الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجيش الدمستق وبيّتهم واستنقذ الأسارى والغنيمة من أيدى الروم، وانهزم الروم أقبح هزيمة. ثم بلغ سيف الدولة أنّ مدينة الروم قد تهذم بعض سورها، وكان ذلك في الشتاء، فاغتنم سيف الدولة الفرصة فأناخ عليهم وقتل وسبى؛ لكن أصيب بعض جيشه.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الطيب أحمد ابن إبراهيم الشّيبانىّ، وأبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم «1» المدنىّ، والمتقى بالله إبراهيم بن المقتدر خلع وسمل في صفر، ثم بقى خاملا منسيّا الى سنة سبع وخمسين وثلثمائة، وأبو علىّ محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 334]
السنة الثانية عشرة من ولاية الإخشيذ على مصر، وهى سنة أربع وثلاثين وثلثمائة- فيها كانت وفاة الإخشيذ كما تقدّم ذكره. وفيها لقّب الخليفة المستكفى نفسه بإمام الحقّ وضرب ذلك على السّكّة. وفيها في المحرّم توفّى توزون التركى الأمير بهيت «2» ، وكان معه كاتبه أبو جعفر بن شيرزاد؛ فطمع «3» فى المملكة وحلّف العساكر لنفسه، وسار حتى نزل بباب حرب (أحد أبواب بغداد) ؛ فخرج إليه الديلم والجند؛ وبعث إليه المستكفى بالإقامات وبخلع بيض. ولم يكن مع ابن شيرزاد مال، فضاق
ما بيده، فشرع في مصادرات التجّار والكتّاب وسلّط الجند على العامّة، وتفرّغ لأذى الخلق؛ فهرب أعين بغداد وانقطع الجلب، فخربت وتخلخل أمرها. وفيها قدم معزّ الدولة أحمد بن بويه الى بغداد بعد أمور صدرت، وخلع عليه المستكفى ولقّبه" معزّ الدولة"، ولقّب أخاه عليّا" عماد الدولة"، وأخاه الحسن" ركن الدولة"، وضربت ألقابهم على السّكّة. ثم ظهر ابن شيرزاد واجتمع بمعزّ الدولة. ومعزّ الدولة المذكور هو أوّل من ملك من الديلم من بنى بويه، وهو أوّل من وضع السّعاة ببغداد ليجعلهم رسلا بينه وبين أخيه ركن الدولة الى الرىّ. وكان له ساعيان: فضل ومرعوش، وكان كلّ واحد [منهما «1» ] يمشى في اليوم ستة وثلاثين فرسخا، فضرى «2» بذلك شباب بغداد وانهمكوا فيه، حتى نجب منهم عدّة سعاة. وفيها خلع المستكفى من الخلافة وسمل، خلعه معزّ الدولة أحمد بن بويه الديلمىّ. وسببه أنه لمّا كان أوّل جمادى الآخرة دخل معزّ الدولة على الخليفة المستكفى فوقف والناس وقوف على مراتبهم، فتقدّم اثنان من الديلم فطلبا من الخليفة الرزق، فمدّ يده إليهما ظنّا منه أنّهما يريدان تقبيلها؛ فجذباه من السرير وطرحاه الى الأرض وجرّاه بعمامته. ثم هجم الديلم على دار الخلافة، وعلى الحرم ونهبوا وقبضوا على القهرمانة «3» وخواصّ الخليفة. ومضى معزّ الدولة الى منزله. وساقوا المستكفى ماشيا إليه، ولم يبق بدار الخلافة شىء إلّا نهب.
وخلع المستكفى وسملت عيناه. وكانت خلافته سنة وأربعة أشهر ويومين. وتوفّى بعد ذلك في سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة، وعمره ستّ وأربعون سنة. على ما يأتى ذكره في محلّه.
وهذا ثالث خليفة خلع وسمل كما بشّر به القاهر لمّا خلع المتّقى وسمل؛ فإنّه قال:
بقينا اثنين ولا بدّ لنا من ثالث. وقد تقدّم ذكر ذلك عند خلع المتّقى. ثم أحضر معزّ الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر جعفر وبايعه بالخلافة ولقّبه بالمطيع لله، وسنّه يومئذ أربع وثلاثون سنة. ثم قدّموا ابن عمّه المستكفى المذكور فسلّم عليه بالخلافة وأشهد على نفسه بالخلع؛ وذلك قبل أن يسمل. ثم صادر المطيع خواصّ المستكفى وأخذ منهم أموالا كثيرة. وقرّر له معزّ الدولة في كلّ يوم مائة دينار. وفيها عظم الغلاء ببغداد في شعبان وأكلوا الجيف والرّوث وماتوا على الطّرق، وأكلت الأكلب لحومهم، وبيع العقار بالرّغفان، ووجدت الصغار مشويّة مع المساكين، وهرب الناس إلى البصرة وواسط فمات خلق في الطّرقات. وذكر ابن الجوزىّ أنّه اشترى لمعزّ الدولة كرّ دقيق بعشرين ألف درهم. قلت: والكرّ: سبعة «1» عشر قنطارا بالدّمشقىّ، لأن الكرّ: أربعة وثلاثون كارة، والكارة: خمسون رطلا بالدمشقىّ. وفيها وقّع بين معزّ الدولة أحمد بن بويه وبين ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان التّغلبىّ؛ وجاء فنزل سامرّا؛ فخرج إليه معزّ الدولة ومعه الخليفة المطيع لله في شعبان، وابتدأت الحروب بينهم بعكبرا «2» . وكان معزّ الدولة قد تغيّر على «3» ابن شيرزاد واستخانه فى الأموال. فلما وقع القتال جاء ناصر الدولة فنزل بغداد من الجانب الشرقىّ وملكها؛ وجاء معزّ الدولة ومعه المطيع كالأسير فنزل في الجانب الغربىّ، ثم
قوى أمر معزّ الدولة حتّى ملك بغداد، ونهبت عساكره الديلم أهل بغداد، وهرب ناصر الدولة من بغداد. وفيها توفّى القائم بأمر الله نزار، وقيل: محمد وهو الأشهر، وكنيته أبو القاسم بن المهدىّ عبيد الله الذي توثّب على الأمر وادّعى أنّه علوىّ فاطمىّ. يأتى ذكر أحوالهم في تراجم من ملك مصر من ذرّيتهم كالمعزّ وغيره.
ولى القائم هذا بعد موت أبيه المهدىّ بعهد منه إليه، وسار إلى مصر مرّتين، ووقع له مع أصحاب مصر حروب وخطوب؛ تقدّم ذكر بعضها في تراجم ملوك مصر يوم ذاك. وكانت وفاة القائم هذا بالمهديّة من بلاد المغرب في شوّال. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ: وكان القائم شرّا من أبيه المهدىّ زنديقا ملعونا. ذكر القاضى عبد الجبّار أنّه أظهر سبّ الأنبياء عليهم السلام؛ وكان مناديه ينادى العنوا الغار وما حوى. وقتل خلقا من العلماء. وكان يراسل أبا طاهر القرمطىّ «1» الى البحرين وهجر، وأمره بإحراق المساجد والمصاحف. فلما كثر فجوره خرج عليه رجل يقال له مخلد بن كيداد «2» . وساق الذهبىّ أمورا نذكر بعضها في تراجم أولاده الآتى ذكرهم في أخبار ملوك مصر؛ فحينئذ نطلق هناك عنان القلم في نسبهم وكيفيّة دخولهم الى مصر وأحوالهم مبسوطا مستوعبا. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن الحسن أبو بكر المعروف بالصّنوبرىّ الضبىّ الحلبىّ الشاعر المشهور. كان إماما بارعا
فى الأدب فصيحا مفوّها. روى عنه من شعره أبو الحسن الأديب وأبو الحسن ابن جميع وغيرهما. ومن شعره:
لا النوم أدرى به ولا الأرق
…
يدرى بهذين من به رمق
إنّ دموعى من طول ما استبقت
…
كلّت فما تستطيع تستبق
ولى «1» مليك لم تبد صورته
…
مذ كان إلّا صلّت له الحدق
نويت تقبيل نار وجنته
…
وخفت ادنو منها فأحترق
وفيها توفّى علىّ بن عيسى بن داود بن الجرّاح أبو الحسن البغدادىّ الكاتب الوزير؛ وزر للمقتدر والقاهر، وحدّث عن أحمد بن شعيب النّسائىّ والحسن بن محمد الزعفرانىّ وحميد بن الرّبيع، وروى عنه ابنه عيسى والطبرانىّ وأبو طاهر الهذلىّ، وكان صدوقا ديّنا خيّرا صالحا عالما من خيار الوزراء ومن صلحاء الكبراء؛ وكان كبير البر والمعروف والصلاة والصيام ومجالسة العلماء. حكى أبو سهل بن زياد القطّان أنّه كان معه لما نفى إلى مكّة، قال: فطاف يوما [وسعى «2» ] وجاء فرمى بنفسه، وقال: أشتهى على الله شربة ماء مثلوج؛ فنشأت بعد ساعة سحابة فبرقت «3» ورعدت وجاءت بمطر يسير وبرد كثير، وجمع الغلمان منه جرارا، وكان الوزير صائما؛ فلمّا كان الإفطار جئته بأقداح مملوءة من أصناف الأشربة؛ فأقبل يسقى المجاورين، ثم شرب وحمد الله، وقال: ليتنى تمنّيت المغفرة. وقال أحمد بن كامل القاضى:
سمعت علىّ بن عيسى الوزير يقول: كسبت سبعمائة ألف دينار أخرجت منها
فى وجوه البرّ ستمائة وثمانين ألف دينار. وقال الصّولىّ: لا أعلم أنه وزر لبنى العباس وزير يشبهه في عفّته وزهده وحفظه للقرآن وعلمه بمعانيه، وكان يصوم نهاره ويقوم ليله؛ ولا أعلم أنّنى خاطبت أحدا أعرف [منه «1» ] بالشعر. ولما نكب وعزل عن الوزارة قال أبياتا منها:
ومن يك عنّى سائلا لشماتة
…
لما نابنى أو شامتا غير سائل
فقد أبرزت منّى الخطوب ابن حرّة «2»
…
صبورا على أهوال «3» تلك الزلازل
وفيها توفّى عمر بن الحسين بن عبد الله أبو القاسم الخرقىّ البغدادىّ الحنبلىّ صاحب «المختصر» فى الفقه. وقد مرّ ذكر أبيه في محلّه. قال أبو يعلى بن الفرّاء:
كانت لأبى القاسم مصنّفات كثيرة لم تظهر، لأنه خرج من بغداد لمّا ظهر بها سبّ أصحابه، وأودع كتبه في دار فاحترقت تلك الدار. وكانت وفاته بدمشق ودفن بباب الصغير «4» . وفيها توفّى أبو بكر الشّبلىّ الصوفىّ المشهور صاحب الأحوال، واسمه دلف بن جحدر، وقيل: جعفر بن يونس، وقيل: جعفر بن دلف، وقيل غير ذلك؛ أصله من الشّبليّة، وهى قرية بالعراق، ومولده بسرّمن رأى. ولى خاله إمرة الإسكندريّة، وولّى أبوه حجابة الحجّاب، وولّى هو حجابة الموفّق ولىّ العهد.
وسبب توبته أنه حضر مجلس خير النساج وتاب فيه، وصحب الجنيد ومن في عصره، وصار أحد مشايخ الوقت حالا وقالا في حال صحوه لا في حال غيبته؛ وكان فقيها مالكى المذهب، وسمع الحديث، وكان له كلام وعبارات، ومات في آخر هذه السنة
وقد نيّف على الثمانين. قيل: إنّه سأله سائل: هل يتحقّق العارف بما يبدوله؟
فقال: كيف يتحقّق بما لا يثبت! وكيف يطمئن الى ما يظهر! وكيف يأنس بما لا يخفى! فهو الظاهر الباطن؛ ثم أنشأ:
فمن كان في طول الهوى ذاق سلوة
…
فإنّى من ليلى بها غير واثق
وأكثر شىء نلته من وصالها
…
أمانىّ لم تصدق كلمحة بارق
وله:
تغنّى العود فاشتقنا
…
الى الأحباب إذ غنّى
وكنّا حيثما كانوا
…
وكانوا حيثما كنّا
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الفضل أحمد ابن عبد الله بن نصر بن هلال السّلمىّ، وأبو بكر الصّنوبرىّ الحلبىّ أحمد بن محمد، والحسين بن يحيى بن عبّاس القطّان، والمستكفى بالله عبد الله بن المكتفى خلع في جمادى الآخرة وسمل وسجن ثم مات بعد أربعة أعوام، وعلىّ بن إسحاق المادرانىّ «1» ، وأبو الحسن علىّ بن عيسى بن داود بن الجرّاح الوزير، وأبو القاسم عمر بن الحسين الخرقىّ الحنبلىّ صاحب «المختصر» ، وأبو علىّ محمد بن سعيد القشيرىّ الحرّانىّ الحافظ، والإخشيذ محمد بن طغج التركىّ في ذى الحجة بدمشق عن ستّ وستين سنة، والقائم بأمر الله نزار، ويقال: محمد بن المهدىّ عبيد الله، مات بالمهديّة في شوّال، وأبو بكر الشّبلىّ شيخ الصوفيّة.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعشر أصابع.
مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وستّ أصابع.