الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن
كتاب النكاح:
[2205]
حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج) الشباب: جمع شاب، وكذلك الشبان. والشباب أيضاً: الحداثة، وكذلك الشبيبة. و (الباءة) والباة: من أسماء النكاح، سمي به؛ لأن الرجل يتبوأ من أهله، أي: يتمكن منها، كما يتبوأ من داره. والاستطاعة. أريد بها استطاعة التزوج، لما يفتقر إليه من الأسباب، لا استطاعة نفس الفعل.
وفيه: (فإنه له وجاء) الوجاء- بالكسر- ممدوداً: رض عروق البيضتين حتى تفضخ، فيكون شبيهاً بالخصاء. وقيل: إنه رض الخصيتين. والمعنى: أن الصوم يقع في قطع شهوة لنكاح وتقتيرها موقع الوجاء.
[2207]
ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه (فاظفر بذات الدين تربت يداك) أي: فز بنكاح ذات الدين. وفي بعض طرقه: (فعليك [63/ ب] بذات الدين) وقوله: (فاظفر بذات الدين) أبلغ في المعنى، لما يتضمنه الأمر من الفوز. وقوله:(تربت يداك) يقال: تربت الرجل: أي: افتقر، كأنه قال: لصق بالتراب. وتفسير اللفظ: افتقرت، فلا [أصبت] خيراً، على الدعاء وقد ذهب إلى ظاهره بعض أهل العلم ولم يصب؛ فإن ذلك وما يسلك مسلكه منا لكلام تستعمله العرب على أنحاء كثيرة: كالمعتبة والموجدة، والإنكار، والتعجب وتعظيم الأمر والاستحسان والحث على الشيء، وقد مر بيانه والقصد فيه هاهنا: الحث والتشمير في الطلب المأمور به، واستعمال التيقظ دونه، مثل قولهم: انج لا أبا لك
[2209]
ومنه: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش) يريد: خير نساء العرب، فإنهن يركبن الإبل. و (صالح) أجراه على لفظ خير.
وقوله: (أحناه) أي: أعطفه، والضمير فيه: يرجع إلى المحذوف. أي: أحنا من يوجد، أو: وجد، أو: من هناك ونحوه. وهذا من فصيح الكلام. ومثله قول الواصف: أحسنه خلقاً. يعني النبي صلى الله عليه وسلم: أي: أحسن من يذكر ويوجد.
[2212]
ومنه حديث ابن عمر- رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الشؤم في المرأة والفرس والدار) الشؤم: نقيض اليمن. أي: يوجد ذلك في الأشياء الثلاثة أي: يوجد فيها ما يناسبه ويشاكله. والأشبه أن ذلك على طريق الاحتمال، لا على وجه الحتم والقطع؛ لما في حديث سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه:(وإن يكن الطيرة في شيء ففي المرأة والفرس والدار) وإنما قال ذلك لرجوع الأشياء الثلاثة بالضرر البالغ على صاحبها، وليعلم أنها من أقرب الأشياء التي يبتلى به الإنسان إلى الآفة وقلة البركة. وقد قيل: إن شؤم المرأة: سوء خلقها. وشؤم الفرس: حرانه وشماسه. وشؤم الدار: ضيق عطنها، وسوء جارها.
[2213]
ومنه قوله: صلى الله عليه وسلم في حديث جابر- رضي الله عنه: (أمهلوا حتى ندخل ليلاً) أي: عشاء لكي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة: أي تتزين لزوجها وتتهيأ، [بامتشاط] وإماطة الأذى. و (الاستحداد) استفعال من الحديد يعني: استعماله والاستحلاق به. يحتمل أنه كنى بذلك عما تعالجه بالنتف، أو التنور [64 أ]؛ لأنه أصلح للكناية، وهو الوجه؛ لأن النساء لا [يرين] استعمال الحديد ولا يحسن بهن،
و (المغيبة) هي التي غاب زوجها، يقال: أغابت المرأة فهي مغيبة، بالهاء، ومشهد، بلا هاء. فإن قيل: كيف التوفيق بين قوله: (أمهلوا حتى ندخل ليلاً) وبيم ما روى أنه (نهى أن يطرق الرجل أهله) والطروق: هو أن يجيء أهله ليلاً.
قلنا: المنهي عنه من الطروق: هو أن تقدم من سفر ليلاً من غير إعلام واستعلام وإمهال لتتمكن المغيبة من حاجتها، وتستعد للقاء الزوج. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم من سفره نهاراً، وأكثر ما روى قدومه عند ارتفاع النهار وأوله، ويجلس للناس في المسجد، فالوجه في حديث جابر، أنهم قدموا نهاراً، فأمرهم بالتلبث، ليجدوا أهلهم على ما يحبون، فلم يوجد في ذلك المعنى الذي بسببه نهوا عنا لطروق، والأقرب أنه أراد الدخول ليلاً الاجتماع والإفضاء إليهن.
(ومن الحسان)
[2217]
حديث عبد الرحمن بن عويم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاماً، وأرضى باليسير) إنما أضاف العذوبة إلى الأفواه ما تحويه من الريق، ويقال للريق والخمر الأعذبان، والعذب: الماء الطيب، و (أنتق أرحاماً) أي: أرحامهن نتقاً للولد والأصل في (النتق) قلع الشيء والرمي به. ولهذا قيل للمرأة الكثيرة الأولاد: ناتق؛ لأنها ترمي بالأولاد [رمياً] يقال: نتقت المرأة، فهي ناتق، ومنتاق. وقوله:(وأرضى باليسير) أي: من الإرفاق؛ لأنها لم تتعود في سالف الزمان دون معاشرة الازواج ما يدعوها إلى استقلال ما تصادفه في المستأنف.
وعبد الرحمن هذا هو عبد الرحمن بن عويم. من أهل العقبة، وولد هو في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير له رؤية ولا رواية، فلهذا قال: مرسل. وفي نسخ المصابيح: ابن عويمر، بزيادة الراء، وهو غلط.