الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى إسحاق بن إسماعيل الرّملى «1» بأصبهان، وبشر بن موسى الأسدىّ، وجعفر بن محمد بن سوّار الحافظ، وأبو القاسم عثمان بن سعيد بن بشّار «2» الأنماطىّ شيخ ابن سريج «3» ، ومعاذ بن المثنّى العنبرىّ، وخلق سواهم.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع سواء، مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع أصابع.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 289]
السنة السادسة من ولاية هارون على مصر، وهى سنة تسع وثمانين ومائتين- فيها فاض البحر على الساحل فأخرب البلاد والحصون [التى عليه «4» ] . وفيها في [شهر] ربيع الآخر اعتلّ الخليفة المعتضد بالله علّة صعبة وهى العلة التى مات بها؛ فقال عبد الله بن المعتزّ في ذلك:
طار قلبى بجناح الوجيب «5»
…
جزعا من حادثات الخطوب
وحذارا أن يشاك بسوء
…
أسد الملك وسيف الحروب
ثم انتكس ومات في الشهر، وتحلّف بعده ولده المكتفى بالله أبو محمد علىّ.
وليس في الخلفاء من اسمه على غير علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه وهذا. وفيها فى شهر رجب زلزلت بغداد زلزلة عظيمة دامت أيّاما. وفيها هبّت ريح عظيمة بالبصرة قلعت عامّة نخلها ولم يسمع بمثل ذلك. وفيها انتشرت «1» القرامطة بسواد الكوفة، وكان رئيسهم يقال له ابن أبى الفوارس، فظفر به عسكر المعتضد- أعنى قبل موت المعتضد- فحمل هو وجماعة معه الى بغداد فعذّبوا بأنواع العذاب ثم صلوا وأحرقوا؛ وأمّا كبيرهم ابن أبى الفوارس المذكور فقلعت أضراسه ثم شدّ «2» فى إحدى يديه بكرة وفي الأخرى صخرة، ورفعت البكرة ثم لم يزل على حاله الى وقت «3» الظّهر؛ ثم قطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه. وفيها حجّ بالناس الفضل بن عبد الملك ابن عبد الله العباسىّ. وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو العباس أحمد ابن الأمير ولىّ العهد أبى أحمد طلحة الموفّق ابن الخليفة المتوكّل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدىّ محمد ابن الخليفة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ، ومولده في سنة اثنتين وأربعين ومائتين في ذى القعدة في أيام جدّه المتوكّل؛ واستخلف بعده عمّه المعتمد أحمد في شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين. قال ابراهيم [بن «4» محمد] بن عرفة: وتوفّى المعتضد في يوم الاثنين لثمان بقين من [شهر] ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين ودفن في حجرة «5» الرخام وصلّى عليه
يوسف بن يعقوب القاضى، وكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر ونصفا.
قلت: وبويع بالخلافة بعده ولده علىّ بعهد منه، ولقّب بالمكتفى. وكان المعتضد شجاعا مهيبا أسمر نحيفا معتدل الخلق ظاهر الجبروت وافر العقل شديد الوطأة، من أفراد خلفاء «1» بنى العباس وشجعانهم، كان يتقدّم على الأسد وحده.
وقال المسعودىّ: كان «2» المعتضد قليل الرحمة، قيل: إنه كان إذا غضب على قائد أمر أن تحفر له حفيرة ويلقى فيها وتطمّ عليه، قال: شكّوا في موت المعتضد فتقدّم الطبيب فجسّ نبضه «3» ففتح عبنه ورفس الطبيب برجله فدحاه أذرعا فمات الطبيب، ثم مات المعتضد أيضا من ساعته. هكذا نقل المسعودىّ. ورثاه الأمير عبد الله بن المعتزّ العبّاسىّ فقال:
يا ساكن «4» القبر في غبراء مظلمة
…
بالطاهريّة «5» مقصى الدار منفردا
أين الجيوش التى قد كنت تسحبها
…
أين الكنوز التى لم تحصها «6» عددا
أين السرير الذي قد كنت تملؤه
…
مهابة من رأته عينه ارتعدا
أين الأعادى الألى ذلّلت مصعبهم
…
أين الليوث التى صيّرتها بعدا «1»
أين الجياد التى حجّتها بدم
…
وكنّ يحملن منك الضّيغم الأسدا
أين الرماح التى غذّيتها مهجا
…
مذمت ما وردت قلبا ولا كبدا
أين الجنان التى تجرى جداولها
…
وتستجيب اليها الطائر الغردا
أين الوصائف كالغزلان رائحة
…
يسحبن من حلل موشيّة جددا
أين الملاهى وأين الراح تحسبها
…
ياقوتة كسيت من فضّة زردا
أين الوثوب إلى الأعداء مبتغيا
…
صلاح ملك بنى العبّاس إذ فسدا
ما زلت تقسر منهم كلّ قسورة
…
وتخيط «2» العالى الجبّار معتمدا
ثم انقضيت فلا عين ولا أثر
…
حتى كأنك يوما لم تكن أحدا
وفيها خرج يحيى بن زكرويه بن مهرويه داعية قرمط وجمع جموعا كثيرة من الأعراب، وكانت بينه وبين طغج بن جفّ تائب هارون بن خمارويه على الشام وقعات عديدة، تقدّم ذكر ذلك كله في أوّل ترجمة هارون المذكور. وفيها صلّى المكتفى بالناس يوم عيد النحر وكان بين يديه ألوية الملوك، وترجّل الملوك والأمراء بين يديه ما خلا وزيره القاسم بن عبيد الله فإنه ركب وسايره دون الناس؛ ولم ير قبل ذلك خليفة يسايره وزير غيره.
قلت: وهذا أوّل وهن وقع في حقّ الخلفاء. وأنا أقول: إنّ المعتضد هو آخر خليفة عقد ناموس الخلافة، ثم من بعده أخذ أمر الخلفاء في إدبار إلى يومنا هذا. وفيها
توفّى بدر «1» المعتضدىّ، كان يخدم المعتضد والموفّق وأباه المتوكّل، وأصله من غلمان المتوكّل فرفعته السعادة. قال يحيى بن علىّ النّديم: كنت واقفا على رأس المعتضد وهو مقطّب فدخل بدر فأسفر وجهه لمّا رآه وضحك، ثم قال لى: يا يحيى، من القائل:
فى وجهه شافع يمحو إساءته
…
من القلوب وجيه حيثما شفعا
فقلت: الحكم «2» بن قنبر المازنىّ؛ فقال: أنشدنى تمامه، فأنشدته:
ويلى على من أطار النوم فامتنعا»
…
وزاد قلبى على أوجاعه وجعا
كأنما الشمس من أعطافه لمعت
…
حسنا أو البدر من أزراره طلعا «4»
مستقبل بالذى يهوى وإن كثرت
…
منه الذنوب ومعذور بما صنعا
فى وجهه شافع يمحو إساءته
…
من القلوب وجيه حيثما شفعا
وكان بدر هذا شجاعا ممدّحا جوادا.