الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في باب اتخاذ المساجد في الدور وفيه أن سمرة كتب إلى ابنه سليمان أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمرنا بالمساجد الخ.
وقوله إذا كان في وسط الصلاة الخ يعني إذا كان أحدنا في التشهد الأول أو الثاني. وفي نسخة إذا كنا في وسط الصلاة الخ
(قوله فابدءوا قبل التسليم الخ) يعني قبل أن تقولوا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
(قوله ثم سلمو اعلى اليمين) أي على أهل اليمين، وفي نسخة عن اليمين أي عن الجهة اليمنى والمراد سلام التحليل من الصلاة يعني بعد الإتيان بالصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأدعية الواردة بعدها
(قوله ثم سلموا على قارئكم) أي إمامكم (وهو دليل) للمالكية القائلين إن المأموم يسلم على الإِمام تسليمة تخصه سوف تسليمتى اليمين والشمال
(قوله وعلى أنفسكم) يعني ويسلم بعضم على بعضكم والمراد التسليمة التي على اليسار لأن الغرض منها الردّ على من سلم عليه ممن على يسار. وفي رواية الحاكم عّن سمرة قال أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نردّ على الإِمام وأن نتحابّ وأن يسلم بعضنا على بعض. وفي رواية ابن ماجه والبزّار عنه أيضًا أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض. زاد البزّار في الصلاة. وفي نسخة ثم سلموا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويكون المراد به السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وقوله سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
(قوله ودلت هذه الصحيفة الخ) يعني بالصحيفة ما كتبه سمرة إلى ابنه سليمان. والغرض من هذا إثبات سماع الحسن البصري من سمرة كما أن سليمان سمع من سمرة لأنهما في الطبقة الثالثة خلافُ المن قال إنه لم يسمع من سمرة إلَاّ حديث العقيقة وما عداه رواه من غير سماع منه. وقد تقدم الخلاف في ذلك في "باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة"
(باب الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد)
(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ قُلْنَا أَوْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَمَرْتَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ وَأَنْ نُسَلِّمَ عَلَيْكَ فَأَمَّا السَّلَامُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ "قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
(ش)(شعبة) بن الحجاج تقدم في الجزء الأول صفحة 32.
و(الحكم) بن عتيبة في الثاني صفحة 125. و (ابن أبي ليلى) هو عبد الرحمن
(قوله قال قلنا أو قالوا الخ) شك ابن أبي ليلى فيما قاله كعب أهو قلنا يا رسول الله أم قالوا يا رسول الله. وفي رواية مسلم والبخاري عن الحكم أيضًا قال سمعت ابن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلنا عرفنا كيف نسلم عليك الخ وكذلك في معظم الروايات. وفي رواية الطبراني إن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالوا يا رسول الله الخ
(قال) الفاكهاني الظاهر أن السؤال صدر من بعضهم لا من جميعهم ففيه التعبير عن البعض بالكل. ويبعد جدًّا أن يكون كعب هو الذي باشر السؤال منفردًا فأتى بالنون التي للتعظيم بل لا يجوز ذلك لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أجاب بقوله قولوا فلو كان السائل واحدًا لقال له قل ولم يقل قولوا اهـ
(قال) الحافظ في الفتح لم يظهر لي وجه نفى الجواز وما المانع أن يسأل الصحابي الواحد عن الحكم فيجيب صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة الجمع إشارة إلى اشتراك الكل في الحكم ويؤكده أن في نفس السؤال قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك كلها بصيغة الجمع فدل على أنه سأل لنفسه ولغيره فحسن الجواب بصيغة الجمع
(لكن) الإتيان بنون العظمة في خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يظن بالصحابى فإن ثبت أن السائل كان متعددًا فواضح وإن ثبت أنه كان واحدة فالحكمة في الإتيان بصيغة الجمع الإشارة إلى أن السؤال لا يختص به بل يريد نفسه ومن يوافقه على ذلك. فحمله على ظاهره من الجمع هو المعتمد؛ على أن الذي نفاه الفاكهاني قد ورد في بعض الطرق "فعند" الطبري من طريق الأجلح عن الحكم بلفظ قمت إليه فقلت السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك يا رسول الله قال قل اللهم صل على محمَّد "الحديث""وقد وقفت" على تعيين جماعة ممن باشر السؤال وهم كعب بن عجرة وبشير بن سعد والد النعمان وزيد بن خارجة الأنصاري وطلحة بن عبيد الله وأبوهريرة وعبد الرحمن بن بشير اهـ ببعض تصرّف
(قوله أمرتنا أن نصلي عليك الخ) يعني بلغتنا عن الله تعالى أنه أمرك بذلك. ويعنى به قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
…
الآية} وفي رواية لمسلم أمرنا الله أن نصلي عليك الخ
(قوله فأما السلام فقد عرفناه الخ) يعني في التشهد في قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فكيف نصلي عليك وفي رواية مسلم ومالك عن أبي مسعود فكيف نصلي عليك فسكت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله. وستأتي للصنف. وفي رواية الطبراني فسكت حتى جاءه الوحي فقال تقولون اللهم صل على محمَّد الخ (وسألوه) عن صفة الصلاة فكأنهم قالوا ما هو اللفظ الذي يليق أن نصلي به عليك. وقيل إن السؤال عن جنس الصلاة لأنها مشتركة بين
الدعاء والرحمه والتعظيم. والأول أظهر ويشهد له سؤالهم بكيف التي هي للسؤال عن الصفة (وبهذا) جزم القرطبي وقال هذا سؤال من أشكلت عليه كيفية ما فهم أصله وذلك أنهم عرفوا المراد بالصلاة فسألوا عن الصفة التي تليق بها ليستعملوها اهـ
(قال في الفتح) والحامل لهم على ذلك أن السلام كما تقدم بلفظ مخصوص وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فهموا منه أن الصلاة أيضًا تقع بلفظ مخصوص وعدلوا عن القياس لإمكان الوقوف على النص "ولا سيما" في ألفاظ الأذكار فإنها تجئ خارجة عن القياس غالبًا فوقع الأمر كما فهموا فإنه لم يقل لهم قولوا الصلاة عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولا قولوا الصلاة والسلام عليك الخ بل علمهم صفة أخرى اهـ
(قوله اللهم صل على محمَّد) أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وأيد فضيلته بالمقام المحمود ولما كان البشر عاجزًا عن أن يبلغ قدر الواجب له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ذلك شرع لنا أن نطلب من الله تعالى ذلك له لأنه العالم بما يليق به القادرعلى إعطائه (وقال أبو العالية) صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته (وقال ابن عباس) والضحاك صلاة الله عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رحمته
(قوله وآل محمَّد) أي عظم آل محمَّد فمعنى الصلاة على الآل التعظيم أيضًا إلا أن التعظيم لكل أحد بحسب ما يليق به. وآل أصله أهل قلبت الهاء همزة ثم سهلت ولذا تصغر على أهيل. وقيل أصله أول من آل إذا رجع. وسمى بذلك من يؤول إلى الشخص ويضاف إليه. ويقوّيه أنه لا يضاف إلا إلى معظم فيقال آل القاضي ولا يقال آل الحجام (واختلف) في المراد بآل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقيل من حرمت عليهم الصدقة وفي المراد بهم خلاف أيضًا اهـ "فقيل" بنو هاشم فقط وقيل بنو هاشم والمطلب (وبه قال) الشافعي "وقيل" فاطمة وعلى والحسن والحسين وأولادهم إلى يوم القيامة (وسيأتي) مزيد لذلك في باب الصدقة علي بني هاشم من كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى "وقيل" المراد بالآل قرابته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غير تقييد (وبه قال) جماعة "وقيل" كل المسلمين التابعين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى يوم القيامة حكاه القاضي أبو الطيب والأزهري وهو قول سفيان الثوري وغيره من المتقدمين "وقيل" هم الأتقياء من المسلين (ويمكن) الجمع بين هذه الأقوال بأن الخلاف باعتبار المقامات. ففي مقام الدعاء. يراد بالآل أمة الإجابة. وفي مقام الثناء يراد بهم الأتقياء. وفي الزكاة من حرمت عليهم الصدقة فالخلاف لفظيّ
(قوله كما صليت على إبراهيم) استشكل هذا التشبيه بأن المشبه يكون دون المشبه به وما هنا ليس كذلك لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصلاة عليه أفضل من الصلاة على غيره فكيف تشبه الصلاة عليه بالصلاة على إبراهيم (وأجيب) عن ذلك
بأجوبة
(منها) أن التشبيه إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر ونظيره قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فإن المراد أصل الصيام لا عينه ووقته وقوله تعالى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} وقوله تعالى {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} فإن التشبيه فيهما في أصل الإيحاء وأصل الإحسان لا القدر
(ومنها) أن التشبيه إنما هو في الصلاة على الآل لا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقوله اللهم صل على محمَّد منقطع عن التشبيه وقوله وآل محمَّد متصل بقوله كما صليت على إبراهيم "وما قيل" على هذا الجواب من أن التركيب ركيك وهو معيب في كلام العرب "مردود" بما قاله الحافظ من أن التركيب ليس بركيك لأن التقدير اللهم صل على محمَّد وصل على آل محمَّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فهو من عطف الجمل (وقال الحليمي) سبب هذا التشبيه أن الملائكة قالت في بيت إبراهيم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد وقد علم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم وآل محمَّد من أهل بيت إبراهيم فكأنه قال أحب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في محمَّد وآل محمَّد كما أجبتها عند ما قالوها في آل إبراهيم الموجودين حينئذ ولذلك ختم بما ختمت به الآيات اهـ
(ومنها) أن التشبيه للمجموع بالمجموع فإن الأنبياء من آل إبراهيم كثيرون وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منهم (وقال في الهدى) هو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من آل إبراهيم وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في تصير قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال محمَّد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا أن نصلي على محمَّد وعلى آل محمَّد خصوصًا بقدر ما صلى عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عمومًا فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعًا وتظهر حينئذ فائدة التشبيه وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ
(ووجدت) في مصنف لشيخنا مجد الدين الشيرازي جوابًا آخر نقله عن بعض أهل الكشف حاصله أن التشبيه لغير اللفظ المشبه به لا لعينه وذلك أن المراد بقولنا اللهم صل على محمَّد اجعل من أتباعه من يبلغ النهاية في أمر الدين كالعلماء بشرعه بتقريرهم أمر الشريعة كما صليت على إبراهيم بأن جعلت في أتباعه أنبياء يقرّرون الشريعة.
والمراد بقوله وعلى آل محمَّد اجعل من أتباعه ناسًا محدَّثين بالفتح يخبرون بالمغيبات كما صليت على آل إبراهيم بأن جعلت فيهم أنبياء يخبرون بالمغيبات. والمطلوب حصول صفات الأنبياء لآل محمَّد وهم أتباعه في الدين كما كانت حاصلة بسؤال إبراهيم اهـ
(على أن) كون المشبه به أقوى من المشبه ليس مطردًا بل قد يكون مساويًا أو أقلّ كما في قوله تعالى {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} وأين نور المشكاة من نوره تعالى لكن لما كان المراد من المشبه به أن يكون شيئًا واضحًا ظاهرًا للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة فكذلك هنا لما كان تعظيم إبراهيم وآله بالصلاة عليهم
مشهورًا واضحًا عند جميع الطوائف حسن أن يطلب لمحمد وآله الصلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم وآله فهو من باب إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر (ويؤيد) ذلك ختم الطلب المذكور بقوله في العالمين أي أظهر الصلاة على محمَّد وآله في العالمين كما أظهرتها على إبراهيم وآله فيهم. وخص إبراهيم بذكرنا له في الصلاة من بين سائر الأنبياء لأنه أفضل الأنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ولأنه صلى الله عليه وسلم رأى ليلة الإسراء جميع الأنبياء والمرسلين وسلم على كل نبيّ ولم يسلم أحد منهم على أمته غير إبراهيم فأمرنا صلى الله عليه وآله وسلم أن نثني عليه في آخر كل صلاة إلى يوم القيامة مجازاة على إحسانه (قال العيني) ويقال إن إبراهيم لما فرغ من بناء الكعبة دعالأمة محمَّد وقال اللهم من حجّ هذا البيت من أمة محمَّد فهبه مني السلام وكذلك دعا أهله وأولاده بهذه الدعوة فأمرنا بذكرهم في الصلاة مجازاة على حسن صنيعهم اهـ
(قوله وبارك على محمَّد) البركة الزيادة في الخير والكرامة وقيل التطهير من العيوب والتزكية وقيل هي الثبات على الخير من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض. ومنه بركة الماء بكسر الموحدة وسكون الراء لثبات الماء فيها والمراد أن يعطى النبي صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وآله من الخير أوفاه وأن يثبت لهم ذلك ويستمرّ دائمًا
(قوله إنك حميد مجيد) هو كالتعليل لما قبله لأن المطلوب تكريم الله لنبيه وثناؤه عليه والتنويه به وزيادة تقريبه وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد والمعنى إنك فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المترادفة كريم بكثرة "الإحسان إلى عبادك وحميد فعيل من الحمد بمعنى محمود وأبلغ منه وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها. ومجيد من المجد وهو صفة من كمل في الشرف وهو مستلزم للعظمة والجلال (واستدلّ) بهذا الحديث على وجوب الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد للأمر المذكور فيه. وبه قال عمر وابنه عبد اللهو ابن مسعود والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وأبو جعفر الباقر والهادي والقاسم والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المواز واختاره ابن العربي (لكن لا يتمّ) الاستدلال على وجوب الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد بالأمر في حديث الباب وأشباهه لأن غايته الأمر بمطلق الصلاة عليه وهو يقتضي الوجوب في الجملة فيحصل الامتثال بإيقاع فرد منها ولو خارج الصلاة فليس في الأحاديث زيادة على ما في قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ويمكن الاستدلال على وجوب الصلاة عليه بعد التشهد بما أخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي وابن خزيمة والدارقطني من حديث ابن مسعود وفيه كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا (وغاية) هذه الزيادة أن يتعين بها محل الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو مطلق الصلاة وليس فيها ما يفيد إيقاعها بعد التشهد لكن قرّب البيهقي ذلك بأن الآية لما نزلت وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد علمهم
كيفية السلام عليه في التشهد والتشهد داخل الصلاة فسألوه عن كيفية الصلاة عليه. فعلمهم فدل على أن المراد بذلك إيقاع الصلاة عليه في التشهد بعد الفراغ من التشهد الذي تقدم: تعليمه لهم (واستدل) أيضًا من قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد الأخير بما أخرجه الترمذي عن علي عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم أنه قاله البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ قالوا وقد ذكر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في التشهد
(لكن) لا يصلح للاستدلال به على المطلوب إلا بعد تسليم أن البخيل لا يطلق إلا على من ترك الواجبًات وهو ممنوع فإن أهل اللغة والشرع والعرف يطلقون اسم البخيل على من يشحّ بما ليس بواجب فلا يستفاد من الحديث الوجوب المدّعي ولا سيما بعد التشهد الأخير
(واستدلوا) أيضًا بما رواه الدارقطني من طريق عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا تقبل صلاة إلا بطهور وبالصلاة عليّ. ورواه البيهقي بلفظ لا صلاة إلا بطهور والصلاة عليّ (وهو لا يصلح) للاحتجاج به لأن عمرو بن شمر متروك وجابر الجعفي ضعيف
(وبما رواه) الدارقطني من طريق جابر الجعفي أيضًا عن أبي جعفر عن أبي مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلى صلاة لم يصل فيها عليّ ولا على أهل بيتى لم تقبل منه
(لكن) الحديث ضعيف لأن جابرًا ضعيف (على أن هذا) الحديث وما قبله لا يدلان على إيجاب الصلاة عليه بعد التشهد. بل غايتهما إيجاب الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة بدون تقييد أنها بعد التشهد
(ولهم أدلة أخرى) لا يخلو كل منها عن مقال "وأنهضها ما رواه الحاكم" من طريق سعيد بن أبي هلال عن يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمَّد الخ "وفيه مجهول" فلا يصلح للاستدلال به
(وذهب بما الجمهور) إلى عدم وجوب الصلاة علي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد في الصلاة منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والناصر
(واحتج لهم) بحديث ابن مسعود السابق في التشهد وفيه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمه التشهد فقط وقال إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد. وفي رواية بعد أن ذكرالتشهد قال ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه
(ولوكانت) الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد واجبة لعلمه إياها إذ موضع التعليم لا يؤخر فيه بيان الواجب. ولم يرو عن الصحابة الذين رووا التشهد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمهم الصلاة عليه بعد التشهد
(وهذا) هو الظاهر (ويجاب عن الأحاديث) التي استدل بها من قال بالوجوب بما تقدم من أن بعضها فيه مقال فلا ينتهض للاستدلال به
والبعض الآخر تعليم لكيفية الصلاة عليه المأمور بها في الآية وهي لا تفيد الوجوب (قال في النيل) ويمكن الاعتذار عن القول بالوجوب بأن الأوامر المذكورة في الأحاديث تعليم كيفية وهي لا تفيد الوجوب فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره إذا أعطيتك درهما فكيف أعطيك أياه أسرًّا أم جهرًا فقال له أعطنيه سرًّا كان ذلك أمرًا بالكيفية التي هي السرّية لا أمر بالإعطاء وتبادر هذا المعنى لغة وشرعا وعرفا لا يدفع. وقد تكرّر في السنة وكثر فمنه إذا قام أحدكم الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين "الحديث" وكذا قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الاستخارة فليركع ركعتين ثم ليقل "الحديث" وكذا قوله في صلاة التسبيح فقم وصل أربع ركعات. وقوله في الوتر فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة "والقول" بأن هذه الكيفية المسئول عنها هي كيفية الصلاة المأمور بها في القرآن فتعليمها بيان للواجب المجمل فتكون واجبة "لا يتمّ إلا بعد" تسليم أن الأمر القرآني بالصلاة مجمل. وهو ممنوع لاتضاح معنى الصلاة والسلام المأمور بهما
(على أنه) قد حكى الطبري الإجماع على أن محمل الآية على الندب فهو بيان لمجمل مندوب لا واجب ولو سلم انتهاض الأدلة على الوجوب لكان غايتها أن الواجب فعلها مرّة واحدة فأين دليل التكرار في كل صلاة. ولو سلم وجود ما يدل على التكرار لكان تركها في تعليم المسيء دالًا على عدم وجوبه "إلى أن قال" والحاصل أنه لم يثبت عندي من الأدلة ما يدلّ على مطلوب القائلين بالوجوب وعلى فرض ثبوته فترك تعليم المسيء للصلاة لا سيما مع قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا فعلت ذلك فقد تممت صلاتك قرينة صالحة لحمله على الندب. ويؤيد ذلك قوله لابن مسعود بعد تعليمه التشهد إذا قلت هذا أو قضيت ها فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني "وبعد هذا" فنحن لا ننكر أن الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أجلّ الطاعات التي يتقرّب بها الخلق إلى الخالق وإنما نازعنا في إثبات واجب من واجبًات الصلاة بغير دليل يقتضيه مخافة من التقوّل على الله بما لم يقل.
ولكن تخصيص التشهد الأخير بها مما لم يدل عليه صحيح ولا ضعيف وجميع هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بالوجوب لا تختص بالأخير. وغاية ما استدلوا به على تخصيص الأخير بها حديث أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجلس في التشهد الأوسط كما يجلس على الرضف أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وليس فيه إلا مشروعية التخفيف وهو يحصل بجعله أخفّ من مقابله أعني التشهد الأخير وأما أنه يستلزم ترك ما دل الدليل على مشروعيته فيه فلا. ولا شك ان المصلي إذا اقتصر على أحد التشهدات وعلى أخصر ألفاظ الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان مسارعًا غاية المسارعة باعتبار ما يقع من تطويل الأخير بالتعوّذ من الأربع والأدعية المأمور بمطلقها ومقيدها فيه اهـ ببعض تصرفّ
(واستدل) بالحديث أيضًا عل وجوب الصلاة على الآل بعد التشهد مع الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وإلى ذلك) ذهب الهادي والقاسم والمؤيد بالله وأحمد وبعض أصحاب الشافعي مستدلين بحديث الباب وبالأحاديث المشتملة على الأوامر بالصلاة على الآل
(وذهب الشافعي) في أحد قوليه وأبو حنيفة وأصحابه والناصر والأكثرون إلى أنها سنة (وبما تقدم) تعلم أدلة كل من الجانبين (ومن جملة) ما احتج به القائلون بعدم الوجوب الإجماع الذي حكاه النووي في شرح مسلم على عدم وجوب الصلاة على الآل قالوا إنه قرينة لحمل الأوامر الواردة على الندب
(وحكى) الإجماع أيضًا على عدم وجوب الصلاة على الآل أبو إسحاق الشيرازي في المهذب (لكن) حكايته الإجماع لا تتمّ مع مخالفة أحمد والقاسم ومن معهما
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من أمر بشيء وجهل كيفية العمل به يطلب منه أن يسأل عنها أهل الذكر، وعلى مشروعية الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وآله بهذه الصيغة، وعلى شرف الصحابة رضي الله تعالى عنهم وحرصهم على ضبط أحكام الدين وعلى مزيد شرف سيدنا إبراهم الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا شُعْبَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ "صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ".
(ش)(قوله بهذا الحديث الخ) أي حديث حفص بن عمر المتقدم وقال فيه رسول الله صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكعب بن عجزة قولوا اللهم صل على محمَّد الخ بإبدال الصلاة على إبراهم بآل إبراهم. وفي نسخة كما صليت على إبراهيم. ولعل الصواب ما فيها ذكر الآل لأن النسخة التي لم يذكر فيها الآل لا فرق فيها بين الروايتين
(وهذه الرواية) أخرجها مسلم والنزمذى
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ نَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنِ الْحَكَمِ بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ "اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
(ش)(ابن بشر) هو محمَّد تقدم في الجزء الثاني صفحة 77. و (مسعر) بن كدام في الجزء الأول
صفحة 206
(قوله بإسناده بهذا الحديث) وفي نسخة بإسناده بهذا بدون ذكر الحديث أي بإسناد الحكم بن عتيبة السابق وهو ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة
(قوله اللهم صل على محمَّد الخ) في هذه الرواية ذكر حميد مجيد مرّتين وفيها ذكر إبراهيم في البركة ولفظ اللهم. وفي نسخة كما باركت على آل إبراهيم بإثبات لفظ الآل
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى كَمَا رَوَاهُ مِسْعَرٌ إِلَاّ أَنَّهُ قَالَ "كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ". وَسَاقَ مِثْلَهُ.
(ش) أي روى هذا الحديث الزبير بن عدي عن ابن أبي ليلزمثل رواية مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى إلا أن الزبير قال في روايته كما صليت على آل إبراهيم ولم يذكرفيها لفظ اللهم في التبريك و (الزبير بن عدي) هو الهمداني اليامى أبو عدي الكوفي. روى عن أنس ومصعب وإبراهيم النخعي وطلحة بن مصرّف وجماعة. وعنه إسماعيل بن أبي خالد وأبو إسحاق السبيعي ومالك بن مغول والثوري ومسعر وكثيرون. وثقه أحمد والنسائي وابن معين وأبو حاتم والعجلي وقال ثبت صاحب سنة وقال في التقريب ثقة من الخامسة. مات بالرّيّ سنة إحدى وثلاثين ومائة روى له الجماعة
(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ ح وَنَا ابْنُ السَّرْحِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ "قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
(ش)(رجال الحديث)(القعنبي) عبد الله بن مسلمة. و (ابن السرح) هو أحمد بن عمرو و (ابن وهب) هو عبد الله، و (عبد الله بن أبي بكر الخ) هو الأنصاري أبو محمَّد. روى عن أنس وسالم بن عبد الله وحميد بن نافع وعباد بن تميم وعروة بن الزبير وآخرين. وعنه الزهري وعبد الملك بن محمَّد ومالك وهشام بن عروة والسفيانان وكثيرون. وثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم وابن سعد وقال العجلي تابعي ثقة وقال ابن عبد البر كان من أهل العلم ثقة فقيهًا محّدثًا
مأمونًا حافظًا وهو حجة فيما نقل وحمل. توفي سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له الجماعة
(قوله عن أبيه) هو أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي قيل اسمه كنيته وقيل أبو بكر وكنيته أبو محمَّد. روى عن السائب بن يزيد وعمر بن عبد العزيز وعبد الله بن قيس وجماعة. وعنه ابن عمه محمَّد بن عمارة وعمرو بن دينار ويحيى بن سعيد الأنصاري والزهري وكثيرون. وثقه ابن خراش وابن معين وقال مالك لم يكن عندنا أحد بالمدينة عنده من علم القضاء ما كان عند أبي أبي بكر وقال أيضًا ما رأيت مثل أبي بكر بن حزم أعظم مروءة ولا أتمَّ حالًا ولي المدينة والقضاء. توفي سنة سبع أو عشر ومائة. روى له الجماعة
(معنى الحديث)
(قوله وذرّيته) بضم الذال على الأفصح وأصلها الهمز من الذرء فحذفت الهمزة واستعمل غير مهموز وقيل أصلها من الذرّ بمعنى التفريق وقيل بكسر الذال وتشديد الراء أيضًا ويروى عن زيد بن ثابت وقيل بفتح الذال وتخفيف الراء بوزن كريمة وبها قرأ أبان ابن عثمان. وتجمع على ذرّيات وقد تجمع على ذراري وهي نسل الإنسان من ذكر أو أنثى وتطلق على الأصول مجازًا ومنه قوله تعالى {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} يعني آباهم
(واستدل) بهذا الحديث جماعة على أن آل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هم الأزواج والذرّية
(ووجهه) أنه أقام الأزواج والذرّية مقام الآل في سائر الروايات المتقدمة. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} لأن ما قبل الآية وما بعدها في الزوجات فأشعر ذلك بإرادتهنّ وأشعر تذكير المخاطبين بالآية بإرادة غيرهنّ. وبين هذا الحديث وحديث أبي هريرة الآتي للمصنف من سرّة أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت الخ من هم المرادون بالآية وبسائر الأحاديث التي أجمل فيها الآل
(لكن) يردّ جعل الأزواج من الآل امتناعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إدخال أم سلمة تحت الكساء بعد سؤالها ذلك وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند نزول هذه الآية مشيرًا إلى علي وفاطمة والحسن والحسين اللهم إن هؤلاء أهل بيتى بعد أن جللهم بالكساء. وعلى هذا فيكون ذكر الأزواج في الحديث لتعظيم شأنهن لا لأنهن من آل البيت
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة
(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ -وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ- أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ
لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا الله أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "قُولُوا". فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ زَادَ في آخِرِهِ "فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
(ش)(قوله المجمر) بضم الميم الأولى وسكون الجيم وكسر الميم الثانية ويقال بفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة
(قوله أتانا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مجلس سعد بن عبادة) فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يخص رؤساء القوم وفضلاءهم بالزيارة لتأنيسهم و (سعد بن عبادة) بن ديلم بن حارثة بن حزم بن خزيمة بن ثعلبة بن طريف الأنصارف سيد الخزرج أبي ثابت أو أبي قيس. شهد العقبة وكان أحدًا النقباء واختلف في شهوده بدرًا كان يكتب العربية ويحسن الرمي وكان يقال له الكامل وكان مشهورًا بالجود هو وأبوه وجده وولده وكان له أطم ينادى عليه كل يوم من أحب الشحم واللحم فليأت أطم ديلم بن حارثة وكانت جفنته تدور مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في يبوت أزواجه وقال ابن عباس كان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المواطن كلها رايتان مع على راية المهاجرين ومع سعد ابن عبادة راية الأنصار. وروى أحمد عن قيس بن سعد قال زارنا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله في منزلنا فقال السلام عليكم ورحمة الله "الحديث" وفيه ثم رفع يده فقال اللهم اجعل صلاتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة. وروى أبو يعلى من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جزى الله عنا الأنصار خيرًا ولا سيما عبد الله بن عمرو ابن حزم وسعد بن عبادة. وروى ابن أبي الدنيا من طريق ابن سيرين قال كان أهل الصفة إذا أمسوا ينطلق الرجل بواحد والرجل بالاثنين والرجل بالجماعة فأما سعد فإن ينطلق بثمانين خرج إلى الشام ومات بجوران سنة خمس عشرة أوست عشرة. روى عنه من الصحابة ابن عباس وأبو أمامة في سهل
(قوله فسكت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله) وفي رواية الطبراني فسكت حتى جاءه الوحي. وتمنوا أنه لم يسأله خشية أن يكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كره سؤاله لما تقرّر عندهم من النهى عن ذلك في قوله تعالى {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}
(قوله زاد في آخره في العالمين إنك حميد مجيد) يعني زاد أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري في حديثه قوله في العالمين فقط وأما قوله إنك حميد مجيد
فليس بزائد عن حديث كعب لأنه مذكور فيه والمعنى تقدم أظهر ذكر محمَّد وآله في العالمين كما أظهرت ذكر إبراهيم وآله فيهم. والعالمون جمع عالم وهو ما سوى الله تعالى. والمراد بهم هنا الإنس والجن والملائكة
(والحديث) أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وأخرجه مسلم وزاد فيه والسلام كما علمتم
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ "قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ".
(ش)(زهير) بن معاوية تقدم في الجزء الأول صفحة 112
(قوله الأمي) أي الذي لا يقرأ ولا يكتب نسبة إلى الأمّ لأنه على الحالة التي ولدته أمه عليها. أو هو نسبة إلى أمّ القرى لأن أهلها كانوا لا يقرءون ولا يكتبون. أو إلى أمة العرب لأن الغالب عليهم عدم القراءة والكتابة. فقد روى الشيخان عن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. ووصف صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأميّ تنبيها على أن كمال علمه مع أميته من معجزاته فهو صفة مدح في حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بخلافه في غيره (واختلف) هل كتب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقيل كتب الصلح عام الحديبية وقيل لم يكتبه وإنما أمر بالكتابة. وروى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يفارق الدنيا حتى كتب وقرأ (وقد جاء) في صفة الصلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كيفيات أخر غير ما ذكر في أحاديث الباب
(منها) ما رواه البخاري والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري اللهم صل على محمَّد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على وآل محمَّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم
(ومنها) ما أخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود قال إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعلّ ذلك يعرض عليه فقالوا له فعلمنا قال قولوا اللهم اجعل صلاتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبين محمَّد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودًا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمَّد وآل محمَّد كما صليت عك إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمَّد وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
(ومنها) ما أخرجه الحاكم من طريق يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود أنه صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا تشهد
أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمَّد وعلى آل محمَّد وبارك على محمَّد وعلى آل محمَّد وارحم محمدًا وآل محمَّد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي والدارقطني وابن حبان بلفظ أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونحن عنده فقال يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فصمت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله ثم قال إذا صليتم عليّ فقولوا اللهم صل على محمَّد النبي الأمى وعلى آل محمَّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمَّد النبي الأمي وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد قال الدارقطني إسناده حسن متصل
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حِبَّانُ بْنُ يَسَارٍ الْكِلَابِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو مُطَرِّفٍ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ عَنِ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلِ اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
(ش)(رجال الحديث)(حبان) بكسر الحاء بن يسار الكلابي البصري. روى عن عبد الرحمن بن طلحة ويزيد بن أبي مريم وثابت البناني وهشام بن عروة. وعنه بشر بن المفضل والعلاء بن عبد الجبار وعمرو بن عاصم. قال أبو حاتم ليس بالقوى ولا بالمتروك وقال ابن عدي حديثه فيه ما فيه لأجل الاختلاط وقال في التقريب صدوق اختلط من الثامنة و (أبو مطرّف عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء الخزاعي روى عن محمَّد بن علي والحسن البصري والزهري. وعنه صفوان بن سليم وحماد بن زيد وهارون بن موسى ومحمد بن إسحاق وعمران القطان. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثة. و (محمَّد بن علي الهاشمي) القرشي. روى عن نعيم بن عبد الله المجمر. وعنه أبو مطرّف. قال في التقريب مجهول
(معنى الحديث)
(قوله من سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى الخ) يعني من أحب أن
يأخذ الثو اب كاملًا. والمكيال بكسر الميم آلة الكيل. والاكتيال هنا مجاز عن تحصيل الثواب وهو باق على حقيقته بناء على أن جزاء الأعمال يجسم يوم القيامة
(قوله أهل البيت) منصوب على الاختصاص أو مجرور بدل من الضمير في علينا. وتقدم بيانهم (وفي الحديث) دلالة على الترغيب في الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأهل بيته بهذه الصيغة
(تنبيه) اختلف في الدعاء للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالرحمة وفي الإتيان بالسيادة في الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فذهب) ابن عبد البرّ إلى كراهة الدعاء بالرحمة (وقال) النووي في الأذكار زيادة وارحم محمدًا وآل محمَّد كما رحمت على آل إبراهيم بدعة اهـ وذلك لما قيل من أنه لم يثبت من طريق صحيح يعتدّ به والباب باب اتباع
(وذهب) جماعة من الحنفية وابن أبي زيد من المالكية إلى جوازه من غير كراهة لما تقدم من رواية الحاكم عن ابن مسعود وفيها وارحم محمدًا وآل محمَّد. ولما في البخاري وتقدم للمصنف في باب الأرض يصيبها البول من قول الأعرابي اللهم ارحمنى ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقد تحجرت واسعًا "الحديث" فأقرّه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الدعاء له بالرحمة وأنكر عليه التخصيص بالدعاء. وهو لا يقرّ على منكر ولما تقدم في التشهد من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. وهذا هو الراجح لقوّة أدلته
(وأما الإتيان) بالسيادة في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم ونحوها فاختلف العلماء فيها (فذهبت المالكية) وكثيرون إلى أنه يؤتى بها في غير الصيغ الواردة عنه صلى الله عليه وسلم تأدبًا. وأما الصيغ الواردة كالأذان والإقامة والتشهد فيقتصر فيها على ما ورد وقوفًا على ما حدّه الشارع واتباعًا للفظه وفرارًا من الزيادة على ما ورد لكونه خرّج مخرج التعليم
(وذهبت) الشافعية إلى أنه يستحب الإتيان بها في الصيغ الواردة وغيرها لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما جاء وأبو بكر يؤمّ الناس فتأخر أمره أن يثبت مكانه فلم يثبت ثم سأله بعد الفراغ من الصلاة عن ذلك فقال ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأبدى له أنه إنما فعله تأدبًا رضي الله تعالى عنه وأقرّه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك
(وهو مردود) بأن الإتيان بها في الصيغ الواردة زيادة على ما شرعه وبينه صلى الله عليه وعلى آله وسلم والزيادة في الوارد تؤدّى إلى ردّ العمل وعدم قبوله "فقد" روى مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنهما قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ
(وأما) قصة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فهي في خصوص الإمامة فلا تصلح دليلًا على جواز الزيادة فيما شرعه وبينه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فما) يفعله