الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة يدلّ على أن الأفعال الكثيرة إذا توالت لا تبطل الصلاة
(وإليه ذهب) بعضهم "وما قاله" ابن رسلان من أن هذا المشي محمول على أنه مشى خطوة أو خطوتين أو مشى أكثر من ذلك متفرّقًا "مردود" لأنه من تقييد الحديث بالمذهب ولا يخفى فساده
(قوله وذكر أن الباب كان في القبلة) أي ذكر عروة أن الباب كان إلى جهة القبلة. وهذا يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لم يتحوّل عن القبلة حال ذهابه ويكون رجوعه إلى مصلاه على عقبيه إلى خلف ويؤيده ما رواه الدارقطني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي فإذا استفتح إنسان الباب فتح الباب ما كان في القبلة أو عن يمينه أو عن يساره ولا يستدبر القبلة. وهذا يردّ شبهة من قال إن هذا الفعل يستلزم ترك استقبال القبلة
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي والترمذي والدارقطني
(باب ردّ السلام في الصلاة)
أي في بيان حكم ردّ السلام في الصلاة
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ في الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَقَالَ "إِنَّ في الصَّلَاةِ لَشُغْلًا".
(ش)(رجال الحديث)(محمَّد بن عبد الله بن نمير) أبو عبد الرحمن الهمداني الكوفي روى عن أبيه ومحمد بن فضيل. وابن عيينة ووكيع وحفص بن غياث وآخرين. وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وجماعة. قال ابن الجنيد ما رأيت بالكوفة مثل ابن نمير وكان رجلًا نبيلًا قد جمع العلم والفهم والسنة والزهد وقال العجلي ثقة ويعدّ من أصحاب الحديث وقال أبو حاتم ثقة يحتج بحديثه وقال النسائي ثقة مأمون. وقال ابن حبان كان من الحفاظ. المتقنين وأهل الورع في الدين. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. روى له الجماعة. و (الأعمش) و (إبراهيم) النخعي تقدما في الجزء الأول صفحة 36. وكذا (علقمة) صفحة 286. وكذا (عبد الله) ابن مسعود صفحة 142
(معنى الحديث)
(قوله فلما رجعنا من عند النجاشي الخ) وكان رجوعهم في السنة الثالثة من الهجرة والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتجهز لغزوة بدر وكانت هجرتهم إلى الحبشة
حين كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة فارّين لما لحقهم من أذى المشركين ولما خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة وسمعوا بمهاجرته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هاجروا من الحبشة إلى المدينة فوجدوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة فسلموا عليه كما كانوا يسلمون قبل مهاجرتهم إلى الحبشة فلم يردّ عليهم وقال إن في الصلاة لشغلا بضمتين أي مانعا من الكلام في الصلاة وهو بزيادة اللام للتأكيد. وفي رواية للبخاري بدونها. والتنكير للتعظيم أي شغلًا عظيمًا لأنها مناجاة الله تعالى فلا يليق فيها الاشتغال بغيره ويحتمل أن يكون التنكير للتنويع أي إن في الصلاة لشغلا بقراءة القرآن والذكر والدعاء
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا أَبَانُ نَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ في الصَّلَاةِ وَنَأْمُرُ بِحَاجَتِنَا فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَأَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدُثَ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قَالَ "إِنَّ اللهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا في الصَّلَاةِ". فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ.
(ش)(أبان) بن يزيد العطار تقدم في الجزء الأول صفحة 119. وكذا (عاصم) بن بهدلة صفحة 90. وكذا (أبو وائل) شقيق بن سلمة صفحة 89
(قوله كنا نسلم في الصلاة الخ) أي كان يسلم أحدنا على الآخر وهو في الصلاة فيردّ عليه السلام وكان أحدنا إذا عرضت له حاجة وهو في الصلاة أمر بها
(قوله فأخذني ما قدم وما حدث) بضم الدال فيهما ومراده غلب عليّ التفكر في أحوالي السابقة واللاحقة أيها كان سببًا لتركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ردّ السلام عليّ
(ويحتمل) أن المراد أخذني ما تقدم من التكلم في الصلاة وما حدث فيها من عدم التكلم
(قوله إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء الخ) أي يظهر ويجدّد من الأحكام ما يشاء وإن الله تعالى قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة. وفي رواية كنا نسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ كنا بمكة قبل أن نأتى أرض الحبشة فلما قدمنا من أرض الحبشة أتيناه فسلمنا عليه فلم يردّ فأخذني ما قرب وما بعد حتى قضى الصلاة فسألته فقال إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإنه قد أحدث من أمره أن لا نتكلم في الصلاة
(وفي هذا) دلالة على نسخ
الكلام في الصلاة وتحريمه فيها (ويدل) على النسخ أيضًا بقية أحاديث الباب.
وما وواه البخاري وغيره وسيأتي للمصنف عند زيد بن أرقم قال كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة فنزلت "وقوموا لله قانتين" فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام
(ولا خلاف) بين أهل العلم أن من تكلم في صلاته عامدا فسدت صلاته لا فرق بين قليل الكلام وكثيره إلا لمصلحة الصلاة كما قاله ابن المنذر
(واختلف) في كلام الناسي والساهى فقال الثوري وابن المبارك والنخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة والهادوية إن كلام الناسي والجاهل مبطل للصلاة قلّ أو كثر كالعامد (واستدلوا) بحديث زيد بن أرقم المذكور وسائر الأحاديث المصرّحة بالنهى عن الكلام في الصلاة "قالوا" وظاهرها عدم الفرق بين العامد والناسي والجاهل (ووافقهم) المالكية في الجاهل (وكذا الشافعية) إلا أنهم قالوا يغتفر لقريب العهد بالإِسلام يسير الكلام (وفي المغني) للحنابلة إن تكلم جاهلًا لتحريم الكلام في الصلاة فقال القاضي في الجامع لا أعرف عن أحمد نصًا في ذلك. ويحتمل أن لا تبطل صلاته لأن الكلام كان مباحًا في الصلاة بدليل حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم ولا يثبت حكم النسخ في حق من لم يعلمه بدليل أن أهل قباء لم يثبت في حقهم حكم نسخ القبلة قبل علمهم فبنوا على صلاتهم اهـ
(وقالت) المالكية والشافعية كلام الناسي يبطل كثيره دون يسيره
(وقال) الحنابلة إن الناسي على نوعين (أحدهما) أن ينسى أنه في صلاة وفيه روايتان
(إحداهما). لا تبطل لأنه صلى الله عليه وآله وسلم تكلم في قصة ذى اليدين ولم يأمر معاوية بن الحكم بالإعادة إذ تكلم جاهلًا وما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان
(ثانيتهما) تبطل لعموم أحاديث المنع من الكلام في الصلاة ولأنه ليس من جنس ما هو مشروع فلم يسامح فيه بالنسيان كالعمل الكثير من غير جنس الصلاة
(النوع الثاني) أن يظن أن صلاته قد تمت فيتكلم فإن كان سلاما لم تبطل الصلاة رواية واحدة لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فعلوه وبنوا على صلاتهم ولأن جنسه مشروع في الصلاة فأشبه الزيادة فيها منْ جنسها. وإن لم يكن سلاما فالمنصوص عن أحمد في رواية عن أصحابه أنه إذا تكلم بشئ بما تكمل به الصلاة أو شيء من شأن الصلاة مثل كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لذى اليدين لم تفسد صلاته وإن تكلم بشئ من غير أمر الصلاة كقوله يا غلام اسقني ماء بطلت صلاته اهـ من المغني
(وممن فرق) بين كلام العامد وغيره ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير من الصحابة ومن التابعين عروة وعطاء والحسن البصري وحكاه الحازمى عن عمرو بن دينار ونفر من أهل الكوفة وعن أكثر أهل الحجاز وحكاه النووي عن الجهور
(واستدلوا) على عدم فساد صلاة الناسي بما رواه ابن ماجه والدارقطني والطبراني والحاكم والبيهقي مرفوعًا رفع عن أمتي الخطأ والنسيان (وبأن) النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تكلم حال السهو وبنى على صلاته كما في حديث ذى اليدين
(واستدلوا) على عدم فساد صلاة الجاهل بحديث معاوية بن الحكم الآتي
(فقه الحديث) دلّ الحديث على وقوع النسخ في الأحكام الشرعية، وعلى أن من سلم عليه وهو الصلاة لا يردّ إلا بعد الفراغ منها
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والطحاوي والنسائي وابن حبان في صحيحه
(ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ نَابِلٍ صَاحِبِ الْعَبَاءِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ إِشَارَةً. قَالَ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَاّ قَالَ إِشَارَةً بِأُصْبُعِهِ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ.
(ش)(رجال الحديث)
(قوله أن الليث حدثهم) أي أن الليث بن سعد حدث يزيد وقتيبة بن سعيد فأراد بالجمع ما فوق الواحد أو أنه حدثهما ومن معهما في مجلس التحديث
و(نابل) بالنون والموحدة المكسورة (صاحب العباء) ويقال صاحب الشمال الحجازي روى عن أبي هريرة وابن عمر. وعنه صالح بن عباد وبكير بن عبد الله بن الأشجّ. وثقه النسائي وابن حبان وقال الذي التقريب مقبول من الثالثة.
و(صهيب) بن سنان بن مالك بن عمرو ابن عقيل بن عامر النمري أبي يحيى الرومي نسب إلى الروم لأن أباه سنانًا كان عاملًا لكسرى على الأيلة وكانت منازلهم بأرض الموصل في قرية على شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل فأغارت الروم على تلك الناحية فسبى صهيب وهو غلام صغير فنشأ بالروم فابتاعه منهم كليب ثم قدم به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التميمي فأعتقه فأقام معه بمكة حتى هلك عبد الله بن جدعان
(وبعث) النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ابن عمر قال عمار بن ياسر لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيها فقلت له ما تريد فقال لي ما تريد أنت فقلت أردت أن أدخل على محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأسمع كلامه قال وأنا أريد ذلك فدخلنا عليه فعرض علينا الإِسلام فأسلمنا ثم مكثنا يومنا على ذلك حتى أمسينا ونحن مستخفون. أسلم رضي الله تعالى عنه بعد بضعة وثلاثين وكان من المستضعفين بمكة والمعذبين في الله تعالى. شهد المشاهد كلها وقال ما جعلت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيني وبين العدوّ وما كنت إلا عن يمينه أو أمامه أو عن شماله. وأخرج الحاكم عن سعيد بن المسيب عن صهيب قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة وخرج معه أبو بكر وكنت قد هممت بالخروج معه فصدّني فتيان من قريش فجعلت ليلتي تلك أقوم ولا أقعد
فقالوا قد شغله الله عنكم ببطنه ولم أكن شاكيًا فقاموا فلحقني منهم ناس بعد ما سرت بريدًا ليردّوني فقلت لهم هل لكم أن أعطيكم أو اقى من ذهب وتخلون سبيلي وتفون لي فتبعتهم إلى مكة فقلت لهم احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأو اقي واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحلتين وخرجت. حتى قدمت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل أن يتحوّل منها يعني قباء فلما رآني قال يا أبا يحيى ربح البيع ثلاثًا فقلت يا رسول الله ما سبقني إليك أحد وما أخبرك إلا جبريل. وفي رواية أخرى فنزلت عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) فتلا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه الآية. روى عنه جابر وسعيد بن المجيب وابن أبي ليلى وجماعة. توفي سنة ثمان وثلاثين
(معنى الحديث)
(قوله فردّ إشارة) أي ردّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السلام عليّ بالإشارة لا باللفظ (وهذا) لا ينافي ما في الحديث السابق من تأخيره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ردّ السلام إلى ما بعد سلامه من الصلاة فإن هذا محمول على بيان الجواز والسابق محمول على الأفضل (وفي حديث الباب) دلالة على مشروعية سلام غير المصلى على المصلى من غيركراهة وفي أيضًا مشروعية ردّ المصلى السلام بالإشارة
(وقد اختلف) في كل منهما فقالت الشافعية والمالكية. يجوز ابتداء السلام على المصلى من غيركراهة وهو المعتمد عند المالكية وهو قول ابن عمر ومالك وأحمد
(قال النووي) وهو الذى تقتضيه الأحاديث الصحيحة. ويدلّ لهم حديث صهيب هذا فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرّ صهيبًا عليه ولم ينكر عليه
(وقالت) الحنفية يكره ابتداء السلام على المصلي وهو قول جابر وعطاء والشعبي وأبي مجلز وإسحاق بن راهويه وقول عند المالكية. ويدلّ لهم ما سيأتي للمصنف لا غرار في صلاة ولا تسليم
(وأما ردّ) المصلي السلام فقالت المالكية والشافعية والحنابلة يردّ بالإشارة وهو قول ابن عمر وابن عباس وإسحاق وهو المنقول عن أكثر العلماء
(واستدلوا) بحديث الباب فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشار بيده (وبما رواه) أحمد والترمذي والمصنف عن ابن عمر قال قلت لبلال كيف كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يردّ عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة قال يشير بيده
(وقال أبو ذرّ) وعطاء والنخعي والثوري يستحب أن لا يردّ المصلى السلام إلا بعد الفراغ من الصلاة. واستدلوا بحديث ابن مسعود المتقدم وفيه فسلمت عليه فلم يردّ عليّ السلام فأخذني ما قدم وما حدث فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة قال إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء وإن الله تعالى قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة فردّ عليّ السلام
(واستدلوا) أيضًا بما سيذكره المصنف عن أبي هريرة لا غرار في صلاة ولا تسليم وبما رواه البزّار والدارقطني وسيأتي للمصنف عن أبي هريرة موفوعا التسبيح للرجال والتصفيق
للنساء من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها (لكن يجاب) عن حديث ابن مسعود بأن المنفي في قوله فلم يردّ عليّ السلام الردّ باللفقالا الردّ بالإشارة. وردّه بعد الفراغ من الصلاة لا ينافي الردّ بالإشارة حال الصلاة (وبأن حديث) لا غرار في صلاة ولا تسليم لا يدل عل عدم جواز ردّ السلام بالإشارة لأنه ظاهر تسليم الغير على المصلي وتسليم المصلي على الغير لا في الردّ من المصلى عل من سلم عليه (ولو سلم) شموله لردّ المصلى على من سلم عليه فيحمل على الردّ باللفظ جمعًا بين الأحاديث (وبأن حديث) من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها ضعيف سيأتي وعلى فرض صحته فتحمل الإشارة فيه على الإشارة لغير ردّ السلام أولغير الحاجة
(وذهب أبو حنيفة) إلى أنه لا يردّ لا لفظا ولا إشارة فإن ردّ باللفظ بطلت الصلاة وإن ردّ بالإشارة كره (وحكى) ابن المنذر عن أبي هريرة وسعيد بن المسيب والحسن البصري وقتادة أنهم أباحوا ردّ السلام في الصلاة باللفظ (وهذا مردود) بالأحاديث الدالة على نسخ ذلك. ولعله لم يبلغهم النسخ (إذا علمت) ما تقدم تبين لك أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور. من مشروعية ردّ السلام بالإشارة حال الصلاة
(قوله قال ولا أعلمه إلا الخ) أي قال قتيبة لا أعلم الليث إلا قال الذي روايته فردّ إشارة بأصبعه
(والحديث) أخرجه أحمد والنسائي والطحاوي والترمذي وقال حديث صحيح
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ نَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَرْسَلَنِي نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى بَعِيرِهِ فَكَلَّمْتُهُ فَقَالَ لِي بِيَدِهِ هَكَذَا ثُمَّ كَلَّمْتُهُ فَقَالَ لِي بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَنَا أَسْمَعُهُ يَقْرَأُ وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ "مَا فَعَلْتَ في الَّذِي أَرْسَلْتُكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ إِلَاّ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي".
(ش)(زهير) بن معاوية تقدم في الجزء الأول صفحة 112. وكذا (أبو الزبير) صفحة 24
(قوله أرسلني نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي رواية مسلم أرسلني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق أي أرسلني إليهم لأتيه بخبرهم أولحاجة من الحاجات. وبنوا المصصلق هم بنو خزيمة بن سعد بطن من خزاعة
(قوله يصلي على بعيره) أي تطوعًا وفي رواية مسلم ثم أدركته وهو يسير زاد النسائي مشرّقًا أو مغرّبًا
(قوله فكلمته) يعني سلمت عليه كما صرّح به في رواية للنسائي ورواية لمسلم عن
أبى الزبير عن جابر. ويحتمل أنه كلمه بغير السلام
(قوله فقال لي بيده هكِذا) أي أشار لي بيده هكذا نحو الأرض صرّح به في رواية مسلم وفيها ثم كلمته فقال لي بيده هكذا وأو مأ زهير بيده نحو الأرض
(وهذا يدلّ) على جواز الإشارة في الصلاة لحاجة (وبه قالت) المالكية والحنابلة وكذا الشافعية على الأصح عندهم وقيدوه بما إذا كانت الإشارة يسيرة فإن كانت كثيرة بطلت الصلاة
(وقالت الحنفية) تكره الإشارة في الصلاة. لكن الأحاديث على خلافه. وجاءت الإشارة لحاجة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في غير حديث الباب كحديث عائشة وجابر اللذين أخرجهما الشيخان والمصنف وغيرها لما صلى بهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالسًا في مرض له فقاموا خلفه فأشار إليهم أن اجلسوا وحديث أم سلمة عندهم أيضًا أنها قالت سعمت النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ينهى عن الركعتين بعد العمر ثم رأيته يصليهما وعندى نسوة من بني حرام فأرسلت إليه الجارية فقلت قومي بحنبه وقولي له تقول لك أم سلمة يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين وأراك تصليهما فإن أشار بيده فاستأخرى عنه ففعلت الجارية فأشار بيده
(قوله وأنا أسمعه يقرأ الخ) أي يقرأ القرآن ويومئُ برأسه للركوع والسجود
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغي للرئيس إذا أراد قتال قوم أن يرسل من يكشف له خبرهم قبل وصوله إليهم ليكون علي بصيرة من أمرهم، وعلى جواز الصلاة علي الدابة. وهي محمولة على التطوّع عرفت، وعلى أن الصلاة على الدابة يكتفى فيها بالإيماء إلى الركوع والسجود، وعلى جواز التسليم على المصلي والردّ عليه بالإشارة، وعلى أن من سلم عليه وهو يصلي ولم يفهم المسلم الردّ عليه بالإشارة يطلب منه أن يعتذر له بعد الفراغ من الصلاة. ومثل المصلى في ذلك من كان متلبسًا بما يمنعه من ردّ السلام كالتأذين والتلبية وقضاه الحاجة
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم وأخرج الترمذي والطحاوي والنسائي نحوه
(ص) نَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْخُرَاسَانِيُّ الدَّامَغَانِيُّ نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ نَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ نَا نَافِعٌ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قُبَاءَ يُصَلِّي فِيهِ -قَالَ- فَجَاءَتْهُ الأَنْصَارُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي. قَالَ فَقُلْتُ لِبِلَالٍ كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ يَقُولُ هَكَذَا وَبَسَطَ كَفَّهُ. وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كَفَّهُ
وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى فَوْقٍ.
(ش)(قوله الدامغاني) نسبة إلى دامغان بلد بين الرى ونيسابور. و (قباء) قرية قريبة من المدينة على ميلين منها أو ثلاثة
(قوله فقلت لبلال الخ) وفي رواية النسائي وابن ماجه قال ابن عمر دخل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسجد قباء ليصلي فيه فجاءت رجال من الأنصار يسلمون عليه فسالت صهيبًا وكان معه في كيف كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنع إذا سلم عليه
(قوله يقول هكذا وبسط الخ) أي يشير صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيده هكذا وبسط بلال كله تصويرًا لإشارته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبسط جعفركفه تصويرًا الإشارة بلال التي وصلت إليه من شيوخه
(وفي هذا) بيان كيفية الإشارة التي يردّ بها المصلي السلام على من سلم عليه حال الصلاة وأنها تكون باليد باطنها إلى أسفل وظاهرها إلى أعلى. وتقدم في حديث ابن مسعود أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشار بأصبعه. وفي حديثه عند البيهقي أنه أو مأ برأسه. ولا منافاة بين هذه الروايات لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك كله لبيان الجواز فلا حرج على من فعل أي إشارة منها
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والترمذي وأحمد وابن ماجه
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لَا غِرَارَ في صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمٍ". قَالَ أَحْمَدُ يَعْنِي فِيمَا أُرَى أَنْ لَا تُسَلِّمَ وَلَا يُسَلَّمَ عَلَيْكَ وَيُغَرِّرُ الرَّجُلُ بِصَلَاتِهِ فَيَنْصَرِفُ وَهُوَ فِيهَا شَاكٌّ.
(ش)(رجال الحديث)(سفيان) الثوري. و (أبو حازم) سليمان الأشجعي الكوفي. روى عن أبي هريرة وابن عمر والحسن والحسين وابن الزبير. وعنه أبو مالك سعد ابن طارق الأشجعي والأعمش ومنصور بن المعتمر وابن عجلان وكثيرون. وثقه أبو داود وابن معين وأحمد والعجلي وقال ابن سعد كان ثقة وله أحاديث صالحة وقال ابن عبد البر أجمعنا على أنه ثقة. روى له الجماعة
(معنى الحديث)
(قوله لا غرار في صلاة) أي لا نقص في صلاة (قال) في النهاية الغرار في الصلاة نقصان هيئتها وأركانها وقيل النوم فيها (وقال) الخطابي الغرار في الصلاة على وجهين (أحدهما) أن لايتمّ ركوعه وسجوده (والآخر) أن يشك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين