الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحصن منظر العين في ليلة مقمرة صافية وهو على سطح ومعه امرأته، فأتت البقرة وجعلت تحك بقرونها باب القصر، فقالت له امراته: هل رأيت مثل هذا قط، قال: لا والله، قالت: فمن يترك مثل هذا؟ قال: لا أحد، فنزل فأمر بفرسه فأسرج، وكب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له: حسان، فخرجوا معه بمطادرهم فتلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت أكيدرا وقتلوا أخاه حسان. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصاهم: ألا تقتلوه وابعثوا به إلي، فبعثوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه، وصالحه على الجزية، وخلى سبيله، ثم إنه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه.
ومن
باب الصلح
(من الصحاح)
[2977]
حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم قالا:(خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة) إنما قيل: عام الحديبية وغزوة الحديبية لنزول النبي صلى الله عليه وسلم حين صد عن البيت بذلك الموضع. والحديبية من الحل، وإليها ينتهي حد الحرم، وفي الباء منها التخفيف لا غير، وقولهما:(في بضع عشرة مائة) قد قدمنا من بيانه ما وقعت به الغنية عن الإعادة.
وفيه (حل، حل) حل: زجر الناقة إذا حثثتها على السير، وهي بالتسكين، فإن وصلتها بأخرى نونت الأولى، والمحدثون يسكنونها في الوصل وليس بشيء.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه (أن حل ليوطئ ويؤذى، ويشغل عن ذكر الله) يعني أن زجرك بقولك [120/ب]: حل عند الإفاضة إلى المشعر يوطئ الناس ويؤذيهم، ويشغلك عن ذكر الله.
وفيه (خلأت القصواء) خلأت الناقة خلأ وخلاء بالكسر والمد، أي: حرنت وبركت من غير علة، كما يقال في الجمل: ألح، وفي الفرس حرن، وأما القصواء فقد بينا المراد منها في باب الحج.
وفيه (على ثمد) الثمد: الماء القليل الذي لا مادة له، وإنما وصفه بالقلة مع استغنائه عنها بلفظ الثمد إرادة للتأكيد في كونه أقل من القليل.
(يتبرض الناس) أي: يأخذونه شيئا فشيئا، والتبرض أيضا التبلغ بالقليل، يقال: برض الماء من العين يبرض بالضم أي: خرج، وهو قليل. وماء برض أي: قليل، وكذا البراض بالضم، وبرض لي من ماله يبرض ويبرض برضا أي: أعطاني منه شيئا قليلا.
وفيه (يجيش لهم بالري) يقال: جاش الوادي أي زخر وامتد جدا، والأصل فيه قولك: جاشت القدر أي: غلت، أي: ما زال يمتد بما يرويهم من الماء، أو بالماء الكثير، من قولهم: عين رية أي: كثيرة الماء.
وفيه (هذا ما قاضى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: فصل الأمر بالقضاء والإحكام له في أمر المصالحة من [قولك:] قضى الحاكم، أي: فصل في الحكم، ووزنه فاعل، من: قضيت الشيء؛ لأن القضية كانت بينه وبين أهل مكة.
وفيه (فضربه به حتى برد) أي: مات، وبرده: قتله، ومنه: السيوف البوارد، وذلك لما تعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح، أو لما عرض له من السكون.
وفيه: (ويل أمه، مسعر حرب لو كان له أحد) المسعر، والمسعار: الخشب الذي يسعر به النار أي: تهيج وتلهب. ومنه قيل للرجل: مسعر حرب. أي: يحمي به الحرب وتهيج، شبه بمسعر التنور، و (ويل أمه) لفظ تعجب من حسن نهضته بالحرب وجودة معالجته لها. وقوله:(لو كان له أحد) أي لو وجد ناصرا ينصره، ومعيناً يعينه.
وفيه: (حتى أتى سيف البحر) أي: ساحله. قلت: والسيف - بالكسر - ساحل البحر، ولعل إضافته إلى البحر إنما كانت لمكان الاشتباه بسيف النخل، وهو: ما التف بأصول السعف كالليف.
وفيه: (يناشده الله والرحم لما أرسل إليهم) الرواية في (لما) بالتشديد، وهي في موضع (إلا)، وقد ذكر الجوهري في كتابه أن قول من قال:(لما) بمعنى (إلا) فليس يعرف في اللغة، قلت: وقد ذكر أهل التفسير لاسيما المتبحرون منهم في علم العربية في قوله تعالى {إن كل نفس لما عليها حافظ} على قراءة من قرأها بالتشديد أنها بمعنى إلا، ويحمل قول الجوهري على أنه لم يصادفه فيما بلغه من كلامهم، والعرب تستعمل هذا الحرف في كلامهم على الوجه الذي في الحديث، إذا أرادوا المبالغة في المطالبة، كأنهم يبتغون من المسئول ألا يهتم بشيء إلا بذلك، ومعنى [الحديث]: أرسلت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقسم عليه أن لا يعاملهم بشيء، إلا بإرساله إلى تلك الطائفة، وردهم إلى مأمنهم بالمدينة، كيلا يتعرضوا لهم في سبيلهم.
[2978]
ومنه قول البراء رضي الله عنه (ولا يدخلها بجلبان السلاح) الجلبان بتسكين اللام قيل: هو القراب وهو شبه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف مغمودا، ويطرح فيه السوط، والآلات، ويعلق من أخرة الرحل، وأكثر المحدثين يروونه مضمومة اللام مشددة الباء، وفسره بعض أهل اللغة فقال: إنما سمي بذلك لجفائه، قال: ويقال: امرأة جلبانة: إذا كانت جافية الخلقة. ومن عادة العرب ألا يفارقهم السلاح في السلم والحرب، فاشترطوا أن تكون السيوف في القرب كيلا يظن أنهم يدخلوتها عنوةـ، وليكون ذلك أمارة للسلم، وقال الخطابي: يحتمل أن يكون جمع جلب، ودليل ذلك رواية مؤمل عن سفيان (ألا يجلب السلاح)، وجلب السلاح نفسه كجلب الرحل، إنما هو [نفس] خشب الرحل كأنه أراد به نفس السلاح، وهو السيف من غير أن يكون [121/أ] معه [أدوات] الحرب من لأمة ورمح وحجفة ونحوها ليكون علامة للأمن. قال: وقد جاء جريان السيف في هذا المعنى. قال الأصمعي: هو قراب السيف، فيحتمل أن يكون من باب تعاقب اللام والراء.
(ومن الحسان)
[2981]
حديث المسور ومروان وعلي: (إن بيننا عيبة مكفوفة) فسره ابن الأعرابي فقال: يريد أن بيننا صدرا نقيا من الغل والخداع والدغل، مطويا على الوفاء بالصلح. والمكفوفة: المشرجة المشدودة: والعرب تكنى عن القلوب والصدور بالعياب؛ لأنها مستودع السرائر، كما أن العياب مستودع حر الثياب. قال ابن الأنباري موادعة ومكافة: يجريان مجرى المودة التي تكون بين المتصافين الذين يفشي بعضهم إلى بعض أسرارهم.
قلت: والذي قاله ابن الأعربي في بيان ألفاظه من طريق اللهجة العربية فإنه حسن مستقيم، وهو الإمام الذي سبق كثيرا ممن يتعنى هذا الفن غير أني أرتاب في تقدير هذا المعنى، على أن بيننا صدرا نقيا من الغل فلا أدري: أيصح عنه أم لا، وذلك أن نقاوة الصدر من الغل بين المسلم والكافر أمر لا يكاد يستتب؛ كيف وقد فرض الله على المسلم بغض الكافر ومحبة هوانه، وأرى الوجه فيه أن يقال: إنهم أرادوا بذلك ترك ما كان بين الفئتين من الأضغان والدماء وانتهاب الأموال، وانتهاك الحرم مشرجا عليه في صدور القبيلين لا يكثر شيء منها إلى انقضاء الأجل. ويحتمل أنهم أرادوا بالعيبة: نفس الموادعة، أي: تكون الموادعة مطوية على تلك الخلال مشرجة عليها، وحملها في كلامهم على السرائر أكثر وأشهر، قال الشاعر:
ولقد حملت حديثهم في أضلع .... للسر مشرجة على الكتمان
وفيه: (لا إسلال ولا إغلال) الإسلال: السرقة الخفية، وكذلك السلة. ومنه قولهم: الخلة تورث السلة، والإغلال: الخيانة، ورجل مغل أي: خائن.
ومن الباب الذي يليه
(من الصحاح)
[2982]
حديث أبي هريرة رضي الله عنه[121/ب] في حديثه (حتى جئنا بيت المدارس) المدارس: صاحب دراسة كتبهم، ومفعل ومفعال من أبنية المبالغة في الفعل الذي يشتق منه.
وفيه: (إني أريد أن أجليكم) الخطاب لمن بقى بالمدينة من يهود بني قينقاع وغيرهم بعد إخراج بني النضير، وقتل بني قريظة، فإن حرب بني النضير ومصالحتهم على الخروج منها كانت في السنة الرابعة، وقتل بني قريظة في السنة الخامسة، وإسلام أبي هريرة في السنة السابعة.
[2984]
ومنه قول ابن عمر في حديثه (فأجلاهم عمر وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر
…
الحديث) الثمر بالثاء المنقوطة بالثلاث، والمراد ما ثبت لهم باعتمالهم في النخل بالسقي والتأبير وغير ذلك من حصة الثمر في سنتهم تلك، على ما تقدم ذكره في حديث اعتمال يهود خيبر على الشطر. فيكون قد أجلاهم في زمان قد فرغوا فيه من العمل.