الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي هذا الحديث دليل على أن أرضهم ونخيلهم أخذت منهم عنوة، ولم يكن لهم فيها حق غير ما شورطوا عليه بالاعتمال.
[2985]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: (وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) أي: أقيموا لهم مدة إقامتهم ما يقوم بحاجتهم، وقد مضى القول في بيان الجائزة، وإنما أخرج ذلك بالوصية عن عموم المصالح لما فيه من المصلحة العظمى، وذلك أن الوافد سفير قومه، وإذا لم يكرم رجع إليهم من سفارته بما يفتر دونه رغبة القوم في قبول الطاعة والدخول في الإسلام. ثم إن الوافد إنما يفد على الإمام فتجب رعايته من مال الله الذي أقيم لمصالح العباد والبلاد، وإضاعته تفضي إلى الدناءة التي أجار الله عنها أهل الإسلام.
ومن
باب الفيء
(من الصحاح)
[2989]
حديث عمر رضي الله عنه (كانت أموال بني النضى مما أفاء الله على رسوله
…
الحديث)
أي: رده إليه، وجعله فيئا له، وضع قوله:(مما لو يوجف المسلمون عليه) موضع الفيء؛ لأن ما أوجف المسلمون [عليه] فهو غنيمة، وما لم يوجفوا عليه فهو من الفيء. أي: سلطه الله عليه من غير قتال منهم ولا غلبة، ولم يكن كالغنيمة التي يقاتل عليها وتؤخذ عنوة وقهرا. والإيجاف: من الوجيف، وهو السير السريع. وقد أشرنا إلى قصة بني النضير [122/ب] في غير موضع.
ومنه: (فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة) أراد بالخاصة أنها خصت به خاصة لم تكن لأحد بعده من الأئمة أن يتصرفوا فيها تصرفه، بل عليهم أن يضعوها في فقراء المهاجرين والأنصار، وفي الذين اتبعوهم بإحسان، وفيما يجري مجرى ذلك من المصالح. وقد تبين لنا هذا المعنى من الأحاديث التي نقلت عن عمر رضي الله عنه في حكم أمال بني النضير وفدك وخيبر مما أفاء الله على رسوله، وجعله صفايا له.
وفيه: (ويجعل ما بقى في السلاح والكرع) الكراع: اسم [لجميع] الخيل.
(ومن الحسان)
[2992]
حديث مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه (قال: ذكر عمر بن الخطاب يوما الفيء، فقال: ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم) الحديث. كان من مذهب عمر أن الفيء لا يخمس كما
تخمس الغنيمة، لكن تكون جملته معدة لمصالح المسلمين، ومجعولة لهم على تفاوت درجاتهم، وتفاضل طبقاتهم وذلك معنى قوله (إلا أنا على منازلنا من كتاب الله، وقسم رسوله) ويريد بقوله (من كتاب الله) أي: مما بينه بقوله سبحانه وتعالى: {للفقراء والمهاجرين} إلى آخر الآيات الثلاث من سورة الحشر، ومما دل عليه الكتاب من تفاضل المسلمين في ترتيب طبقاتهم وتعريف درجتهم كقوله سبحانه {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} الآية. وقد قال بقوله الجمهور وممن يدور عليهم علم الفتيا إلا الشافعي رحمه الله ويريد (بقسم الرسول) ما كان يستعمله فيهم من مراعاة التمييز بين أهل بدر وأصحاب بيعة الرضوان وذوي المشاهد وأولي المرتبة وغيرهم، ومن المعيل والمنفرد والآهل والأعزب، وذلك معنى قوله (فالرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه) الحديث، وقدمه بكسر الكاف أي: سابقته في الإسلام، وبلاؤه أي: شجاعته وغناؤه في سبيل الله، وذلم فيما أبلى به في الحروب والمقامات المحمودة، والأصل فيه: استخراج ما كمن فيه من الجودة، وإظهار ما خفي منه من صدق النية. وتقدير الكلام: فالرجل يقسم له ويراعي قدمه في القسمة، أو الرجل ونصيبه على ما يقتضيه قدمه، أو الرجل وقدمه يعتبران، كقولهم: الرجل وضيعته، وفي كتاب المصابيح:(والرجل وقدمه) بالواو فليس بسديد رواية ومعنى، وإنما هو بالفاء (فالرجل وقدمه) على وجه التفسير لقوله:(إلا أنا على منازلنا من كتاب الله)[123/أ] وقسم رسوله).
وفيه: (فليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه) السرو: من ناحية اليمن، وإنما أضافه إلى حمير؛ لأنه محلتهم، وذكر سرو حمير لما بينه وبين الموضع من المسافة الشاقة، وذكر الراعي مبالغة في الأمر الذي أراده، وذلك لأن الراعي تشغله الرعية عن طلب حقه، ثم إنه غامض في الناس، قلما يعرف أو يؤبه به. وأراد بقوله:(لم يعرق فيه جبينه) أنه يأتيه عفوا صفوا، لم يمازجه كدر، ولم تكدره منة.