الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حجّته وما فعل فيها من أنواع الخير.
وأجرى الماء من عين إلى بلد الخليل عليه السلام وأنفق عليها أربعين ألف دينار. ولمّا فرغ منها وقدّم له أوراق مصروفها لم يقرأها وغسلها كلّها وقال: شيء خرجنا عنه لله تعالى لا نحاسب عليه.
وعظم النفع بهذه العين، فقد كان بلد الخليل معطّشا تباع فيه الشربة بنصف درهم وربّما بلغت إلى درهم، فوسّع الله على يديه وزال ذلك.
936 - بكتمر السلاح دار الظاهريّ [- 703]
(1)
[287 أ]
…
وخرج من القاهرة على عسكر فيه من الأمراء: عزّ الدين طقطاي، ومبارز الدين أولياء بن قرمان، وآي دغدي شقير الحساميّ، وثلاثة آلاف فارس، مددا للأمير بدر الدين بكتاش الفخريّ أمير سلاح في قتال أهل سيس من الأرمن. فوصل دمشق في سابع عشر ذي القعدة سنة سبع وتسعين وستّمائة.
وخرج منها بالعسكر في عشرينه يريد حلب فأقام بها. وأخذ الأمير منكوتمر نائب السلطنة بديار مصر يدبّر مع أستاذه الملك المنصور لاجين على قبض أكابر الأمراء بمصر والشام. وبعث حمدان بن صلغاي من مصر على البريد إلى بلاد الشام بسبب ذلك، وأن يرسل الأمير بكتمر هذا إلى مصر على البريد، ليفرّق شمل الأمراء.
فسار بكتمر من حلب ونزل بلبيس، وقد عزم الأمير منكوتمر النائب على [256 ب] قبضه، فمنعه السلطان من ذلك حتى يرد خبر قبض الأمراء بحلب. وكان بكتمر قد أحسّ بالشرّ، ووصّى قبل
خروجه من حلب، وأخذ ألف دينار فتصدّق بها طول طريقه. واتّفق أنّه لمّا نزل بلبيس اشتدّ خوفه وكثر قلقه وغلبه [287 أ] الفكر، فقام وصلّى ركعتين وسأل الله أن يكفيه ما يخافه وجدّ في الدعاء، وإذا بالمسبّح قد صعد المئذنة على العادة وابتدأ بعد البسملة بقوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح: 1]، فتفاءل بذلك وسجد لله شكرا- وكان من المتديّنين المشهورين بالخير.
ثمّ ركب من ساعته وقد طاب خاطره حتى دخل على السلطان، فبالغ في إكرامه وسأله عن العسكر وما جرى له في غزاته، وأظهر له أنّه ما استدعاه إلّا لذلك، وخلع عليه، وأمر له بألف دينار إنعاما، وردّه إلى حلب.
فشقّ ذلك على منكوتمر وعتب السلطان فقال له: والله ما زلت أريد مسكه حتى دخل عليّ فغيّر الله ما كان في خاطري منه، واستحييت منه لما له عليّ من الخدمة.
فلم يرض منكوتمر، وما زال به حتى كتب له تقليدا بنيابة طرابلس عوضا عن الأمير عزّ الدين أيبك الموصليّ بعد وفاته في صفر سنة ثمان وتسعين، ورتّب أنّه يجهّز طلبه وثقله إليها، ويحضر بمفرده على البريد إلى مصر ليشافهه السلطان بأمور مهمّة.
فلمّا ورد المرسوم بذلك أظهر البشر به، وعلم أنّه قد خدع، واحترز على نفسه، وثار من حلب هو وفارس الدين البكي و [سيف الدين] عزاز (2) إلى حمص، وعليها الأمير قبجق نائب دمشق، وتحالفوا. ورحلوا في ليلة الثلاثاء ثامن ربيع الآخر منها، ومضوا إلى القان محمود غازان.
فأكرمهم وأنعم عليهم، وسار بهم إلى بلاد الشام،
(1) الدرر 1/ 482 (1305)؛ السلوك 1/ 957؛ المنهل 3/ 401 (681)؛ أعيان العصر 1/ 702 (404).
(2)
الزيادة من السلوك 1/ 854. وفي إحدى نسخ الدرر:
غراز، ولم نجده.
وهزم عساكر مصر في ثامن عشرين ربيع الأوّل سنة تسع وتسعين، وولّى بكتمر هذا حلب وحماة وحمص وعاد إلى بلاده.
فأقام بكتمر وقبجق والبكي بدمشق، ثم ساروا يريدون مصر وقد عادوا إلى الطاعة، فلقوا السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون على منزلة الصالحيّة في عاشر شعبان، فأكرمهم وعاد بهم إلى قلعة الجبل وأجرى عليهم ما يليق بهم.
ثمّ أنعم عليه بإمرة مائة تقدمة ألف بديار مصر، فلزم الخدمة حتى مات في [
…
] سنة ثلاث وسبعمائة.
وكان من أكابر الأمراء وفرسانها وشجعانها، مشهورا بالإقدام في الحروب، حسن الشكل، قويّا إلى الغاية، يرمي على ستّة وخمسين رطلا بالدمشقيّ (1)، مع خفّة روح وبشاشة وجه ومحبّة في الطرب ورغبة في السماع والرقص ومعاناة الظّرف، وليس الكامليّات والتبسّط في المطاعم الفاخرة، وكثرة الإكرام والإحسان، بحيث إنّه وشي إليه بكاتبه شرف الدين [
…
] المعروف بكاتب النطرون أنّه يفسد مماليكه بشرب الخمر وسعة العطاء، وأنّه أخذ مركبا فيها ستّمائة إردبّ قمحا عند وصولها من بلاد الصعيد إلى الشونة، وباعها وأخذ ثمنها لنفسه. فاستدعاه وأحضر من حاققه على ذلك. فلم يزد الكاتب على أن نظر إليه طويلا وتبسّم، وقال: يا متعوس، والله لقد رافعت وحش. ويلك! أحد يسرق ستّمائة إردبّ
ويوسّخ عرضه! ليتك قلت: ألف إردبّ أو ألفين- وولّى قفاه وانصرف وهو يضحك، والأمير أيضا يضحك. فقيل له: إيش قال الكاتب حتى تركته؟
فقال: بلغني أنّه رجل كريم معطاء لا يبقي على شيء. فإن كان ما نقل عنه صحيحا فقد أتلفه وأكل به وشرب، وذهب ولم يبق معه شيء، فلا نحصل منه إلّا على شناعة نقيمها على أنفسنا.
ولمّا انسحب إلى بلاد الشرق لم يخدم هذا الكاتب بعده أحدا حتى عاد. فشكر له ذلك. وأقام سنة يتناول ما رتّب باسمه على الحوائج خاناه السلطانيّة من اللحم والكماج (2) والسكّر والتوابل ونحو ذلك من غير أن يطلع الأمير عليه، ويستهلكه في ملاذّه إلى [257 أ] أن حضر الأمير يوما عند الأمير سلّار نائب السلطنة، وقد حضر الأمير بيبرس الجاشنكير الأستادار والأمراء لأكل طعامه. فأخذ يعتبهم ويقول: إي والله يا أمراء، أنتم تشبعوا اللحم ونحن نشتريه وما نشبع منه!
فأنكر الأمراء هذا إنكارا عظيما وشقّ عليهم سماعه. وقال له الأمير بيبرس: لم تقول هذا يا أمير؟ إن كان راتبك ما يكفي نزيده.
فقال: ومن له عندكم راتب؟ من يوم حضرت ما رأيت راتبا ولا غيره.
فظنّ بيبرس أنّ راتبه لم يصل إليه وخجل. فلمّا انفضّوا من عند النائب استدعى ديوان البيوت وهمّ أن يوقع بهم. فعرّفوه أنّ الراتب مصروف باسمه إلى آخر يومه على يد كاتبه ما بين لحم وتوابل وجرايات وعليق. وكتبوا ذلك في قائمة، وبعثها إليه.
وان بكتمر لمّا وصل إلى بيته طلب كاتبه وذكر له ما وقع، فتبسّم وقال: والله يا خوند لقد أخجلتهم- ووقف قدّامه قليلا وخرج، فإذا بنقيب
(1) رطل دمشق: 2124 أو 1850 غراما والمقصود أنّ بكتمر قويّ العضلات يرمي عن قوس زنتها بين 103 و 119 كيلو. وقد مرّ في ترجمة أنصر (2/ 170 هـ 3) أنّ هذا الملك يرمي عن قوس تزن 180 رطلا مصريّا أي 93 كيلو. وانظر أيضا 173 هـ 2. وخفّف ابن حجر: الدرر 1/ 483 إلى 36 رطلا. ونتساءل: ما علاقة وزن القوس بإصابة المرمى؟
(2)
الكماج: الخبز الأبيض أو الدقيق الرطب (دوزي).