الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فسرّ بمسك تنكز سرورا زائدا.
وكتب بعود جماعة من العسكر، وأن يسير بشتاك وأرقطاي وبرسبغا إلى دمشق، وأن يقيم بيغرا أمير جندار وقماري على الصالحيّة حتى يحضر تنكز.
[قتله بالإسكندريّة]:
فقدم في يوم الثلاثاء عاشر المحرّم سنة إحدى وأربعين صحبة الأمير بيبرس السلاح دار، وطلع إلى القلعة نهارا، وسجن في موضع ضيّق، ثمّ أخرج ليلا إلى الإسكندريّة، وقتل بها في يوم الثلاثاء خامس عشر المحرّم سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، على يد إبراهيم بن صابر مقدّم الدولة.
وصلّى عليه الناس ودفن بمقبرة الإسكندريّة. ثمّ نقل منها إلى دمشق فدفن بتربته إلى جانب جامعه في أوائل رجب سنة أربع وأربعين وسبعمائة.
[اشتغاله بالحديث]:
وكان قد سمع في نيابته غير مرّة صحيح البخاري على الحجّار، وسمع كتاب الآثار للطحاويّ، وسمع صحيح مسلم، وروى عن عيسى المطعم، وأبي بكر بن عبد الدائم، وحدّث بثلاثيّات البخاري في المدينة النبويّة.
[علوّ شأنه عند السلطان وعند الشاميّين]:
وعظم شأنه في نيابة دمشق وهابه الأمراء والنوّاب، وأمن الرعايا به فلم يقدر في أيّامه أمير ولا متجوّه (1) أن يظلم ذمّيّا فضلا عن مسلم، لخوفهم من بطشه وشدّة انتقامه. وما زال في ارتقاء وعلوّ درجة وإقطاعه يتضاعف وأنعامه تزداد وعوائده من الخيل والقماش والطيور والجوارح
تنمو كثرة. وكان السلطان لا يفعل في أكثر الأوقات شيئا حتى يبعث يستشيره. وقلّما كتب هو في شيء إلى السلطان فردّه، بل كان إذا قرّر بدمشق إمرة أو نيابة أو وظيفة قضاء ونحوه أو إقطاعا، أمضى السلطان ما قرّره وبعث بتوقيعه أو منشوره. ولم يسمع قطّ عنه أنّه أخرج إقطاعا ولا إمرة ولا وظيفة- جلّت أو قلّت- فأخذ عليها رشى، بل كان عفيف اليد والفرج. وبلغ من أمره أن أمراء مصر الخاصكيّة كانت تخافه، وأنّ السلطان قال مرّة للأمير سيف الدين قرمشي الحاجب: يا قرمشي، لي ثلاثون سنة وأنا أحاول من الناس أن يفهموا عنّي ما أرومه في حقّ الأمير تنكز، ولم يفهم الناس عنّي ذلك. وناموس الملك يمنع من قولي ذلك بلساني: وهو أنّي لا أقضي حاجة لأحد إلّا على لسانه أو بشفاعته- ودعا له بطول العمر. فلمّا بلغ تنكز ذلك قال: بل أموت في حياة السلطان! - فلمّا أنهى ذلك الأمير قرمشي إلى السلطان قال له: قل له: لا! أنت إذا عشت بعدي نفعتني في أولادي [388 أ] وحريمي وأهلي.
وإذا متّ قبلي، إيش أعمل مع أولادك أكثر ما يكونون أمراء؟ ها هم الآن أمراء في حياتك!
[عفّته ونزاهته]:
ومن فضائله التي انفرد بها أنّه كان له كاتب لا شغل له إلّا ضبط ما يدخل خزانته من المال وما يستقرّ له، فإذا حال الحول عمل أوراقا بما يجب عليه صرفه من الزكاة فيأمر بإخراجه وصرفه إلى ذوي الاستحقاق. وزادت أمواله، وعمّر بظاهر دمشق جامعا، وإلى جانبه تربة وحمّاما. وعمّر لزوجته تربة، وعمّر دارا للقرآن. وأنشأ بالقدس رباطا، وعمّر مدينة القدس، وساق إليها الماء حتى مرّ على باب المسجد الأقصى. وعمّر بصفد مارستان [ا]، وجدّد قنوات دمشق وجدّد بها عدّة
(1) متجوّه: لعلّها كلمة منحوتة من الجاه: متسلّط مدلّ بجاهه؟ .