الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب اتخاذ المنبر)
وفي بعض النسخ "باب في اتخاذ المنبر"
(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَقَدِ امْتَرَوْا في الْمِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ وَاللهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَي فُلَانَةَ امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ "أَنْ مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ". فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَرْسَلَتْهُ إِلَي النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَيْهَا وَكَبَّرَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَي فَسَجَدَ في أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَي النَّاسِ فَقَالَ "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي".
(ش)(أبو حازم) سلمة بن دينار تقدم في الجزء الأول صفحة 147
(قوله أن رجالًا) لم تعرف أسماؤهم
(قوله امتروا في المنبر) من المماراة وهي المجادلة أي تجادلوا فيه وقيل من الامتراء وهو الشك يعني شكوا في أصله
(قوله إني لأعرف مما هو) بإثبات الألف في ما الاستفهامية المجرورة على خلاف الأصل. وفي بعض النسخ بحذف الألف. وأقسم لتأكيد أنه عالم به ومتيقن منه ليزيل ما عندهم. وفي رواية للبخاري أن سهلًا قال ما بقي أحد أعلم به مني
(قوله وقد رأيته أول يوم وضع) زاد عن السؤال لإعلامهم بأنه متثبت مما سألوه عنه
(قوله أرسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى فلانة الخ) وفي رواية للبخاري إلى فلانة امرأة من الأنصار. ولم يعرف اسمها وقيل اسمها فكيهة بنت عبيد بن دليم وقيل عائشة
(قوله أن مري غلامك) أي خادمك وأن تفسيرية مبينة للمرسل به
والغلام قيل اسمه قبيصة المخزومي وقيل باقوم وقيل ميمون واختاره الحافظ
(وظاهر الحديث) أنه صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى المرأة "وهو لا ينافي" رواية البخاري عن جابر أن المرأة قالت يا رسول الله ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه فإنه صريح في أن المرأة التي بدأته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في شأن المنبر "لاحتمال" أن تكون المرأة عرضت عليه الأمر أولًا ثم أرسل إليها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد لتنجز عمله
(قوله فعملها من طرفاء الغابة) هو شجر من شجر البادية واحده طرفة. وفي رواية للبخاري من أثل الغابة ولا تنافي بينهما لأن الطرفاء كما في القاموس أربعة أصناف منها الأثل. والغابة موضع من عوالي المدينة على تسعة أميال منها وأصلها كل شجر ملتف
(قوله ثم جاء الخ) أي جاء الغلام بالأعواد التي صنعها إلى مولاته فأرسلته بها إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمر بها فوضعت ها هنا يعني في قبلة مسجده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
(قوله صلى عليها وكبر عليها الخ) لم يذكر في هذه الرواية القراءة بعد الإحرام والقيام بعد الرفع من الركوع. وفي رواية للبخاري عن أبي حازم كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقري يعني مشى إلى خلفه محافظة على استقبال القبلة فسجد في أصل المنبر يعني على الأرض قريبًا منه ثم رجع إلى المنبر للقيام عليه
(قوله إنما صنعت هذا الخ) يعني إنما صليت فوق المنبر لتقتدوا بي ولتتعلموا كيفية صلاتي. وفي هذا بيان حكمة صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر إذ لو صلي على الأرض لخفي حاله على كثير من المأمومين
(فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية اتخاذ المنبر للخطبة لكونه أبلغ في إسماع الناس ومشاهدتهم للخطيب سواء أكان الخطيب خليفة أم لا كما هو مذهب الجمهور خلافًا لمن فرق بين الخليفة وغيره لأنه لا دليل على هذه التفرقة، وعلى جواز ضد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل، وعلى جواز العمل اليسير في الصلاة لمصلحتها، وعلى جواز ارتفاع الإِمام على المأمومين لقصد التعلم
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه ورواه البيهقي من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن نفرًا جاءوا إلى سهل بن سعد قد تماروا في المنبر من أيّ عود هو فقال أما والله إلى لأعرف من أيّ عود هو ومن عمله ورأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أول يوم جلس عليه قال فقلت له يا أبا عباس فحدثنا فقال أرسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى امرأة قال أبو حازم إنه لسماها يومئذ انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا لأكلم الناس عليها فعمل هذه الثلاث درجات ثم أمر بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فوضعت هذا الموضع فهي من طرفاء الغابة
ولقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر يعني ثم ركع ثم رفع فنزل القهقري حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم أقبل على الناس وقال يا أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي
(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَدُنَ قَالَ لَهُ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ أَلَا أَتَّخِذُ لَكَ مِنْبَرًا يَا رَسُولَ اللهِ يَجْمَعُ -أَوْ يَحْمِلُ- عِظَامَكَ قَالَ "بَلَي". فَاتَّخَذَ لَهُ مِنْبَرًا مِرْقَاتَيْنِ.
(ش)(أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل. و (وابن أبي روّاد) هو عبد العزيز بن ميمون
(قوله لما بدن) بتشديد الدال المهملة المفتوحة أي كبر في السنن أو بضم الدال أو فتحها مخففة كثر لحمه وعظم
(قوله قال له تميم الداري الخ) ليس في هذه الرواية التصريح بأن تميما الذي صنع المنبر فلا ينافي أن الصانع له غلام المرأة وتميم من جملة من بدأه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في عمل المنبر
(قوله يجمع أو يحمل عظامك) شك من الراوي والمراد أنه يخطب عليه
(قوله فاتخذ له منبرًا مرقاتين) يعني درجتين غير الدرجة التي كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجلس عليها ويؤيده ما ذكره إن عبد البر في الاستيعاب عن باقوم الرومي قال صنعت لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منبرًا من طرفاء له ثلاث درجات المقعدة ودرجتان ولا ينافيه ما في رواية مسلم من أن المنبر كان ثلاث درجات لأنه عدّ المقعدة من الثلاث وعلى هذا يحمل ما رواه الحاكم وصححه عن كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحضروا المنبر فحضرناه فلما ارتقى الدرجة الأولى قال آمين فلما ارتقى الدرجة الثانية قال آمين فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال آمين فلما نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئًا ما كنا نسمعه قال إن جبريل عرض لي فقال بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له قلت آمين فلما رقيت الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين فلما رقيت الثالثة قال بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت آمين (قال) السمهودي جميع كلام المؤرخين مقتض لاتفاقهم على أن منبره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان درجتين غير المجلس اهـ (وكان) طول المنبر إلى جهة السماء ذراعين وامتداده مما يلي القبلة إلى الجهة المقابلة لها ذراعين وكان عرضه ذراعًا وارتفاع كل واحدة من الدرجتين نصف ذراع وارتفاع الدرجة الثالثة التي كان يجلس عليها ذراعًا وكان سطح المقعدة ذراعًا في ذراع وكان له رمانتان في جانبي المجلس من المقدم كان يمسكهما صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيديه
الكريمتين إذا جلس. ارتفاع كل واحدة من الرمانتين عن المجلس نصف ذراع وكان له خمسة أعواد من جوانبه ثلاثة خلف الظهر كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يستند إليها وطولها ذراع وفي كل جانب عود وكان فيه سبع كوى من جوانبه
(واستمرّ) على هذه الهيئة إلى أن زاد فيه مروان ست درجات وذلك حين كتب معاوية إلى مروان وهو على المدينة أن أرسل إليّ بمنبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فخرج مروان فقلعه وأراد أن يبعث به إلى معاوية فكسفت الشمس حتى أظلمت المدينة وظهرت النجوم نهارًا وأصابتهم ريح شديدة وصار يلقي الرجل الرجل يصكه فلا يعرفه فخرج عليهم مروان فخطبهم وقال يا أهل المدينة إنكم تزعمون أن أمير المؤمنين بعث إلى منبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأمير المؤمنين أعلم بالله من أن يغير منبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عما وضعه عليه إنما أمرني أن أكرمه وأرفعه فدعا نجارًا فزاد فيه هذه الزيادة
(وقيل) إن معاوية لما قدم من الشام عام حج حرك المنبر وأراد أن يخرجه إلى الشام فكسفت الشمس يومئذ حتى بدت النجوم فاعتذر معاوية إلى الناس وقال أردت أن أنظر إلى ما تحته وخشيت عليه من الأرضة (واستمرّ المنبر) بهذه الزيادة التي زادها مروان إلى أن احتراق مع المسجد سنة أربع وخمسين وستمائة
(إذا علمت) ما تقدم من أن منبره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان درجتين غير المقعدة تعلم أن ما كان من المنابر على خلاف هذه الهيئة محدث
(قال في المدخل) ومن الأمور التي أحدثت في المساجد اتخاذ هذا المنبر العالي فإنه أخذ من المسجد جزءًا عظيمًا وهو وقف على صلاة المسلمين كفى به أنه لم يكن من فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا من فعل الخلفاء بعده وإذا كان كذلك فهو من جملة ما أحدث في المساجد. وفيه تقطيع الصفوف كما هو مشاهد في البلاد ومنبر السنة غير هذا كله كان ثلاث درجات لا غير والثلاث درجات لا تشغل مواضع المصلين
"فإن قيل" بل تشغل ولو موضع واحد "فالجواب" أن هذا مستثني بفعل صاحب الشرع وهو أكمل الحالات وما عداه بدعة لا ضرورة تدعو إليه
"فإن قيل" قد كثر الناس واتسع الجامع فإذا صعد الخطيب على المنبر وهو ثلاث درجات قل أن يسمع الخطيب الجميع أو أكثرهم في الغالب. "فالجواب" أن من كان على منبر عال هو الذي لا يسمعهم لكونه بعيدا عنهم فكأنه في سطح وحده وهذا مشاهد ألا ترى أن الخطيب يخطب على هذا المنبر العالي وكثير من الناس لا يسمعونه وإذا دخل في الصلاة سمعوا قراءته أكثر من خطبته وما ذاك إلا لكونه في الصلاة واقفًا معهم على الأرض وفي حال الخطبة لم يكن معهم كذلك
(وليحذر) أن تفرش السجادة وغيرها على المنبر ودرجه لأنه بدعة إذا لم يأت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من الخلفاء بعده ولا عن أحد الصحابة ولا السلف وليس بموضع صلاة فهو من الترفه يطلب