الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خرساء، فأشارت إلى السماء [وكلى] القولين مردود؛ لأنهم قابلوا الصدق بالكذب، وعارضوا اليقين بالشك.
والسبيل- فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلقى بالقبول، فإن تدارك الله المبلغ إليه بالفهم فيه، فذلك هو الفضل العظيم، وإن قصر عنه فهمه، فالسلامة في التسليم، ورد العلم فيه إلى الله وإلى الرسول، مع نفى ما يعترض الخواطر فيه من المعاني المشتركة والأوصاف الموهمة للمشاكلة، وقد عز جناب الكبرياء عما تتصرف فيه الأوهام، وتتلقفه الأفهام، وتدركه الأبصار، وتحيط به العقول [361/]:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ثم إن المتنفر عن هذا الحديث، المجد في الهرب عنه، لو أنعم النظر فيه، وفيما يتلى عليه من الآيات والذكر الحكيم، ويروى له من السنن بالنقل القويم؛ لم يعدم له نظائر في القبيلين، قال الله- سبحانه-:{أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} . ولاشك أنه يريد به نفسه، وليس ذلك أنه محصور فيها، ولكن على معني أن أمره ونهيه جاءا من قبل السماء، فوقعت الإشارة من النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث إلى مثل ما نطق به التنزيل. وقد كان صلى الله عليه وسلم في توقيف العباد على الشئون الإلهية والأمور الغيبية على صراط مستقيم، لم يكن لغيره أن يسلك ذلك المسلك إلا بتوقيفه، وقد أذن له في ذلك ما لم يؤذن لغيره. وكان رحمة من الله على عباده، بعث إلى كافة الخلائق، بعد أن كانوا على طبقات شتى ومنازل متفاوتة من عقولهم وآرائهم وإدراكاتهم واستعدادتهم، وكان منهم القوى والضعيف، والبالغ والقاصر، والكامل والناقص، فكان يأتي في تعريف ما قد علم أن بالناس حاجة إلى معرفته سهل المتناول، غزير المعنى، يأخذ العارف منها حظه، ويعلم الجاهل بها دينه، ويتضح بها ما أشكل، ويقرب بها ما بعد، {قد علم كل أناس مشربهم} وكان صلى الله عليه وسلم معنيا بأن يكلم الناس على قدر عقولهم، فلم يكن ليكلم جارية ضعيفة العقل واهية الرأي، فاترة النظر، قاصرة الفهم بما يقتضيه صرف التوحيد، ويكشف عن حقيقته نور القدس، فتزداد حيرة إلى حيرتها، لكن قنع منها بأن تعلم أن لها ربا {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} فسألها عن ذلك، على ما تبصره من حالها، وتبينه من مقدار عقلها، وكان صلى الله عليه وسلم أعرف الخلق بالله، وأعلمهم بطريق الهداية إليه، فليس لأحد من خلق الله أن يشمئز عن قاله قالها، أو يتنكب عن محجة سلكها، فما يأتي منه إلا ما طاب وكرم، وما له منا- فيما بلغنا عنه- إلا السمع والطاعة، والرضا والتسليم، صلى الله عليه أفضل ما صلى على أحد من عباده المكرمين.
ومن
باب اللعان
(من الصحاح)
[2375]
حديث سهل بن سعد الساعدى- رضي الله عنه: (أن عويمر العجلاني قال: يا رسول الله
الحديث) عويمر هذا هو: عويمر بن أبيض العجلانى الأنصاري، وبنو عجلان [71/ب]- بفتح العين- بطن وفي حديثه متمسك لمن يرى أن الفرقة بين المتلاعنين إنما تقع بتفريق الحاكم؛ وذلك في قول عويمر:(كذبت عليها يا رسول الله، إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا) ولو كانت الفرقة واقعة بينهما بنفس اللعان، لم يكن للتطليقات الثلاث معنى.
وفيه (أسحم أدعج العينين) الأسحم: الأسود. والسحمة السواد. والدعج: شدة سواد العين مع سعتها.
وفيه: (خدلج الساقين) أي: عظيم الساقين [وممتلئها]. والخدلج- بتشديد اللام: الممتلئ الذراعين والساقين. وفى معناه: خدل الساقين وخدلم، بزيادة ميم، وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث (خدل الساقين) ويحتمل أن يكون بالذال المعجمة. يقال: مخلخل خذل، أي: ضخم. وفيه: (كأنه وحرة) الوحرة- بالتحريك- دويبة حمراء تلزق بالأرض.
[2378]
ومنه: حديث ابن عباس- رضي الله عنهما: (أن هلال بن أميا قذف امرأته بشريك بن
سحماء
…
الحديث) امرأة هلال اسمها خولة. وهي: بنت عاصم الأنصارية، وهذا أول لعان كان في الإسلام، وفيه نزلت الآية وفي صاحبته.
وفيه: (البينة أو حدا في ظهرك) أي: أقم البينة، أو حدا، نصب على المصدر، أي: تحد حدا. وفي البخاري: (وإلا حد في ظهرك) والتقدير: وإلا عليك حد أو لك حد. وفي كتاب أبي داود: (أو حد في ظهرك)، وفيه:(فلما كانت الخامسة وقفوها، أي: الشهادة الخامسة: (ووقفوها) أي: حبسوها ومنعوها عن المضي في الشهادة الخامسة. يقال: وقفت الدابة، تقف،، وقوفا. ووقفتها أنا، يتعدى ولا يتعدى. وقالوا:(إنها) أي: الخامسة (موجبة) أي: موجبة للتفريق بينكما، أو لحكم اللعان.
ويحتمل أن يكون معنى: (وقفوها) أي: أطلعوها على حكم الخامسة أنها موجبة، من قولهم: وقفته على ذنبه، أي: أطلعته. قال ابن عباس: (فتلكات) أي: توقفت. يقال: تلكأ عن الأمر تلكأ، أي: تباطأ عنه وتوقف فيه. وفيه: (ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم) أي: جميعه. واللام فيه للجنس.
أي: سائر الأيام. وهو في معنى قولهم: سائر الدهر. أي: لا أصدق الزوج؛ فإن فيه فضيحة قومي آخر الدهر، فيعيروني لمكان منهم.
وفيه: (فمضت) أي: في الخامسة، فلم تتأخر عنها، وفيه:(أبصروا، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الإليتين) يقال: شيء سابغ، أي: كامل تام واف. فإن قيل: ما فائدة هذا الكشف، ولم يتضمن إلحاق الوالد بالزاني، وإقامة الحد على المرأة، مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى الستر على ذوى الهنات، ويأمر بذلك [72/أ].
قلنا: فيه فوائد، فمنها: أنه يدخل في أعلام النبوة؛ لأنه قدر أمر المولود على نعت [لم يتعد] عنه، ثم ما فيه من التنبيه على أن لا عبرة بالشبه، وأن لا تأثير لوضوح الأمر بعد وقوع الفرقة بين المتلاعنين، وإليه وقعت الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا [ما] مضى من كتاب الله؛ لكان لها [شأنا] والمعنى: لولا ما سبق من حكم الله في المتلاعنين، لجعلتها عبرة للناظرين، وتذكرة للسامعين؛ لهتكها الحرمة بينها وبين ربها، تارة بالزنا، وأخرى بالأيمان الكاذبة.
فبين بذلك أولا: شدة غضب الله وغضب رسوله عليها، وأعلن ثانيا بأن لا سبيل عليها بالعقوبة والتنكيل فيما ارتكبته من المنكر الشنيع والعضيهة الفظيعة، وإن وجد الشبه وعرفت الأمارات، إذ لو كان ذلك لأحد، لكان أولى الناس به نبى الله الذي أيد بالإصابة فيما يخبر عنه، وأعين بالعصمة عن الزيغ فيما يحكيه.
فإن قيل: فكيف التوفيق بين حديث اللعان وبين قوله: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) قيل: حديث إلحاق الولد بالفراش ورد فيمن يدعى الولد من غير فراش، فنفى عنه وجعله لصاحب الفراش، إذا لم ينتف عنه، فإن انتفى الولد دعة إلى الملاعنة، فإن لاعن عنه، لم يلحق به، فلا مصادة إذا بين الحديثين؛ لأن حديث اللعان فيمن ينفى الولد مع الفراش، والحديث الاخر فيمن يدعى الولد من غير فراش.
[2383]
ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي، رواية هريرة- رضي الله عنه:(هل فيها من أورق) الأورق من الإبل: الذي في لونه بياض إلى سواد. وقد قيل: إنه أطيب الإبل لحما، وليس بمحمود عندهم في عمله وسيره.
وفيه: (عرق نزعها) نزعت الشيء من مكانه، أي: قلعته، ونزعت القوس: مددتها. فقوله: (عرق نزعها) أي: قلعها ومدها من ألوان فحلها ولقاحها، ومن المثل: العرق نزاع. ونزع إلى أبيه في الشبه، أي: ذهب. والنزاع من الخيل: التي نزعت إلى أعراق. والمراد من العرق: النار والأصل، وما درس فيه من الطباع. أخذ من عرق الشجر. يقال: أعرق الرجل: إذا صار عريقا، وهو الذي له عرق في الكرم، وفلان معرق، ويقال ذلك في الكرم واللؤم جميعاً.
ضرب له المثل بما شاهده من لون إبله التي [92/ب] تخالف الفحل واللقاح في شياتها وألوانها، وبين له من طريق القياس أن اختلاف اللون ليس من الدلائل التي يجب الحكم بها.
وفي بعض طرق هذا الحديث أن الرجل كان من بني [فزارة] وقد ذكر بعض الحفاظ أن اسمه ضمضم، واسم أبيه قتادة، وامرأته من بني عجل.
[2384]
ومنه: حديث عائشة- رضي الله عنها: (كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه .. الحديث) عهد إليه، أي: أوصاه (أن ابن وليدة زمعة منى) أراد بالوليدة: الأمة. وكان أهل الجاهلية إذا الحديث) عهد إليه، أي: أوصاه (أن ابن وليدة زمعة منى) أراد بالوليدة: الأمة. وكان أهل الجاهلية إذا وطئ أحدهم أمة غيره، ترقب بها الحبل، فإن حبلت عقيب ذلك، زعم أن الحمل منه، فإذا وضعته ادعاه فألحق به، وكان عتبة قد صنع هذا الصنيع، فأوصى أخاه سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه حين مات بمكة أن يضم إليه ابن وليدة زمعة، على أنه ابنه، فلما كان يوم فتح مكة طلب سعد أن ينتزعه من ذويه ويؤويه فألحقه بأبيه، وأقر له بالأخوة (فتساوقا) أي: ذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن كل واحد منهما يسوق صاحبه إليه، فكم بينهما بما ينبئ عنه بقية الحديث.
ووجه الحديث ومعناه عند من لا يرى للأمة فراشا، ولا يرى أن يلحق الولد بالمولى إلا بإقرار منه، أنه لم يحكم فيه بشيء سوى اليد التي جعله بها لعبد بن زمعة ولسائر ورثته دون سعد، ولعل ذلك بحق الولاية، ولم يكن ذلك من الحكم بالنسب في شيء؛ لأنه أمر سودة بالاحتجاب منه، ولو كان المراد إثبات النسب، لم يأمرها بالاحتجاب؛ لأنه خلاف ما شرعه صلى الله عليه وسلم.
ومعنى قوله: (الولد للفراش) على جهة التعليم والتعليل. أي: إنك تدعى أنه لأخيك عتبة، ولم يكن له فراش حتى يكون له الولد، وإذا لم يكن له فراش، فللعاهر الحجر.
وأما ما ذكر في الحديث من الشبه، فإنه من قول الراوي، حمل الأمر فيه على الشبه، ولو كان الشبه معتدا به في هذا الباب، لما قال للأعرابي الفزارى:(فلعل عرقا نزعه) فإن قيل: ففي الكتاب ويروى: (هو أخوك) قيل: إن ثبت، فالوجه فيه: إنه أخوك بإقرارك، فيشاركك في حصتك من الميراث. وإقرار الوارث في مثل هذه القضية يعتبر به في الميراث، ولا عبرة في إثبات النسب.
وذهب آخرون في قوله: (احتجبي منه) إلى أنه رأى الشبه، فلم يأمن أن يكون من مائه، فأجراه في التحريم مجرى النسب. ويحتمل أنه استعمل الورع في اتقاء الشبهات، وأخذ بالأحوط من الأمرين، وبني الأمر على مقتضي الغيرة. وكان صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتلك الخلال، وأحقهم بها [73/أ] وعتبة بن أبي وقاص مات بمكة كافرا، وهو الذي كسر رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد. وقد ذكره بعض المتأخرين من أهل الرواية في أعداد الصحابة، ولم يصب، ولم يسبق إليه، ولم يتابع عليه.
[2385]
ومنه: حديثها الآخر: (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسرور، فقال: أي عائشة، ألم ترى أن مجززا المدلجى
…
الحديث) مجزز هذا هو القائف، من بنى مدلج. قيل: لم يكن اسمه مجززا، وإنما سمى به؛ لأنه كان إذا أخذ أجيرا جز ناصيته، فغلب عليه هذه التسمية.
وكان من أمر زيد بن حارثة وابنه أسامة أن زيدا كان أبيض اللون، وأسامة أسود، وأم أسامة أم أيمن كانت جارية حبشية الأصل، ورثها النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه عبد الله، فأعتقها، وكانت حاضنته، وكان أهل ذلك البيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكان لم يشاركهم فيه أحد، وكان المنافقون يتعرضون بالطعن في نسب أسامة لسواد لونه، يبغون بذلك أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر عليهما القائف وهما نائمان في المسجد، قد تغطيا رءوسهما، فنظر إلى أقدامهما، وهو لا يدرى من هما، ولم ير وجههما فقال قوله، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيه من إشادة الحق، وغيظ أهل النفاق، واستحسن حديثه ودقة نظره في ذلك.
(ومن الحسان)
[2388]
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه: (ولن يدخلها الله جنته)، أي: مع من يدخلها من المحسنين، بل يؤخرها أو يعذبها ما شاء، إلا أن تكون كافرة فيجب عليها الخلود.
وفيه: (وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه) ذكر النظر تحقيق لسوء صنيعه، وتعظيم للذنب الذي ارتكبه؛ حيث لم يرض بالفرية حتى أماط جلباب الحياء عن وجهه.
[2389]
ومنه: حديث ابن عباس- رضي الله عنهما: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي امرأة لا ترد يد لامس .. الحديث) لقد غلط جمع من الناس في تأويل قول الرجل: (لا ترد يد لامس) فظنوا أنه رماها ببذل البضع لمن روادها عنه، وهذا وإن كان اللفظ يقتضيه احتمالا، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:(فأمسكها إذن) يأباه. ومعاذ الله أن يأذن رسول الله في إمساك من لا تماسك لها عن الفاحشة، فضلا [73/أ] من يأمر به، وإنما الوجه فيه: أن الرجل شكا إليه عنهها وخرقها وتهاونها بحفظ ما في البيت، والتسرع إلى بذل ذلك لمن أراده، فلا ترد يد لامس بل تدعه حتى يأخذ حاجته من ماله.
[2390]
ومنه حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه .. الحديث) المستلحق: بفتح الحاء- هو طلب الورثة أن يلحقوه بهم. واستلحقه، أي: ادعاه، وذلك إذا توفي الرجل عن حمل أو ولد على فراشه بملك اليمين، فلم ينتف عنه ولم يلحقه بنفسه فاستلحقه الورثة، وبقية الحديث تكشف عن المراد.