الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه. ولما رواه الشافعي مرسلًا وكذا البيهقي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى وأخر الفطر وذكر الناس
(قال الشوكاني) رواه الشافعي عن شيخه إبراهيم بن محمَّد عن أبي الحويرث وإبراهيم بن محمَّد ضعيف عند الجهور وقال البيهقي لم أر له أصلًا في حديث عمرو بن حزم اهـ ملخصًا
(وإلى ذلك) ذهبت الشافعية والحنابلة والحنفية قالوا الحكمة في ذلك ما في الأضحى من استحباب الإمساك عن الفطر حتى يفرغ من الصلاة ويأكل من أضحيته فربما كان ترك التعجيل للصلاة يتأذى به لطول الإمساك ولما في تأخير صلاة عيد الفطر من اتساع الوقت لإخراج صدقة الفطر قبل الصلاة كما هو الأفضل (وقالت) المالكية يصليان إذا ارتفعت الشمس قدر رمح لا فرق بينهما (لكن) ما ذكر من الأحاديث يردّ عليهم
(والحديث) أخرجه ابن ماجه والحاكم والطبراني والبيهقي
(باب خروج النساء إلى العيد)
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ وَيُونُسَ وَحَبِيبٍ وَيَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ وَهِشَامٍ -في آخَرِينَ- عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُخْرِجَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ يَوْمَ الْعِيدِ. قِيلَ فَالْحُيَّضُ قَالَ "لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ". قَالَ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لإِحْدَاهُنَّ ثَوْبٌ كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ "تُلْبِسُهَا صَاحِبَتُهَا طَائِفَةً مِنْ ثَوْبِهَا".
(ش)(حماد) بن زيد تقدم في الجزء الأول صفحة 29. و (أيوب) السختياني. و (يونس) ابن عبيد في الثاني صفحة 172. و (حبيب) بن الشهيد في الأول صفحة 258. وكذا (هشام) ابن حسان صفحة 243
(قوله في آخرين عن محمَّد) يعني حدّث حماد بن زيد عن هؤلاء مع جماعة أخرين عن محمَّد بن سيرين. و (أم عطية) هي نسيبة تقدمت ترجمتها في الجزء الثالث صفحة 128
(قوله أن نخرج ذوات الخدور) أي صاحبات الخدور جمع خدر بكسر الخاء المعجمة وهو الستر ويطلق أيضًا على ناحية البيت يكون عليها ستر تجعل فيه البكر
(قوله قيل فالحيض الخ) أي قيل يا رسول الله فهل تشهد الحيض فكأنه قال نعم يخرجن ليشهدن مجامع الخير ودعوة المسلمين فيكبرن بتكبيرهم ويدعين بدعائهم ولا يصلين فالكلام على تقدير الاستفهام والحيض فاعل لفعل محذوف
(قوله فقالت امرأة الخ) لعلها أم عطية كما في بعض الروايات عند
مسلم والدارمي وفيها قالت فقلت يا رسول الله إن لم يكن الخ
(قوله قال تلبسها صاحبتها طائفة الخ) وفي رواية البخاري ومسلم لتلبسها صاحبتها من جلبابها. والمراد أن تعطيها شيئًا من ثيابها لتحضر به مشاهد الخير فالإضافة في قوله من ثوبها للجنس. ويحتمل أن يكون المراد أن تشركها معها في لبس ثوبها الذي عليها فتجعل منه طرفُ اعليها. وهذا يظهر في الثوب الواسع كالملاءة والملحفة والأول أقرب
(وفي هذا) مبالغة في الحثّ على خروجهن للعيد
(والحديث) أخرجه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا حَمَّادٌ نَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ "وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ". وَلَمْ يَذْكُرِ الثَّوْبَ. قَالَ وَحَدَّثَ عَنْ حَفْصَةَ عَنِ امْرَأَةٍ تُحَدِّثُهُ عَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى قَالَتْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مُوسَى في الثَّوْبِ.
(ش)(قوله ويعتزل الحيض مصلى المسلمين) يعني ينفصلن عنها لئلا يلوّثن المصلى بدمائهن ويؤذين الناس برائحتهن. والأمر باعتزال النساء المصلى محمول على الندب عند الجمهور وقيل للوجوب
(قوله ولم يذكر الثوب) يعني لم يذكر محمَّد بن عبيد في روايته أن المرأة سألته صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المرأة التي لم يكن لها ثوب. ففي حديث ابن عبيد زيادة على حديث موسى بن إسماعيل ونقص فالزيادة ذكر اعتزال الحيض المصلى والنقص عدم ذكر قصة الثوب فيه
(قوله قال وحدث عن حفصة الخ) أي قال محمَّد بن عبيد وحدث حماد عن أيوب عق حفصة عن امرأة تحدث هذا الحديث عن امرأة أخرى فالمرأة الأولى لم يعرف اسمها والثانية قيل هي أم عطية وقيل غيرها واستظهره الكرماني
(قوله قالت قيل يا رسول الله) أي قالت المرأة الثانية قيل يا رسول الله إن لم يكن لإحداهن ثوب الخ
(قوله فذكر معنى حديث موسى في الثوب) أي ذكر محمَّد بن عبيد معنى حديث موسى بن إسماعيل في ذكر الثوب (ورواية) حفصة أخرجها البخاري والبيهقي عن أيوب عن حفصة بنت سيرين قالت كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد فجاءت امرأة فنزلت قصر بنى خلف فأتيتها فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثنتي عشرة غزوة فكانت أختها معه في ست غزوات فقالت فكنا نقوم على المرضى ونداوى الكلمى فقالت يا رسول الله أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج فقال لتلبسها صاحبتها من جلبابها فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين قالت حفصة فلما قدمت أم عطية أتيتها فسألتها أسمعت في كذا وكذا قالت نعم بأبي وقلما ذكرت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا قالت بأبي قال ليخرج العواتق ذوات الخدور أو قال العواتق
وذوات الخدور شك أيوب والحيض ويعتزل الحيض المصلي وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين قالت فقلت لها آلحيض قالت نعم أليس الحائض تشهد عرفات وتشهد كذا وتشهد كذا
(ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ نَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَتْ وَالْحُيَّضُ يَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ.
(ش)(النفيلي) هو عبد الله بن محمَّد تقدم في الجزء الأول صفحة 43. وكذا (زهير) ابن معاوية صفحة 112. وكذا (عاصم) بن سليمان صفحة 274
(قوله عن حفصة بنت سيرين الخ) ظاهر هذه الرواية أن حفصة روت عن أم عطية بنفسها وفي الرواية السابقة حدثت عن امرأة عن امرأة أخرى وقد قيل إنها أم عطية. ولا تنافي بينهما لاحتمال أن حفصة روت عن أم عطية بواسطة وبغير واسطة
(قوله كنا نؤمر الخ) أي كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمرنا بإخراج ذوات الخدور الخ. وقوله بهذا الخبر متعلق بحدثنا
(قوله قامت والحيض يكن خلف الناس الخ) أي قالت أم عطية ويخرجن النساء الحيض إلى المصلى ويكنّ خلف الناس ويكبرن مع تكبيرهم (وهذه الرواية) أخرجها مسلم عن حفصة أيضًا عن أم عطية قالت كنا نؤمر بالخروج في العيدين والمخبأة والبكر قالت الحيض يخرجن فيكن خلف الناس فيكبرن مع الناس
(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ -يَعْنِي الطَّيَالِسِيَّ- وَمُسْلِمٌ قَالَا نَا إِسْحَاقُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ جَمَعَ نِسَاءَ الأَنْصَارِ فِي بَيْتٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَرَدَدْنَا عليه السلام ثُمَّ قَالَ أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْكُنَّ. وَأَمَرَنَا بِالْعِيدَيْنِ أَنْ نُخْرِجَ فِيهِمَا الْحُيَّضَ وَالْعُتَّقَ وَلَا جُمُعَةَ عَلَيْنَا وَنَهَانَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ.
(ش)(رجال الحديث)(أبو الوليد الطيالسي) هو هشام بن عبد الملك تقدم في الجزء الأول صفحة 319 وهذا (مسلم) بن إبراهيم صفحة 90 و (إسحاق بن عثمان)
أبو يعقوب الكلابي البصريّ. روى عن الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وموسى بن أنس وغيرها. وعنه أبو الوليد الطيالسي ووكيع ومسلم بن إبراهيم. قال أبو حاتم ثقة لا بأس به وقال ابن معين صالح وقال في التقريب صدوق مقلّ من السابعة. روى له أبو داود هذا الحديث لا غير
(معنى الحديث)
(قوله لما قدم المدينة الخ) لعل ذلك كان حين قدومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من مكة بعد الفتح لأن آية (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ
…
الخ) نزلت يوم فتح مكة كما ذكره بعض المفسرين. وقوله جمع نساء الأنصار في بيت أي أمر بجمعهن في بيت من بيوت الأنصار ليعلمهن أمور الدين
(قوله وأمرنا بالعيدين الخ) أي أمرنا بإخراج الحيض والعتق في العيدين. فالباء بمعنى في. ويحتمل أن قوله نخرج فيهما الخ على حذف الواو وإبقاء الباء على حالها أي أمرنا بصلاة العيدين وأن نخرج فيهما الحيض والعتق. والعتق كركع جمع عاتق وهي الشابة أول بلوغها وقيل هي التي لم تبن من والدتها ولم تزوّج وقد بلغت وتجمع أيضًا على عواتق وأما العاتق من الأعضاء فهو من المنكب إلى أصل العنق
(قوله ولا جمعة علينا) يعني وبين لنا أنه لا جمعة واجبة علينا
(قوله ونهانا عن اتباع الجنائز) صريح في أن المرأة منهية عن السير مع الجنازة. وسيأتي تمام الكلام عليه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى
(وأحاديث الباب) تدل على مشروعية خروج النساء في العيدين إلى المصلى من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض وغيرها إلا أن الحائض لا تصلى (لكن) محله إذا أمن من خروجهن الفتنة
(وقد اختلفت) الفقهاء في هذا فقالت الشافعية يستحب خروج النساء إلا الشابة وذات الجمال فيكره خروجهن لخوف الفتنة عليهن وبهن (قال الشافعي) في الأم أحب شهود النساء العجائز وغير ذوات الهيئات الصلاة والأعياد وأنا لشهودهن الأعياد أشد استحبابًا مني لشهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات اهـ
(وقالت الحنابلة) لا بأس بحضورالنساء غير مطيبات ولا لابسات ثياب زينة أو شهرة اهـ
وظاهر كلامهم عدم الفرق بين الشابة وغيرها (وبعدم الفرق) قال أبو حامد من الحنابلة والجرجانى من الشافعية وقالا يستحب خروجهن (وذهت المالكية) إلى أن المرأة إن انقطع منها أرب الرجال أو كانت متجالة لم ينقطع منها أرب الرجال أصلًا جاز لها الخروج لفرض وعيد واستسقاء. وإن كانت شابة غير فارهة فلا يجوز خروجها لعيد ولا استسقاء ولا جمعة لأنها مظنة الازدحام ويجوز خروجها لمسجد لصلاة جماعة بشرط عدم الطيب والريبة وأن لا تكون مخشية الفتنة وأن تخرج في خشن ثيابها وأن لا تزاحم الرجال وأن يكون الطريق مأمونًا من توقع المفسدة وإلا حرم. وإن كانت فارهة في الشباب حرم خروجها مطلقًا (وذهب) الثوري وابن المبارك إلى كراهة خروج النساء مطلقًا حكى ذلك عنهما الترمذي وهو قول أبي يوسف ورواية عن مالك وحكاه ابن قدامة عن النخعي ويحيى بن سعيد
الأنصاري. وقال ابن الهمام يخرج العجائز للعيد لا الشوابّ اهـ
(قال في المرقاة) وهو قول عدل لكن لا بد أن يقيد بأن تكون غير مشتهاة في ثياب بذلة بإذن حليلها مع الأمن من المفسدة بان لا يختلطن بالرجال ويكن خاليات من الحلى والحلل والبخور والشموم والتبختر والتكشف ونحوها مما أحدثن في هذا الزمان من المفاسد. وقد قال أبو حنيفة ملازمات البيوت لا يخرجن اهـ
(قال في النيل) حكى القاضي عياض عن أبي بكر وعمر وعلى وابن عمر أن خروج النساء لعيد حق عليهن. وروى ابن أبي شيبة عن أبي بكر وعلى أنهما قالا حق عل كل ذات نطاق الخروج إلى العيد (والقول) بكراهة الخروج على الإطلاق ردّ للأحاديث الصحيحة بالآراء الفاسدة. وتخيصص الشوابّ يأباه صريح الحديث المتفق عليه اهـ
(ولا يخفى) ما يترتب على خروج النساء في هذا الزمان واجتماعهن مع الرجال من المفاسد (والأحاديث) تدل على وجوب صلاة العيد لأن أمر النساء بالخروج إلى المصلى يقتضي أمرهن بالصلاة لمن لا عذر لها منهن والرجال أولى من النساء بذلك لأن الخروج وسيلة إليها ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب المتوسل إليه بالطريق الأولى (وإلى) القول بالوجوب ذهبت الحنفية في أصح القولين عندهم وقالوا تجب على من تفترض عليه الجمعة (وقالت) الحنابلة هي فرض كفاية على الرجال للأحاديث ولقوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فإن المراد بالصلاة عندهم صلاة العيد. ولمواظبته صلى الله عليه وآله وسلم على فعلها (وذهب) الجمهور إلى أنها سنة مؤكدة لما تقدم للمصنف أول كتاب الصلاة عن طلحة بن عبيد الله أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل نجد ثائر الرأس "الحديث" وفيه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل عليّ غيرهن قال لا إلا أن تطوّع (وأجاب) الأولون عن هذا الحديث بأن الرجل كان من أهل البادية. والعيد لا تجب عليهم ولا على أهل القرى
(قال في الروضة) اختلف أهل العلم هل صلاة العيد واجبة أم لا والحق الوجوب لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع ملازمته لها قد أمرنا بالخروج إليها كما في حديث أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للناس أن يغدوا إلى مصلاهم بعد أن أخبره الركب برؤية الهلال وهو حديث صحيح. وثبت في الصحيح حديث أم عطية قالت أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. والأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها بفحوى الخطاب والرجال أولى من النساء بذلك لأن الخروج وسيلة إليها ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب المتوسل إليه بل ثبت الأمر القرآني بصلاة العيد كما ذكره أئمة التفسير في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فإنهم قالوا المراد صلاة العيد (ومن الأدلة) عل وجوبها أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم عيد وما ليس بواجب
لا يسقط ما كان واجبًا اهـ
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد في مسنده مطوّلًا عن أم عطية قالت لما قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقام على الباب فسلم عليهن فرددن السلام فقال أنا رسول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إليكن فقلن مرحبًا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبرسوله فقال تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئًا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصين في معروف فقلن نعم فمدّ عمر يده من خارج الباب ومددن أيديهن من داخل ثم قال اللهم اشهد وأمرنا أن نخرج في العيدين العتق والحيض ونهينا عن اتباع الجنائز ولا جمعة علينا فسألته عن البهتان وعن قوله ولا يعصيك في معروف قال هي من النياحة "وأخرجه" ابن جرير أيضًا مطولًا. وقوله فمددنا أيدينا الخ ظاهره أن عمر رضي الله عنه صافح النساء بيده عند البيعة فتحمل على أنها كانت بحائل لما رواه ابن أبي حاتم قال حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن فضيل عن حصين عن عامر هو الشعبي قال بايع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النساء وفي يده ثوب قد وضعه على كفه "الحديث" ويحتمل أنه لم يضع يده في أيديهن بل كان مدّ الأيدى للإشارة للبيعة ويؤيده ما رواه الإِمام أحمد بسنده إلى أميمة بنت رقيقة قالت أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في نساء نبايعه فأخذ علينا ما في القرآن أن لا نشرك بالله شيئًا الآية قال في استطعتنّ وأطقتنّ قلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا قلنا يا رسول الله ألا تصافحنا قال إني لا أصافح النساء إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة. وما رواه البخاري عن عروة أن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ) إلى قوله (غَفُورٌ رَحِيمٌ) قالت عائشة فمن أقرّ بهذه الشروط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد بايعتك كلامًا ولا والله ما مست يده يد امرأة في المبايعة قط ما بايعن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك. وهاتان الروايتان أرجح من رواية ابن أبي حاتم فإنها مرسلة
(باب الخطبة يوم العيد)
وفي نسخة باب الخطبة في يوم العيد
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ نَا الأَعْمَشُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ح وَعَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ في يَوْمِ عِيدٍ فَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا مَرْوَانُ خَالَفْتَ السُّنَّةَ أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ في يَوْمِ عِيدٍ وَلَمْ يَكُنْ يُخْرَجُ فِيهِ وَبَدَأْتَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ مَنْ هَذَا قَالُوا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَاسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ".
(ش)(رجال الحديث)(أبو معاية) محمَّد بن خازم الضرير. و (الأعمش) سليمان ابن مهران
(قوله عن أبيه) هو رجاء بن ربيعة الزبيدى مصغرًا أبو إسماعيل الكوفي. روى عن على وابن عمر وابى سعيد الخدري والبراء بن عازب. وعنه ابنه إسماعي ويحيى بن هانئ. وثقة العجلي وذكره ابن حبان في الثقات روى له مسلم وأبو داود وابن ماجة حديث الباب
(معنى الحديث)
(قوله أخرج مروان المنبر في يوم عيد الخ) يعني ليخطب عليه. وكان مروان وقتئذ أميرًا على المدينة كما في رواية للبخاري وفي رواية له قال أبو سعيد فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت. وهي صريحة في أن المنبر بنى بالمصلى وليس مخرجًا إليها ولا تنافي بين الروايتين لاحتمال أن مروان لما أنكروا عليه إخراج المنبر ترك إخراجه وأمر ببناء منبر باللبن والطين بالمصلى
(قوله فقام رجل) قيل هو عمارة بن رؤيبة
(قوله خالفت السنة الخ) أي الطريقة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وبين مخالفته بقوله أخرجت المنبر الخ وظاهره أن أول من قدّم خطبة العيد على الصلاة مروان وقيل سبقه إلى ذلك عثمان كما رواه ابن المنذر عن الحسن البصري قال أول من خطب قبل الصلاة عثمان صلى بالناس ثم خطبهم على العادة فرأى ناسًا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك "يعني قدّم الخطبة على الصلاة" وفيها أن الحامل لعثمان على تقديم الخطبة على الصلاة هو إدراك الناس الصلاة بخلاف الحامل لمروان على ذلك فإنه كما في رواية البخاري قال إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. فعثمان راعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة ومروان راعى مصلحتهم في إدراكهم الخطبة
(لكن) قال العيني لم يصح هذا عن عثمان. وقيل أول
من فعل ذلك معاوية. فقد روى الشافعي في مسنده عن عبد الله بن يزيد الخطميّ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يبدءون بالصلاة قبل الخطبة حتى قدم معاوية قدّم الخطبة وروى عن ابن سيرين أن أول من فعل ذلك زياد حين كان بالبصرة
(قوله فقال أبو سعيد الخدري من هذا الخ) يعني من المنكر على مروان فقيل له فلان بن فلان (وهو صريح) في أن الإنكار كان من غير أبي سعيد. وفي رواية للبخاري قال أبو سعيد لما أتينا الصلاة إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذته بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت غيرتم والله فقال أبا سعيد قد ذهب ما تعلم فقلت ما أعلم والله خير مما لا أعلم (وهي صريحة) في أن المنكر على مروان أبو سعيد "ولا تنافي" بين الروايتين "لاحتمال" تعدد القصة ويؤيده ما في حديث الباب من إخراج المنبر إلى المصلى بخلاف رواية البخاري المذكورة فإن فيها أنهم حين خرجوا إلى المصلي وجدوا أن كثير بن الصلت قد بنى فيها منبرًا. وفي رواية مسلم فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبرًا من طين ولبن
(قوله أما هذا قد قضى ما عليه) يعني أدّى ما وجب عليه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (قال القاضي عياض) إنكار الرجل وأبي سعيد بحضرة هذا الجمع وتسمية أبي سعيد بذلك منكرًا يدل على أن السنة وعمل الخلفاء تقديم الصلاة وأن ما روى من تقديم الخطبة عمن تقدم ذكره لا يصح لأن المغير لا يحمل الناس على مذهبه وإنما يغير ما أجمع عليه اهـ
(قوله سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول الخ) أتى به تأييدًا لقوله أما هذا فقد قضى ما عليه
(قوله من رأى منكم منكرًا فاستطاع أن يغيره الخ) وفي رواية مسلم من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده (والأمر) فيه للوجوب إجماعًا (قال) القاضي عياض الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من دعائم الإِسلام المجمع على وجوبها ولم يخالف فيه إلا من لا يعتدّ به من الروافض اهـ (وهو واجب) على الكفاية ويتعين على من علم به وحده أولم يقدر على القيام به إلا هو. ولا يشترط في القيام به أن يكون الآمر ممتثلًا في نفسه لأنه تعلق به حقان حق الكفّ في نفسه وحق نهي غيره ولا يسقط حق حقًا. وهو لا ينافي أن الكمال أن يكون الآمر عاملًا بما يأمر به مجتنبًا ما ينهى عنه ليكون أدعى في القبول. ويشترط في القيام به أن يكون الآمر عالمًا بما يأمر به. وما اشتهر حكمه من الواجبًات الظاهرة والمحرّمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها يستوى في القيام به العلماء وغيرهم وما خفي من الأقوال والأفعال يختص به العلماء
(قوله فإن لم يستطع فبلسانه الخ) أي وإن لم يستطع تغيير المنكر بيده كأن خاف من تغييره باليد مفسدة أشد فليغيره بلسانه بالأمر والنهى ويكون بلين ورفق ما لم تدع الحاجة إلى الشدة ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب فإن خاف من التغيير بالقول أشدّ غيره بقلبه بأن يكره المنكر ويضرع إلى الله تعالى في إزالته
(قوله وذلك)
أضعف الإيمان) يعني أقل أعمال الإيمان ثمرة والمراد أن التغيير بالقلب أقل ثمرة مما قبله لا أقل مطلقًا فلا ينافيه أن أقل الأعمال ثمرة إماطة الأذى عن الطريق كما في الحديث وليس المراد أن المنكر بقلبه ضعيف الإيمان لأنه أدى ما وسعه
(قال القاضي عياض) الحديث أصل في كيفية التغيير فيجب على المغير أن يغير بكل وجه أمكنه زواله به فالتغيير باليد أن يكسر آلات الباطل ويريق الخمر وينزع الغصب أو يأمر بذلك فإن خاف من التغيير باليد مفسدة أشدّ غير بالقول فيعظ ويخوّف ويندب الخير. ويستحب أن يرفق بالجاهل وذي العزةّ الظالم المتقى شرّه فإنه أدعى للقبول ولذا استحب في المغير أن يكون من أهل الصلاح فإن القول منه أنفع. ويغلظ على غيرهما. فإن خاف أيضًا من التغيير بالقول مفسدة أشد غير بالقلب هذا هو المراد بالحديث خلافًا لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال وإن قتل وقيل منه كل أذى اهـ بتصرّف
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والبيهقي
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَا أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَامَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ تُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ قَالَ تُلْقِي الْمَرْأَةُ فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ وَيُلْقِينَ وَقَالَ ابْنُ بَكْرٍ فَتَخَتَهَا.
(ش)(رجال الحديث)(عبد الرزاق) بن همام. و (محمَّد بن بكر) بن عثمان البرسانى أبو عبد الله ويقال أبو عثمان البصري. روى عن أيمن بن نابل وهشام بن حسان وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وشعبة وحماد بن سلمة وكثيرين. وعنه أحمد وإسحاق وابن المديني وابن معين وهارون الحمال والسفيانان ووكيع وجماعة. وثقة أبو داود والعجلي وابن معين وابن سعد وقال أحمد صالح الحديث وقال أبو حاتم شيخ محله الصدق. توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين روى له الجماعة
(معنى الحديث)
(قوله نزل فأتى النساء) يعني انتقل من مكانه الذي كان يعظ فيه الرجال إلى المكان الذي فيه النساء وليس المراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نزل عن المنبر لأنه
لم يثبت أنه خطب في العيد على منبر بل كان يخطب قائمًا على رجليه وعلى بعيره. لما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخرج يوم العيد فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم فيقف على رجليه فيستقبل الناس وهم جلوس فيقول تصدقوا تصدقوا. ولما رواه أيضًا عن قيس بن عائذ قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب على ناقة حسناء وحبشيّ آخذ بخطامها. ولما رواه أحمد وأبو داود عن الهرماس بن زياد قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى (وفيه دليل) على أن النساء إذا حضرن صلاة العيد يكنّ بمعزل عن الرجال
(قوله فذكرهن الخ) أي وعظهن. وفي رواية لمسلم عن ابن عباس قال شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كأني انظر إليه حين يجلس الرجال ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء ومعه بلال فقال (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا) فتلا هذه الآية وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئًا على بلال فأمر بتقوي الله وحثّ على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدّين فقال لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير فجعلن يتصدقن من حليهنّ يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهنّ "وقوله من سطة النساء أي أوساطهن وسفعاء الخدين يعني في خديها سواد ليس بالكثير"
(قوله وبلال باسط ثوبه تلقي النساء فيه الصدقة) أي حين أمرهنّ بها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وكانت مطلق صدقة لا كما قاله بعضهم من أنها صدقة الفطر كما تدلّ عليه رواية مسلم من طريق ابن جريج عن عطاء وفيها قال ابن جريج قلت لعطاء زكاة الفطر قال لا ولكن صدقة يتصدقن بها حينئذ وفيها قلت لعطاء أحقًا على الإِمام أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن قال إي لعمري إن ذلك لحق عليهم وما لهم لا يفعلون ذلك
(قوله تلقي المرأة فتخها) بفتحتين جمع فتخة وهي خواتيم كبار تلبس بالأيدى وربما وضعت في أصابع الأرجل. وقيل هي خواتيم لا فصوص لها
(قوله ويلقين ويلقين) يعني يلقين أشياء أخر. وفي رواية لمسلم فجعلت المرأة تلقي الخاتم والخرص والشيء. وكرّر الفعل إشارة إلى أن الملقى أشياء مختلفة (وفيه دليل) على جواز تصدق المرأة من مالها بدون إذن زوجها وسيأتي الكلام عليه في أواخر كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى
(قوله وقال ابن بكر فتختها) أي قال محمَّد بن بكر في روايته تلقى المرأة فتختها بالإفراد بدل فتخها
(ومن أخرج الحديث أيضًا) أخرج البخاري والنسائي والبيهقي نحوه وكذا مسلم عن جابر أيضًا قال شهدت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئًا على بلال فأمر بتقوي الله وحثّ عل طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير قال فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهنّ وخواتيمهنّ
(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ ح وَنَا ابْنُ كَثِيرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَشَهِدَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ أَكْبَرُ عِلْمِ شُعْبَةَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ.
(ش)(قوله أشهد على ابن عباس الخ) الغرض منه تأكيد الرواية
(قوله قال ابن كثير أكبر علم شعبة فأمرهن الخ) أي قال محمَّد بن كثير في روايته أغلب ظن شعبة أنه سمع من أيوب السختياني عن عطاء أن ابن عباس قال فأمرهن بالصدقة الخ. وفي رواية مسلم عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول أشهد على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لصلى قبل الخطبة قال ثم خطب فرأى أنه لم يسمع النساء فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة وبلال قائل بثوبه فجعلت المرأة تلقي الخاتم والخرص والشيء (والحاصل) أن محمَّد بن كثير لما حدث بهذا الحديث عن شعبة بن الحجاج أخبر أن شعبة تيقن أن الحديث من شهادة ابن عباس إلى قوله ومعه بل الذي روايته عن أيوب وشك في قوله فأمرهن بالصدقة الخ هل رواه عن أيوب فيكون داخلا فيما شهد به ابن عباس أولًا ثم أخبر ابن كثير أن شعبة قال أكبر على أنه داخل فيه أما رواية حفص بن عمر ورواية أبي داود الطيالسي من طريق ابن كثير فلم يكن فيهما شك شعبة وكذا رواية البخاري من طريق سليمان بن حرب عن شعبة عن عدي بن ثابت ورواية مسلم من طريق معاذ العنبري عن شعبة عن عدي بن ثابت فلعل الشك وقع لشعبة حينما حدّث ابن كثير وتيقن لما حدّث به غيره
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم من طريق سفيان بن عيينة قال حدثنا أيوب الخ
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَا نَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ فَمَشَى إِلَيْهِنَّ وَبِلَالٌ مَعَهُ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُرْطَ وَالْخَاتَمَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ.
(ش)(مسدد) بن مسرهد تقدم في الجزء الأول صفحة 24.
وكذا (عبد الوارث) بن سعيد صفحة 29
(قوله بمعناه) أي بمعنى حديث شعبة المتقدم عن أيوب
(قوله قال فظن أنه لم يسمع النساء) أي قال ابن عباس فظن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه لم يسمع النساء الموعظة لبعدهن عن الرجال
(قوله فكانت المرأة تلقي القرط الخ) بضم القاف وسكون الراء ما علق في شحمه الأذن سواء أكان من ذهب أم غيره ويجمع على قراط مثل رمح ورماح وعلى قرطة بوزن عنبة وعلى أقرطة. والخاتم بفتح المثناة الفوقية وكسرها ما يوضع في الإِصبع
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُعْطِي الْقُرْطَ وَالْخَاتَمَ وَجَعَلَ بِلَالٌ يَجْعَلُهُ فِي كِسَائِهِ قَالَ فَقَسَمَهُ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
(ش)(قوله قال فجعلت المرأة الخ) أي قال ابن عباس فشرعت المرأة تعطي القرط والخاتم في الصدقة فقسمها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على فقراء المسلمين
(وأحاديث الباب) تدل على أن صلاة العيد قبل الخطبة. قال القاضي عياض وهذا هو المتفق عليه بين علماء الأمصار وأئمة الفتوى ولا خلاف بين أئمتهم فيه وهو فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والخلفاء الراشدين من بعده اهـ
(وقال العراقي) إن تقديم الصلاة على الخطبة قول العلماء كافة. وقال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافًا بين المسلمين إلا عن بني أمية ولا يعتدّ بخلاف بنى أمية لأنه مسبوق بالإجماع الذي كان قبلهم ومخالف لسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصحيحة وقد أنكر عليهم فعلهم وعدّه بدعة اهـ
"وما روى" عن عمر وعثمان وابن الزبير ومعاوية من أنهم خطبوا قبل الصلاة "فلم يصح" وعلى تقدير صحته فلا يعارض ما ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الأحاديث الصحيحة الكثيرة من فعله المستمرّ إلى أن فارق الدنيا وانعقد الإجماع من السلف والخلف عليه
(واختلف) فيما لو وقعت الخطبة قبل الصلاة أيعتدّ بتلك الخطبة أم لا (فقالت) الحنابلة والشافعية
لا يعتد بها ويعيدها بعد الصلاة (وقالت) الحنفية يعتد بها مع الكراهة (وقالت) المالكية يعتد بها ويعيدها ندبًا وقيل استنانًا (وهما خطبتان) كخطبتي الجمعة يقوم فيهما ويجلس بينهما. فقد روى ابن ماجه من طريق إسماعيل بن مسلم الخولاني عن أبي الزبير عن جابر قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب قائمًا ثم قعد قعدة ثم قام وإسماعيل ضعيف. وروى الشافعي في مسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال السنة أن يخطب الإِمام في العيد خطبتين يفصل بينهما بجلوس اهـ
(ويبتدئهما) بالحمد الله كخطبة الجمعة ويكبر أثناءهما لما رواه ابن ماجه عن سعد المؤذن قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة ويكثر التبكير في خطة العيدين. وما رواه البيهقي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة وكان يحب أن يكثر التكبير بين أضعاف الخطبة. ولحديث أحمد والمصنف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد الله فهو أجذم وهو وإن اختلف في وصله يعضده ما رواه الطبراني عن كعب بن مالك مرفوعًا كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع. وأخرج ابن حبان والعسكري والمصنف عن أبي هريرة مرفوعًا كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله تعالى فهو أقطع
"وما رواه" البيهقي وابن أبي شيبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال السنة أن تفتتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع تكبيرات تترى "لا ينتهض للاحتجاج به" لأن قول التابعي من السنة كذا ليس ظاهرًا في سنة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا يحتج به بخلاف ما إذا قالها الصحابي فيحتج به على الراجح
(قال في الهدى) كانت صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيد بالتكبير وإنما روى ابن ماجه في سننه عن سعد مؤذن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يكبر بين أضعاف الخطبة ويكثر التكبير في خطبة العيدين وهذا لا يدل على أنه كان يفتتحها به وقد اختلف الناس في افتتاح خطة العيدين والاستسقاء فقيل يفتتحان بالتكبير وقيل يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وقيل يفتتحان بالحمد قال شيخ الإِسلام تقى الدين هو الصواب لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله وأما قول كثير من الفقهاء إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم فيها سنة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألبتة والسنة تقتضي خلافه وهو افتتاح جميع الخطب بالحمد اهـ ببعض تصرّف