الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خالياً عن الفائدة لحصول الإجماع على أن المعاهد لا يقتل في عهده.
[2515]
ومن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس - رضصي الله عنه -[83/أ]: (من قتل في عميّةٍ) أي: في أمر لا يستبين ما وَجهُه يقال: هم في عميّتهم أي: في جهلهم. والميم منها مشددة، فكان أصله من التعمية وهو التلبيس. وفي بعض طرق هذا الحديث عن طاوس مرسلا (من قتل في عمياً) على وزن فعيلا من العمى كما يقال: رمّيا من الرَّمى، والمراد أن يوجد بينهم قتيل يعمى أمره ولا يتبيَّن قاتله ولا حاله.
[2516]
ومنه حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا أعفى من قتبل بعد أخذ الدية) أي: لا أدع القاتل بعد أخذ الدية فيعفى عنه أو يرضى منه بالدية من قولهم: أعفني من الخروج معك، أي: دَعني والمراد منه التغليظ عليه لمباشرته الأمر الفظيع فلم ير أن يعفى عنه أو يرضى منه بالدية زجرًا لغيره عن تعاطي صنيعه. وفي بعض النسخ (لا يُعفى) على بناء المفعول من العفو، لفظه خبر ومعناه نهى، وهو حسن، إن صحت الرواية فيه.
ومن
باب الديات
(من الصحاح)
[2520]
حديث أبي هريرة رضي الله عنه (افتتلت امرأتان من هذيل
…
الحديث) المرأتان كانتا
ضرتين وكانتا من هذيل على ما في حديث المغيرة وحديث أبي هريرة في جنان امرأة من بني لحيان يريد به ما ذكره في حديثه هذا ولا تناقض فيه فإن بني لحيان بطن من هذيل. ولحيان هو لحيان بن هذيل والمضروبة هي مُلَيكة بنت عويم والضاربة أم عفيف بنت مسروح بن النابغة ذكرت في حديث أخيها العلاء بن مسوح وحمل بن مالك بن النابغة ابن عمها وقيل له: غطيف بالغين المعجمة والأول أثبت. وقد روى حديثها المغيرة بن شعبة وأبو هريرة وجابر بن عبد الله وليس في حديثهم القود وإنما فيه العقل. وقد روى هذا الحديث أيضا حملُ بن مالك وفي فرد طريق منه (فقضى في جنينها بغرة وأن تقتل) ولا عبرة بهذه الزيادة؛ لأنها مخالفة للأحاديث الصحاح ثم إن أكثر الروايات وأصحها عن حمل بن مالك لم يذكر فيها (وأن تقتل) والحديث حجة لأبي حنيفة - رحمة الله عليه - ومن يذهب مذهبه في سقوط القود عن القاتل بالحجر والعصا وما يشبه ذلك.
وفيه (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرّة عبد أو أمه) قد ذكرنا تفسير الغرة في باب الرضاع على ما بلغنا من أهل اللغة. [83/ ب] وأصحاب الغريب، وذكرنا أنها تروى على لصفة وهو الأكثر، وتروى على الإضافة. وقد فسّرها الفقهاء بما يبلغ ثمنه من العبيد عشر الدية، على حسب اختلافهم في مقادير أنواع ما يقتضي به في الدية.
[2523]
ومن الحسان حديث عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن وكان في كتابه (أن من اعتبط مؤمنا فهو قود يده .. الحديث) عمرو بن حزم استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على نجران ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن ويأخذ صدقاتهم وذلك في السنة العاشرة وكان هو ابن سبع عشرة سنة، وكتب له كتاباً فيه الفرائض والسنن والصدقات والديات وقوله:(من اعتبط مؤمناً) أي قتله بلا جناية توجب ذلك، أخذ من قولهك: عبطت الناقة واعتبطتها: إذا ذبحتها وليست بها علة، فهي عبيطة ولحمها عبيط. ومات فلان عبطة أي شابا صحيحا ومنه قول [أمية]:
مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هَرمًا
…
للموتِ كأسٌ والمرء ذائقها
وقوله: (فإنه قود يده) أي يقتص منه بما جنته يده من القتل والقود قتل القاتل بالقتيل يقال: أقدته به واستقدت الحاكم أي سألته أن يقتاد لي. والأصل فيه: الخضوع والانقياد وإلقاء مقادة أمر القاتل إلى وليّ المقتول.
وفيه (وفي الأنف إذا أوعب جدعُهُ) أُوعب على بناء المفعول، ويجوز أن يكون على بناء الفاعل أي أوعبه الجادع يقال: جدعه فأوعب أنفه أي: استأصله. وفي الشتم: جدعه الله جدعًا مُوعباً. وفي غير هذه الرواية (وفي الأنف إذا استوعب جدعه الدية) أي: إذا لم يترك منه شيء، فاستيعاب الشيء: استئصاله.
وفيه (وفي الجائفة ثلث الدية) قال الأصمعي: هي طعنةٌ تنفذ إلى الجوف يقال: أَجَفْتُهُ الطعنة وجفْتُهُ بها قيل: وقد تكون الجائفة التي تخالط الجوف.
وفيه (وفي المنقلة) - بكسر القاف الشجة التي تنقل العظم أي: تكسره حتى يخرج منها فراش العظام. وفي حديث حذيفة (ما منا من أحد إلا فتش عن جائفة أو منقلة) يريد: ليس منا أحد إلا وفيه عيب عظيم، فأتى بالجائفة والمنقلة على وجه التمثيل وفيه (وفي الموضحة) الموضحة: الشجة التي تبدي وضيح العظم، أي: بياضه [84/أ].
[2526]
ومنه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ثم قال: أيها الناس إنه لا حلف في الإسلام .. الحديث) الحلف - بالكسر - العهد يكون بين القوم. وقد حالفه أي:
عاهده. وتحالفوا أي: تعاهدوا. وكان الرجل في الجاهلية يُعاقد الرجل فيقول: دمي دمك، وهدمي هدمك، وثآري ثأرك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عنك. فيعدون الحليف من جملة القوم الذين دخل في حلفهم ويطالبونهم بجريرته، فلما جاء الله بالإسلام واستقر أمره نهى أن يحدث ذلك في الإسلام وأٌر ما كان منه في الجاهلية لتعلق المصالح به من حقن الدماء وطلب الحقوق وحفظ العهود وجمع الشمل وضبط الأنساب وصيانة الأعراض وغير ذلك، وهو المراد من قوله:(وما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده إلا شدة) وقد نسخ من أحكامه التوارث به قال الله تعالى {والذين عقدت أيمانكم قآتوهم نصيبهم} وقد رُوى أن الرجل كان يرث حليفه، ومعنى {عقدت أيمانكم} أي: عاقدتهم أيديكم وما سمحتموهم بها، وأما إثبات الولاء بالموالاة فليس من الحلف المهني عنه في شيء، وقد أجاز ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإليه ذهب أبو حنيفة وصاحباه وأوّلُوا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تميم الداري رضي الله عنه حيز سأله عن الرجل يُسلم على يدي الرجل:(وهو أولى الناس بمحياه ومماته) على أنه أولى الناس بموالاته وكان عمر بن عبد العزيز وآخرون من أهل العلم يرون أنه يرث إذا لم يكن له وارث من غير عقد موالاة.
وفيه (والمؤمنون يد على من سواهم) أي ينصر بعضهم بعضا، ويعين بعضهم بعضا .. جعلهم بمثابة اليد الواحدة في التناصر والتفاضل.
وفيه (يجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم) قد مر تفسيره فيما مضى
وفيه (ويرد سراياهم على قعيدتهم) أراد بالقعيدة: الجيوش النازلة في دار الحرب يبعثون سراياهم إلى العدو، فما غنمت يرد به على القاعدين حصّتهم؛ لأنهم كانوا ردءًا لهم.
وفيه (لا جلب ولا جنب) وقد سبق تفسيره في كتاب (الزكاة) ومنه قول المؤلف بعد حديث ابن مسعود رضي الله عنه في أسنان الدية وأقسامها: والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود وخشف [84/ب] مجهول. العجب منه كيف شهد بصحته موقوفاً، ثم طعن في الذي يرويه عنه؟ وقوله:(وخشف مجهول) قول لم يبتدعه هو، بل سبقه به الأولون الذين خالفوا هذا الحديث. وأراه قد تقلد في إيراده الخطابي فإنه
ذكر ذلك في الأعلام وكان عليه ألا يبادر فيه، فإن من جملة من أخذ بحديث ابن مسعود رضي الله عنه من أصحاب الحديث أحمد، وهو من علم الرجال بمكان لا ينازعه فيه الخطابي، وقد ذكره البخاري في تاريخه فقال: خشف بن مالك سمع عمر، وابن مسعود رضي الله عنه من أصحاب الحديث أحمد، وهو من علم الرجال بمكان لا ينازعه فيه الخطابي، وقد ذكره البخاري في تاريخه فقال: خشف بن مالك سمع عمر، وابن مسعود وروى عنه زيد بن جبيرة الطائي، وروى حديثه أبو جعفر الطحاوي وفي روايته عن زيد بن جبيرة الجشمي عن خشف بن مال الطائي. والأسنان التي ذكرت في هذا الحديث فسرناها في كتاب الزكاة.
[2532]
ومنه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها) المعنى أن العصبة يتحملون عقل المرأة الذي يجب عليهم بسبب جنايتها تحملهم عن الرجل فإنها ليست كالعبد في جنايته إذ العاقلة لا تحمل عنه بل تتعلق الجناية برقبته.
[2534]
وفيه: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادّة لمكانها) أراد بها العين التي لم تخرج من الحدقة ولم يخل موضعها فبقيت في رأي العين على ما كانت لم تشوه خلقتها ولم يذهب بها جمال الوجه والحديث لو صح فإنه يحمل على أنه أوجب فيها ثلث الدية على معنى الحكومة.
[2537]
ومنه حديث عمران بن حُصين رضي الله عنه (أن غلاماً لأناس فقراء قطع أُذن غلام لأناس أغنياء
…
الحديث) المراد من الغلام الجاني هو الحرّ لا العبد، لأنه لو كان عبدًا لتعلقت الجدناية برقبته ولم يكن فقر مواليه يُدافع عنه، وإنما لم يجعل فيه شيئا؛ لأن عاقلة الغلام كانوا فقراء
باب ما لا يضمن من الجنايات
(من آل صحاح)
[2539]
حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه (غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش العسرة .. الحديث) المراد من جيش العسرة غزوة تبوك قيل لها جيش العسرة لعسرة حالهم فيها فإنهم كانوا في عسرة من الظهر وعُسرة من الزاد وعُسرة من الماء، وكانوا في شدة من حُمّارة القيظ ومن الجدب. ويشتبه على بعض الناس غزوة ذات العسرة بغزوة ذات العُثشيرة أو العُشيرة بعين مضمومة وبالشين المعجمة وهي من
بطن ينبع ولعلها سُمّيت [85/أ]. بذلك لما بها من العشير وهي شجر لها صمغ. وهذه الغزوة كانت في أول الإسلام قبل بدر ولم يلتق فيها الفريقان.
وفيه (فأندر ثنيته) ندر الشيء ينذر ندرًا: سقط، وأندره غيره أي: أسقطه. والمعنى: أسقط تثنيته فسقطت.
[2543]
ومنه حديث سهل بن سعد رضي الله عنه (ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى يحك بها رأسه) المدْري: القرن، وكذلك المدارة، وربما تصلح بها الماشطة قرون النساء، وهي شيء كالمسلة يكون معها.
[2544]
ومنه حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه (أنه رأى رجلا يخذف) أي يرمي الحصا بالأصابع ومنه المخذفة وهي المقلاع وكل شيء يرمى به.
[2547]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (فلعل الشيطان ينزع في يده) أي:
يرمى به في يده كأنه يدفع يده فيحقق إشارته. وأصل النزع: القلع. يقال: نزعت الشيء من مكانه أي: قلعته. وروى بالغين المعجمة، ومعناه: يُغريه فيحمله على تحقيق الضرب حين يشير به عند اللعب والهزل. ونزغ الشيطان: إغراؤه، ويحتمل أن يكون المعنى: يطعن في يده من قولهم: نزغه بكلمة أي: طعن فيه، وقد فسرناه بأكثر من هذا فيما مضى.
[2551]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديثه أيضا "ونساء كاسيات [وعاريات] المعنى: أنهن يلبسن من رقائق الثياب ما تبدُو عنه أجسامهن فيصفها للناطرين فهن عاريات على الحقيقة، وإن كن كاسيات. وقد قيل: كاسيات من نعم الله عاريات من الشكر. وأرى الوجه فيه الأول؛ لأنه قال في أول الحديث: "صنفان من أهل النار لم أرهما" ولم يخلُ زمانه عنهن على التأويل الثاني؛ لأنه إن لم يوجد هذا الصنف في مؤمنات زمانه فما أكثر ما وجد في المنافقات والكوافر.
وفيه "مميلات مائلات" ذكر فيه أبو عبيد الهروى عن ابن الأنباري "مائلات" أي: زائغات عن استعمال الطاعة لله وما يلزمهن من حفظ الفروج "ومميلات" يُعلّمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن قال: وفيه وجه آخر مائلات: متبختراتٌ في مشيهنز مميلات: يملن أكتافهن في أعطافهن. قال: وفيه وجه ثالث: يمتشطن المشطة الميلاء: وهي التي جاءت كراهتها وهي مشطة البغايا. قال: ويجوز أن يكون المائلات والمميلات بمعنى، كما قالوا: جادٌّ مجدٌّ.
قلت: ويحتمل أن يكون المعنى في المائلات: اللاتي يملن إلى الفجور، وفي المميلات:[المميلات] إليه من يرغب فيهن من الرجال.
وفيه "رءوسهن كأسنمة البخت المائلة" قيل: أراد أنهن يعظمن رءوسهن بالخُمر والعمائم [85/ب] حتى يشبه أسنمة البخت. ويحتمل أنه أراد بذلك عظمها وميلها من السمن.
وفيه "لا يدخلن الجنة
…
إلى تمام الحديث" وقد مر تأويله غير مرة.
[2552]
ومنه حديثه الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته" ذهب بعض أهل العلم في تأويل "خلق آدم على صورته" إلى أن الضمير راجع إلى آدم وفائدته: أن أحدًا من خلق الله لم يخلق على ما هو عليه من تمام الصورة غير آدم، فأما غيره فإنه منقلب في أطوار الخلقة من نطفة إلى علقة إلى مضغة، ثم إلى غير ذلك من تارات الحالات يصير من صغر إلى كبر، حتى يبلغ أشده.
وهذا الكلام وإن كان صحيحًا فإن التأويل عليه فاسد لوجهين أحدهما: لما صح من طرق هذا الحديث "فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن" والثاني: أن الكلام يبقى خاليا عن الفائدة؛ لأن كون آدم مخلوقاً على صورته التي كان عليها لا يقتضي الاجتناب عن الوجه في المقابلة مع الاشتراك الذي كان بين آدم وحواء في تلك الصفة، وإنما الوجه فيه: أن يكون الضمير راجعًا إلى الله - سبحانه - رجوعاً إليه في بيت: الله، وناقة الله، وما يشبه ذلك من إضافة التكريم. والمعنى: أن الله تعالى أكرم هذه الصورة بإضافتها إليه؛ لأنه أبدعها إبداعًا عجيبًا لم يشارك الإنسان فيها أحد، فهي أحسن الصورة، كما قال سبحانه {وصوركم فأحسن صوركم} ثم أكرمها [بسجود] ملائكته، فمن حق هذه الصورة أن تركم فلا يستهان بها، فإن الله أكرمها وليس لأحد أن يستخف بما أله الله لباس الكرامة، فيكره أن يقصد الوجه بالضرب؛ لأن الله خلق آدم على صورته التي أكرمها بالإضافة إلى نفسه للمعاني التي ذكرناها.
[2556]
ومنه حديث سمرة رضي الله عنه "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقد السير بين الأصبعني" القد الشق طولاً تقول: قددتُ السير وغيره أقُدّه قدا. ومنه الحديث: "كانت ضرباتُ علىّ رضي الله عنه أبكارًا، إذا اعتلت قَدَت، وإن اعترضت قطّت".