الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن
باب ما ينهى من التهاجر
(من الصحاح)
[3783]
حديث أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن
…
) الحديث.
يحذرهم اتباع الظن، وقد سبق بيان الحديث بتمامه.
[3785]
ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين
…
) الحديث. المراد منه الأسبوع، وقد بينه بقوله: يوم الاثنين ويوم الخميس.
وقوله: (فيغفر لكل عبد مؤمن إلى عبداً) وجدناه في كتاب المصابيح: إلى عبد على الرفع، وهو في كتاب مسلم بالنصب، وهو الأوجه؛ فإنه استثناء من كلام موجب، وبه وردت الرواية الصحيحة. [160/ب].
وفيه: (اتركوا هذين حتى يفيئا).
هذا الحديث على هذا السياق رواه مسلم في كتابه، وفيه:(اتركوا أو اركوا) فأسقط عنه في المصابيح (أو اركوا).
وقد رواه مسلم بطرق شتى، وفي بعضها:(اتركوا)، وفي بعضها:(انظروا)
وأما السياق الذي في المصابيح فعلى ما ذكرت، وقد ورد في بعض الروايات (اركوا)، من غير تردد، وهو الأمثل، ومعناه أخروا، يقال للغريم: اركني إلى كذا، أي: أخرني.
[3787]
ومنه حديث أم كلثوم بنت عقبة- رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فيقول خيراً أو ينمي خيراً).
يقال: نميت الحديث: إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير أنميه، فإذا بلغته على وجه النميمة وإفساد ذات البين قلت:(نميته) بالتشديد، وإنما لم يكن هذا النوع كذباً؛ لأن القصد فيه صحيح، ثم على قائله أن يوري ما استطاع عن حقيقة القول بالكناية، فنقول مثل قوله: أرجو أن لا يصدر عن صاحبك شيء تكرهه، وإني لا أظن أنه يقول فيك قولاً سيئاًن وقد سمع منه أخبث قول وأفحش كلام فيوري عنه بقوله:(لا أظن)، وحقيقة القول أني لا أظن بل أتحقق. ومثل ذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب).
هذا هو السبيل في الأنواع الثلاثة التي ذكرتها في حديثها، وكذلك في حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية- رضي الله عنها وهو تال لهذا الحديث.
(ومن الحسان)
[3789]
حديث عائشة- رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يكون لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة
…
) الحديث.
قلت: إنما لم يكن له الزيادة على ثلاثة أيام فيما كان بينهما من الأمور الدنيوية. وأما إذا كان الهجران في حق من حقوق الله، فله ما فوق ذلك، ولقد هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع- رضي الله عنهم فلم يكلمهم خمسين يوماً، وأمر الناس بهجرانهم.
ولما اعتل بعير صفية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينبك أعطيها بعيراً، وكان عندها فضل ظهر، فقال: أنا أعطي تلك اليهودية، فغضب رسول الله [161/ب]صلى الله عليه وسلم فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر.
قلت: ولم نجد في السنة مدة الهجران عن المسلم أبلغ من هذا.
قلت: قد وجدنا من السلف من هجر أخاه المسلم في أمر كرهه عنه من أمور الدين السنة والسنتين، ومنهم من هجر صاحبه في ذلك عمره، ورأوا أنفسهم في فسحة من ذلك ما لم يعد المهجور عما ابتدعه.
وفيه: (فقد باء بإثمه) أي: رجع بإثمه فصار عليه، والضمير في (إثمه) محتمل لوجهين:
أحدهما: أن يعود إلى الهاجر أخاه، أي اكتسب وزراً من حيث لم يرد السلام عليه فرجع به.
ويحتمل أن يعود على المسلم فيكون ذلك على الاتساع وهو الواصل المسلم يكسب عملاً صالحاً فيحط به عن خطيئته، والمعرض يكتسب خطيئة بعدما كان عليه من الهجران وذلك تركه لرد السلام لواجب عليهن فصار هو فيما زاد من خطئه (ونقص من خطيئة) صاحبه كالذي عاد بإثم صاحبه.
وقوله في هذا الحديث (ثلاثة)، أي: ثلاثة أيام، وفي الحديث التالي لهذا الحديث، وهو حديث أبي هريرة- رضي الله عنه (ثلاث) أي: ثلاث ليالي، وفي حديثه هذا:(فمات دخل النار)، أي استوجب الدخول، والواقع في الإثم كالواقع في العقوبة.
[3795]
ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) استدل بهذا الحديث من يقول بإحباط العمل من المبتدعة الضلال، ولا حجة لهم في ذلك، لما في الأحاديث الصحاح من خلاف ما ذهبوا إليه، وهي أكثر وأظهر وأوضح مما تمسكوا بالمفهوم عنه، فمنها حديث المفلس (الذي يأتي يوم القيامة وقد ضرب هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته ..) الحديث. فلو كانت الكبيرة محبطة للحسنات لم يكن يبقى لهذا المتعاطي تلك الكبائر حسنة يعطي خصمه مع الكبائر التي ذكرت؛ فلابد إذاً أن يأول هذا الحديث على وجه لا يخالف الأحاديث الصحاح والأصول المستنبطة من الكتاب والسنة، وذلك من وجهين:
أحدهما: أن نقول إن الحسد يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود، وشتمه، وربما يتلف ماله [161/ب] ويسعى في سفك دمه، وكل ذلك مظالم يقتص عنها بها في الآخرة، ويذهب في عرض ذلك حسناته، وهذا هو المراد من الإحباط.
والوجه الآخر: أن نقول: التضعيف في الحسنات يوجد على حسب استعداد العبد وصلاحه في دينه، فمهما كان مرتكباً للخطايا نقص من ثواب عمله فيما يتعلق بالتضعيف ما يوازي انحطاطه في المرتبة بما اجترحه من الخطايا، مثل أن يقدر أن ذا رهق عمل حسنة فأثيب عليها عشراً، ولو لم يكن رهقه لأثيب أضعاف ذلك، فهذا الذي نقص من التضعيف بسبب ما ارتكبه من الذنب هو المراد من الإحباط.
وقد مر في باب الصلاة نحو هذا القول، والله أعلم.
[3800]
ومنه حديث سعيد بن زيد العدوي- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق).
قوله: (أربى الربا) الربا أكثرها وبالاً وأشدها في التحريم، والأصل في الربا الزيادة والارتفاع والكثرة، والاستطالة والتطاول: استحقار النار والترفع عليهم، وإنما عبر عنه بلفظ الربا؛ لأن المتعدي يضع عرضه في مقابلة عرضه ثم يستزيد عليه.
وفي قوله: (بغير حق) تنبيه على أن العرض ربما تجوز استباحته في بعض الأحوال، وذلك في مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(لي الواجد يحل عرضه).
فيجوز لصاحب الحق أن يقول فيه: إنه ظالم، وإنه متعد، ونحو ذلك.
ومثله الكلام في جرح الشاهد، والشهادة على الخائن، ونحو ذلك.