المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الجمعة للمملوك والمرأة) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٦

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب الفتح على الإِمام في الصلاة)

- ‌(باب الالتفات في الصلاة)

- ‌باب السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ

- ‌(باب العمل في الصلاة)

- ‌(باب ردّ السلام في الصلاة)

- ‌(باب في تشميت العاطس في الصلاة)

- ‌(باب التأمين وراء الإِمام)

- ‌(باب التصفيق في الصلاة)

- ‌(باب الإشارة في الصلاة)

- ‌(باب في مسح الحصى في الصلاة)

- ‌(باب الرجل يصلي مختصرًا)

- ‌(باب النهى عن الكلام في الصلاة)

- ‌(باب في صلاة القاعد)

- ‌(باب من ذكر التورّك في الرابعة)

- ‌(باب التشهد)

- ‌(باب الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد)

- ‌(باب ما يقول بعد التشهد)

- ‌(باب إخفاء التشهد)

- ‌(باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة)

- ‌(باب في السلام)

- ‌(باب الردّ على الإِمام)

- ‌(باب التكبير بعد الصلاة)

- ‌(باب إذا أحدث في صلاتة)

- ‌(باب إذا صلي خمسًا)

- ‌(باب إِذَا شَكَّ في الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ مَنْ قَالَ يُلْقِي الشَّكَّ)

- ‌(باب من قال يتمّ على أكثر ظنه)

- ‌(باب من قال بعد التسليم)

- ‌(باب من قام من ثنتين ولم يتشهد)

- ‌(باب من نسي أن يتشهد وهو جالس)

- ‌(باب سَجْدَتَي السَّهْوِ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وَتَسْلِيمٌ)

- ‌(باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة)

- ‌(باب كيف الانصراف من الصلاة)

- ‌(باب صلاة الرجل التطوع في بيته)

- ‌(باب من صلى لغير القبلة ثم علم)

- ‌(باب تفريع أبواب الجمعة)

- ‌(باب الإجابة آية ساعة هي في يوم الجمعة)

- ‌(باب فضل الجمعة)

- ‌(باب كفارة من تركها)

- ‌(باب مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ)

- ‌(باب الجمعة في اليوم المطير)

- ‌(باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة)

- ‌(باب الجمعة للمملوك والمرأة)

- ‌(باب الجمعة في القري)

- ‌(باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد)

- ‌(باب ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة)

- ‌(باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة)

- ‌(باب اتخاذ المنبر)

- ‌(باب موضع المنبر)

- ‌(باب وقت الجمعة)

- ‌(باب النداء يوم الجمعة)

- ‌(باب الجلوس إذا صعد المنبر)

- ‌(باب الرجل يخطب على قوس)

- ‌(باب رفع اليدين على المنبر)

- ‌(باب إقصار الخطب)

- ‌(باب الدنوّ من الإِمام عند الموعظة)

- ‌(باب الإِمام يقطع الخطبة للأمر يحدث)

- ‌(باب الاحتباء والإمام يخطب)

- ‌(باب الكلام والإمام يخطب)

- ‌(باب استئذان المحدث الإِمام)

- ‌(باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب)

- ‌(باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة)

- ‌باب الرجل ينعس والإمام يخطب

- ‌(باب الإِمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر)

- ‌(باب من أدرك من الجمعة

- ‌(باب ما يقرأ في الجمعة)

- ‌(باب الرجل يأتمّ بالإمام وبينهما جدار)

- ‌(باب الصلاة بعد الجمعة)

- ‌(باب صلاة العيدين)

- ‌(باب وقت الخروج إلى العيد)

- ‌(باب خروج النساء إلى العيد)

- ‌(باب يخطب على قوس)

- ‌(باب ما يقرأ في الأضحى والفطر)

- ‌(باب الجلوس للخطبة)

- ‌(باب الخروج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق)

- ‌(باب إذا لم يخرج الإِمام للعيد من يومه يخرج من الغد)

- ‌(باب الصلاة بعد صلاة العيد)

الفصل: ‌(باب الجمعة للمملوك والمرأة)

خير من النوم قالها. وروى البيهقي نحوه أيضًا (وقال النووي) هذه الكلمة "يعني صلوا في ييوتكم" تقال في نفس الأذان وفي حديث ابن عمر تقال بعده والأمران جائزان كما نص عليه الشافعي لكن بعده أحسن ليتمّ نظم الأذان. ومن أصحابنا من يقول يقوله بعد الفراغ وهو ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس اهـ (وقال العيني) في شرحه على البخاوي بعد نقل الكلام النووي "قلت" حديث ابن عباس لم يسلك مسلك الأذان ألا تري أنه قال فلا تقل حيّ على الصلاة قل صلوا في بيوتكم وإنما أراد إشعار الناس بالتخفيف عنهم للعذر وذلك لأنه ورد في في حديث ابن عمر عند البخاري وحديث أبي هريرة عند ابن عدي في الكامل أن قول المؤذن صلوا في بيوتكم أو في رحالكم إنما يقال بعد الفراغ من الأذان اهـ ببعض تصرّف

(قوله فكأن الناس استنكروا ذلك) أي قول ابن عباس للمؤذن فلا تقل حيّ على الصلاة. وفي رواية للبخاري فنظر القوم بعضهم إلى بعض

(قوله قد فعل ذا من هو خير مني) يعني النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله إن الجمعة عزمة الخ) بفتح العين المهملة أي واجبة فكأن ابن عباس يقول لو تركت المؤذن يقول حيّ على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجيء في المطر فيشق عليهم فأمرته أن يقول صلوا في بيوتكم لتعلموا أن المطر من الأعذار المرخصة في ترك الجمعة فقوله أن أحرجكم بالحاء المهملة أي أشق عليكم بإلزامكم السعي إلى الجماعة في الطين والمطر (وفي هذه) الأحاديث كلها دلالة عل أن كلا من البرد والريح والمطر عذر يبيح التخلف عن الجماعة والجمعة (واختلف في ذلك) فذهبت الشافعية إلى أن كلا من المطر والبرد الشديد عذر يبيح التخلف عن الجماعة سواء أكان بالليل أم بالنهار وكذلك الوحل عل الصحيح عندهم وكذلك الثلج عذر مطلقًا إن بلّ الثوب وكذا الحرّ الشديد بخلاف الريح فليست عذرًا يبيح التخلف إلا إذا كانت باردة وكانت ليلًا فقط وكل عذر سقطت به الجماعة تسقط به الجمعة (وذهبت الحنفية) إلى أن المطر والطين الكثيرين والبرد الشديد أعذار تبيح التخلف عن الجمعة والجماعة وكذا الظلمة الشديدة أما الريح فلا تكون عذرًا إلا إن كانت شديدة وكانت ليلًا (وقالت المالكية) إن الوحل والمطر الشديدين عذر في التخلف عن الجماعة والجمعة. وفسروا الوحل الشديد بأنه ما يحمل أواسط الناس على خلع النعال والمطر الشديد ما يحملهم على تغطية رءوسهم (وقالت الحنابلة) إن تأذى بمطر أو وحل أو جليد أو ريح باردة في ليلة مظلمة ولو لم تكن الريح شديدة أبيح له التخلف عن الجماعة والجمعة واستدلوا بأحاديث الباب

(باب الجمعة للمملوك والمرأة)

(ص) حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا هُرَيْمٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ

ص: 208

بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَي كُلِّ مُسْلِمٍ في جَمَاعَةٍ إِلَاّ أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ".

(ش)(رجال الحديث)(إسحاق بن منصور) السلولي أبو عبد الرحمن. روى عن هريم بن سفيان. وعنه عباس بن عبد العظيم. قال في التقريب صدوق من التاسعة تكلم فيه للتشيع توفي سنة أربع ومائتين. روى له أبو داود. و (هريم) بالتصغير ابن سفيان البجلي الكوفي أبو محمَّد. روى عن بيان بن بشر والأعمش وأبي إسحاق الشيباني وإسماعيل بن أبي خالد وآخرين. وعنه إسحاق بن منصور وأبو نعيم وسويد بن عمرو وأبو غسان النهدي وجماعة. وثقه ابن معين وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني صدوق وقال ابن أبي شيبة صدوق ثقة وقال البزّار صالح الحديث ليس بالقوي. روى له الجماعة. و (إبراهيم بن محمَّد بن المنتشر) بن الأجدع الهمداني الكوفي. روى عن أبيه وأنس وقيس بن مسلم. وعنه شعبة والثوري ومسعر وأبو عوانة. وثقه النسائي وابن سعد والعجلي ويعقوب بن سفيان وأحمد وأبو حاتم. روى له الجماعة. و (قيس بن مسلم) أبي عمرو الجدلي الكوفي. روى عن طارق بن شهاب وسعيد بن جبير وابن أبي ليلي والحسن بن محمَّد وجماعة. وعنه شعبة والثوري والأعمش ومالك بن مغول وكثيرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وقال كان يري الإرجاء وقال يعقوب بن سفيان ثقة ثقة وكان مرجئًا. روى له الجماعة. و (طارق بن شهاب) ابن عبد شمس بن سلمة بن هلال البجلي الأحمسي أبي عبد الله اختلف في محبته والصحيح أنه صحابي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا وعن الخلفاء الأربعة وبلال وحذيفة وغيرهم من الصحابة. وعنه إسماعيل بن أبي خالد وعلقمة بن مرثد وفي بن مسلم وسماك ابن حرب وجماعة. مات سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين. روى له الجماعة

(معنى الحديث)

(قوله الجمعة حق واجب الخ) أي صلاة الجمعة فرض عين على كل فرد من المؤمنين إلامن استثناه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث وهذا المسافر كما يأتي بيانه (وبأن الجمعة) فرض عين قالت الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين وحكي ابن المنذر الإجماع على أنها فرض عين (وحكي) الخطابي الخلاف في أنها فرض عين أوكفاية وقال أكثر الفقهاء على أنها فرض كفاية اهـ وفيه نظر لما علمت من أن جمهور الصحابة والتابعين على أنهما فرض عين. وحكي المرعشي عن الشافعي في القديم والروياني عن بعض

ص: 209

الأصحاب أنها فرض كفاية (قال الدارمي) غلطوا حاكيه وقال أبو إسحاق المروزي لا يجوز حكايته هذا عق الشافعي (واستدل) من قال إنها فرض كفاية بما تقدم في باب من تجب عليه الجمعة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الجمعة على كل من سمع النداء قال في ضوء النهار إنه يدل على ذلك بلا شك ولا شبة اهـ لكن لا دلالة فيه لأنه ليس فيه إلا أنها من فرائض الأعيان على من سمع النداء فقط وليس فيه أنها فرض كفاية على من لم يسمع بل مفهومه يدل على أنها لا تجب عليه لا عينا ولا كفاية، وعلى تقدير أنه يدل على دعواهم ففيه مقال كما تقدم فلا يصلح للاستدلال به (واستدل) من قال بأنها فرض عين بحديث الباب (وبما) رواه النسائي عن حفصة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال رواح الجمعة واجب على كل محتلم (وبما) تقدم للمصنف في باب التشديد في ترك الجمعة أيضًا عن أبي الجعد مرفوعًا من ترك ثلاث جمع تهاونًا بها طبع الله على قلبه (وبما) رواه أحمد ومسلم عن ابن مسعود أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم. وبما رواه مسلم عن أبي هريرة وابن عمر أنهما سمعا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول على أعواد منبره لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعًات أوليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين

(قوله في جماعة) صريح في أن الجماعة شرط في صحة الجمعة وعليه عامة الفقهاء إلا أنهم اختلفوا في العدد الذي تنعقد به الجمعة (فقال) أبو حنيفة ومحمد أقله ثلاث سوي الإِمام لأن الجمع الصحيح إنما هو الثلاث لأنه جمع تسمية ومعني ولأن قوله تعالى في الآية "فاسعوا" يقتضي ساعين وأقل الجمع ثلاثة وقوله "إلى ذكر الله" يقتضي ذاكرا يسعي إليه وهو الإِمام (قالا) ويجب أن يكونوا ممن تصلح إمامتهم (وبهذا) قال المؤيد بالله وأبو طالب وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي واختاره المزني والسيوطي وحكي عن الثوري (وقال أبو يوسف) والليث أقل الجماعة اثنان سوي الإِمام لأن في المثني اجتماع واحد بآخر والجمعة مشتقة من الجماعة وفي اثنين اجتماع لا محالة (وقالت المالكية) أقل الجماعة التي تنعقد بهم الجمعة اثنا عشر رجلًا سوي الإِمام ممن تجب عليهم الجمعة بأن يكونوا ذكورا بالغين أحرارًا مقيمين مستوطنين بنية التأبيد (وبه قال) الزهري والأوزاعي ومحمد ابن الحسن وحكاه المتولي عن ربيعة والماوردي في الحاوي (واستدلوا) بما رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخطب قائمًا يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلًا. لكن ليس في الحديث ما يدل على أنها لا تصح إلا بهذا العدد (وذهبت الحنابلة) وإسحاق والشافعية إلى أن أقل الجماعة في الجمعة أربعون بالإمام واستدلوا بما رواه الدارقطني والبيهقي عن جابر في كل أربعين فما فوقها

ص: 210

جمعة وأضحى وفطر وذلك أنهم جماعة. لكن لا ينتهض للاستدلال به لضعفه لأنه من طريق عبد العزيز بن عبد الرحمن وفيه مقال قال أحمد أضرب على أحاديثه بأنها كداب أو موضوعة وقال النسائي ليس بثقة وقال الدارقطني منكر الحديث وكان ابن حبان لا يجوّز الاحتجاج به وقال البيهقي هذا الحديث لا يحتج بمثله "وما استدلّ به البيهقي" على اعتبار الأربعين من حديث ابن مسعود قال جمعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكنت آخر من أتاه ونحن أربعون رجلًا فقال إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم "لا يدلّ على دعواه" وهي اشتراط الأربعين في الجمعة لأن الواقعة قصد فيها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يجمع أصحابه ليبشرهم فاتفق أن اجتمع له منهم هذا العدد (قال السيوطي) إيراد البيهقي لهذا الحديث أقوى دليل على أنه لم يجد من الأحاديث ما يدلّ للمسألة صريحًا اهـ

واستدلوا أيضًا بما يأتي للمصنف في الباب الآتي بعد عن عبد الرحمن بن كعب وفيه أن أسعد بن زرارة صلى بهم الجمعة وكانوا يومئذ أربعين. لكن الحديث لا دلالة فيه على اشتراط الأربعين لأن هذه واقعة عين لأن الجمعة فرضت عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو بمكة قبل الهجرة فلم يتمكن من إقامتها هنالك من المشركين فلما هاجر بعض أصاحبه إلى المدينة كتب إليهم يأمرهم أن يجمعوا فجمعوا واتفق أن عدّتهم كانت أربعين وليس في الحديث ما يدلّ على أن أقل من الأربعين لا تنعقد بهم الجمعة (وقد) تقرّر عند الأصوليين أن وقائع الأعيان لا يحتج بها على العموم

(وقال) عمر بن عبد العزيز تنعقد بخمسين وهي رواية لأحمد واستدلّ بما رواه الدارقطني والطبراني عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال على الخمسين جمعة ليس فيما دون ذلك اهـ

وهو ضعيف لأن جعفرًا متروك أحاديث كما قاله الدارقطني وعلى تقدير صحته فهو محتمل للتأويل لأن ظاهره أن هذا العدد شرط للوجوب لا شرط للصحة ولا يلزم من عدم وجوبها على ما دون الخمسين عدم صحتها منهم

(وقال) عكرمة تنعقد بسبعة وحكي عن ربيعة أيضًا (وقال ابن حزم) تنعقد بواحد مع الإِمام وقيل لا تنعقد إلا بثمانين حكى هذا عن المازري

(قال في النيل) لا مستند لاشتراط ثمانين أو تسعة أوسبعة كما أنه لا مستند لصحتها من الواحد المنفرد. وأما من قال إنها تصح باثنين فاستدلّ بأن العدد واجب بالحديث والإجماع ورأى أنه لم يثبت دليل على اشتراط عدد مخصوص.

وقد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين ولا فرق بينها وبين الجماعة في بقية الصلوات ولم يأت نص من الشارع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا. وقد أطلق الشارع اسم الجماعة عليها فقال الاثنان فما فوقهما جماعة كما تقدم في أبواب الجماعة.

وقد انعقدت سائر الصلوات بهما بالإجماع. والجمعة صلاة فلا تختص بحكم يخالف غيرها إلا بدليل ولا دليل على اعتبار عدد فيها زائد على المعتبر في غيرها وقد قال

ص: 211

عبد الحق إنه لا يثبت في عدد الجمعة حديث وكذلك قال السيوطي لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص اهـ

(وقال) في الدرر البهية وشرحها الروضة الندية الجمعة كسائر الصلوات لا تخالفها لكونه لم يأت ما يدل عل أنها تخالفها في غير ذلك، وفي هذا الكلام إشارة إلى ردّ ما قيل إنه يشترط في جوبها الإِمام الأعظم والمصر الجامع والعدد الخصوص فإن هذه الشروط لم يدل عليها دليل يفيد استحبابها فضلا عن وجوبها فضلا عن كونها شروطًا بل إذًا صلى رجلان الجمعة في مكان لم يكن فيه غيرهما جماعة فقد فعلًا ما يجب عليهما فإن خطب أحدهما فقد عملًا بالسنة وإن تركا الخطبة فهي سنة فقط ولولا ما في حديث طارق بن شهاب "أي المذكور في الباب" من تقييد الوجوب على كل مسلم بكونه في جماعة ومن عدم إقامته لها صلى الله عليه وعلى آله وسلم في زمنه في غير جماعة لكان فعلها فرادي مجزئًا كغيرها من الصلوات

(ومن تأمل) فيما وقع في هذه العبادة الفاضلة التي افترضها الله تعالى عليهم في الأسبوع وجعلها شعارًا من شعائر الإِسلام وهي صلاة الجمعة من الأقوال الساقطة قضى من ذلك العجب فقائل يقول الخطبة كركعتين وإن من فاتته لم تصح جمعته وكأنه لم يبلغه ما ورد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من طرق متعددة يقوي بعضها بعضًا ويشدّ بعضها عضد بعض أن من فاتته ركعة من ركعتي الجمعة فليضف إليها أخري وقد تمت صلاته. ولا بلغه غير هذا الحديث من الأدلة وقائل يقول لا تنعقد الجمعة إلا بثلاثة مع الإِمام وقائل يقول بأربعة وقائل يقول بسبعة وقائل يقول بتسعة وقائل يقول باثني عشر وقائل يقول بعشرين وقائل يقول بثلاثين وقائل يقول لا تنعقد إلا بأربعين وقائل يقول بخمسين وقائل يقول لا تنعقد إلا بسبعين وقائل يقول لا تنعقد إلا فيما بين ذلك وقائل يقول بجمع كثير من غير تقييد وقائل يقول إن الجمعة لا تصح إلا في مصر جامع وحدّه بعضهم بأن يكون الساكنون فيه كذا وكذا من آلاف وآخر قال أن يكون فيه جامع وحمام وآخر قال أن يكون فيه هذا وهذا وآخر قال إنها لا تجب إلا مع الإِمام الأعظم فإن لم يوجد أو كان مختل العدالة بوجه من الوجوه لم تجب الجمعة ولم تشرع ونحو هذه الأقوال التي ليس عليها أثارة من علم ولا يوجد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حرف واحد يدل على ما ادعوه من كون هذه الأمور المذكورة شروطًا لصحة الجمعة أو فرضًا من فرائضها أو ركنا من أركانها فيالله العجب مما يفعل الرأي بأهله ومن الأقوال التي هي عن الشريعة المطهرة بمعزل. يعرف هذا كل عارف بالكتاب والسنة وكل متصف بصفة الإنصاف وكل من ثبت قدمه ولم يتزلزل عن طريق الحق بالقيل والقال ومن جاء بالغلط فغلطه ردّ عليه مضروب به في

ص: 212

وجهه والحكم بين العباد هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما قال سبحانه وتعالي (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ). (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا). (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). فهذه الآيات ونحوها تدل أبلغ دلالة وتفيد أعظم فائدة أن المرجع مع الاختلاف إلى حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحكم الله تعالى هو كتابه وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن قبضه الله تعالى هو سنته ليس غير ذلك ولم يجعل الله تعالى لأحد من العباد وإن بلغ في العلم أعلي مبلغ وجمع منه مالًا يجمع غيره أن يقول في هذه الشريعة بشيء لا دليل عليه من كتاب ولا سنة. والمجتهد وإن جاءت الرخصة له بالعمل برأيه عند عدم الدليل فلا رخصة لغيره أن يأخذ بذلك الرأي كائنًا من كان وإني كما علم الله لا أزال أكثر التعجب من وقوع مثل هذا للمصنفين وتصديره في كتب الهداية وأمر العوام والمقصرين باعتقاده والعمل به وهو على شفا جرف هار. ولم يختص هذا بمذهب من المذاهب ولا بقطر من الأقطار ولا بعصر من العصور بل تبع فيه الآخر الأول كأنه أخذه من أم الكتاب وهو حديث خرافة وقد كثرت التعيينات في هذه العبادة كما سبقت الإشارة إليها بلا برهان ولا قرآن ولا شرع اهـ ببعض تصرّف

(قوله عبد مملوك) هو وما بعده مرفوع على أنه خبر مبتدإ محذوف ويجوز فيها النصب على البدلية من أربعة (وظاهره) أن الجمعة لا تجب على العبد مطلقًا ولو كان مدبرًا أو مكاتبًا أو معتقًا لأجل (وإلي ذلك) ذهبت المالكية والشافعية وأحمد وعطاء والشعبي وعمر بن عبد العزين والثوري وأبو ثور وأهل الكوفة (وقال داود) تجب عليه مطلقًا. وهي رواية عن أحمد لدخوله في عموم الخطاب في الآية "وفيه نظر" فإن الآية مجملة والحديث مبين وقد بين أن العبد لا تجب عليه الجمعة (وقال النووي) قال بعض العلماء تجب الجمعة على العبد فإن منعه السيد فله التخلف اهـ

وفيه أن الحديث يردّه (وعن الحسن) وقتادة والأوزاعي وجوبها على عبد يؤدي الضريبة أما من بعضه حرّ وبعضه رقيق فلا جمعة عليه على الصحيح وبه قال الجمهور. قال النووي وسواء أكان الزمن مقسومًا بينه وبين سيده أم لا وحكى الخراسانيون عن جماعة أنه إن كان بينه وبين سيده قسمة وصادف يوم الجمعة نوبته لزمته. وهو ضعيف لأن له حكم العبيد في معظم الأحكام ولا تنعقد به الجمعة. باتفاق اهـ

ولا دليل على هذه التفرقة (والراجح) القول بعدم وجوبها على العبد مطلقًا "والحكمة" في ذلك ما في حضوره الجمعة من تعطيل كثير من أعمال سيده فإن أذن له السيد في حضورها حضر وصحت منه

(قوله أو امرأة) عدم وجوب الجمعة على النساء متفق عليه. ويستحب للعجائز حضورها بخلاف الشابة "والحكمة" في ذلك أنها مشغولة بأعمال زوجها

(قوله أو صبي) فيه دلالة على عدم وجوب الجمعة على الصبي

ص: 213

وهو مجمع عليه أيضًا

(قوله أو مريض) أي بحيث لا يقدر على الإتيان لها أصلًا أو يقدر بمشقة ظاهرة وذلك لأنه عاجز عن الحضور إليها أو يحصل له الحرج والمشفقة إذا حضرها (ويلحق) بالمريض الشيخ الكبير عند أبي حنيفة والمالكة (وقال) أبو يوسف ومحمد وأحمد والشافعية إن وجد مركوبًا ملكًا أو بأجرة أو إعارة وجبت عليه وإلا فلا (ويستثني) أيضًا المسافر كما صرّح به في رواية البيهقي والدارقطني عن جابر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريض أو مسافر أو امرأة أو صبيّ أو مملوك فمن استغني بلهو أو تجارة استغني الله عنه والله غني حميد وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال. وفي رواية الطبراني عن ابن عمر ليس على مسافر جمعة (وإلي ذلك) ذهبت الشافعية وقالوا لا فرق بين كون السفر طويلًا أوقصيرًا (وقالت الحنابلة) والحنفية لا تجب على المسافر سفر قصر (وقالت المالكية) لا تجب على مسافر إذا كان خارجًا عن البلد بأكثر من فرسخ ولا يشترط أن يكون سفر قصر "والحكمة" في عدم وجوبها على المسافر أنه لو حضرها يتخلف عن القافلة فيلحقه الحرج والوقوع في التهلكة (واختلف) في الأعمي فقال أبو حنيفة والإمام يحيى لا تجب على الأعمي مطلقًا. ويردّ عليهما حديث ابن أم مكتوم المتقدم في باب التشديد في ترك الجماعة (وقالت المالكية) والشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد وداود تجب عليه إن أمكنه الوصول بنفسه أو بقائد ويدل لهم ما تقدم للمصنف في الباب المذكور عن ابن أم مكتوم قال يا رسول الله إني رجل ضرير البصر شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي قال هل تسمع النداء قال نعم قال لا أجد لك رخصة. وهذا في الجماعة ففي الجمعة أولى (والحديث) أخرجه البيهقي

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا.

(ش) غرض المصنف بهذا أن الحديث مرسل وهو غير قادح في صحة الحديث لأنه مرسل صحابي وهو حجة عند الجمهور وادعى بعض الحنفية الإجماع على أن مرسل الصحابي حجة. على أنه قد اندفع الإعلال بالإرسال برواية الحاكم في المستدرك عن هريم بن سفيان عن طارق ابن شهاب عن أبي موسى مرفوعًا وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقد احتجا بهريم بن سفيان (وقال البيهقي) في سننه هذا الحديث وإن كان فيه إرسال فهو مرسل جيد وطارق بن شهاب من كبار التابعين وممن رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإن لم يسمع منه ولحديثه هذا شواهد اهـ

ومن الشواهد التي أشار إليها ما أخرجه البيهقي من

ص: 214