الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقبجك (1) في جماعة. وعادوا مع الملك المنصور إلى مصر. فردّ على أيتمش إقطاعه وهو ناحية ناي وطنان (2) وجعله أمير مائة فارس كما كان، وذلك في السبت آخر شعبان سنة ثمانين وستّمائة بحكم ارتجاعه عن الأمير أيبك الأفرم، وأعيد إلى الأفرم إقطاعه القديم ممّن هو بيده.
ثم قبض عليه في يوم الاثنين خامس ذي القعدة منها وعلى الهارونيّ وغيره، واعتقلوا. فمات أيتمش في معتقله آخر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وستّمائة.
867 - أيتمش المحمّدي [- 736]
(3)
أيتمش المحمّدي، الأمير سيف الدين، أحد المماليك المنصورية قلاوون، ثم صار إلى ابنه الملك الناصر محمد بن قلاوون فخدمه.
وخرج معه إلى الكرك في سنة ثمان وسبعمائة فرتّبه بالقلعة ومعه أخوه أرقطاي وأرغون الدوادار، إلى أن تحرّك في طلب الملك [ف] بعثه إلىدمشق بلطفين (4)، أحدهما إلى الأمير قطلوبك المنصوريّ، والآخر إلى الأمير بكتمر الحساميّ الحاجب.
فنزل ليلا على أحد مماليك قطلوبك وأعلمه بما قدم فيه لثقته به. فلمّا أعلم أستاذه عزم على قبض أيتمش وحمله إلى أقّوش الأفرم نائب الشام.
فأوقف أيتمش على هذا وأمكنه من النجاة بنفسه، فطرق الأمير بهادر آص في الليل وحدّثه بخبره وما
عزم عليه قطلوبك. فأمّنه وأنزله عنده وقام بواجب حقّه. وأركبه معه بكرة إلى الخدمة، فإذا بقطلوبك قد أعلم النائب [231 ب] بأنّ قاصد الملك الناصر حضر إليه في الليل وأنّ مملوكه هرّبه. فاستدعى الوالي وألزمه بالفحص عنه وإحضاره وهدّده إن لم يحضره بالقتل. فقال بهادر آص: ما نحتاج إلى هذا، فإنّه قد جاءني القاصد وأعلمني أنّ معه مشافهة لا يقولها إلّا لمولانا ملك الأمراء بحضرة الأمراء، وقد أحضرته معي- وأشار إلى أيتمش.
فتقدّم وسلّم عليهم من قبل الملك الناصر وبلّغهم ما كان فيه من الحجر عليه حتى ترك السلطنة، وما يريده منه الملك المظفّر [247 ب] وأنّه يريد المسير إلى الشام، ويريد أن يعلم من يمنعه منكم.
فغضب النائب وأمر به فقبض عليه ووكّل به إلى الليل، وأحضره وأعطاه ذهبا وأعاده إلى الكرك.
فأخرجه [الناصر] ثانيا ومعه الملطّفات فقدم حماة على الأمير قبجق فاعتذر بأنّه مع قراسنقر نائب حلب حيث كان. فسار إلى حلب واجتمع بقراسنقر، فأكرمه وكتب جوابه بالسمع والطاعة، وأن تكون الحركة أوّل شعبان. فعاد إلى الكرك بأجوبة قبجق وأسندمر نائب طرابلس بمثل ذلك.
ثم خرج إلى صفد وبعث إلى الأمير ناصر الدين محمد بن بكتمر الجوكندار نائب صفد، وتلطّف به حتى اجتمع به سرّا والتزم له بأمر أبيه، وأخرجه ليلا في المقابر وأجاب إلى الطاعة كما أجاب غيره.
ثم توجّه إلى القدس واجتمع بالأمير كراي المنصوريّ، وأخذ جوابه بالحركة مع النوّاب، وعاد إلى الكرك.
فسار السلطان إلى دمشق واستخلفه على
(1) في المخطوط: يماجي، والإصلاح من السلوك 1/ 691.
(2)
السلوك 1/ 702 هامش 3 و 4.
(3)
الوافي 9/ 440 (4380) وهو أوتامش، الدرر 1/ 452 (1112)، المنهل 3/ 112 (559) وهو أوتامش أيضا، النجوم 9/ 310، السلوك 2/ 405.
(4)
اللطف بفتحتين ج ألطاف: الهديّة.
الكرك. فلم يزل على نيابتها إلى أن قبض السلطان على الأمير بكتمر الجوكندار نائب السلطنة وبعثه ليسجن بالكرك. [ف] خاف من أيتمش أن يتّفق معه. فإنّه كان خوشداشه ومؤاخيا له. فصرفه عن نيابة الكرك بالأمير بغا الأشرفيّ، وأحضره إلى مصر في أثناء سنة إحدى عشرة وخلع عليه وصار من أكابر أمراء مصر. فلمّا توجّه السلطان إلى دمشق في سنة اثنتي عشرة وحجّ منها، استخلفه بقلعة الجبل. فسار في مدّة غيبة السلطان سيرة جميلة [و] هابه الناس مهابة زائدة، ومنع الأكابر من النخوة إلى أن قدم السلطان.
ثم أخرجه على عسكر إلى الحجاز في سنة ثماني عشرة، وكانت له حروب مع الشريف حميضة بن أبي نمي أمير مكّة والشريف ودّي أمير المدينة قد ذكرت في ترجمتي حميضة ومنصور بن جماز (1).
ثم أخرجه في آخر المحرّم سنة تسع عشرة إلى برقة، ومعه من الأمراء بلبان الخاصّ تركيّ وبلبان الحسنيّ وسنقر المرزوقي وصمغار بن سنقر الأشقر ومنكلي الجمدار وغرلوا الجكندار ونوغاي، وثلاثمائة فارس من أجناد الحلقة.
وسبب ذلك أنّ قائدا وسليمان، من أمراء عرب برقة، وصفا للسلطان فرسين عند جعفر بن عمر وبالغا في مدحهما فكتب يطلبهما منه، فأنكرهما.
فأخذ قائد وسليمان يوحشان ما بينه وبين السلطان ويتّهمانه بالعصيان والامتناع من إعطاء زكاة غنمه، وأنّه كثير [248 أ] الغارات على عربان الطاعة، ونحو هذا القول، إلى أن جرّد أيتمش على من تقدّم ذكره. وأخرج معه قايدا وسليمان، وكتب لعربان برقة بالركوب معه.
فسار إلى الإسكندريّة، وتوجّه منها بعد ما أحضر إليه سرّا من يخبر الطريق ليسير به على غير الجادّة حتى يطرق العرب بغتة. وكانت الجادّة مسافتها إليهم نحو الشهرين. فدلّه على طريق توصله في ثلاثة عشر يوما، بعد ما شرط عليه أن يأخذ منه مائة دينار ويخلص له بعد عوده من السلطان إقطاعا ليقيم بالبحيرة فدفع إليه المائة الدينار والتزم بالإقطاع، وأخذ يسير بالعسكر.
فأنكر قائد وسليمان سلوك العسكر في غير الجادّة وأرادوا [من] الأمير أيتمش أن يرجع عن طريقه التي هو فيها [232 أ] ويسلك الجادّة، وخوّفوا عاقبتها. فلم يرجع إليها ومضى والعساكر تتبعه حتى أشرف على منازل جعفر بن عمر بعد ثلاثة عشر يوما، وهم في غفلة لا علم لهم بالعسكر، فبهتوا عند رؤية الخيل. ووقف أيتمش وبعث إليهم يدعوهم إلى الطاعة. فبعث جعفر إليه بأنّا في طاعة السلطان، ونريد أن نعرف ما الذي أوجب مسيركم إلينا؟
فأعادهم بأنّ معي مرسوم السلطان، فليحضر جعفر ليسمع ما فيه.
فواعدوه الغد، فبات أيتمش ليلته على ظهر فرسه هو ومن معه حتى أصبح. وأتاه أخو جعفر وأكابر قومه. فأبى إلّا حضور جعفر. فامتنع من الحضور وقال: أبعث بالفرسين وغيرهما للسلطان، وكان قايد وسليمان قد عرّفاه أنّ الغرض إرسال الفرسين وتكفّلا له برجوع العسكر ووافقاه أن يكونا معه يدا واحدة.
فبعث يستنجد العربان فأتته طوائف طوائف، فراب أيتمش توارد العرب شيئا بعد شيء. فبادر إلى لبس السلاح وألبس أصحابه ومنع العرب أن تركب معه، واختار من الأجناد مائة وخمسين راميا قدّمهم أمامه ووصّاهم أن لا يسوقوا ولا
(1) ترجمة حميضة رقم 1311 ج 3، أما ترجمة منصور فمفقودة.
يسرعوا في السير حتى تحمل العرب برمّتها عليهم، فحينئذ يكون الرمي عليهم من غير أن يحملوا على العرب، بل يستقرّ كلّ واحد من العسكر في موضعه. وركب ساقة العسكر وأفرد العرب ناحية وحرّك الطبول، فحملت عرب جعفر على العسكر حملة واحدة برماح فيها ما يبلغ طوله ثمانية أذرع وسنانه قدر الذراع ونصف، فرشقهم العسكر بالنشّاب، وأصيب غرلوا (1)[248 ب] وسقط عن فرسه فتلاحقوا به وأركبوه. فلم تثبت العرب للسهام ورجعت. ثم حملت حملة ثانية ثم أخرى حتى تمّ لهم سبع حملات، وهم ينهزمون فيها. ووصل العسكر إلى بيوتهم فإذا هي في جزيرة كلّها غابة أشجار، فقاتلوا عند البيوت قتالا عظيما حتى انهزموا إلى الجزيرة. فمنع أيتمش العسكر من اقتحامها عليهم وحمى حريمهم من النّهب ونادى: من تعرّض لنهب بيت شعراء ودخل إليه قتل- ونادى بنهب الأغنام والجمال خاصّة، فاشتغل العسكر بها وظفروا منها بما لا يدخل تحت حصر، فكان الواحد يسوق المائة وفوقها ويترك أضعاف ما أخذ.
واقتحم بعض الغلمان بيوت العرب فصاحت النسوان، فأخرج أيتمش الغلمان وقطع أيدي عدّة منهم وسقّ أنوف جماعة وقطع أعصاب طائفة، فلم يجسر أحد بعدها [أن] يدنو من الحريم. وبات العسكر على غاية التيقّظ والاحتراس.
فلمّا أصبح سار عائدا ومعه ستّمائة من الأسرى بعد ما قتل عددا كثيرا في الحرب. فعرضهم وعفا عنهم. وافتقد عسكره فوجد فيهم اثني عشر قد جرحوا وقتل منهم فارس واحد. وحاز العسكر مالا عظيما حتى أبيع الجمل من عشرين إلى ثلاثين درهما والرأس الغنم بدرهم، ولم يبق للصوف
والسمن قيمة من كثرته.
واستمرّ ستّة أيام بالسلاح، وبعث بالبشارة إلى السلطان، فبعث للقائه الأمير الجاي الساقي فأخذ خمس ما مع العسكر من المال للسلطان، وفرّق ما بقي في العسكر فجاء نصيب الواحد ما بين أربعة جمال إلى خمسة، وما بين عشرين رأسا من الغنم إلى ثلاثين. وعاد أيتمش بمن معه إلى القاهرة فشكره السلطان وخلع عليه.
ثم بعثه إلى القان أبي سعيد بن خربندا في سنة اثنتين وعشرين، وعلى يده هدايا جليلة ليعقد الصلح بينه وبين أبي سعيد. وأنعم عليه بألفي دينار، فسار بتجمّل لم يسر بمثله أحد ممّن توجّه في الرسالة إلى الشرق من مصر، فما ترك أحدا من مماليكه حتى عمل له الكلفتاه زركش والقبا بطراز ذهب [232 ب] وشبه ذلك من الخيل والعدد فإنّه كان كبير الهمّة عارفا كريما.
فلمّا قدم ماردين تلقّاه صاحبها وأكرمه وبعث إليه التقادم، فلم يقبل منه إلّا يسيرا، وحمل إليه الهديّة السلطانيّة ومعها تقدمة (2) من جهته. فأركبهعند فراقه فرسا وقاد معه بغلا وهجينا (3). فلم يبعد عن [249 أ] ماردين غير قليل حتى تلقّاه بعض أمراء أبي سعيد بالإقامات إلى أن قدم توريز. [ف] ركب الوزير خواجا علي شاه ومعه المجد محمد السلاميّ (4) إلى لقائه، فأكرمه وجهّزه إلى الأردو.
فأجلّ القان أبو سعيد قدره وناوله الهنّاب (5)
(1) شجاع الدين غرلوا الجوكندار. السلوك 1/ 192.
(2)
التقادم: الهدايا.
(3)
الهجين: مركوب من الإبل.
(4)
مرّت ترجمة المجد [إسماعيل بن] محمد السلامي ص 181 رقم 781 (ت 743) وهو من أكابر تجّار الخاصّ أي الرقيق الأتراك.
(5)
الهنّاب: القدح من الشراب، ولعلّ الكلمة انتقلت إلى اللغات الغربية فيقال في الفرنسيّة مثلا) Hanap وانظر دوزي في المادّة).
[ب] المشروب من يده ليشرب، وهذه أعظم كرامة عندهم. فامتنع من شرب الخمر، واعتذر بأنّه حجّ فأعفاه. وبلّغ رسالة السلطان ودفع إليه كتابه.
فأنزله ورتّب له في كلّ يوم ستّين رأسا من الغنم.
وأعجب به أهل الأردو وبمن معه لحسن زيّهم، وحلّ عندهم محلّا رفيعا، فإنّ [هـ] كان من خالص جنس المغل عارفا بلغتهم منزلته من الترك منزلة النحويّ بين العامّة، ويكتب كتابة فائقة الحسن، فلم يبق أحد فيهم من الأمراء إلّا وأضافه، فما أضافه منهم أحد إلّا وقدّم له تقدمة تليق به. وفرّق راتبه في فقرائهم، وتقدّم إلى جميع من معه أن يعفّوا عن الفواحش. فتيسّر على يده ما أراده السلطان من الصلح، وصعد الخطيب في يوم الجمعة منبر توريز ودعا للسلطان الملك الناصر بعد القان وحثّ على الصلح ورغّب المغل في الإسلام وعرّفهم أنّ المملكتين صارتا مملكة واحدة.
فلمّا تهيّأ سفره حلف أبو سعيد والأمير جوبان والوزير علي شاه على ما تقرّر وكتبت نسخة اليمين، وغمره بالإنعام وسفّره. فقدم إلى مصر وأحضر إلى السلطان ما حصل له وهو نحو المائتي ألف درهم سوى القماش. وقدّم من عنده لؤلؤا اشتراه بأربعين ألف درهم قوّم بمائة ألف، فأنعم السلطان عليه بذلك كلّه. فأقسم بالأيمان الحرجة أنّه لا بدّ من قبول السلطان لذلك جميعه. فحمل إلى الخزانة. وأنعم عليه بمائة ألف درهم، وقدّم له كريم الدين الكبير عشرين ألف درهم.
فقدم عقيب ذلك رسول أبي سعيد لتحليف السلطان في رابع عشر جمادى الآخرة منها، فحلف له. ثمّ سار في سابع جمادى الأولى سنة ستّ وعشرين في الرسالة لأبي سعيد وعلى يده هدايا جليلة، وقدم يوم الثلاثاء ثامن عشرين شعبان وقد قضى المهمّات السلطانيّة فأكرمه السلطان ورفع محلّه.
وتوجّه أيضا وعاد يوم الأحد رابع عشرين المحرّم سنة تسع وعشرين، وتوجّه إلى مكة على عسكر للنصف من صفر سنة إحدى وثلاثين لمحاربة الشريف رميثة بن أبي نمي، فقدم مكّة وقد خرج منها رميثة وجمع عربانه [249 ب] يريد الحرب، فتلطّف به أيتمش، وبعث إليه عشرة أحمال ما بين دقيق وبشماط (1) وشعير، وخمسة آلاف درهم، حتى قدم إليه طائعا ولبس تشريف السلطان واستقرّ في إمارة مكّة. وقصد أن يقدّم لأيتمش ومن معه من العسكر تقادم فلم يمكّنه أيتمش من ذلك. وعاد بمن معه فقدم القاهرة في سابع جمادى الآخرة، وقد كانت مدّة غيبته أربعة أشهر تنقص ثمانية أيّام.
ثم خرج لنيابة صفد عوضا عن الأمير [233 أ] أرقطاي في [
…
] سنة ستّ وثلاثين، وكان قد اعتراه مرض الفالج مدّة سنة وصار إذا دخل الخدمة السلطانيّة يتوكّأ على عصا ليتوفّر عليه حضور الخدمة. ونقل أرقطاي إلى مصر على إقطاع أيتمش وتقدمته. وأحسن أيتمش السيرة في أهل صفد، فلم تطل بها أيّامه ومات في السنة المذكورة (2) [
…
] فولي بعده نيابة صفد الأمير طشتمر حمّص أخضر.
وكان أيتمش ططريّ (3) الجنس عارفا بلسان المغل جيّد الخطّ به. وذلك هو سبب سعادته: فإنّ العادل كتبغا لمّا عرض المماليك أعجب بكلامه وجودة خطّه بالمغليّ فزاد في جامكيّته (4)، واتّفق
(1) البشماط: كعك غير محشوّ.
(2)
السلوك 2/ 405: في 13 ذي القعدة.
(3)
هكذا بطاءين.
(4)
الجامكيّة: الراتب.