الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه (1). وأقدم بعده على الطنبغا نائب الشام لمّا قدم وأخذ سيفه وقبض عليه فترفّع ووقف فوق آغاه (2) بهادر الدمرداشي فأسرّها في نفسه.
وأخرجه [بهادر] في أيّام الصالح إسماعيل على البريد في خمسة سروج إلى نيابة حماة يوم [
…
] ربيع الأوّل سنة ثلاث وأربعين. ثم نقل بعد شهرين إلى نيابة حلب عوضا عن طقزدمر في أوّل شهر رجب منها، فمرض بعد قليل ومات مستهلّ صفر سنة أربع وأربعين وسبعمائة.
وكان جميلا كريما صائب الحدس. أنشأ خارج باب زويلة من ظاهر القاهرة جامعا في غاية الحسن أنفق عليه مالا كبيرا.
837 - الطنبغا التركيّ [- 642]
الطنبغا بن عبد الله التركيّ، الأمير شمس الدين، أحد أمراء مصر.
ولي الغربيّة وغيرها، وكان شهما مقداما، له في الولاية أخبار دالّة على فهمه وخبرته.
توفّي ليلة السابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وأربعين وستّمائة.
838 - الطنبغا الحاجب [- 742]
(3)
النطبغا الحاجب، الأمير علاء الدين، نائب حلب، أحد المماليك الناصريّة محمد بن قلاوون.
ترقّى في خدمه إلى أن ولّاه الحجوبيّة بحلب، فأقام بها مدّة [
…
]. فلمّا مات الأمير سودي استقرّ عوضه في نيابة حلب لأيّام من شهر رجب سنة أربع عشرة وسبعمائة فشكرت دربته بالأحكام. وعمّر بها جامعا حسنا.
ثم صرف بالأمير أرغون نائب السلطنة، وقدم إلى مصر مع الأمير الجاي الدواداري في يوم السبت أوّل صفر سنة سبع وعشرين وسبعمائة.
فأكرمه السلطان وخلع عليه وأسكنه بقلعة الجبل وأنعم عليه بإمرة مائة من جملة إقطاع الأمير أرغون النائب. واستقرّ الأمير أرغون في نيابة حلب [وبقي الطنبغا] عوضه بمصر من جملة الأمراء الكبار، إلى أن ورد الخبر بموت أرغون نائب حلب، فخلع على الأمير الطنبغا واستقرّ في نيابة حلب كما كان، في يوم الخميس عشرين ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين، وسار إليها على البريد ففرح به أهل حلب.
فتنكّر ما بينه وبين الأمير تنكز نائب الشام، وأخذ تنكز في الحطّ عليه، وأغرى السلطان بعزله وولاية طوغاي عوضه. فعزل عن حلب وأحضر إلى مصر في سنة ثمان وثلاثين، فلمّا قدم لم يقبل السلطان عليه وتركه على باب الإصطبل، والسلطان يطعم الجوارح بالميدان حتى فرغ فأحضره.
وبقي مقيما بالقلعة على إمرة طوغاي الطبّاخي وإقطاعه، إلى أن قدم الأمير تنكز في حادي عشر جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين. فبعث السلطان [
…
] (4) الحاجب إلى الطنبغا أن يجهّز أمره ولا يصبح إلّا وهو سائر إلى غزّة، وأردفه بتشريف
(1) قبض على قوصون في صفر سنة 742.
(2)
سيف الدين بهادر الدمرداشي كان آغا الطنبغا نائب الشام (الوافي 9/ 365).
(3)
الوافي 9/ 361 (4291) أعيان العصر 1/ 600 (327)، الدرر 1/ 436 (1055)، المنهل 3/ 53 (534)، النجوم 10/ 73، السلوك 2/ 614.
(4)
أغفل المقريزي اسم هذا الحاجب في السلوك أيضا 2/ 461.
نيابتها، إرضاء لخاطر تنكز.
فسار من الغد وقد شقّ عليه ذلك، فتألّم له الأمراء. فلمّا خرج تنكز من مصر عائدا إلى دمشق سار الطنبغا ليتلّقاه بالداروم وعمل له سماطا يليق به. فلم يأكل منه غير لقمة واحدة، وركب ولم يبشّ لألطنبغا ولا استدناه حتى نزل بالميدان ظاهر غزّة، فأكبّ الطنبغا يقبّل [221 أ] يده، وكشف رأسه واعترف بالخطإ. فأقبل حينئذ عليه وحادثه وأكل طعامه وطاب خاطره عليه، ثمّ سار بعد ما خلع عليه.
فلم يزل على نيابة غزّة إلى أن تغيّر السلطان على تنكز. [ف] كتب إليه بنيابة دمشق، وأنّ الأمراء واصلون إليه بالعسكر حتى يسيروا معه إلى دمشق، وأنّ الأمير طشتمر قد رسم له بالتوجّه من صفد إلى دمشق ليجتمع هو والأمير قطلوبغا الفخريّ وأمراء دمشق ويقبضوا تنكز. فسرّ بذلك أعظم مسرّة، وأخذ في الأهبة للمسير، وقدّم أحد نجّابته بملطفات إلى أمراء دمشق بذلك، فبقوا على أتمّ استعداد إلى أن قدم عليهم الأمير طشتمر نائب صفد وقبض على تنكز كما ذكر في ترجمته (1)، وبعث به إلى مصر، ونزل بالمدرسة النجيبيّة. وقام الأمير قطلوبغا الفخريّ وبقيّة أمراء دمشق بحفظ المدينة.
فقدم مملوك الأمير الطنبغا إلى الأمير طشتمر بعوده إلى صفد، فتوجّه إليها. وقدم العسكر من مصر إلى غزّة صحبة الأمير بشتاك، والأمير أرقطاي، والأمير برسبغا، فتلقّاهم الأمير الطنبغا وأنزلهم، ثم سار معهم يريد دمشق. فالتقوا مع تنكز على بيسان وهو محتفظ به ومرّوا لمقصدهم.
فقدم الأمير الطنبغا، والأمير بشتاك ومن معهما
دمشق في يوم الاثنين سادس المحرّم سنة إحدى وأربعين. فخرج الناس إلى لقائهم، ونزل الطنبغا بدار السعادة على العادة، ونزل بشتاك بالميدان، وتفرّق بقيّة الأمراء في عدّة أماكن.
وركب من الغد يوم الثلاثاء الطنبغا [إلى] الموكب ومعه الأمراء. وقبض على الأمير صاروجا المظفّريّ، والأمير الجيبغا العادليّ، وجنغية وطغية (2)، وأوقعت الحوطة على موجودهم، وعوقب جنغية وطغية وعوقب حواشيهما وأسبابهما، ثم وسّطا تحت قلعة دمشق. وأكحل صاروجا، وتتبّعت أموال تنكز، وتولّى بيعها الطنبغا وأرقطاي مدّة شهر، فكان في ذلك أعظم عبرة، فإنّ تنكز لم يعرف عنه أنه قصد أحدا فخاب قصده، إلّا في الطنبغا وأرقطاي، فإنّه ما زال يحاول قتلهما، والأقدار تحول بينه وبينهما، بحيث إنّ السلطان كان يقول بعد قتله لتنكز: والله ما خلّصت الطنبغا وأرقطاي منه إلّا كما تخلّص من الأسد فريسته.
ونودي بدمشق: «من [ترك] تنكز عنده وديعة [فل] يحضرها، فإنّه كتب كلّ ماله في أوراق عند السلطان.
فخاف الناس وأتوا بما عندهم، وصودر جماعة كثيرة من الناس بدمشق وأخذت أموالهم فكانت أيّام نكدات.
ثم رسم بتجهيز عساكر الشام لأخذ توريز، فتأهبّبوا لذلك وأنفقوا في إصلاح شأنهم مالا كثيرا تكلّفوا له. وبينا هم في ذلك إذ قدم الخبر بموت السلطان فبطلت التجريدة، وحلف الأمراء
(1) ترجمة تنكز رقم 1034.
(2)
«وهما من الزام تنكز» (أي أتباعه)، السلوك 2/ 507، وسيسمّيهما في ص 245: جنغاي وطغاي. وانظر الوافي 11/ 196 رقم 294 (جنغاي) و 16/ 46 رقم 480 (طغاي).
والعسكر [ل] لسّلطان الملك المنصور أبي بكر ابن الناصر محمد، فلم تطل أيّامه وخلعه الأمير قوصون، وأقام عوضه السلطان الملك الأشرف كجك ابن الناصر محمد، وقصد أن يقبض أيضا على الناصر أحمد بالكرك، وبعث إليه تجريدة مع الأمير قطلوبغا الفخريّ، وأخرج بقيّة أولاد السلطان الملك الناصر محمد من قلعة الجبل إلى قوص. فغضب لذلك الأمير طشتمر نائب حلب وبعث يعيبه على ذلك و [أ] نكر على الأمير بيبرس الأحمديّ موافقة قوصون على هذا. فقبض قوصون على مملوك نائب حلب (1)، وكتب إلى الطنبغا يحذّره من موافقة نائب حلب ويستميلة إليه. وسيّر له إنعاما سنيّا ووعده عدّة مواعيد.
فمال إليه وصار من حزبه.
هذا وقد اتّفق الأمير قطلوبغا الفخريّ مع الناصر أحمد بالكرك على سلطنته، ووافقه طتشمر نائب حلب وغيره من الأمراء. فأخذ الطنبغا يحترسعلى الطرقات، وكتب يعرّف الأمير قوصون بذلك كلّه. فكتب إليه أن يتوجّه إلى حلب ويقبض على طشتمر نائبها، وكتب [221 ب] إلى نوّاب صفد وحمص وحماة وطرابلس بالمسير معه، وبعث إليهم بالتشاريف والخلع والنفقات.
فسار في يوم الجمعة [
…
] جمادى الآخرة، وقد اشتدّ المطر، والناس يدعون عليه أن لا يسلّمه الله! - فإنّ العامّة كانت تكرهه وتسبّه في وجهه وتدعو عليه. فنشب سنان شطفته (2) من خلفه في سقيفة [ف] انكسر فتفاءلوا عليه بالشؤم.
ومضى فلقيه أرقطاي نائب طرابلس على حمص. وكتب إلى طقزدمر نائب حماة أن يتلقّاه،
فاعتذر بوجع رجله- وكان قد مال مع الناصر أحمد، وبلغهم عنه ذلك. فبعث إليه الطنبغا من حلّفه أنّه باق على طاعة الأشرف كجك، ومضى إلى حلب. فورد عليه الخبر في سلميّة بفرار طشتمر من حلب يريد بلاد الشرق حتى نزل أبلستين وتوجّه إلى قيصريّة (3). فدخل الطنبغا حلب بغير مانع. وكتب يعرّف قوصون فرار طشتمر. وأخرج أمواله وباع موجوده.
فأتاه الخبر بأنّ الأمير قطلوبغا الفخريّ قد سلطن الناصر أحمد بالكرك وسار من عنده إلى دمشق، وقد مال معه آقسنقر السلّاريّ نائب غزّة وأصلم نائب صفد وطقزدمر نائب حماة، واستخدم بدمشق الأجناد وجمع الأموال من الناس وخرج إلى خان لاجين. فكتب يعرّف قوصون بذلك. فجرّد [قوصون] من أمراء مصر برسبغا الحاجب وأمير محمود الحاجب في جماعة، وساروا في أخريات رجب إلى غزّة. فسار آقسنقر منها إلى قطلوبغا الفخريّ بدمشق. فسار من حلب إلى حمص وحلّف من معه. ثم سار حتى وصل خان لاجين ظاهر دمشق ومعه عشرة آلاف فارس.
وقد برز إليه قطلوبغا الفخريّ في ثلاثة آلاف فارس. فتردّدت الرسل بينهما ثلاثة أيّام بلياليها فلم يرجع أحد منهما إلى صاحبه، ووقف مع غرضه: الطنبغا في نصرة قوصون، والفخريّ في نصرة الناصر أحمد حتى ضجرت العساكر. ثم ركب الطنبغا بكرة نهار [
…
] (4) بمن معه ليحمل على الفخريّ، فمال من معه إلى جهة الفخريّ
(1) نائب حلب: هو طشتمر حمّص أخضر، النجوم 10/ 31.
(2)
الشطفة: الراية.
(3)
أبلستين: مدينة ببلاد الروم (الأناضول) قرب أبسس مدينة أهل الكهف (ياقوت). قيصرية: مدينة كبيرة بآسيا الصغرى (الأناضول).
(4)
في السلوك 2/ 585: من الغد، دون تدقيق، ولا ذكر لليوم في النجوم 10/ 36.
وصاروا معه. فلم يبق مع الطنبغا سوى أرقطاي نائب طرابلس في قليل من أمراء الشام، منهم أسنبغا ابن البوبكري وأيدمر المرقبي. فساروا إلى المرج وقصدوا طريق صفد، وأحمد مشدّ الشرابخاناه أحد أمراء طرابلس، ومعه جماعة، في طلبهم. فلم يقدروا عليهم وعادوا عنهم.
فخطب في دمشق لأحمد الناصر، وكان برسبغا ومن معه قد دخلوا غزّة فكتبوا إلى قوصون بهزيمة قطلوبغا الفخريّ. ثم قدم عليهم الطنبغا بمن معه غزّة وقد بلغوا الجهد من التعب فنزلوا بها وبعثوا بخبرهم إلى قوصون. فكثر اضطرابه وبعث لألطنبغا ومن معه بالأقبية والأقمشة الفاخرة، وكان ما أرسله لكلّ من الطنبغا وأرقطاي ثلاثين بدلة قماش، وثلاثين قبا مسنجبا (1) بطرز زركش، ومائتي كلفتاه، ومائتي خفّ، سوى كساوي مماليكهما وغلمانهما وحاشيتهما. وشرع في تجهيز أمره للسفر، فاختلف الأمراء عليه وأمسكوه كما ذكر في ترجمته (2).
وكان الطنبغا وأرقطاي قد سارا بمن معهما من غزّة ونزلوا على مدينة بلبيس. فبعث إليهم قوصون بتلجك ابن أخيه أن يلقوه تحت القلعة في يوم الاثنين ثامن عشرين رجب. فلم يرحلوا عنها إلّا (3) يوم الثلاثاء. وعند ما وصلوا إلى سرياقوس جاءهم الخبر بركوب الأمراء على قوصون، وأنّه محصور بالقلعة. فساروا إلى بركة الحجّاج، وإذا بطلب قوصون مع مائة من مماليكه قد خرجوا حميّة ليعرّفوهم ما بأستاذهم، فمضوا كما هم حتى
وصلوا تحت القلعة. فقصدهم [222 أ] الأمير آي دغمش ومن معه من الأمراء وسلّم عليهم وأصعدهم إلى القلعة. ثم قبض على الطنبغا وأرقطاي من الغد يوم الخميس مستهلّ شعبان في سبعة عشر أميرا.
وكتب باستدعاء الناصر أحمد من الكرك، والأمير قطلوبغا الفخريّ من دمشق، ويعلمهما بمسك قوصون والطنبغا وأرقطاي فيمن أمسكه.
فقدم الناصر أحمد واستقرّ في السلطنة. وبعث بألطنبغا وغيره من الممسوكين إلى الإسكندريّة فسجنوا بها، ثم قتلهم واحدا بعد واحد. فلمّا دخلوا على الطنبغا وجدوه قد تأهّب للموت وتوضّأ وشدّ من تحته حفاظا (4) واستقبل القبلة.
فأخذوا يعنّفونه على فعله وهو لا يكترث بقولهم.
فلما أكثروا عليه قال: نحن حفظنا اليمين التي حلفناها لابن أستاذنا- يعني الأشرف كجك- وبقينا عليها إلى هذه الساعة.
فقالوا له: أوص بما تريد.
قال: ما لي أحد أوصيه على ولدي، وقد وكّلته إلى الله.
ثمّ استلقى وغطّى وجهه فخنقوه حتى مات.
وذلك في أوّل ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وقد تجاوز الخمسين سنة.
وكان خيّرا له دربة بالأحكام وطولة روح في المحاكمات، مليح الشكل، مجيدا للّعب بالرمح ورمي النشّاب والكرة، فارسا معدودا من الأبطال، قويّا لم يقدر أحد أن يصرعه. وكان سخيّا لا يدّخر مالا، ولا يتجر ولا يعمر ملكا، فريدا في أبناء جنسه، إلّا أنّه لم تساعده الأقدار في نيابته بدمشق.
وكانت أيّامه كثيرة الشرور والأنكاد. وركب هواه
(1) مسنجب: محشوّ بفرو (دوزي: البسة 328).
(2)
ترجمة قوصون مفقودة من المقفّى وهي في أعيان العصر 4/ 136 (1389).
(3)
في المخطوط: الى. وقراءتنا أوفق لما في النجوم 10/ 39: فلم يوافقه على السرعة.
(4)
حفاظ: حزام تحتيّ لاتّقاء الإسهال (دوزي).