الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه: (ذلك الوأد الخفي) الوأد: الدفن في القبر حيا. شبه إضاعة النطفة التي هيأها الله لتكوين الولد منها بالوأد؛ لأنه سعى في إبطال ذلك الاستعداد، بعزل الماء عن محله، وفي ذلك ما يوجب الكراهة. فإن قيل: ففي أحاديث العزل ما يتضمن الرخصة، وفيها ما يفضي به الكراهة، فلأي معني جعل الجواب عنه- مبهما ولم ينه عنه نهيا صريحا، قلنا: النبي صلى الله عليه وسلم لا ينهى عن المباح حذرا أن ينتهي ذلك به إلى المحظور، فيشير إلى الكراهة بمعاريض القول.
ومن
باب الصداق [
75/ب]
(من الصحاح)
[2302]
حديث سهل بن سعد- رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول
الله، إني وهبت نفسي لك .. الحديث) المشكل من هذا الحديث (زوجتكها بما معك من القرآن) وتأويله- عند من يقول: إذا تزوجتها على سورة من القرآن، فالنكاح جائز ولها مهر المثل، إن دخل بها، أو ماتا، أو مات أحدهما، وإذا طلقها قبل الدخول فلها المتعة، أي: زوجتكها لما معك من القرآن، وإنما جعل الباء مكان اللام؛ لأن ذلك صار سببا للاجتماع بينهما، ولعل المرأة وهبت مهرها له، كما وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أنس، (أن أبا طلحة تزوج أم سليم على إسلامه، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فحسنه) فلم يكن إسلام أبى طلحة مهرا لها على الحقيقة، وإنما المعنى: تزوجها إسلامه، وكانت قد شارطته أن تجيبه إلى النكاح إذا أسلم. وفي بعض طرق حديث أنس:(ما كان لها مهر غيره) ومعنى ذلك- والله أعلم- أنها ما أرادت منه مهرا غيره.
وقد روى عن الليث أنه قال- وهو احد رواة حديث سهل بن سعد-: لا يجوز لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوج بالقرآن.
قلت: وإنما رأى القائلون بما ذكرنا العدول عن ظاهر الحديث إلى التأويل؛ لحديث عبادة بن الصامت، فيمن كان يعلمه القرآن، فأهدى إليه قوسا، وقد ذكرناه فيما قبل، ولحديث عبد الرحمن بن شبل الأنصاري- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:(اقرأوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تأكلوا به) ثم إنهم قالوا: قد أجمع المسلمون على أن من استأجر رجلا يدرهم على أن يعلمه سورة من القرآن، أن ذلك لا يصلح؛ للجهالة التي فيها، وكذلك لو باع منه بتعليم سورة من القرآن، وكل ما يوجب بطلان الإجارة والبيع من جهة الجهالة؛ فهو يوجب بطلان المهر، مع أن لفظ الحديث لا ينبئ عن التعليم، فإنه قال:(زوجتكها بما معك من القرآن) وما معه من القرآن لا يكون مهرا بحال.
ثم إن في عدة طرق من هذا الحديث، أن المرأة قالت:(وهبت نفسي لك يا رسول الله، فقامت طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك فيها حاجة، فزوجنيها) ولم يذكر في الحديث أنه شاورها فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن لم يكن فيها حاجة، فزوجنيها) ولم يذكر في الحديث أنه شاروها في نفسها، ولا أنها قالت: زوجنى منه، ولابد لهذا القول من تتمة لم تذكر في الحديث، فما ينكر أن يكون قد جعل لها مهرا سوى السورة، وإنما ذكر السورة للمعنى الذي ذكر، والله أعلم.
(ومن الحسان)
[2304]
حديث عمر بين الخطاب- رضي الله عنه: (ألا لا تغالوا صدقة النساء
…
الحديث) صداق المرأة، وصداقها، وصدقتها: ما يعطى من مهرها، والراوية عندنا فيه من الوجهين، أحدهما:(لا تغالوا صدق النساء) على الجمع، مثل: ربط. والآخر: (لا تغلوا في صدقات السناء) أي: لا تتجاوزوا فيه الحد،
أو لا تنافسوا بالمغالاة في مهور النساء. وأصل الغلاء: الارتفاع، والغلو: مجاوزة القدر في كل شيء، يقال: غاليت الشيء وبالشيء، وأغليت به: من غلاء السعر. ومنه قول [76/أ] الشاعر
إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا .... ولو نسام بها في الأمن أغلينا
فإن قيل: في هذا الحديث (ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثني عشر أوقية).
وقد روى في صداق أم حبيبة بنت أبي سفيان-رضي الله عنها أنه كان أربعة آلاف درهم. قلنا: إن أم حبيبة كانت بأرض الحبشة، فتأيمت عن زوجها عبيد الله بن جحش الذي تنصر بها ومات على النصرانية، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي في خطبتها، فخطب إليها النجاشي في خطبتها، فخطب إليها النجاشي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووكلت خالد بن سعيد بن العاص، فتولى العقد عنها. وقيل: تولى العقد عنها عثمان بن عفان- رضي الله عنه وأصدقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف. وقيل: أربعمائة دينار. ولم يكن ما ساق إليها بمؤامرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا باختيار منه، فصار مستثني من جملة ما قال عمر. ويحتمل أنه لم يبلغ عمر- رضي الله عنه فإنه قال: ما علمت.
وأما الزيادة على اثني عشر أوقية في حديث عائشة نش، فإنه أراد عدد الأوقية، أي: أكثر منها في العدد، فلم يبلغ ثلاث عشرة، أو لم يحط علمه بالزيادة. وقول عائشة:(ونش) كذلك هو في كتب الحديث ومرجعه التنوين في نصبه، لعل بعض الرواة لم يثبت الألف، فجرى الأمر من بعده على ما رواه.
[2305]
ومنه حديث جابر- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال (مز أعطى في صداق امرأته ملء كفيه سويقا، فقد استحل) الراوية على ما انتهت إلينا من كتاب أبي داود، فقد استحق وجه الحديث عند من لا يجوز المهر بما دون عشرة دراهم، أن يقال: في الحديث إجازة النكاح بهذه التسمية.
وليس فيه دلالة على أن الزيادة لا تجب إلى تمام العشرة.
هذا وقد كان من عادة العرب قديما وحديثا تعجيل المهر ودفعه إلى المخطوبة عند تمام العقد، فربما كان أحدهم لا يجد إلا الشيء اليسير، فأجيز له في ذلك. وعلى هذا المعنى حمل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سهل ابن سعد:(فالتمس ولو خاتما من حديد) إذ لو كان مراده ما يصح العقد عليه لزوجه بمهر في ذمته.