ يدبّر على أهل مصر وسلّط طوائف الرجّالة، وتقدّم إلى مقدّمي السودان وغيرهم بما يفعلونه: فكانوا ينزلون إلى مدينة مصر طوائف فيكبسون الحمّامات نهارا ويأخذون النساء ويلجون الدور ويسلبون الناس في الطرقات ليلا ونهارا. ثم وجدت عدّة رقاع في المساجد تتضمّن تهديد أهل مصر بالقتل والحريق ونهب المال وسبي الحريم فتزايد ضرر النّاس.
وفتحت حوانيت البزّازين ونهب ما فيها، والناس يصيحون من أعلى الدور فلا يجدون من يغيثهم.
وصارت الحوانيت مفتّحة، والبلد في حركة شديدة من نقل الأمتعة من الحوانيت إلى الدور.
ثم نزل جمع كبير من العبيد إلى مصر، وقد غلقت الدروب قبل غروب الشمس، فمرّوا في المدينة وفتحوا ما وراء الجامع من النحّاسين والبزّازين والسكريّين والمربعيّين (1) ودار الشمع، وأخذوا ما قدروا عليه وأفسدوا ما بقي، حتى كانوا يخلطون العقاقير بعضها ببعض، ويخلطون الزيت بالمياه المختلفة ويفسدون هذا بهذا. فنزل بالناس من البلاء ما لا يمكن وصفه. ونقلوا أمتعتهم من مصر إلى القاهرة، وتزايد النهب، وطرحت النيران في أبواب القياسر المجاورة للجامع وقد نهبت.
وتخطّفت الناس فسلبوا وأخذت عمائمهم، فعظم الضجيج والصراخ، وكثر الدعاء، فوقفوا إلى الحاكم فشكوا ما هم فيه. وتقدّم بعض الأشراف في طائفة منهم للشكوى فصار للناس دويّ كالرعد وارتفعت شهب النيران بالحريق، فقال الحاكم (2): ما للنّاس؟
فقالوا: يا مولانا، عبيد الشرّ قد أخربوا البلد، وسلبوا أهله وسبوا حريمه.
فقال: ومن أمرهم بهذا لعنهم الله؟
فقال له بعض الأشراف: أراك الله في أهلك ما رأيناه في أهلنا.
فلم يزده على أن قال له: أيّها الشريف، أنت معذور لأنّك مغتاظ.
فاجتمع عند ذلك الأتراك والكتاميّون، وتحالفوا على قتال الرجّالة، فكانت بينهم حروب كثيرة قتل فيها عالم كثير من الرجّالة. وطالت عدّة أيّام والحاكم يركب حماره ويأتيهم، فإذا رأوه تفرّقوا هيبة له، ثم إذا مضى عادوا لحربهم. فاشتدّ حنقه على الأتراك والكتاميّين.
وهذا الدرزيّ هو الذي أدخل دعوة الحاكم إلى بلاد الشام والساحل واستجاب له عالم كثير منهم، وصار لهم مذهب رديء ويعرفون إلى اليوم بالدرزيّة.
ومن مذهبهم كتمان السرّ، فلا يطلعون سواهم على عقائدهم. ويذكر أنّ هذا الدرزيّ أباح البنات والأخوات والأمّهات، وهم إلى اليوم على ذلك، ويصرّحون بأنّ الحاكم حيّ وأنّه سيعود.
847 - آنوك بن محمد بن قلاوون [721 - 741]
(3)
[231 أ] آنوك بن محمد بن قلاوون، الأمير [226 أ] ناصر الدين، ابن السلطان الملك الناصر، ابن السلطان الملك المنصور، أمّه خوند طغاي.
ولد للنصف من جمادى الآخرة سنة إحدى
(1) كلمة غامضة، وكذلك في الدول المنقطة، 56. ولعلّها تعني بائعي المرابع، والمربع منديل للنسوة (دوزي).
(2)
عبارة ابن ظافر: فتجاهل عليهم وقال:
…
(3)
الوافي 9/ 431 (4365)؛ المنهل 3/ 108 (558)، الدرر 1/ 446 (1083)، بدائع الزهور 1/ 477، السلوك 2/ 553، تذكرة النبيه 2/ 317.
وعشرين وسبعمائة. فأحبّه السلطان محبّة زائدة لشغفه بأمّه ولجماله، وعقد له على [
…
] ابنة الأمير بكتمر السّاقي، وقد حمل مهرها من بيت المال، وهو عشرة آلاف دينار مصريّة. وحمل معه مائتان وخمسون ثوبا من التفاصيل الحرير (1)، ومائتا نافجة (2) مسك، وألف مثقال عنبر خام، ومائة شمعة موكبيّة، وثلاثة أرؤس من الخيل مسرّجة ملجّمة. فتوجّه بذلك كريم الدين الكبير ناظر الخاصّ، والأمير طقتمر الخزندار، والأمير آي دغمش أمير أخور في يوم السبت النصف من شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين، وهم بتشاريف جليلة. ثم أنعم عليه بإمرة مائة تقدمة ألف في يوم الاثنين ثالث عشرين صفر سنة اثنتين وثلاثين، وأركبه من باب الدار، فمضى، والأمراء في خدمته حتى خرج من باب القلعة الذي يعرف بباب القرافة، ودار على سور القلعة إلى أن خرج من عند باب القلعة الكبير، وعلى رأسه الشربوش (3).
وصعد منه إلى القلعة فنثرت عليه الدنانير والدراهم وخلع على أرباب الوظائف، ومدّ لهم سماط جليل، وعملت الأفراح مدّة أيّام.
ثم وقع الشروع في عمل الأفراح العظيمة لدخوله على زوجته. واستخدم في ديوانه شرف الدين عبد الوهاب النشو أحد المستوفين، وجعل الأمير الطنفش أستاداره. فحمل رنك (4) جدّه المنصور، وتميّز على جميع إخوته مع صغر سنّه، لأنّه ليس فيهم من معه إمرة مائة سواه، وبقيّتهم
إنّما هم أمراء أربعين.
وقدم الأمير تنكز نائب الشام لحضور المهمّ فأقام الفرح سبعة أيّام بلياليها. ولم يبق أمير إلّا وبعث حريمه بالذهب وتفاصيل الحرير لنقوط المغاني (5).
فلمّا كانت ليلة السابع، وهي ليلة الجمعة حادي عشر شعبان منها، جلس السلطان على باب القصر وجلس مقابله أنوك، وتقدّم الأمراء على مراتبهم بإحضار شموعهم: فمن قدّم شمعة قبّل الأرض للسلطان ثم قبّلها للأمير أنوك- ثم أعفوا عن تقبيل الأرض لأنوك- فبلغت عدّتها زيادة على ثلاثة آلاف شمعة زنتها ألف قنطار ونيف، ما فيها شمعة أمير إلّا وقد بالغ في جودتها وثقل وزنها وتحسينها بأنواع الزينة.
ثم أشعلت بأسرها، وحملها الأمراء ومماليكهم ومشوا على حسب مراتبهم حتى مضى آخرهم.
ونصب الأمير قوصون صاريين عليهما نفط غرم عليه مبلغ ثلاثين ألف درهم. وأطعم الناس بالإيوان.
فلمّا انقضى عامّة الليل دخل السلطان إلى حيث مجتمع النساء، فتقدّمته كلّ واحدة من نساء الأمراء وقبّلت الأرض وقدّمت ما أحضرته من التقدمة، والمغاني تزفهنّ. وكان [231 ب] المهمّ عظيما جدّا، ذبح فيه من الغنم والبقر والخيل والإوزّ والدجاج ما ينيف على عشرين ألف حيوان، واستعمل فيه من السكّر ثمانية عشر ألف قنطار، وبلغت قيمة شورة (6) العروس ألف ألف دينار مصرية حمل على ثمانمائة حمّال، وستّة وثلاثين قطارا (7) من البغال سوى الحلي والمصاغ
(1) التفصيلة: قطعة من القماش، وكذلك الثوب المفصّل المخيط.
(2)
النافجة: كيس للعطور، «والمسك النفاجي» أجود (دوزي).
(3)
الشربوش: قبّعة للرأس عالية مثلّثة، وهي خاصّة بالأمراء (دوزي).
(4)
الرنك: الشعار.
(5)
النقوط: ما ينشر على القيان من دراهم.
(6)
الشورة والشوار: ما تجهّز به العروس.
(7)
قطار الإبل وغيرها: جمعها المتتابع في السير.