الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن
باب العقيقة
(من الصحاح)
[3067]
حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه سمعت رسول الله ? يقول: (مع الغلام عقيقة) أي: مع ولادته مسنونة أو مشروعة، والعقيقة - هاهنا - الشاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، وهي في الأصل صوف الجذع وشعر كل مولود من الناس والبهائم الذي يولد عليه، ومنه سمي ما يذبح عن المولود عقيقة؛ لأنها تذبح يوم حلق عقيقته؛ وقيل: بل لأن حلقومها شق، والعق في الأصل: الشق والقطع، وذكر الهروي أبو عبيد: أن الشعر الذي يخرج المولود من بطن أمه وهو عليه، إنما سميت عقيقة، لأنها إن كانت على إنسي حلقت، وإن كانت على بهيمة نسلتها.
وفيه (وأميطوا عنه الأذى) قيل: أراد به حلق شعر المولود، وقيل: أراد به تطهيره عن الأوساخ والأوضار التي تلطخ بها حالة الولادة. وذهب بعضهم فيه إلى الختان، وليس ذلك بشيء؛ لأن الأذى إنما يستعمل فيما يؤذى أو يكره لقذره ورجسه، وليس الختان من أحد المعنيين في شيء، ثم إن الصحيح من طريقة العرب في الختان وسنتهم في الإسلام أنهم كانوا يختنون أولادهم من السبع إلى العشر، وربما انتهى إلى ما فوقها حتى يقرب سن الاحتلام. ويدل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنه (كنت مختونا وكنت قد ناهزت الاحتلام).
(ومن الحسان)
[3070]
حديث أم كزر الخزاعية الكعبية رضي الله عنها سمعت رسول الله ? يقول: (اقروا الطير عل مكناتها) مكناتها بفتح الميم [126/أ] وكسر الكاف جمع مكنة وهي بيضة الضب، ويضم الحرفان منها أيضا، والمعنى: لا تنفروها، ولا تتعرضوا لها، وقال بعض الفصحاء: إنما هي وكناتها جمع وكنة، وهي عش الطائر، فأما المكنات فإنما هي للضباب.
قال أبو عبيد: ويجوز أن يجعل للطير تشبيها بمكنات الضب، قال زهير يصف الأسد:
له لبد أظفاره لم تقلم
وإنما له المخالب. قال: ويجوز أن يراد به على أمكنتها أي: على مواضعها التي جعلها الله لها فلا يزجروها ولا يلتفتوا إليها فإنها لا تضر ولا تنفع. يقال: الناس على مكناتهم أي: على استقامتهم.
وقال شمر: الصحيح فيها أنها جمع المكنة، وهي التمكن تقول العرب: إن فلانا لذو مكنة من السلطان. أي: ذو تمكن، فيقول: أقروها على كل مكنة ترونها عليها، ودعوا التطير بها. وهذا مثل التبعة: من التتبع، والطلبة: من التطلب. قلت: وقد روى أيضا (على وكناتها) قال أبو عمرو: الوكنة والأكنة بالضم: مواقع الطير، حيثما وقعت. وقال الأصمعي: الوكن: مأوى الطير في غير عش، والوكد ما كان في عش، وقد وكن الطائر بيضه يكنه وكنا: حضنه.
وفيه (ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا) الضمير للشياه التي تعق بها عن المولودين.
[3072]
ومنه حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ? (الغلام مرتهن بعقيقته) الحديث.
نقل عن بعض علماء السلف أنه قال: شفاعته للأبوين مرتهن بعقيقته. يريد أنه لا يشفع إذا لم يعق عنه.
قلت: ولا أدري بأي سبب تمسك ولفظ الحديث لا يساعد المعنى [الذي] أتى به، بل بينهما من
المباينة ما لا يخفى على عموم الناس فضلا عن خصوصهم. والمعنى إنما يؤخذ عن اللفظ، وعند اشتراك اللفظ عن القرينة التي يستدل بها عليه، والحديث إذا استبهم معناه فأقرب السبل إلى إيضاحه استيفاء طرقه، فإنها قلما تخلو عن زيادة أو نقصان أو إشارة بالألفاظ المختلف فيها رواية فيستكشف بها ما أبهم منه.
وفي بعض طرق هذا الحديث (كل غلام رهينة بعقيقته) أي: مرهون، يقال: مرهون ورهين، والهاء - هاهنا - لم تدخل للتأنيث، وإنما هي للمبالغة كقولهم: فلان كريمة قومه، والمعنى أنه [126/ب] كالشيء المرهون لا يتم الانتفاع والاستمتاع به دون فكه، والنعمة إنما تتم على المنعم عليه بقيامه بالشكر، ووظيفة الشكر في هذه النعمة ما سنه نبي الله ? وهو أن يعق عن المولود شكرا لله تعالى، وطلبا لسلامة المولود، ويحتمل أنه أراد بذلك [أن] سلامة المولود، ونشوءه عل النعت المحبوب رهينة بالعقيقة، هذا هو المعنى، اللهم إلا أن يكون التفسير الذي سبق ذكره متلقى من قبل الصحابي، ويكون الصحابي قد اطلع على ذلك من مفهوم الخطااب أو قضية الحال، ويكون التقدير: شفاعة الغلام لأبويه مرتهن بعقيقته، وفي لفظ هذا الحديث نظر وهو أن المرتهن هو الذي يأخذ الرهن، والشيء مرهون ورهين، ولم نجد فيما يعتمد عليه من كلامهم بناء المفعول من الارتهان، فلعل الراوي أتى به مكان الرهينة من طريق القياس.
وفيه (ويدمى) مكان (ويسمى) قلت: قد ذهب بعضهم في معناه إلى تدمية المولود بدم العقيقة المذبوحة عنه، وليس بشيء، فإن السنة في المولود يوم الذبح عنه أن يماط عنه الأذى، فكيف يؤمر بازدياده؟! وذهب بعضهم في تأويله إلى الختان، وليس ذلك أيضا مما يتبع؛ لما ذكرناه من السنة في الختان، مع أنه أقرب التأويلين، لو صحت الرواية فيه.
[3075]
ومنه حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه سئل رسول الله ? عن العقيقة فقال: (لا يحب الله العقوق) كأنه كره الاسم.
قلت: (كأنه كره الاسم) كلام أدرج في الحديث من قول بعض الرواة، ولا يدرى من القائل منهم، وعلى الجملة، فإنه قول صدر عن ظن، والظن يخطئ ويصيب، فالظاهر أنه وقع هاهنا في القسم الأول؛ لأن النبي ? ذكر العقيقة في عدة أحاديث، ولو كان يكره الاسم لعدل عنه إلى غيره، ومن سنته تغيير الاسم إذا كرهه، وكذلك عدوله عن اللفظ المكروه إلى ما عداه، وكان يشير إلى كراهة الشيء بالنهي عنه، كقوله:(لا تقولوا للعنب الكرم).
وإنما الوجه فيه أن يقال: يحتمل أن السائل إنما سأله عنها لاشتباه تداخله من الكراهة والاستحباب والوجوب والندب، أو أحب أن يعرف الفضيلة فيها، ولما كانت العقيقة من الفضيلة بمكان لم يخف على الأمة موقعه من الله أجابه بما ذكر تنبيها على أن [127/أ] الذي يبغضه الله من هذا الباب هو العقوق لا العقيقة، ويحتمل أن يكون السائل ظن أن اشتراك العقيقة مع العقوق في الاشتقاق مما يوهن أمرها، فأعلمه أن الأمر بخلاف ذلك، ويحتمل أن يكون العقيقة في هذا الحديث مستعارا للوالد، كما هو حقيقة في حق المولود، وذلك أن المولود إذا لم يعرف حق أبويه وأبى عن أدائه صار عاقا، فجعل إباء الوالد عن أداء حق المولود عقوقا على الاتساع، فقال:(لا يحب الله العقوق) أي: ترك ذلك من الولد مع قدرته عليه يشبه إضاعة المولود حق أبويه، ولا يحب الله ذلك، والله أعلم.