الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج من القاهرة، وعمل عوضه أمير أخور علم الدين سنجر الصالحيّ. فاستقرّ [247 ب] حاجبا بدمشق إلى أن أفرج عن الأمير سيف الدين الحاج بهادر الحلبيّ الظاهريّ (1). وأخرج إلى دمشق على إقطاع قيران (2) شادّ الدواوين، واستقرّ حاجبا بها عوضا عن بكتمر، ونقل بكتمر من الحجوبيّة إلى شدّ الدواوين في سنة خمس وسبعمائة، فباشر الشدّ إلى ثامن عشرين ذي الحجّة سنة ستّ. ثمّ نقل منه إلى الحجوبيّة وولي الشدّ عوضه آقوش الرستميّ والي الولاة.
فلم يزل إلى أن تسلطن الملك المظفّر بيبرس، وتحرّك الملك الناصر من الكرك إلى دمشق، فدخل بكتمر في طاعته وسار معه إلى مصر.
فولّاه السلطان نيابة غزّة في سابع عشرين المحرّم سنة عشر وسبعمائة وتوجّه إليها.
ثمّ صرف عنها بقطلقتمر في سابع عشرين [
…
] (3)، وقدم إلى القاهرة فولي الوزارة [عوضا] عن الصاحب فخر الدين عمر ابن الخليليّ في [11 رمضان 710](4).
ثم صرف بأمين الملك عبد الله بن الغنّام في سادس ربيع الآخر سنة إحدى عشرة [وسبعمائة] وعمل حاجبا.
ثمّ قبض عليه في أوّل يوم من ربيع الأوّل سنة خمس عشرة وسجن وأخذ له عشرون ألف دينار وخمسمائة ألف درهم وغلال وقنود وغيرها، تتمّة مائة ألف دينار.
فلم يزل في الاعتقال وهو مكرّم إلى أن أفرج عنه في يوم الخميس ثالث عشر شوّال سنة ستّ عشرة، فكانت مدّة سجنه تسعة عشر شهرا وأيّاما.
فأنعم عليه بنيابة صفد عوضا عن بلبان البدري، وأنعم عليه بمائة ألف درهم. فسار إليها وأقام بها إلى أن صرف بطغاي الحساميّ الكبير. فقدم إلى القاهرة في سادس عشر صفر سنة ثماني (5)[289 ب] عشرة، وأنعم عليه بتقدمة ألف، وجلس معه أمراء المشورة، حتى مات في يوم [الأربعاء حادي عشرين ربيع الآخر] سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.
939 - بكتمر الساقي [- 733]
(6)
[290 أ] بكتمر الساقي، الأمير سيف الدين المظفّريّ، أحد مماليك المظفّر ركن الدين يبيرس الجاشنكير.
ربّاه صغيرا وعرف عنده بمملوك قزمان. ثم أنعم عليه بإمرة في أوّل يوم من شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة في جملة من أنعم عليه [م]، وهم سبعة وعشرون أميرا، ولبسوا الخلع جميعا، وشقّوا القاهرة على العادة التي كانت إذ ذاك، فسخر العامّة بهم وقالوا: يا فرحة لا تمّت! - وذلك أنّ المظفّر كانت أحوال دولته قد اختلّت بقوّة الملك الناصر محمد بن قلاوون وتحرّكه من الكرك لارتجاع ملكه.
وكان كذلك، وفرّ المظفّر في سادس عشره وبعث بمن معه من المماليك. فاختصّ السلطان
(1) السلوك 2/ 17.
(2)
قيران شادّ الدواوين (ت 708 أو 709): أعيان العصر 4/ 141 (1390). الدرر الكامنة 2/ 259 (664).
وانظر ص 289 الآتية.
(3)
لم يذكر المقريزيّ الشهر في السلوك أيضا ج 2/ 89.
(4)
الإكمال من السلوك 2/ 89.
(5)
في المخطوط: ثمان. والإصلاح من السلوك 2/ 314؛ والنجوم 9/ 277.
(6)
أعيان العصر 1/ 709 (407)؛ الوافي 10/ 193 (4677)؛ الدرر 2/ 19 (1308)؛ المنهل 3/ 390 (678)؛ بدائع الزهور 1/ 464؛ تذكرة النبيه 2/ 235؛ السلوك 2/ 364؛ النجوم 9/ 300.
منهم بكتمر هذا في جماعة، وأثبت عند القضاة أنّ سائر مماليك سلّار وبيبرس اشتروا من بيت المال.
فلمّا ثبت ذلك أعتق بكتمر فيمن أعتق، وجعله ساقيا.
وكان غريبا في بيت السلطان ليس له خشداشيّة، فكان هو وحده، وسائر الخاصّكيّة حزبا عليه.
وعظمت مكانته عند السلطان وزادت محبّته له، وأكثر من الإنعام عليه، وبالغ في تقريبه ورفعة قدره. وقدمت عليه أمّه في سنة ستّ عشرة [وسبعمائة]، فبالغ السلطان في إكرامها والإنعام إليها، وكتب إلى الأمير جوبان وخواجا علي شاه وحكّام دولة بو سعيد ملك العراقين بتجهيز بقيّة أهل بكتمر، وكتب أسماءهم وأماكنهم.
وأقبل السلطان بكلّيته عليه، وشغله حبّه له عن غيره من الخاصّكيّة حتى إنّه وعك جسمه مرّة فمرّضه بنفسه، وصار لا يفارقه ساعة واحدة، ويسقيه الشراب ونحوه من الأدوية بيده، ويجلسه معه على الكرسيّ. وإذا قام للضرورة أمره أن يستمرّ جالسا فوق كرسيّ المملكة ولا ينزل عنه حتّى يعود.
ولمّا مات طغاي الكبير، وكان الأمير تنكز نائب الشام منتميا إليه، قال السلطان لتنكز: خلّ بكتمر يكون أخاك عوض طغاي واكتب إليه بما يريد.
ولمّا استحقّ ولده الختانة عمل له السلطان مهمّا عظيما، وختن معه عدّة من أولاد الأمراء في سنة ثنتي وعشرين، وأقامت الأفراح أربعة [258 أ] أيّام. فبلغ ما رماه الأمراء في طشت ابن بكتمر الذي ختن فيه أربعة آلاف وأربعمائة دينار وعشرين دينارا، وما وقع في طشت ابن الأمير طشتمر حمّص أخضر ثلاثة آلاف دينار تنيف قليلا، وفي طشت [ابن] الأمير منكلي بغا الفخريّ نحو الألفين وثمانمائة دينار. وأخذ ذلك جميعه الذي ختنهم.
وفي ليلة الجمعة ثالث عشر ذي الحجّة سنة سبع وعشرين عقد الأمير أحمد بن بكتمر السّاقي على قطلو ملك ابنة الأمير تنكز نائب الشام، بإشارة السلطان، وعمل لها مهمّا مدّة سبعة أيّام ذبح فيه خمسة آلاف رأس من الضأن، ومائة بقرة، وخمسون فرسا. وناب المغاني عشرة آلاف دينار.
وخلع على جميع [290 ب] أرباب الوظائف، وعلى نائب الشام، قام بذلك كلّه السلطان (1).
ثمّ توجّه في ركاب السلطان إلى الحجاز في خامس عشر من شوّال سنة اثنتين وثلاثين. فبلغ السلطان عنه أثناء طريقه أنّه قد وافق جماعة من المماليك السلطانيّة على قتله وأخذه الملك لنفسه. فهمّ بالعود إلى مصر وقد تزايد قلقه. ثمّ مضى وهو في غاية القلق حتى نزل خليص (2)[ف] فرّ نحو ثلاثين مملوكا إلى جهة العراق، فكثر توهّمه من بكتمر وأخذ يداهنه ويلطف بملازمته حتى لم يجد بكتمر فراغا من السلطان أن يجتمع بأهله: فإنّه كان إذا ركب أخذه بجانبه في مدّة سيره، فإذا نزل جلس معه ولا يدعه لحظة واحدة، حتى إنّ الأمير جنكلي ابن البابا بعث بابنه ناصر الدين محمد إلى الأمير بكتمر في حاجة عنّت له، فأقام نحو عشرة أيام يتردّد إلى مخيّمه وهو لا يجده، ثمّ آخر أمره أنّه وحده وقد خرج من عند السلطان فسلّم عليه وأخذ يحادثه، فقال له: دعني حتى أقضي شغلا، وأسمع حديثك- ثمّ دخل الخلاء في خيمة وخرج ليجلس، وإذا بجمدار
(1) يبدو أنّ عقد ابن بكتمر وافق بناء قوصون ببنت السلطان، والحفل واحد؛ السلوك 2/ 289.
(2)
خليص: بين مكّة والمدينة.
بعث به السلطان في طلبه فأخذ يتوضّأ والجمداريّة تتوالى عليه، فلم يفرغ من وضوءه حتى صار عنده اثنا عشر جمدارا ما منهم إلّا من يستعجله، فقام يمشي وهو يقول: اللهمّ، أرحني بالموت حتى أستريح ممّا أنا فيه! - ولم يتّسع له وقت لسماع كلام ابن البابا حتى دخل على السلطان.
فلمّا انقضى موسم الحجّ وعاد السلطان من مكّة ونزل المدينة النبويّة، هبّت في الليل ريح عاصفة أظلم منها الجوّ وأتلفت (1) جميع الخيم، وكثر انزعاج الناس واختبطوا، وصار كلّ أحد لا يهتدي إلى خيمته ويهجم على موضع غير موضعه لشدّة الظلمة وقوّة الرياح. واجتمع المماليك والأمراء حول دهليز السلطان وقد اشتدّ خوفه أن يغتال في تلك الليلة. واتّفق مع ذلك هجوم جماعة على أمير أحمد بن بكتمر تريد قتله- فاتّهم السلطان بأنّه ندبهم لذلك- فلم يتمكّنوا منه، ورعب منهم وغشي عليه.
ثمّ وقع الرحيل من المدينة، وبكتمر على عادته مساير السلطان بجانبه، حتى وصلا بئر عليّ.
[ف] وجد أحمد بن بكتمر في نفسه ألما تزايد به إلى أن مات بوادي عنتر. ثمّ مات بعده أبوه بكتمر بثلاثة أيّام، فاتّهم السلطان أنّه سمّهما. فحملا ودفنا بعيون القصب (2)[291 أ]. وكان يوما مهولا، خرجت فيه أمّ ولد بكتمر بسببه (3) وصاحت على السلطان بأعلى صوتها: يا ظالم، أين تروح من الله؟ ولدي وزوجي! زوجي كان مملوكك، ولدي، إيش كان بينك وبينه؟ - وكرّرت ذلك حتى
سمعها الأمراء، وهو معرض عنها. وذلك في يوم [الجمعة عاشر المحرّم سنة 733](4). ثمّ نقلا حتى دفنا بتربة بكتمر من القرافة، وعمل اجتماع بها مدّة سبع ليال يقرأ فيها القرآن، واحتفلت زوجته فيها احتفالا زائدا وتصدّقت بمبلغ ثلاثين ألف درهم. فرأى الشيخ زادة، شيخ خانكاه بكتمر في منامه آخر هذه الليالي السبع كأنّ بكتمر السّاقي على عادته في مكانه الذي كان يجلس فيه إذا جاء لزيارته، وعلى يمينه ابنه أحمد، وهو يقول: يا شيخ، كنت في مكان موحش، فسألت الله تعالى أن يخلّصني منه حتى أجيء وأصلّي معكم وتدعو لي.
وكان بكتمر قد حظي عند [258 ب] السلطان حظوة ما نالها أحد غيره، وعظم شأنه، وصار هو الدولة لا يكاد السلطان يفارقه، إمّا أن يكون بكتمر عنده، أو يكون هو في بيت بكتمر. وأكثر أكله في بيت بكتمر ممّا تطبخه له أمّ أحمد بن بكتمر في قدر فضّة، وينام عندهم حتى ظنّ جماعة أن أحمد ابن السلطان، ممّا يحبّه ويقبّله ويحمله. فشهر ذكر بكتمر بحيث كان لا يهدى إلى السلطان شيء إلّا ويهدى لبكتمر مثله، وغالب ما يحمل إلى السلطان يكون لبكتمر فعظمت أمواله.
وكان يجمع خصالا حميدة، ولم يعارض السلطان في أمر من الأمور، وإذا أراد منه أمرا تلطّف فيه حتى يقضيه له. وكان السلطان يرجع إلى رأيه ويميل حيث مال.
وكان يلاطف الأمراء ويكثر من الإنعام عليهم وعلى من دونهم حتى ملك حاشية السلطان بإحسانه إليهم. وبلغ من السعادة مبلغا لم يحصل لأحد من أقرانه، وحملت إليه أمّه وإخوته وكثير
(1) في المخطوط: وألف.
(2)
عيون القصب بين العقبة والمويلح على مقربة من ساحل البحر الأحمر و 80 ميلا من المويلح؛ النجوم 9/ 105 هامش 2.
(3)
قراءة ظنية.
(4)
الإكمال من السلوك 2/ 364؛ والنجوم 9/ 105.