الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاهرة لنيابة الصّلت (1) والبلقاء، فباشرها بعسف ومهابة حتى مهّدها.
ومات سنة سبعمائة.
812 - آقّوش الشمسيّ [- 679]
(2)
[209 أ] آقوش الشمسيّ، الأمير جمال الدين، أحد المماليك [
…
].
واستقرّ في نيابة حلب لمّا قام قلاوون بتدبير الدولة مع سلامش ابن الظاهر في تاسع رجب سنة ثمان وسبعين وستّمائة، فباشرها بحرمة وافرة إلى أن مات بها في أوائل سنة تسع وسبعين وستّمائة، فولي بعده نيابة حلب سنجر الباشقردي.
813 - آقوش الغتميّ [- 690]
(3)
[209 أ] آقوش الغتميّ، الأمير جمال الدين (4)، أحد أمراء مصر. مات شهيدا على عكّا وقت فتحها في جمادى الأولى سنة تسعين وستّمائة.
814 - آقوش نميلة [- 693]
(5)
[209 أ] آقوش الموصليّ، الأمير جمال الدين، المعروف بآقوش نميلة.
كان من مماليك الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل. وقدم هو وجماعة من المواصلة
بعد قتل هولاكو لؤلؤ [ا] في سنة ثمان وخمسين وستّمائة، منهم آقوش الموصليّ قتّال السبع، وعزّ الدين أيبك الموصليّ نائب طرابلس، فخدموا في الدول [ة]، وترقّى آقّوش هذا إلى أن صار أمير طبلخاناه وأمير علم، وولي الحجوبيّة.
ووافق الأمير بيدرا على قتل الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وباشر قتله فيمن باشر. وكان أوّل من ظفر به من قتلة الأشرف، هو الأمير سيفالدين بهادر رأس نوبة، فضربت أعناقهما وألقيا [209 ب] في المجاير (6)، وذلك في العشرين من المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستّمائة.
815 - آقّوش المغيثي نائب البيرة [- 698]
(7)
[209 ب] آقوش المغيثي، الأمير جمال الدين، نائب البيرة، أحد المماليك سيف الدين سودي نائب حلب.
تنقّل في الخدم إلى أن صار حاجبا بحلب. ثمّ نقل بعد موت الأمير شرف الدين موسى إلى نيابة البيرة في جمادى الأولى سنة ستّ وخمسين وستّمائة، فأقام بها أربعين سنة.
ومات في سنة ثمان وتسعين وستّمائة.
816 - آقوش الأشرفيّ نائب الكرك [- 736]
(8)
[209 ب] آقوش الأشرفيّ، الأمير جمال الدين
(1) الصلت بالأردنّ على يوم من عجلون؛ السلوك 1/ 109 هامش 2.
(2)
الوافي 9/ 325 (4262)؛ المنهل الصافي 3/ 21 (513)؛ السلوك 1/ 684؛ النجوم 7/ 344.
(3)
السلوك 1/ 765.
(4)
في السلوك: سيف الدين.
(5)
السلوك 1/ 795.
(6)
المجاير: لعلّها الجيّارات، أي أفران الكلس والجير، أو مقاطع الحجر الذي يصنع منه الجير.
(7)
السلوك 1/ 879، وبيرة تقع بين القدس ونابلس (ياقوت) فالهمزة واللام للتعريف.
(8)
الخطط 2/ 55، السلوك 2/ 405، الوافي 9/ 336 (4267)، وأعيان العصر 1/ 578 (314)، الدرر رقم 1023، النجوم 9/ 310، المنهل 3/ 27 (518).
المعروف بنائب الكرك- ويلقّب البرناق لكبر أنفه- أحد المماليك المنصوريّة قلاوون.
ترقّى في خدمته إلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة في سنة خمس وثمانين وستّمائة، وجعله أستادار ابنه الملك الأشرف خليل، وابن الخليليّ ناظر ديوانه. فاستمرّ على ذلك إلى أن مات الملك المنصور وقام من بعده الأشرف خليل، فولّاه نيابة الكرك عوضا عن بيبرس الدوادار في ربيع الآخر سنة تسعين وستّمائة، وهو على حصار عكّا، وأنعم عليه بإمرة مائة فارس ودار طبلخاناته بين الخيم [
…
].
فأقام في نيابة الكرك إلى أن قدم إليها الملك الناصر محمد بن قلاوون في شوّال سنة ثمان وسبعمائة فقام بخدمته. فاحتال عليه حتى صيّره إلى مصر، فأنعم عليه الملك المظفّر بيبرس بإقطاع بتخاص (1) المنتقل إلى إقطاع برلغي الأشرفيّ بحكم أنّه انتقل إلى إقطاع بيبرس قبل السلطنة.
فلم يزل بمصر إلى أن زالت أيّام المظفّر وعاد الملك الناصر إلى السلطنة مرّة ثانية فأقرّه على حاله.
ثمّ بعثه نائب السلطنة بدمشق عوضا عن كراي المنصوريّ بعد ما خلع في مستهلّ جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وسبعمائة وكتب على يده مسموحا (2) لأهل دمشق بما كان قرّره عليهم كراي، فسرّ الناس به.
ولم يزل إلى أن قدم عليه سودي نائب حلب في ربيع الأوّل سنة اثنتي عشرة فتلقّاه وقام له بما يجب. وعند وداعه لمسيره إلى حلب ناوله ملطفا
سلطانيّا، فإذا فيه تشوّق السلطان إليه، وأنّه ما هان عليه غيبته عنه، ويستدعيه الحضور.
فبادر وركب في ثلاثة مماليك من غير أن يعلم به أحد من أمراء دمشق. وساق البريد إلى مصر، وصعد قلعة الجبل فأكرمه السلطان وخلع عليه، وجلس رأس الميمنة، والبوبكريّ رأس الميسرة.
وكان إذا دخلا إلى الخدمة قام لهما السلطان فيقبّلان له الأرض، ويجلس كلّ واحد منهما في رتبته، فاستمرّ ذلك أيّاما.
ثم قبض عليه في يوم الاثنين [210 أ] ثاني ربيع الآخر هو وبيبرس المنصوريّ نائب السلطنة، وسنقر الكماليّ، ولاجين الجاشنكير، وبينجار، والركن الأشرفيّ، ومغلطاي المسعوديّ، وسجنوا، وكان يوما مهولا، وولي الأمير تنكز نيابة دمشق عوضه. فلم يزل في السجن إلى أن أفرج عنه في ثامن عشرين شهر رجب سنة خمس عشرة وسبعمائة، وخلع عليه وأعطي [213 ب] إقطاع الأمير حسام الدين قرالاجين الأستادار بعد موته في ثالث عشر شعبان منها. واستمرّ بجلس رأس الميمنة، والأمير بكتمر البوبكري رأس الميسرة. فلمّا كانت سنة تسع عشرة استجدّ السلطان القيام من على كرسيّ السلطنة له وللبوبكري (3)، فكان نائب الكرك يتقدّم على البوبكريّ تأدّبا معه عند تقبيل يد السلطان فلا يسهل هذا بالأمراء لما يعلمو [ن] هـ من جلالة قدره وتقدّمه في الدولة، ويرون أنّ هذا من سلامة صدره وسذاجته. ثم سألوا السلطان عن ذلك لعلمهم أنّ العادة جرت أن يتأخّر الكبير في تقبيل يد السلطان ويتقدّمه الصغير، فكشف عن تاريخ ابتداء إمرتهما فوجد إمرة البوبكري بعده في سلطنة الملك الأشرف سنة تسعين وستّمائة.
(1) في مخطوطنا: بدخاص.
(2)
المسموح ما يعيّنه السلطان للأشخاص أو الجماعات من المال، السلوك 2/ 19 هامش 5.
(3)
النجوم 9/ 57.
ثم سار على العساكر من مصر وخرجت معه عساكر الشام إلى أياس (1) كرسيّ مملكة سيس فنازلها وقاتل أهلها برّا وبحرا ونصب عليها المجانيق حتى أخذها من الأرمن عنوة في حادي عشرين ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين، فوجد فيها ألفا وثمانمائة نول قزازة (2) وضمانها في كلّ يوم ألف دينار، فحاز العسكر فيها مالا كبيرا، وخرّب برجها وكان في غاية المنعة. ثم [أ] غاروا على بلاد تكفور (3) وغنموا مالا عظيما وعادوا إلى بلادهم، وقدم الأمير آقوش إلى القاهرة.
ثم خرج في ثاني صفر سنة اثنتين وعشرين، ومعه من الأمراء سنجر الجمقدار، وألماس الحاجب، وطرجي أمير مجلس، وأصلم السلاح دار، ومضى فيهم على عسكر لغزو سيس، فسار إلى دمشق، وخرجت معه عساكر بلاد الشام، فأغار على بلاد سيس وخرّب وغنم وقتل، وعاد في سابع عشرين جمادى الآخرة، فخلع عليه، وشكره السلطان على ما كان منه.
ثم ولّاه نظر المارستان المنصوريّ بعد القبض على كريم الدين الكبير عوضا عنه في ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين، فوجد فيه حاصلا أربعمائة ألف درهم وسكّرا وغيره من الأصناف بمائة ألف درهم، فلم يتعرّض للمال. واستجدّ قاعة بالمارستان للمرضى، ونحت [210 ب] جميع حجارة المارستان، والمدرسة والقبّة داخلا
وخارجا وعلوّا وسفلا، وأعاد ذهب الطّراز المكتوب حتّى عاد كأنه جديد. وعمل خيمة طولها مائة ذراع تظلّ الأقفاص التي يباع بها خارج المارستان من الشمس وأحكمها بأطناب فيما بين أوّل جدار القبّة والمدرسة وبأعلى جدار المدرسة تجاه الصالحيّة، وكانت باعة الأقفاص تتضرّر من حرّ الشمس فزال عنهم ذلك (4). وقام بمصروف هذا كلّه من ماله دون مال الوقف. وكان يكشف أحوال المجانين ويدخل بهم إلى الحمّام ويكسوهم الثياب، وأحضر لهم يوما جماعة فغنّوهم ورقصوا على الغناء. وكان يبرّ مباشري المارستان من ماله ويطلع في الليل إلى المئذنة ليتفقّد المؤذّنين. وكان للمارستان به حرمة وافرة لا يجسر أحد أن يرمي على سكّان أوقافه شيئا من بضائع السلطان ولا يتعرّض لهم بسوء.
وخرج أمير ركب الحاجّ في سنة سبع وعشرين فحجّ بالناس، وعاد في خامس عشرين المحرّم سنة ثمان وعشرين.
ثمّ خرج في أوّل سنة أربع وثلاثين إلى نيابة طرابلس عوضا عن [قرطاي]، وسبب ذلك ميله إلى الأمير ألماس الحاجب كما ذكر في ترجمته (5)، وقوّة نفسه، ووفور حرمته بحيث إنّ السلطان يقوم له كلّما دخل إلى الخدمة، مع معارضة السلطان في أغراض له. ثمّ أخذ في إنكار ظلم النشو ناظر الخاصّ والغضّ منه، فأراد السلطان إزاحته عنه فطلب أستداره عزّ الدين المصريّ وحمّله إليه رسالة تتضمّن أنّ السلطان كثر حياؤه منه لكبر سنّه، وأنّه ما بقي يليق به المشي
(1) السلوك 2/ 229. وأياس هي ميناء مملكة أرمينية الصغرى على مصبّ نهر جيحان في خليج إسكندرونة (دائرة المعارف الإسلاميّة 1/ 802 أ، وتاريخ ابن قاضي شهبة 2/ 198).
(2)
نول قزازة: لعلّه منسج حرير.
(3)
تكفور: ملك في لغة الأرمن، وعمّمها المؤرّخون العرب على ملوك سيس وأرمينية الصغرى وحتى أباطرة القسطنطينيّة (دوزي). وانظر السلوك 1/ 511 هـ 3.
(4)
ذكر المقريزي هذه الإصلاحات في الخطط 2/ 407.
(5)
ترجمة ألماس الحاجب تأتي بعد هذه: 2/ 166 رقم 840 (ت 734) ويقول المقريزي فيها والعادة أن الأمراء لا يخالط الواحد منهم الآخر.
في الخدمة [214 أ] وقصد السلطان أن يريحه من الخدمة، وأسرّ إليه أنّه إن علم أنّ الأمير يختار التوجّه إلى طرابلس ويكون خاطره طيّبا فليتوجّه، وإلّا فليقم على حاله.
فلمّا بلغه ذلك ابتسم وقال: أنا ما أشتهي التوجّه، ولا أخالف المرسوم، ثم قال: والله، ما بقي يخلّينا هنا ولا هناك.
فما زال المصري يتلطف به حتى أجاب بالسمع والطاعة، فخلع عليه السلطان من الغد وحمل إليه ألف دينار. ثمّ استدعاه وطيّب خاطره وبعث معه الأمير سيف الدين برسبغا متسفّرا ليقلّده النيابة على العادة. فلمّا وصل بلبيس بعث إلى برسبغا بأنّي أريد أن أكون في مسيري منفردا، ولا أحبّ أن أبقى معك في الترسيم إن ركبت ركبت معي، وإن نزلت نزلت معي، فسر وحدك وأنا أسير وحدي، فإنّي والله ما أهرب.
فلم يجد بدّا من موافقته لما يعلم من حدّة خلقه، حتى قدم به طرابلس، فأقام بها، وهو يبالغ في طلب الإقالة، وأن يكون بالقدس، إلى أن وصلت مركب للفرنج فيها عدّة سرّاق إلى ميناء طرابلس تطلب غرّة المسلمين [211 أ](1)، فركب إلى محاربتهم ومعه طوائف الناس. فدفعت الريح مركب الفرنج عن الميناء وعاد بها أهلها من حيث أتوا، فلم يجد النائب بالميناء مركبا للمسلمين ليتبع به الغريم. وذكر أهل البلد أنّ الفرنج قدموا في السنة الماضية وأخذوا من الميناء مركبا للتجّار. وهم هؤلاء الذين نراهم. فوقف حتى هيّأ الآلات لعمل مركب أنفق فيه أربعين ألف درهم من ماله، إلى أن كملت عمارته، فقدمت مركب فرنج متحرّمين، فركب في العسكر وأخرج
المركب التي أنشأها وفيها عدّة من المقاتلة، في طلبهم، فقاتلوهم وأخذوهم بعد ما قتلوا منهم جماعة كثيرة، وعاد ومركب الفرنج معهم. وكان لقدومهم فرح زائد بطرابلس، وأخرج بالفرنج مشهورين، وفيهم صاحب المركب، وله معرفة باللسان العربيّ، وقوّة نفس وشهامة. فأنكر أن يكون حراميّا، و [قال] إنّه تاجر، وقد نهب ماله وكان شيئا كثيرا. فذكر بعض التجّار أنّه يعرف هذا الفرنجيّ وأنّه كان بقبرس فخرج عليه هذا في طريقه وقاتلهم في البحر وأخذ مركبهم. واعترف أيضا بعض من مع الفرنجيّ من النواتيّة بأنّ هذا الفرنجيّ حراميّ، وأنه هو الذي قدم في السنة الخالية إلى ميناء طرابلس وأخذ منها المركب.
فبعث حينئذ النائب وأحاط بموجوده، وكتب يعرّف السلطان الخبر بنصّه فأجيب بالشكر، وحمل الفرنجي فبعث به مقيّدا. فلمّا مثل بين يدي السلطان أكثر من التظلّم، وأنه تاجر قصد بلاد السلطان بهديّة سنيّة ليقدّمها له، ويتبضّع في بلاده، فأخذ نائب طرابلس أمواله وجعله حراميّا.
فشقّ ذلك على السلطان وطلب الأمراء حتى سمعوا هذا من الفرنجي. وأخذ ينكر على الأمير آقوش ويقول: انظروا ما يعمل في بلادي كيف يفسد عليّ التجّار حتى يشاع عنّي قبح السيرة في الممالك.
فاستطال الفرنجيّ عند ذلك في الكلام وشنّع في القول بحيث رحمه الأمراء.
ثمّ كتب للأمير جمال الدين آقوش بإعادة مركب الفرنجيّ إليه وجميع ما أخذ له، فإنّه رجل تاجر، والتاجر لا يتعرّض له. فلم يوافق [آقوش] على ذلك وأجاب بأنّ الناس قد تحقّقوا بأنّه مؤذ يقطع الطريق، فلا يسمع السلطان قوله فإنّه كذب.
(1) انقطع هنا مخطوط ليدن.
فكتب إليه بإعادة المركب وجميع ما أخذ إلى الفرنجي. فلم يجد عند ذلك بدّا من تسليم المركب للفرنجيّ. وكتب يسأل الإعفاء من النيابة، فأجيب بالإعفاء، وأنّه يتوجّه إلى صرخد أو بعلبك. وتوجّه إليه الأمير برسبغا، فسار من طرابلس إلى دمشق ليلبس خلعة صرخد من الأمير تنكز نائب الشام. فخرج إليه تنكز وتلقّاه وعمل له سماطا [214 ب] في دار السعادة. وحضر الأمراء فأمسكوه على السماط، وسجن بقلعة دمشق في يوم الخميس نصف جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين. ثم نقل منها إلى صفد فسجن بقلعتها.
ثم حمل من صفد إلى الإسكندريّة في مستهلّ شوّال. وأعيد الأمير طينال إلى نيابة طرابلس.
فلم يزل آقوش بسجن الإسكندريّة إلى أن أشاع السلطان بأنّ نائب الإسكندريّة بعث يستأذن في تمكين الأمير جمال الدين آقوش من إدخال المزيّن إليه ليقطع سلعة (1) ظهرت له في وسط رأسه. ثم بعث السلطان بابن منيف مقدّم الرماة ليمضي قضاء الله فيه، فقتله في يوم [الأحد سابع جمادى الأولى] سنة ستّ وثلاثين وسبعمائة، فدفن بها ثم نقل [
…
].
وكان شكلا غريبا في هيئته وزيّه، فإنّه خرطمانيّ (2) الجنس. وكان عليه وقار وله حرمة وافرة ومهابة زائدة، بحيث إذا رآه من لا يعرفه هابه. وكانت أخلاقه صعبة، يضرب الألف عصا وأكثر، فمات جماعة تحت ضربه، منهم أحد بازداريّة السلطان: رآه خارج القاهرة بأراضي اللوق، وهو يشتم سقّاء عنده ويشتم أستاذه.
فضربه أكثر من ألف وهو يقول له: أنت وإيّاه تتشاتما [ن]، إيش كنت أنا؟ - فمات بعد يومين.
وهذه إحدى ذنوبه عند السلطان.
وقتل جارية السلطان زوجة بكتمر الساقي بسبب الميراث، لأنّ ابنته أيضا كانت زوجة بكتمر فضرب الجارية ستّمائة عصا.
وعمّر تحت الجبل مغارة كان يخلو فيها عدّة أيام، واتّهم أنّه كان يحفر فيها رغبة في الظفر بالمطالب (3)، فكان يركب من بيته آخر الليل، وتارة يخرج ماشيا، وغلامه يقود الفرس وراءه، ومعه مملوك واحد، حتى يصل إلى الجبل ماشيا. وكان يخرج إلى الخدمة أحيانا وهو ماش حتى يصل إلى القلعة، والفرس على يد الغلام.
وأنشأ الصاحب أمين الملك في وزارته حوانيت بجانب باب النصر ليعمل علوّها ريعا، فبعث إليه بأنّ هذا الباب يدخل منه رسل ملوك الشرق، وما ينبغي أن يضيّق بالبناء فيه، فلم يكترث بقوله.
فتركه حتى كمل البناء وركب ومعه غلمانه وهدمه إلى الأرض.
وجدّد بناء قبّة النصر تحت الجبل، وتولّى عمارتها من مال السلطان. وكان فيه خير، وله صدقات وبرّ ومعروف.
وأنشأ جامعا في طرف الحسينيّة بجوار قناطر الإوزّ خارج القاهرة.
وكان يعمل في يوم العيد سماطا نظير سماط السلطان، فإذا فرغ الناس من أكله عبأ أطباقا كبارا، في كلّ طبق أربع زباديّ (4) كبار وصحن مطويّ وبعث إلى جميع جيرانه حتى يعمّهم كلّهم، ثم يبعث إلى بيوت أجناده وبيوت مماليكه وبيوت غلمانه كلّ واحد باسمه، ثم يتصدّق بما بقي. ولم
(1) السّلعة: تورّم يبرز بالرقبة أو غيرها.
(2)
خرطمانيّ: طويل الأنف (دوزي).
(3)
المطالب: الكنوز المخفيّة في باطن الأرض.
(4)
الزبديّة: الجفنة والصحن الكبير.
يعرف عنه أنّه باع من شونته (1) إردبّا فما فوقه، بل جميع غلاله على كثرتها ينعم بها ويتصدّق بها.
ولم يمرض قطّ فإنّه كان قليل الأكل بحيث لا يتناول الغداء في الأسبوع سوى مرّتين.
وما خرج قطّ في تجريدة إلّا وقام لجميع من يرافقه بجرايته وعليق خيله وأكله، من يوم خروجه من القاهرة إلى يوم قدومه.
وطلع مرّة إلى سطح داره فرأى بادهنج (2) مرتفعا لموسى اليهوديّ صيرفيّ الأمير بكتمر الساقي، فبعث غلمانه فهدموه إلى الأرض.
وكان لا يلبس المفرك ولا المصقول (3)، ويتوجّه إلى الحمّام سحرا وبيده طاسة ومئزر حتى يغتسل، من غير أن يرافقه أحد من غلمانه ولا مماليكه. فعرفه مرّة بعض الناس فأخذ حجرا وحكّ رجليه وغسله بسدر، وهو لا يكلّمه. فلمّا خرج طلب الرجل وأمر به فضرب، وقال: أنا ما لي مملوك، ما عندي بابيّة، ما لي غلمان حتى تتجرّأ عليّ.
وكان إذا خرج إلى جامعه لا يجسر أحد من مماليكه، ولا من قوّام الجامع أن يقيم به، بل يبقى فيه وحده، ومتى رأى فيه ترابا أو خللا ضرب قوّامه، فلم يشعر يوما إلّا [215 أ] بجنديّ من الأكراد قد بسط له سفرة فيها قصعة لبن ورقاق.
فقال له: من أعلمك بي!
قال: والله، ولا أحد!
فطلب مماليكه وأكل، وأمر له بستّمائة درهم.
فاتّفق أن جاءه كرديّ آخر في الجامع بعد هذا بمثل
ذلك، فضربه ستّمائة عصا.
وكان إذا مات لأحد من أجناده فرس أعطاه ستّمائة درهم.
وكان يوقّع بخطّه على القصص فيغرب فيما يوقّع به: فمن ذلك أنّه لمّا كان في نيابة دمشق رفع إليه رجل قصّة يسأل فيها الحضور. فوقّع عليها بخطّه: الاجتماع مقدّر.
وكتب إليه شابّ جميل الصورة (4) قصّة يسأل فيها إقطاعا، فوقّع عليها بخطّه: من كان يومه بخمسين وليلته بمائة، ما له حاجة بالجنديّة!
وكتب إليه إنسان وهو بالكرك: قد كثرت أذيّة هؤلاء الصبيان للمملوك ويسأل كفّهم عنه، فوقّع بخطّه: إن لم تصبر على أذى أولادهم، وإلّا فاخرج من بلادهم! .
ووقّع لآخر جرت له كائنة في الليل: قد أحصيناك، فإن عدت إلى مثلها خصيناك.
ولمّا أمسك بدمشق قال لتنكز: أمّا أنا فقد أمسكت، ولكن خذ أنت حذرك منه! - وأوصى تنكز لمّا عيّن لنيابة دمشق بعده، فقال: إن أردت أن تقيم نائبا فافعل ما أقول لك: اعلم أنّه يتلقّاك أهل غزّة إلى قطيا بالفاكهة والحلوى والخيول والتقادم. فإذا وصلت إلى غزّة جاءك أهل دمشق بالتقادم إليها. فإذا دخلت دمشق جاءوا إليك وقالوا لك: هذا الصاحب عزّ الدين القلانسيّ محتشم كبير [و] رئيس دمشق، والسلطان وغيره يقبل تقادمه وهداياه، وقد عمل ضيافة وجهّزها إليك- فتأخذها فيجيء إليك غيره ويقول: يا خوند، ينكسر خاطري لكونك ما جبرتني مثل فلان- فتقبل منه، فتقدّم لك الخيول وغيرها، وتنحلّ الإقطاعات والإمرة والوظائف، فيأتون
(1) الشونة: مخزن الحبوب (المطمورة).
(2)
البادهنج والبادنج: مخرج الدخان من السطوح.
(3)
المصقول: قماش خفيف يلبس في الصيف، أمّا المفرك فلا نعرفه.
(4)
في المصادر الأخرى: أمرد.